الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم الابتدائي ومناهجه في العراق منذ احتلال بغداد 1917م حتى استلام همفري بومان إدارة التعليم 1918 م

كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)

2021 / 5 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


احتلت القوات البريطانية بغداد في 11/3/1917م، وشرعت بالانتقال من السلطة العسكرية الى الإدارة المدنية، وقامت بتنظيم بغداد والجنوب إداريا، وأول عمل قامت به، هو الغاء الفوارق بين ولايتي بغداد والبصرة " فأصبحتا وحدة إدارية واحدة تدار دفتها في بغداد " .
وقسمت إدارة الولايتين على النحو الآتي :
1 ـــ تضم ولاية البصرة : البصرة والزبير وابي الخصيب والقرنة وقلعة صالح والعمارة وعلي الغربي والحي والكوت وبدرة والبغيلة ( النعمانية حاليا ) والعزيزية والناصرية وسوق الشيوخ وقلعة سكر والشطرة .
2 ــــ وتضم ولاية بغداد : بغداد وسامراء والكاظمية وبعقوبة وخانقين والحلة وكربلاء والشامية والرمادي والسماوة والرميثة والشنافية والديوانية والنجف والكوفة والهندية والمسيب ومندلي ودلي عباس وشهربان ودلتاوه .
وجريا على ما اتخذ في البصرة اصبح التعليم تابعا لمجلس الواردات، وتولى المستر سي سي كاربيت C .c . Garbett نظام الورادات في ولاية بغداد، واصبح مساعده بولارد مسؤولا عن التعليم.
وتقارن المس بيل بين الجهاز التعليمي التركي في ولايتي البصرة وبغداد، إذ تشير الى انه في بغداد كان " اكثر شمولا مما كان عليه في البصرة، فقد كان يشتمل على مدرسة للحقوق ومدرسة ثانوية ( السلطاني ) ودار للمعلمين ومدرسة صناعية واحدى وسبعين مدرسة ابتدائية ... ولم يعد لمدرسة الحقوق ومكتب السلطاني ومدرسة الصناعة وجود كمؤسسات تعليمية، لان معظم مدرسيها تقريبا كانوا من الاتراك فتركوا البلاد .... وبالنسبة لمدرسة الصناعة فقد نسف الاتراك جميع عددها ومكائنها واحرقوا بنايتها ".
وقد عانت هذه المدارس من قيام بعض الاهلين بنهب جميع ما في المدارس الابتدائية من اثاث وتجهيزات وتشير المس بيل الى أن بعض الأهالي " خلعوا الأبواب والشبابيك وكل ما امكن حمله ".
وفي ضوء هذا اصبح فتح هذه المدارس اكثر صعوبة وتعقيدا، هذا إذا اضفنا الى ذلك انه لم يكن هناك كتب متوافرة ،وعلى فرض توافرها فإنها كلها كانت بالتركية . وتعترف المس بيل بانه كان من الممكن " أن تسبب لنا هذه المشاكل ازعاجا اقل لوكان بوسعنا أن نتبع الخطة المتخذة في البصرة، وحي خطة عدم فتح أي مدرسة قبل الحصول على معلمين مقتدرين " .
ويبدو أن هناك توافقا في الرأي بين اداريي الاحتلال البريطاني والاداريين العرب والعراقيين بوجوب إيجاد حلول لندرة قلة اعداد المعلمين المؤهلين وعدم وجود البنايات الملائمة للتدريس، كي يتسنى فتح مدارس ابتدائية، وهذا ما أكده الفلسطيني حسني عبد الهادي وكذلك اكده كاربيت C .c . Garbett فيما ينقله عبد الرزاق الهلالي بقوله " ان بيتنا متجهة لفتح المدارس الابتدائية، ولكن الذي يقف حائلا دون الإسراع في تحقيقها هو عدم وجود معلمين مدربين لهذه المهنة .
ولذلك شرعت الإدارية البريطانية بالقيام بعملين مهمين، أولهما: تشكيل مجلس للمعارف، وثانيهما : فتح معهد يتولى اعداد معلمين مؤهلين تربويا .
مجلس المعارف :
قررت نظارة المعارف ـــ تقليدا لما كان متبعا في العهد العثماني ـــ تشكيل مجلس للمعارف، تكون مهامه استشارية، ولا دخل له في رسم الخطط، علما أن بعض تقاريره التي يرسلونها الى مجلس الواردات قد تحقق بعض الفائدة .
ويتكون مجلس المعارف من خمس شخصيات، وهم :
1ــــ علي الآلوسي .
2 ـــ محمود شكري الآلوسي .
3 ـــ جميل صدقي الزهاوي .
4 ــــ الأب انستاس الكرملي .
5 ــــ حمدي بابان .
وكان اختيار سلطات الاحتلال لهؤلاء الخمسة ـــ كما يؤكد ذلك إبراهيم خليل أحمد ـــ مبنيا على امرين، أولهما : ان هؤلاء عرفوا بتأييدهم للإنكليز المحتلين، وثانيهما : ان لهم بعض الخبرة بشؤون التعليم " وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المجلس لم يكن فاعلا بحسب ما يريده همفري بومان Humphrey E. Bowman الذي يعترف بأنه اجنبي ولا يستطيع الاضطلاع بهذه المهمة المعقدة دون الاستعانة بخبرتهم ، وحاول بومان أيضا بعث الروح فيه ،وقرر إعادة تنظيمه ،ويرى " أن هذا المجلس ليس فيه من يمثل الطائفة الشيعية، فقرر إضافة عضو سادس ... محمد جعفر جلبي أبو التمن ،وقرر بومان أن يجتمع المجلس مرتين تحت رئاسته لمناقشة سياسة المعارف والمشاكل الإدارية والاطلاع على وجهات نظرهم في الشؤون التربوية والدينية " .
دار المعلمين :
واسند المستر كاربيت إدارة دار المعلمين للسيد حسن وفقي آل قاضي الدمشقي، وهو عسكري، وقد اخذ بالتشاور مع مسؤولي التعليم كاربيت والفلسطيني حسني عبد الهادي مدير معارف بغداد، وقرر القيام بما يأتي :
1 ـــ أن تكون الدراسة في دار المعلمين على شكل دورات لا تزيد عن ثلاثة اشهر .
2 ـــ عدم إعادة تعيين أي معلم سابق الى وظيفته ما لم يتخرج من احدى هذه الدورات .
3 ـــ يمنح كل طالب يلتحق بإحدى دورات دار المعلمين مكافأة مقدراها 30 روبية، تشجيعا لهم .
4 ـــ عند تخرج الطالب في الدورة يعين معلما في المدارس الحكومية براتب شهري مقداره 75 روبية، قابل للزيادة .
بدأت الدورة الأولى في حزيران 1917م ،وهي تضم 81 طالبا وتشتمل الدورة على دروس تثقيفية عامة ودروس في طرائق التدريس ، والمواد هي :
المادة المحاضر
التاريخ العام حسني بك عبد الهادي
التاريخ الإسلامي اديب وهبة النابلسي
تاريخ أوربا نجيب الارمنازي
اللغة العربية الشيخ قاسم القيسي
الطبيعيات الحاج حمدي الاعظمي
الرياضيات قاسم العلوي
الهندسة داود السعدي
أصول التدريس داود السعدي
اللغة الإنكليزية صالح شميل

وقد نجح في هذه الدورة 29 معلما، ثم عقدت الدورة الثانية في كانون الثاني 1918، وقد ذكر عبد الرزاق الهلالي أسماء المتخرجين في الدورتين .
وبهذا افتتحت عدة مدارس في الرصافة والكرخ في 10/10/ 1917م :

مدارس الرصافة :

اسم المدرسة المدير عدد المعلمين
الحيدرية داود نيازي 7
البارودية منير القاضي 7
الفضل سلمان الشيخ داود 5
الاعظمية فائق الاعظمي 3



وفي الكرخ :

اسم المدرسة مدير المدرسة عدد المعلمين
مدرسة الكرخ طه الراوي 4
مدرسة في راس القرية عبد المجيد زيدان 4
مدرسة في باب الشيخ هاشم الآلوسي 4

وافتتحت مدرسة في بعقوبة، وكان عدد معلميها 3 .

مناهج الدراسة :
كانت نظارة المعارف زمن الاحتلال البريطاني مترددة في اختيار النظام التعليمي، وكانت الأنظمة التعليمية المعروضة على النحو الآني :
1 ـــ النظام التعليمي العثماني المعمول به منذ سنة 1869م، وهو متأثر بالنظام التعليمي الفرنسي .
2 ـــ النظام التعليمي في الهند، وكما اخذت السلطة البريطانية بالنظام الإداري الهندي، أو انها استمدت اصوله الرئيسة منه، فما المانع من الاستعانة به، غير أن لجون فان ايس رأي مفاده " ضرورة تفادي الوقوع في الأخطاء التي ارتكبتها السلطة البريطانية في حق التعليم في الهند، ويعني يبها جعل الهدف من التعليم في المدارس خلق جماعة من الطلاب المحشوة ادمغتهم بالمعلومات الناقصة، وليس لهم من هدف في الحياة إلا الحصول على الوظيفة في دوائر الحكومة " . ومن الجدير بالذكر أن كلا من هولاند وولسن قد اعدا تقريرا في 15 حزيران 1917 م مؤكدين " أن تطوير العراقيين يعتمد على نوع التعليم الذي تقدمه المدارس الرسمية، لذلك ينبغي التركيز في المناهج الدراسية على الجوانب العملية وليس على التعليم النظري وحده، وأوصى بضرورة بذل جهود خاصة لتطوير الصفوف التجارية والزراعية "
3 ـــ النظام التعليمي المصري ،وهو يشتمل على فوارق وتماثل بين البيئتين العراقية والمصرية .
4ـــ النظام التعليمي الخاص بالمدارس الطائفية ( كالمسيحية واليهودية ) أو الأجنبية، كما هو الحال في مدرسة الرجاء العالي التي اسستها الارسالية الامريكية العربية، وكان للمبشر الأمريكي جون فان ايس دور كبير في ذلك.
وقد بدأ النظام التعليمي في العراق مقلدا للنظام التعليمي الخاص بالإرسالية الامريكية العربية، كون جون فان ايس اصبح صاحب الكلمة المنهجية على إدارة التعليم في ولاية البصرة، قبل احتلال بغداد، ولكن مجيء همفري بومان عمد الى صياغة النظام التعليمي بحسب النظام المصري .
ومن الجدير بالذكر أن نظارة المعارف لن تتبع نظام المجموعات Group System الذي ارساه جون فان ايس، واستبدلته بنظام الصف Class System وعمدت الى " تقسيم الطلاب حسب الصفوف إذ لا يرقى الطالب الى صف اعلى إلا في نهاية السنة الدراسية، وفي حالة نجاحه " .
ولقد أقرت نظارة المعارف عناوين المواد الدراسية بحسب الصفوف المختلفة، وهي:
1 ـــ القرآن الكريم .
2 ـــ الدين .
3 ــــ اللغة العربية .
4 ـــ اللغة الإنكليزية .
5 ـــ الحساب .
6 ـــ الهندسة .
7 ـــ التاريخ .
8 ـــ الجغرافية .
ومن الملاحظ أن ليست هناك اية مناهج أو مفردات للمواد، كما لا تتوافر كتب منهجية يستخدمها المعلمون " وكان مديرو المدارس يجتمعون فيما بينهم لوضع مناهج تدريسية تلائم الظروف والاحوال وتوافق سوية الطلاب " .
وفي هذا السياق قدمت الإدارة البريطانية طلبا الى الحكومة المصرية " فاستجابت بتقديم هدية ثمينة من الكتب المدرسية التي تكفي لتجهيز عشرين مدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية واحدة " ويقول عبد الرزاق الهلالي ان نظارة المعارف قامت باستيراد كميات كبيرة من الكتب المدرسية المصرية بالنسبة للموضوعات العربية، في حين استوردت الكتب الخاصة باللغة الإنكليزية من الهند .

تدريس الدين :
ولقد واجهت سلطة الاحتلال البريطاني قضية تدريس الدين في المدارس الحكومية، فلقد كانت الدولة العثمانية تدرس الدين على المذهب الحنفي ،وكان موقفها سلبيا من السماح للطائفة الشيعية لدخول أبنائها الى المدارس الحكومية " فقد كان الاتراك قد اتخذوا الإجراءات اللازمة للتعليم الديني السني.... ولم تكن تعترف بلياقة غير السني للتعليم فيها " وبعد انقلاب الاتحاد والترقي شرعت جماعة من مثقفي الشيعة الى تأسيس مدرسة جعفرية، ويرى إبراهيم خليل احمد انه إضافة الى الأهداف التعليمية هناك عوامل سياسية واغراض تجارية " تتعلق بتهيئة كتاب ومحاسبين يتقنون اللغات الأجنبية وعلوم المحاسبة الحديثة " ، وانتخبت لذلك هيأة إدارية مكونة من 15 عضوا ، أما إدارة المدرسة " فقد كانت بعهدة الشيخ شكر يساعده عدد من المدرسين نذكر منهم ،علي البزركان، ومحمد افندي، والمسيو مهران، والسيد حسن " .
وعندما احتلت القوات البريطانية البصرة عام 1914م شرعت بفتح المدارس الابتدائية، وقررت " أن لا تدرس الدروس الدينية رسميا في المدارس، وان تغلق المدارس يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع لأجل أن تتهيأ الفرصة لآباء التلاميذ بان يحصلوا على التعليم الديني الذي يفضلونه " ولكن الشعور العام لم يشجع أولياء الأمور، الأمر الذي دفعهم الى ارسال أبنائهم الى الكتاتيب، ولذلك اتخذت الترتيبات اللازمة ـــ بحسب المس بيل ـــ لتخصيص ساعة واحدة في الأسبوع للتعليم الديني في المدارس الحكومية " ، وعلى ذلك طلبت سلطات الاحتلال البريطاني أن ترشح لجنة الأوقاف معلمين من الطائفة السنية بعد مصادقة السلطات البريطانية عليهم، كما طلبت من الشيعة واليهود أن يبعثوا بالمعلمين الذين يرتضون بهم لتعليم أبنائهم، بمعنى " أن يكون التدريس على المذهب الحنفي وتتولى دائرة الأوقاف دفع رواتبهم " ، ولقد قوبل الترشيح من دائرة الأوقاف ومجلس المعارف باعتراضات، لان معظم المرشحين " اما من أقارب هذين المجلسين، أو عدم أهليتهم لمثل هذه المهمة " وبذلك " عين في كل مدرسة معلم للدروس الدينية ينتمي الى الطائفة التي تتكون منها أكثرية الطلاب " .
وقد قاد ذلك الى وضع منهج دراسي تشتمل محتوياته على المواضيع " التي يتفق فيها اهل السنة والشيعة على قدر الإمكان " في المدارس التي تكون فيها أكثرية طلالها من المسلمين .وبهذا " ادخل التعليم الديني في المدارس على أن يدرس الطلاب كل حسب دينه ومذهبه، وتعيين لكل مدرسة معلم ديني من المذهب الذي ينتسب اليها أكثرية التلاميذ، أما التلاميذ الذي ينتسبون الى المذاهب التي هي اقلية في تلك المدارس فلقد استثنوا من هذا الدرس "
ولقد اكدت " مذكرة عن السياسة التعليمية " التي أشادها همفري بومان، وصادق عليها الحاكم الملكي العام، أن هناك رأيين، أولهما : يقضي بابتعاد السلطة البريطانية عن أي نوع من التعليم الديني، واعتبرت ذلك غير مناسب في بلد مسلم ،وثانيهما : وقد اتبعت الحكومة هذا الرأي الذي يؤكد " أن المنهج الذي لا يتضمن التعليم الديني إنما هو منهج ناقص، لا سيما فيما يتعلق بالعناصر الضرورية لتربية الطفل "
وتنص هذه المذكرة على حل مشكلة معلمي درس الدين فلقد تقرر أن " يعين معلم خاص لدرس الدين من قبل الحكومة لطلاب مذهب ما، إذا كانت نسبة هؤلاء الطلاب تزيد عن ( 25 % ) من مجموع طلاب المدرسة أما إذا كانت هذه النسبة أقل فان بإمكان هؤلاء الطلاب دراسة دينهم الخاص، أما في بيوتهم، وأما في المدرسة نفسها من قبل معلم خاص يتحمل اباؤهم دفع راتبه "
ويؤكد بومان " بأن أي طالب، من أي ديانة أو مذهب، غير مجبر على تلقي دروس ديانة غير ديانته، إلا انه كمبدأ عام، يجب على كل طالب أن يقضي من الوقت في دراسة دينية، بقدر الساعات المخصصة لدرس الدين في جدول توزيع الدروس ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد