الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة التاسعة

بولات جان

2006 / 8 / 6
المجتمع المدني


* الذين نهبوا منا التاريخ و المعرفة باتوا يسوقونها لنا معلباً و محوّراً. يعرضونها علينا بكل السبل و كأنهم من أوجدوها. العقلية الغربية الناكرة لجميل الشرق ترى نفسها مركز كل شيء و انطلاقة كل ما هو مفيد للإنسانية. و نحن الشرقيون نسمّر فاغري الفاه، مندهشين و مأخوذون بمدى روعة و عظمة هذه الحضارة، مع أننا نحن مبدعوها و أصحابها الحقيقيون. أوقعوننا في مصيدة رؤية كون كل شيء غربياً. فإن قالوا من ابدع الفن المسرحي، سنقول اليونان! إن قالوا من أوجد العربة، سنقول اليونان. و إن قالوا من أوجد الفلسفة، سنقول اليونان... هكذا الموسيقى و الرواية و الدين و الآلهة الأولى والملاحم... قد تكون اليونان هي انطلاقة الحضارة الغربية و لكن علينا أن لا ننسى بأن الحضارة اليونانية بحد ذاتها وليدة الشرق و طفلة حضارة سومر و فينيق و النيل...

الشيء نفسه يقال عن العصيان المدني على أنه بدعة غربية بحتة و من ثم جاءت إلى الشرق. حيث يدّعون بأن سقراط الفيلسوف هو أول من قام بها و بأن هنري ثورو أول منظريها! هكذا يعلموننا لا بل يبرمجوننا. فالعصيان المدني، أو لنقل النزاع السلمي، الصراع اللاعنيف و كل ما يمثلها من تصرفات و عمليات كالاعتصام و الاحتجاج و الاضراب و الاعتزال...الخ موجودة بكثافة في تراث الشرق الاوسط منذ بدأ التاريخ المكتوب. عندما لم يكن هناك شيء اسمه الحضارة الغربية! و نشكر الرقيمات الطينية و اللوحات المسمارية و الصحاف الجلدية على إيصالها للكثير من الامثلة إلينا. الشرق الاوسط كانت مهد حضارة الامومة و الربات الإناث. و هذه الحضارة مدموغة بالإنسانية و العطف و المحبة و حب الطبيعة و الحيوان و التسامح و الزراعة و تقديس الطبيعة و كل عناصرها. أي أن الشرق الاوسط كان الحامي الاول للبيئة و كان صديقاً للحيوان.

- فالنبي ابراهيم قام بأكبر عصيان مدني و ثورة وجدانية في التاريخ. ألم يحطّم هياكل المستبد نمرود كي يبين للناس حقيقة أنها ليست سوى هياكل حجرية لا تنفع و لا تضرّ؟ و ما تعني تركه و رحيله عن (أورـ فا)؟ ألم يكن عصياناً مدنياً ضد استعباد الانسانية و تأله الملك المستبد؟ فهل أستخدم ابراهيم العنف و السلاح ضد تأله نمرود و العبودية؟ لا! فقد قضى على العبودية سلمياً و أصبح نقطة انعطاف في الفكر و الوجدان الانساني.

وأين الآخرون من قول زرادشت(رسول النور و عاشق الطبيعة و الزراعة) :"الفكر الصالح و القول الصالح و العمل الصالح"؟

- أين هم من صبر سيدنا أيوب على البلاء الذي ألمّ ببلاده؟ أ فلم يكن صبره و جَلَده عصياناً ضد التفاوت في المجتمع الهارب نحو الطبقية؟

- أين هم من موسى وهو يجادل الطاغية فرعون كي يكون عادلاً... و بعدما يئس موسى من إصلاحه، أخرج شعبه من مصر؟ أ فليس اعتزال الشرير و هجره عصياناً سلمياً ضده؟

- و أين هم من المسيح الناصري وهو يتحمل آلامه العظيمة صبوراً لا يجادل و لا يدافع عن نفسه لا بل يحنو على جلاديه و المنادين بقتله. أ فليس حركة سيدنا عيسى و نضاله و تعاليمه و حياته كلها دروس و مبادئ عظيمة في اللين و اللاعنف و رد الظلم و العفو قائلاً(إن صفعك أحدهم فأدر له طرفك الآخر)... أ فليس هو الصراخ الأخير النابع من وجدان الإنسانية المعذبة؟ أ فليس هو الذي حمل على عاتقه آلام الإنسانية و نبذ الكره و الحقد و الضغينة و العنف و القتل... و أمر بالمحبة و بالمحبة تمكن من تغيير سير التاريخ. أ فليس هو الذي لم يمنعه محنته وآلامه على الصليب كي يدعوا(يا إلهي أعفو عنهم فهم لا يعلمون)؟

- أين هم من النبي محمد (صلعم) و هو يهجر المتكبرين من الجاهلية(الكفار حسب المصطلح الديني)؟

- أين هم من جماعة المعتزلة الذين اعتزلوا السنة و الأئمة لخلافٍ فكريٍ بينهم؟ أ فليس الاعتزال عصياناً من الاقلية ضد الاكثرية؟

- أين هم من الحلاج المنصور، القديس المتألم لصرخته(أنا الحق) و مجابهته الفلسفية لكل المتكلفسين في الدين؟ فهل خشي الموت؟ لا و الله! بل دافع عن فكره و فلسفته و ظلّت(أنا الحق)تتردد في كل أصقاع المعمورة. فأن تاب حينه و كفر عن ذنوبه و تخلى عن فلسفته و اعلن حقانية القضاة المتكلفسين لما كانوا يقتلونه. لكنه فضّل الموت شهيداً وهو يقول" هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينك، وتقرباً إليك، فاغفر لهم".

أين هم من كل ذلك؟ أ فليست هذه كلها عمليات عصيانٍ مدني؟

و قد يقول قائل بإنها تحركات فردية و مفردة و ليست لها نظام و لا نظرية و لا مبادئ! سأقول له: أن هذا لكلامٌ باطل! فصفحات آفستا و القرآن و الانجيل و احاديث النبي و سير الصحابة مليئة بالمبادئ التي ينادي بها منظروا الصراع السلمي في الغرب.

و هاكم الأمثلة:

يقول الإمام الصادق:" من زرع العداوة حصد ما بذر".

و يقول الرسول(صلعم) "اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون." و يقول أيضاً -حسب رواية الإمام الشيرازي: "من علامات المؤمن اللاعنف"

ويورد لنا الإمام زين العابدين (ع) صورة من صور المسالمة واللاعنف بقوله: (حق من أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو عنه يضر، انتصرت)

قال لقمان الحكيم ينصح ولده:"يا بنيّ صاحب مائة و لا تعاد واحداً. تعلّم محاسن الأخلاق"

و من الآيات القرآنية: ((خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)). ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ)). ((وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)). ((وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)).

و هنا قصة علي بن أبي طالب مع ابن ملجم، قاتل علي. فبعد أن يفيق عليٌ من الضربة و يحادث قاتله قليلاً يلتفت إلى ولده الحسن ويقول له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه...

فيقول له الإمام الحسن: يا أبتاه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وافجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق فيه؟

فيقول له: نعم يا بني! نحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا، بحقّي عليك أطعمه يا بني ممّا تأكله، واسقه ممّا تشرب... (و للقصة دوام)

فهذا الموقف إن دلّ على شيء، فهو النبل المتجذر في الإنسان الشرقي. و كان للتراث الشرقي تعريفهم للحلم و العفو و المغفرة و المسامحة وإلى ما هنالك. حيث يقول الإمام الشيرازي: (السلام هو الأصل، والعنف خلاف الأصل، وعلى الذين يريدون تطبيق الإسلام أن يتحلوا بملكة السلام واللاعنف). و قال أيضاً: (بل من اللاعنف أن يتجنب كل ما يشين الطرف، ولو بالكتابة والتعريض، أو التلويح، فإن ذلك كله عنف). و يعرّف الإمام اللاعنف بقوله: " هو الطريقة التي يعالج بها الإنسان الأشياء سواء كان بنّاءاً أو هدّاماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا


.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر




.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة


.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا




.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة