الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدرسة جسوس

خالد خالص

2021 / 5 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نص الكلمة التي القاها الاستاذ خالد خالص أحد قدماء تلاميذ مدرسة جسوس في حق مؤسس هذه الاخيرة الحاج أحمد بلافريج

لسيد المدير العام لمدرسة جسوس،
السادة المسؤولين الإداريين والتربويين،
سعادة السفير مدير التشريفات بوزارة الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج،
أخواتي إخواني قدماء مدرسة جسوس كل باسمه وصفته،

يقول الحديث وأنا لست بمحدث "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" ويقول الله عز وجل " لإن شكرتم لأزيدنكم". وأنا من الحامدين الشاكرين لله سبحانه وتعالى على نعمه ومن الحامدين الشاكرين للناس على فضلهم ورعايتهم. وفي مقدمة الناس الذين لا ولن أكف عن شكرهم المعلمين والأساتذة وكل من كان له الفضل في تعليمنا وتثقيفنا وتربيتنا وتأطيرنا من علماء وفلاسفة وأدباء وشعراء وفنانين وغيرهم.

وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم هنا باسمي وباسمكم جميعا بالشكر الجزيل والامتنان الكبير للسيد أنيس أحمد بلافريج على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وعلى تشجيع مثل هذه المبادرات الطيبة التي تهدف أساسا الى التواصل والتذكير بتاريخ المغرب وبرجالاته الذين ضحوا من أجل استقلاله وحريته وبالدور التي قامت وتقوم به هاته المؤسسة.

كما أتقدم بالشكر الجزيل لأعضاء اللجنة التي سهرت على تنظيم هذا اللقاء والتي شرفتني بإلقاء هذه الكلمة وأخص بالذكر هنا السيدة فطومة فرج والسيد محمد الأمين ملين والسيد نبيل الحساني الذين كانوا وراء هذه المبادرة الطيبة التي أتاحت لنا فرصة لقاء زملاء إجلاء وفرصة لزيارة هذه المدرسة المعلمة التربوية التعليمية التي كان لها الفضل الكبير في تربية وتأطير وتكوين وتعليم وتثقيف أجيال وأجيال منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

ونعلم جميعا بإن الفضل في تأسيس وتشييد مدرسة جسوس التي صارت في عداد الآثار منذ العاشر من دجنبر من سنة 2004 يرجع للحاج أحمد بلافريج رحمه الله الذي فتح أبوابها إبان الحماية الفرنسية بالمغرب سنة 1934 بحي الليمون المعروف بأشجار البرتقال والمعروف أيضا بخاصية أسماء شوارعه وأزقته التي تحمل أسماء علماء وفلاسفة وباحثين وأدباء فرنسيون كشارع باستور Pasteur ( لويس باستورعالم المكربيولوجيا ) وزنقة أراكون Aragon ( لويس أراكون شاعر وكاتب وصحفي ) وديكارت Descartes ( روني ديكارت فيلسوف ) ولافوازيي Lavoisier ( كميائي وفيلسوف ورجل اقتصاد ) فكتور هيكو Victor Hugo ( شاعر وكاتب وقصاص) وجان جوريس Jean Jaurès ( فيلسوف ورجل سياسة مختص في فن الخطابة ) وبول ديروليد Paul Dérolède ( شاعر وكاتب وقصاص ) على سبيل المثال لا الحصر.

وإذا كانت مدرسة جسوس قد فتحت أبوابها سنة 1934 فإن فكرة التأسيس قد حضرت لدى الحاج أحمد بلافريج منذ سنة 1927 أي عندما كان سنه 19 سنة ( أي قبل بلوغه سن الرشد القانوني وقتها ) حسب شهادة الأستاذ أبي بكر القادري رحمه الله نقلا عن المرحوم محمد اليزيدي. ويمكن القول بأن مجرد التعبير على رغبة تأسيس مدرسة مغربية وطنية حرة في حي الليمون الذي كان يعتبر وقتها من أجمل وأرقى أحياء مدينة الرباط والذي يحمل أسماء علماء وأدباء وشعراء وفلاسفة فرنسيين بارزين يعتبر في حد ذاته تحد لسلطات الحماية.

إلا أن الرغبة في تشييد هذه المعلمة ازدادت حدة لدى السيد أحمد بلافريج بعد صدور الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم شرعية أو ما سمي بالظهير البربري سنة 1930 والحوادث التي عرفها المغرب بعد ذلك حيث قرر الأستاذ بلافريج توظيف ما أوصى له به خاله محمد جسوس في انشاء مدرسة لتكريس الوطنية لدى الناشئة للحفاظ على الهوية المغربية مع الانفتاح على التدريس باللغة الفرنسية الى جانب اللغة العربية لمحاربة المستعمر بلغته وبثقافته وفي حي العلم والأدب والشعر.

وقد عانى الحاج أحمد بلافريج رحمه الله مع المستعمر الفرنسي الذي رفض له الترخيص آنذاك حيث اضطر للذهاب الى باريس – وهو خريج جامعة السوربون - حيث وظف معارفه للضغط على السلطات الفرنسية بالمغرب الى أن حصل على رخصة فتح المدرسة سماها باسم خاله محمد جسوس عرفانا منه لهذا الأخير. وقد وضعت عائلة العربي غنام منزلها المجاور للمدرسة رهن إشارة الأستاذ بلافريج في انتظار تشييده لمدرسة جسوس حيث انطلقت الدراسة مؤقتا في "دار غنام" في انتظار نهاية أشغال البناء. وقد كان الاقبال كبيرا من قبل أهل الرباط وغير أهل الرباط ( نظرا للقسام الداخلية ) على تسجيل أبنائهم بهذه المدرسة التي عرفت أساتذة وطنيين أجلاء، مغاربة وأجانب، يصعب علي ذكر أسمائهم جميعا.

إلا أن المطالبة بالاستقلال التي تقدمت بها الحركة الوطنية في 11 يناير 1944 والإعلان عن تأسيس حزب الاستقلال وانتخاب الأستاذ أحمد بلافريج أمينا عاما له دفعت السلطات الفرنسية الى اعتقاله يوم 29 يناير 1944 - لأنه هو من كان وراء تأسيس حزب الاستقلال وكان هو مهندس وثيقة المطالبة بالاستقلال- حيث قضى فترة في السجن قبل نفيه الى كورسيكا بعدما خرجت الجماهير الشعبية تحتج على هذا الاعتقال. ولم تكتف سلطات الاستعمار بذلك حيث قامت بالاعتداء على مدرسة جسوس واحتلالها من قبل القوات الفرنسية وتحويلها الى شبه ثكنة عسكرية لمدة معينة قبل إهمالها. وكان لابد من انتظار تعيين إريك لابون Eric Labonne مقيما عاما مدنيا جديدا في شهر يونيو من سنة 1946 ليعود الأستاذ أحمد بلافيرج من كورسيكا للمغرب ليقوم بترميمات كبيرة في المدرسة نظرا للدمار الذي تسبب لها فيه الجيش الفرنسي.

وتعد هذه المدرسة معلمة وطنية بارزة في تاريخ المغرب نظرا للدور الطلائعي الذي لعبته وتلعبه منذ افتتاحها الى يومنا هذا، ومدعاة للفخر والتباهي لكل من كان له حظ التمدرس بها بل وأنجبت هذه المنارة أدمغة ونخبا كثيرة يستحيل علي المغامرة بذكر أسماء دون أخرى ولكنني أقتصر فقط على الإشارة الى أنه يوجد من بين خريجي هذه المدرسة مستشارا للملك وحاجبا ملكيا وناطقا باسم القصر الملكي ومديرا للبلاط الملكي ومديرا للتشريفات الملكية ومديرا للكتابة الخاصة للملك ومؤرخا للمغرب ووزراء و وموظفين سامين ومدراء مؤسسات عمومية متعددة ومنها الإذاعة والتلفزة المغربية (قبل أن تصبح شركة) وسفراء وقناصل وأساتذة جامعيين وبرلمانيين وباحثين ومهندسين وأطباء وصيادلة وقضاة ومحامين وموثقين وعدول وموظفين وأدباء وفلاسفة وشعراء وصحافيين وفنانين رسامين وموسيقيين ورجال مسرح ورجال أعمال وغيرهم كثير حيث يرجع كبير الفضل لهذه المدرسة ولبانيها الحاج أحمد بلافريج في المساهمة الجادة في بناء الدولة المغربية العصرية باعتبار أن هذه المعلمة تعد مشتلا ضخما للأطر التي عرفتها وتعرفها البلاد .

ولن ننسى قبل الختم ما قاله الحسن الثاني رحمه الله سنة 1994 في حق صاحب هذه المعلمة التربوية العلمية بأنه “إذا استحَقَّ أحد أبناء هذا الشّعب التّكريم والتّنويه، فإنّ اسم الحاج أحمد بلافريج، رحمه الله وأثابه، يأتي عاليا على رأس قائمة المُكَرَّمين". إلا أن الملاحظ في المغرب هو أننا نصنع التاريخ ولا ندونه من جهة ويصنع المغرب رجالات يضحون بحياتهم وبحريتهم من أجله ولا يكرمهم غالبا وحتى وإن فعل فإن ذلك يأتي غالبا بعد وفاتهم من جهة أخرى.

والحاج أحمد بلافريج لا يستحق التكريم فحسب بل يستحق أن يكون موضوع أطاريح وبحوث من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ومن كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية ومن غيرها من المعاهد العليا تحفز بجوائز بل ويجب أن يدخل الرجل ضمن البرامج المدرسية ليعرف المغاربة أمثال هذه الشخصيات التي عليه أن يعتز ويفتخر بها.

فاللهم ارحم باني هذا الصرح التربوي العلمي وارحم جميع المعلمين والأستاذة والاطر التربوية والإدارية والتلاميذ الذين التحقوا بالرفيق الأعلى وأطل اللهم في عمر الأحياء منهم ومتعهم بالصحة والعافية وأعن الخلف على الحفاظ وتنمية ما بناه السلف وأعن كل من يعمل بهذه المدرسة ليستمر المشوار الذي رسمه رجل أحببته من خلال مساره وتضحياته ومواقفه: الحاج أحمد بلافريج.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرباط في 21 مايو 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة