الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(5) تأريض الإسلام

زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)

2006 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا تأريض الدين وليس نقد الدين؟
إن نقد الدين الإسلامي أو غيره كما أرى لايمكن أن يتم وان يحقق الغاية المطلوبة منه، إلا إذا تم تأريض الدين أولاً، لأن أي نقد ديني ممتنع عن التفعيل طالما لم يجرد الدين من ثوبه المقدس. إذ من غير المنطقي ومن غير المعقول إعتبار أن القرآن نص سماوي مقدس أو وحي من السماء نزل على محمد وبنفس الوقت نقده أو الطعن في بعض مادته، فبمجرد الإعتراف بإلوهية النص القرآني يجعل من أي نقد له بعد ذلك عبثاً وضياعاً للوقت والجهد،وكأنه كتابة على الماء، لأن النص الإلهي يفرض على العقل بداهة بأنه غير قابل للطعن أو النقد، ولا يفيد النفي الجزئي بشيء لشيء إذا سبقة التصديق الكلي لهذا الشيء.

ويجد المتابع لأغلب المفكرين والمثقفين المسلمين ممن تجرؤوا على نقد الدين أو إبداء بعض الملاحظات عليه، أنهم يقرون بألوهية النص القرآني وقد يشددون في ذلك أحياناً،ثم يبدون نقدهم أو ملاحظاتهم تجاهه، مما ينفي عن دراساتهم صفة المصداقية لوقوعهم في أول الطريق في مأزق التوفيق بين الإقرار بألوهية القرآن وقابليته للنقد والتغيير في آن واحد. أذ لابد إذا أردنا أن ننتقد القرآن وأن يكون لنقدنا محلاً من الإعراب ،أن ننفي عنه صفة الألوهية أولاً. أي يجب أولاً تأريض النص القرآني ، وبذلك تزال صفة القطعية في الصحة والثبوت عنه وتنتفي ويصبح نصاً كغيره من النصوص قابلاً للنقد الفعّال والمؤثر وبالتالي قابلاً للتعديل والتغيير والتطوير لمواءمة متطلبات ومستجدات الحياة المتغيرة وخلق إنسجام يدفع بالإنسان والحياة قدماً إلى الأمام للحاق بالحضارة المعاصرة.
وإلى الآن ليس ثمة تيار إسلامي منفتح واضح المعالم ، ومع تعدد التيارات الإسلامية المنفتحة والمتفاعلة مع الثقافات الأخرى والمؤمنة بمبادئها وقيمها ، إلا أنها ماتزال أسيرة اللبوس المقدس للنص القرآني ، مع أنها تجاهر بقوة بآراء تنتهك ألوهية النص لكنها لاتنفي صفة الألوهية ، بالرغم من أن بعضهم يصرحون بشكل أو بآخر ببشرية البيان القرآني لكنهم لاينفون بشكل قاطع علاقة النص بالسماء ، ومع أن هناك تيار إسلامي يراهن على التغيير بتجديد الخطاب الديني وذلك بإعادة تأويل النص الديني بما يتناسب وينسجم مع المستجدات والمتطلبات العصرية، وبدرجات متفاوتة، وقد يبلغ بعضهم من التأويل مبلغاً لدرجة يناقض بها صريح النص القرآني، لكنه مع ذلك متمسك بألوهية النص أو الوحي المحمدي، في خطوة تبدو واضحة أنها تقليد لبعض رؤى الصوفيين والفلاسفة الذين لم ينكروا الوحي الذي كان ينزل به جبريل على قلب محمد ولكنهم بنفس الوقت عارضوا هذا الوحي بأفكار وآراء قالوا عنها إنها وحي مباشرمن الله إليهم، وقد نعذر هؤلاء الصوفية في اللجوء إلى هذا الأسلوب لمعارضة الوحي المحمدي لأسباب مختلفة ، منها، محدوية المعرفة والإنغلاق على الذات والإنبهار بالوحي المحمدي والتأثر بالثقافة السائدة ، أما أن نرى مفكري اليوم يقلدون هؤلاء الصوفية وقد يتخذونهم قدوة، فهذا ما لايمكن أن يصدق، بل أعتبر إن العودة الفكرية ألف سنة أو أكثر إلى الماضي فاجعة فكرية أسلامية كبرى. مثلهم هنا مثل الأصوليين الإسلاميين الذين يتوقون إلى عصر الخلافة الإسلامية الأولى ومع ذلك يمكن أن نستوعب ذلك حين نعرف أن الثقافة الإسلامية قد سدت أمام العقل تلك الأفاق الواسعة والممتدة من التفكير والمعرفة والحضارة وعزلته عنها، وأن محاولات هؤلاء المفكرين ما هي إلا خطوة إلى الخلف من أجل خطوتين إلى الأمام. أما إذا لم تكن هذه المحاولات من أجل ذلك فتلك هي الطامة الكبرى، وهذا ماارجحه أكثر عند المفكرين المسلمين، ولاأعتقد أنهم سيحققون أكثر مما حققه البسطامي والحلاج وابن عربي والسهروردي. فعدم المقدرة والتجرؤ على إنتزاع الفتيل من الصاعق الديني يظل الخوف ملازم للعقل، وبالتالي لايمكن أن نتوقع إبداعاً فكرياً أو علمياً أو غيره من عقل مشبع بالخوف، يعتقد بين الحين والحين بإصابته بالصعق الديني بمجرد تجاوز الحدود المرسومة والموضوعة له،وبالتالي فإن إي إبداع أو خلق ينتج من مثل هذا العقل يكون هشاً يتفتت بسهولة أمام صلابة النص القرآني قبل إصطدامه به أوبالأصولية الإسلامية ، لأن أي تجديد للخطاب الديني وإعادة تأويل للقرآن لايمكن أن يصبح حقيقة طالما ظل الإعتقاد بألوهية هذا النص الديني التاريخي قائماً ، لأن هذا النص ينص وبصراحة لايمكن تأويلها أن أي تبديل أو تغيير فيه ممتنع عن التحقيق ،فلا تبديل لسنة الله . وأن أي تأويل لآياته أونصوصه لايسمح له بتجاوز الحدود التي خطها النص القرآني.

هنا يأتي التأريض الديني ليبيّن بكل وضوح وبشكل مباشر أنّ البيان القرآني أوهذه النصوص التاريخية المقدسة ليست لها صلة بالسماء،لامن بعيد ولامن قريب، وإنما هي نصوص إنسانية محضة إنبثقت في فترة تاريخية معينة نتيجة إرهاصات إجتماعية وسياسية وإقتصادية وبيئية متنوعة. وبذلك يزيل التأريض الديني كافة الموانع والعوائق الدينية أمام العقل ليفتح له الآفاق اللامحدوة والممتدة إلى اللانهائية ولتتيح له إمكانية القيام بعملية الإبداع والخلق في كل مجالات الحياة من فكر وفلسفة وفن وأدب وعلوم وغيرها. فالتأريض الديني هو محاولة لإزالة المقدس من النص الديني وقطع الحبل السري المزعوم بينه وبين السماء وبالتالي تبديد أوهام الخوف المغلفة للعقل المسلم ليفكر بحرية تامة بعد تخطي كل الحواجز التي أحيط به. فالمسلم الذي بيده القرآن مثله كمثل من في كفه قنبلة، غير قادر على التفكير بشيئ سوى كيف وأين ومتى يرمى بهذه القتبلة، فعملية التأريض الديني تهدف إلى نزع الفتيل من هذه القنبلة التي في كف الإنسان المسلم، ليمكن له من أن يلتقط أنفاسه ويفكر ويتصرف بطريقة صحية وصحيحية كسائر الناس من خلق الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا