الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل ياسبرز، ولماذا علينا أن نقرأ الفلسفة؟

إبراهيم جركس

2021 / 6 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إنّ الفكرة الشائعة والمُسبَقَة التي تدور حول مفهوم "فلسفة الشارع" حالياً هي أنّ قراءة الفلسفة غير مجدية ولا فائدة منها. الفكرة السائدة هي أنّها لا تأتي بأفكار جديدة، وبالتالي، يمكن، أو يجب تجاهلها، أو على الأقل يمكن قرائتها من قبيل التسلية فقط. يميل أصحاب هذا الرأي للظهور عبر تعليقات الفيسبوك أو تويتر أو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. قد تبدو وجهة نظرهم جيدة. فإذا أمضينا كل وقتنا في قراءة الفلسفة، فَلَن نجد الوقت الكافي للخروج بأفكار جديدة. تقول وجهة نظرهم أنّ جميع هؤلاء الذين يقرؤون الفلسفة يميلون لأن يكونوا مؤرخين الفلسفة أكثر من كونهم فلاسفة مجدّدين. في هذه المقال سأقدّم وجهة نظر الفيلسوف كارل ياسبرز عن هذا الرأي، وما يعنيه أن نقرأ الفلسفة مقابل أن "نمارس" الفلسفة.

* وجهة نظر كارل ياسبرز

يتبع ياسبرز في عمله الرئيسي "حول فلسفتي" ما قاله كانط في أنّ هناك عالمين مستقلّين مختلفين: عالَم مُدرَكاتنا الشخصية، أي ما نراه وما نَسمَعه وما إلى ذلك ليتمثّل في العقل، وهو ما سمّاه بالعالَم "الظاهراتي phenomenal". والآخر هو العالَم الذي يوجد فيه الواقع فقط. إنّ الموضوعية المَحضَة لهذا العالَم تتجاوز تصوّراتنا، الذي يسمّيه بالعالَم الحَدسي noumenal. من هنا، كما يمكننا القول، أنّ كانط يرى العالَم من خلال "النظّارات الملوّنة" التي يرى كل واحدٍ منّا هذا العالَم من خلالها. دون أن يسعنا خَلعها، لأنّها عيوننا وآذاننا وأنوفنا وحواسنا. إذن، ما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟ خاصّةً إذا كان هدفنا هو الاقتراب من معرفة العالَم الحَدسي "النوميني" قَدرَ الإمكان؟
حسناً، يقترح ياسبرز أنّنا نجري محادثات لتأكيد ما نختبره مع الآخرين. كما أنّه يوافق على أنّنا لَن نقدر أبداً على إدراك العالَم الحَدسي بشكلٍ كامل. حيث يقول: ((يمكننا طرح أسئلة أساسية، لكن لا يمكننا أبداً الاقتراب من البداية)). هذا يعني أنّنا يمكننا الاقتراب، لكن لا يمكننا أبداً الوصول إلى معرفة كاملة بالعالَم الواقعي.
من الواضح أنّ ياسبرز يوضّح هنا موقفه من قراءة أعمال لفلاسفة آخرين. ((لا يمكن التعامل مع الفلسفة إلا بأكبر قَدرٍ ممكنٍ من الفهم. إذ يتطلّب أي فيلسوف عظيم تغلغلاً من دون هوادة في نصوصه. وهذا يستلزم استيعاب كامل للفلسفة بشكلٍ تام، والعمل مع كل جملة منها من أجل إدراك كل فارق مهما كان بسيطاً فيها. إنّ الإدراك الشامل والكلّي، والمراقبة الدقيقة هما أساس فهمنا لهذا العالَم)). من الواضح أنّ يؤيّد هنا قراءة الفلسفة، فهي لا تقدّم لنا سبباً كافياً لكيفية مساعدتنا لخلق أفكار جديدة، بل كل ما تقدّمه لنا أنّها تمنحنا فهماً أفضل للأفكار الموجودة مسبقاً.
إذن، بدأ بالقول أنّ ((الإنسان بصفته فرداً فقط يمكنه أن يصبح فيلسوفاً)). وهنا يقصد الاعتراف بعالَم كانط الظاهراتي بمعنى أنّنا لا تستطيع الهروب من عقولنا.
وبالنظر إلى هذا الأمر كنقطة للانطلاق، يواصل قائلاً: ((لقد أنتج مجتمع الجماهير أو الحشود البشرية نظاماً حياتياً ضمن قنوات منتظمة تربط الأفراد في منظّمة نشطة فعلياً…)). كما يمضي ليقول أنّ الإنسان ((… يسعى خلف الراحة عبثاً في المجال الإيروتيكي أو العقلاني حتى يقوده ذلك في النهاية إلى فهمٍ أعمق لأهمية إنشاء التواصل بين إنسانٍ وآخر)). ما يحاول أن يصل إليه هنا هو أننا يجب أن نتواصل مع بعضنا البعض بما يجري داخل عقولنا وعوالمنا الفردية الظاهراتية. إنّه يسمّي الأشخاص الذين نتواصل معهم "رفقاء الفكر". ويقول أنّ هذه هي الطريقة التي يمكننا من خلالها _نوعاً ما_ بناء أفكار جديدة.

* إذن لما نقرأ الفلسفة؟


هذه ليست الفكرة الجديدة كلياً، فقد لخّص السير إسحق نيوتن فكرة ياسبرز الأساسية قبل ذلك بقوله: ((أنا أقِفُ على أكتاف العمالقة)). وهذا معناه أنه يبني مفاهيمه وفلسفته على أساس ما أنجزه آخرون قبله. ومثيراً ما أشبّه هذا المنهج هنا بتجربة فكرية بحتة. تصوّر أنّك في حديقة عامّة، وأنّ هناك إشارات للطريق تظهر أمامك. قد تقول إحدى اللافتات "هذا الطريق إلى الشلالات". وأخرى تقول "هذا الطريق يقود إلى الشاطئ". نتتبّع هذه الإشارات حتى نصل في النهاية إلى طريق مسدودة، مجرّد أجمات وأشجار وأدغال. لذا نحاول شقّ طريقنا الخاص لأبعد ما أوصلتنا إليه الإشارات، ونستكشف مسارنا الخاص. وإذا وجدنا شيئاً هناك، فقد نضيف علامتنا أو إشارتنا الخاصة بالقرب من الطريق الذي قمنا بشقّه. نحنا هنا بمثابة علامات طريق للآخرين الذين سيغدون فلاسفة. هُمْ سيُرصفون طريقنا الترابي الذي شَقَقناه، ويعبّدوه، ليسيروا عليه ويمضوا لأبعد ممّا وصلنا إليه. هذا هو السبب في أنّنا ما زلنا نقرأ الفلسفة حتى الآن. فنحن نتّبع لافتات الطريق، لنحسّنها، ثمّ نتجاوزها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا