الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصباح التنوير و ظلام الدين ج١

مهند صباح
كاتب

(Mohanad Sabah)

2021 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما اتعس تلك الشعوب التي تعيش كالوطواط خائفة من الضوء، والتي لا زالت تتأرجح بمجاديف الدين في بحر شاسع من التفاهة والبلاهة اللا متناهية، حتى باتت تائهة في بحر الدماء والوحشية وأمسى قارب حاضرها يبتعد عن شواطئ مستقبلها رافضًا أن يُرسّي على ميناء العقلانية متوجهًا صوب الماضويّة، والغرابة أن جميع من على ظهر سفينة الدين لم تخيفهُم أمواج البحر العاتية بقدر ما يرتعشون خوفًا من ضوء الشمس المشرقة، ينظرون باستهجان تام لكل شيءٍ مختلف يطفو على سطح البحر، ١٤٠٠ عامًا من التجديف والتكفير ورفض الآخر المختلف ولا يزالون تائهون في بحر الإيمان ونائمون تحت سماء الإله وغيوم الأنبياء المتطرفة، وكأنها أشبه بمعركة محتدمة بين أمواج الظلام وضوء النهار، ولا زالت تلك الأقوام والشعوب عائمة على بحر التطرف والتشدد تتكأ على الأوهام وتعول أمورها على الخرافة، لا يبرز منها إلا نفاق وَرعبًا وعنف يطفو بشكلاً واضح فوق سطح العالم يهدد كل بحور العالم وكل محيطاتها، أن هذهِ الأفكار الأيديولوجية والتي تتبناها تلك المجتمعات هي نظامًا أساسيًا في تلك الشعوب المقولبة فكريًا والمشلولة عقليًا حيث ينتابها شعورًا بالقلق أنها خائفة من السقوط لكنها فعليًا هي سقطت وانتهى أمرها لكنها لتشعر نفسها أنها لم تسقط بعد فهي بحاجة إلى أن تشعر بالقلق المزيف، أيها الأمة القلقة هنالك ما هو أسوأ من السقوط، ألا وهو سقوط إنسانيتكم وهذا هو السقوط الأسوأ على الإطلاق.

أن إيمانكم المتخم بالأدبيات والذي يكتظ بالموروثات السقيمة لهُ تأثيرات خطيرة على الفرد في المجتمع، وبسبب هذهِ التأثيرات الإيمانية المعلبة والتي ينجم عنها هجرة العقول المفكرة من المجتمع هربًا من البطش الإيماني، ولكي يسد فراغ العقول تتكاثر وَتنمو فيه الأغبياء والحمقى والمهرجين ويتحول المجتمع إلى وكر للتخلف وعش متين لطيور الظلام، لذلك؛ لا شيء يحدث من فراغ، فالإنسان الطبيعي في مجتمع متدين هو يقاوم فيروس شرس بطبيعة الحال، أما الإنسان المؤمن هو لم يكن مؤمن وإنما أصبح مؤمن بعد أن أصيب بفيروس الإيمان وبالتالي فهو يعيش في ظروف وبيئة ملوثة تمامًا وهو لا يقاوم لأنه لا يمتلك أي مناعة فكرية لذلك أن المؤمن يعتقد أن المجتمع المتدين هو مكانًا مناسبًا لهُ، لذلك أن المجتمعات المتدينة لا تميل إلى التنوير والضوء بقدر ما تميل إلى الظلام وَكما ذكرت سلفًا أنهُ كل ظلامًا دينيًا يصنع مجتمع ملوث فكريًا ومعرفيًا، ونتيجة هذا الظلام تتكاثر في هذا النوع من المجتمعات البكتيريا الضارة بشكلاً كبير مثلاً بكتيريا الحلال والحرام، بكتيريا الإيمان والكفر، بكتيريا المرأة، بكتيريا الحرية، بكتيريا الإختلاف، بكتيريا الخوف، بكتيريا المؤامرات، بكتيريا التقديس، بكتيريا العبودية.

العقل هو مصباح الإنسان الذي يضيء له كل أشكال الحياة، فهو مصدر رئيسي للطاقة الفكرية والمعرفية، هذا الضوء يسبب إزعاج شديد للمجتمعات التي تمكث في الظلام حيث يرسل لهم رسائل عديدة رسالة الشك، رسالة التفكير، رسالة الحرية، رسالة العقلنة، رسالة الحقيقة الغائبة، بل إن هذا الضوء شارك بصورة مباشرة في توهج مصابيح أخرى كانت منطفئة من قبل، وَكلما ازداد توهج المصابيح وانتشارها في المجتمع، ازداد الرافضون لاستعمال العقل في استهلاك قدرًا أكبر من الخرافات كردة فعل على سطوع ضوء العقل، وازداد تدخلهم لكي يمنعوا انتشار ذلك الضوء.. منذ سنين وهُم يقارعون العقول وَلو كان الأمر متاحٍ لهم لقاموا بحجب ضوء الشمس والقمر، أن انبعاثات العقل حكمة بينما انبعاثات الدين تطرف، لذلك أن ضوء العقل في حقب سابقة كان بزوغهُ وسطوعهُ أمرًا خطيرًا يتهم حاملهُ بالكفر والزندقة، أما الأن لا زال العقل يتهم بذات التهمة لكنهُ أصبح يؤثر على مجتمعات سكانية ويؤثر على أنظمة دول عديدة ويدفعها للتحرر والشك.

ونرى هذهِ الأمور واضحة عندما يبدأ المجتمع بالاستجابة إلى ضوء العقل ويتوهج ثقافيًا ومعرفيًا، يستأسد حينها حماة الدين ويطلقون تحذيرات بشكلاً قاطع حيث تمتلئ المنابر وتبدأ اللحى الكثة بالصراخ والعويل لإبقاء المجتمع تحت سيطرتهم، وغالبًا ما يستهدف رجال الدين بسطاء القوم لأنهم أسرع استجابة إلى التحذيرات التي يطلقونها مسبقًا، لذلك ترى المؤسسات الدينية تقضي وقت أكبر في دعم الخرافة ونشر الإرهاب الفكري في أوساط المجتمعات، لأنهم يعتبرون أنفسهم هُم من يقودون المجتمع وبذلك يعتبرون العقول المتحررة تشكل تهديدًا مباشرٍ عليهم، فالفكر الديني بصورة عامة هو فكرًا متقلبًا وملوثًا ولا يحتوي أي علمًا أو معرفة، بل أنني أرى أن غالبية المؤمنين يشتكون إلى السماء بلا هوادة يناجون الغيوم والأمطار وغالبًا ما يناجون الأوهام، يراقبون السماء خوفًا من التنوير يزعجهم ضوء النجوم والمجرات، وَ لكي نعزز إضاءة التنوير يجب أن نشجع الناس على استخدامهُ وممارستهُ تحت سماء العقل التنويرية وليس تحت سماء الإله المظلمة، فلا يوجد تحت سماء الإله علماء ولا عباقرة وإنما ستجد متألهون استبداديون وأنبياء دكتاتوريون يقتلون الناس بشغف ومن دون رحمة ليقنعوهم بوجود كائن يسكن في السماء، فكلما ازداد المجتمع تشددًا دينيًا يقل فيه توهج العقل وجميع الأنشطة الثقافية، ناهيك عن انحسار كل أضواء الوعي وانكسار سطوع المعرفة، فتلك المجتمعات البائسة لا تفرط في الانتباه إلى عقولها بقدر ما تنتبه إلى ما يملي عليها دينها وموروثاتها، ولذلك تجدهم لا يكترثون لعواقب الدين الوخيمة عليهم لأنهم لا يرونها عواقب من الأساس بقدر ما يرونها امتحان من الإله تحت عنوان المؤمن مبتلى.

فقهاء الدين بين الفينة والأخرى يدربون المجتمع والقطيع على عدم التغير ورفض أي تغيير يشكل تهديدًا على إيمانهم الهش، وَ أُلاحظ دائمًا أن مستويات الجهل والتخلف كلما ارتفعت، تحولت إلى سلوك حياة رئيسي في تلك المجتمعات، الرافضة للتنوير وَالمتقبلة للظلام، والأسوأ أن رفض التفكير والتغيير بات أمراً شائعٍ ومألوف عندهم ولا يرون فيه مشكلة، ولهذا أنني أرى أن الأوطان التي تبنت الدين والتدين غالبًا ما يكون لديها صنفان مختلفان من المؤمنين، وَيمارسون إيمانهم وتصرفاتهم بشكلاً مختلف تمامًا ولا يتشابهون في أداء الطقوس الدينية، فالمؤمن في المناطق الحضرية يختلف تمامًا عن المؤمن في المناطق الريفية، حيث أن المؤمن في المناطق الريفية يكون أكثر اهتمامًا وشغفًا وإثارة في أداء الطقوس الدينية، على عكس المؤمن في المناطق الحضرية حيث أن المؤمن الحضري يؤدي الطقوس أيضًا، ولكن لا يؤديها بنفس الشغف والإثارة التي يمارسها المؤمن الريفي، بل البعض من المؤمنون الريفيون تستميلهم الدهشة إزاء تأثير الممارسات الدينية وتأخذهم إلى مدى بعيد جدًا عن العقلانية.

التلوث الفكري الذي يعصف بالمجتمعات العربية، هو تهديدًا مباشر لكل تنوع ثقافي ومعرفي، حيث أن أجندة الدين في طبيعتها لا تحتوي على أي علم جديد ولا أي تخصصات ثقافية ولذلك، تكون النخبة الثقافية في هذا النوع من المجتمعات أمام مواجهة حتمية مع ممارسات الدين وقد تكون نتائج هذهِ المواجهة غير متوقعة، وذلك بسبب أن التلوث الفكري وضوضاء التدين تكون ذات أولوية عالية في مجتمع ملوث عقليًا، وهذا التلوث العقلي بمثابة عبء ثقيل أمام العلم والثقافة وكل المؤسسات المعرفية على حدٍ سواءً، فالظلام لا ينتج أي ثقافة بقدر ما ينتج أُناس ظلاميون في حين أن معظم الأديان تعيش في الظلام، وَ من واجبنا الأخلاقي هو انتشال الإنسان من آبار الدين المظلمة، والإنسان المثقف لهُ القدرة على إلقاء ضوء العقل على تلك العوالم المظلمة، أن رغبتنا في تحرير عقل الإنسان من سجن الدين هو ما جعلنا على ما نحن عليه الآن، منذ زمن بعيد وكهنة الدين يحاولون باستمرار تحطيم مصابيح العقول ومصابيح المعرفة ومصابيح التنوير بصورة عامة، ليبقى وعاظون الدين يجترون أقاويل الغابرين ويسردونها على الناس، قصصًا مليئة بالظلام والوحشية والقسوة المفرطة فالظلام شرٍ وقهرٍ وَالضوء نجيب فاضل، قد يميل البشر إلى عدم الاعتقاد بأن الدين ليس لهُ عواقب سلبية، لكن في الحقيقة لهُ عواقب وخيمة ومدمرة وليست سلبية وحسب.

المجتمعات المغلقة تكره توهج مصابيح العقول لأنها ستكشف حجم الجهل والتخلف الذي يمر به المجتمع، بالثقافة نستطيع أن نصنع مجتمعٍ مثقف، فالثقافة عندي هي أشبه بأعمدة الإنارة التي تثبت في الشوارع العامة والرئيسية، وَهذهِ الأعمدة الثقافية لن تتوهج إلا من خلال مصابيح العقول، فما فائدة عامود الثقافة أن لم تكن تمتلك عقلاً يتوهج، فإن توهج العقل توهج العامود، وأن توهج العامود سيضيء الشارع، وأن ازدادت الأعمدة ازداد الضوء في الشارع وتقلصت العتمة، وكلما ازداد الضوء والتنوير في المجتمع فضح أمر الظلام كما يفضح القمر النجوم، أن ضوء العقل يمنع انتشار ظلام الدين بل إن للضوء خطابًا يستجيب لهُ العقلاء وعامة الناس فقط حين ينصتون لهُ.

ينتابني شعورًا فريدًا في أن أطرح سؤالاً قد يكون غريبًا نوع ما، أيهما أفضل وَأولى بالبقاء على كرة الأرض الحشرات أم الدين؟ في رأيي أن الحشرات أفضل فائدة وأعظم من أديان الآلهة برمتها، فالخنافس والعناكب والحشرات المائية أفضل بكثير من الأديان الإبراهيمية وأعظم فائدة منها، فهذهِ الحشرات لا تشن غزوات على الشعوب لسبي النساء واغتصابهُن، ولا تقطع الرؤوس لتتقرب بها إلى الله، وليس لديها دار الحرب ودار الإسلام، ولا تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل أن اختفاء الحشرات عن البسيطة يسبب اضطراب في الكرة الأرضية تنتج عنهُ كوارث مدمرة، ولكن لو انقرضت الأديان ستعيش الكرة الأرضية بخير وسلام ولن يحدث للأرض أيّ اضطراب عندما تختفي منها الأديان وتزول لأن الأرض لا تنتمي إلى الأديان وإنما الأديان هي من تنتمي إلى الأرض، فالأديان ليست لها كوكب ولا خريطة ولا موقع جغرافي. ناهيك أن الحشرات تتطور دائمًا حسب موطنها التي تقيم فيه قد يكون قرب جدول ماء، أو في بركة ماء، أو في بيئة مأهولة بالسكان، عكس الأديان فهي ثابتة لا تتغير ولا تتطور، بل أن الحشرات تفتتن بالضوء وتنجذب إليه عكس الأديان فهي تبتعد عن الضوء، ومثال على ذلك؛ أن العديد من الدول المتقدمة تستخدم الإضاءة الخارجية والأضواء الصديقة للحشرات لتمنع انتشارها داخل المدن، وهذهِ الإضاءة بهدف المنع فقط وليس التخلص منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انطباع
على سالم ( 2021 / 5 / 8 - 04:32 )
الشكر الجذيل لمقال عميق وهادف وجرئ , قلما نجد اشخاص صادقين صريحين مع انفسهم ولديهم الشجاعه والجرأه فى الاقتراب من عش الدبابير

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب