الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود العقل

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2021 / 6 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


للعقل حدود لا يمكن له أن يتجاوزها فهناك مسائل خارجة عن قدرته لا يمكنه البرهنة على وجودها أو عدمها ، وقد تبدو هذه النتيجة صادمة ومثبطة عند من يرون أن لا حدود للعقل لما يمتلكه من قدرات خارقة أثبت التاريخ البشري وجودها وتطورها .
وعلى أساس الجدل المتقدم كتب عمانؤيل كانت كتابه نقد العقل المحض ليناقش الآراء المتعارضة عند العقليين والتجربيين معا ، وبما أن موضوع الخلاف يرتد إلى الميتافيزيقيا أساسا فمسائلها هي الكاشفة أولا عن قدرات العقل فقد أوضح كانت أنه لا يمكن للميتافيزيقيا – مثلا- أن تكون بمصاف الرياضيات من ناحية القوة واليقين ، لأن طبيعة كل منهما مختلفة عن الأخرى فقضايا الميتافيزيقيا لا تشبه قضايا الرياضيات لأن أحكام الرياضيات تركيبية قبلية وهي تحصيل حاصل فهي بديهية وقطعية ولا تأتي بجديد غير معروف سابقا , فلا خلاف في 2+3=5 ولا حاجة للتجربة لإثبات تلك النتيجة .
كذلك لا تشبه مسائل الميتافيزيقيا أحكام علوم الطبيعة التي تأتي بنتيجة جديدة لا يعرفها العقل إلا بعد التجربة والتي أسماها كانت الأحكام التحليلية مثل الحكم بأن ذرة هيدروجين مع ذرتي أوكسجين يولدان ذرة ماء أو إن الحديد يتمدد بالحرارة , فهذه الأحكام لا نتوصل لها ما لم نقم بتجارب لإثباتها .
إذا ليس هناك مشكلة في اثبات هذين النوعين من الأحكام لبداهتهما لكن السؤال الملح : ما السبب الذي جعل القضايا الميتافيزيقية والغيبية لا تشبه هذين النوعين هذه الأحكام ولا تتمتع بقوتهما ؟.
ولطالما تمنى كانت أن تكون قضايا الميتافيزيقيا شبيهة بتلك الأحكام ، وبعد جولة تحليلية متعبة درس من خلالها كانت عمل العقل ليتعرف على آليات اشتغاله بوصفه هو الذي يفكر في هذه المسائل وهو الذي يولدها ويحكم بصحتها أو بعدم صحتها وجد أن العقل يتمتع بقدرة على انتاج مفاهيم محددة تساعده على تفسير العالم الخارجي وادراكه وتضفي على الأشياء صورها مثل المفاهيم الرياضية والطبيعية كمفهوم الزمان والمكان والوحدة والكثرة , لكنه لا يستطيع انتاج هذه المفاهيم بدون التجربة وعليه فإن هذه المفاهيم تمثل نتاج العقل والتجربة معا ، أما قضايا الميتافيزيقيا فلا تخضع للتجربة , فهي تسمو على التجربة مثل مفاهيم : الله والنفس والروح ودليل خروجها على التجربة وعدم خضوعها لها هو عدم القدرة على نفيها أو اثباتها لأن براهين نفيها تتمتع بالقوة نفسها التي تتمتع بها براهين اثباتها فيمكن أن ننفي أي واحدة منها ونثبته بالقوة نفسها , فهي قضايا متناقضة وخلافية , ومع ذلك فإن العقل يتصورها وينتجها ولا يستطيع أن يتخلص منها لذلك يجب الإبقاء عليها وحسم الجدل حولها بالإيمان بها لسبب بسيط وهو أن هذه المفاهيم تؤدي وظائف نفعية لنا إذ أن شوقا دفينا يدفعنا للمعرفة المطلقة وللتمسك بهذه المفاهيم لأسباب عملية وأخلاقية .
ومما تقدم يعني أن العقل هو الذي يطبع الأشياء الخارجية بطابعه وهنا نقترب مما ذهب إليه أصحاب مذهب ( الأنا وحدي ) .
وعليه فإنه من الخطأ أن نتصور بأن معرفتنا بالأشياء الخارجية تعكس حقيقة تلك الأشياء فمن المستحيل أن نعرف ( الشيء في ذاته ) فلا يمكن التوصل لذلك لأن طبيعة العقل نفسها غير مؤهلة لذلك , فكل ما نستطيع معرفته هو المظاهر الخارجية للأشياء ، وبذلك أصبحت مسألة حدود العقل رياضية بامتياز ؛ وقد برهنت تجارب كورت غودل على وجود هذه الحدود ؛ فالعقل لا يمكن أن يحيط بكل شيء ، ذلك لأن العقل هو نفسه هذا الكل ، فكيف بالجزء أن يحيط بالكل ! كما أنه لا يمكن للعقل أن يبرهن على نفسه ، لأنه لكي يبرهن على نفسه ، فإنه يحتاج إلى عقل فوقه له وسائل أقوى ؛ وإذا أردنا أن نبرهن على العقل الثاني نحتاج إلى عقل من فوقه ، وهكذا دواليك في تسلسل لا ينتهي ؛ وأما إذا سلكنا طريق البرهان على العقل بوسائل من رتبته ، فإننا نقع في الدور ؛ وبإيجاز ، وبحسب تعبير طه عبد الرحمن فإن للعقل حدوده لا يمكن أن تتجاوز وهي مبرهنة عليها رياضيا ببراهين طويلة ومعقدة وليست في متناول غير الرياضيين رغم أن البعض يحاول ذلك ولكن بلغة أخرى غير رياضية ، إما بلغة عقدية أو فقهية باعتبار أن العقل لا يصل إلى معرفة العالم الغيبي ، أو بلغة روحية أو صوفية باعتبار أن للعقل أطواره التي لا يمكن أن يتجاوزها ، أو بلغة فيزيائية أو طبيعية باعتبار أن العقل لا ينظر إلا في عالم الظواهر ؛ أما ما سوی هذا العالم الظاهر ، فهو غير قادر عليه ، لأنه يقع خارج حدوده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة