الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شروط الحوار المثمر داخل الحركة الكردية السورية

صلاح بدرالدين

2021 / 6 / 7
القضية الكردية


مقابل أصحاب الأقلام الجادة بين النخب الكردية الساعية الى التعامل مع الحدث بانتهاج التحليل العلمي ، والقراءة النقدية ، هناك محاولات معكوسة محمومة قد يقف أعداء الحركة من مضطهدي الكرد وراءها في معظم الحالات تحول دون ذلك ، وتصر على إبقاء الأمور غامضة ، واخفاء الحقائق ، وتوجيه الأنظار الى الأمور الثانوية ، باثارة الصراعات البينية بين الافراد ، وتحويل قضايا الخلاف في الحركة الكردية الى خلافات بين هذا الشخص وذاك ، والهدف من ذلك هو نفي صفة التحرر والتقدم عن النضال الكردي ، وانكار تاريخيته ، واصالته ، وقد صدق من قال : " شخصنة السياسة ... أفعل وسائل الهروب من المضمون الى الشكل " .
من اهم وابرز بنود قضايا الخلاف بالحركة الكردية السورية على الأقل منذ قيام الحزب الكردي الأول عام ١٩٥٧ ، هو مسألة الموقف من الأنظمة والحكومات التي اتخذت موقف الانكار من الوجود الكردي ، والعمل علي اضطهادهم ، وتغيير التركيب الديموغرافي في مناطقهم ، وتنفيذ مخططات التعريب والتهجير تجاهمم ، ويستتبع ذلك بطبيعة الحال الموقف من القوى المعارضة للنظام بمعنى هل الحركة الكردية شريكة وحليفة لها أم لا ؟ .

منذ ستينات القرن الماضي ، وتحديدا في صيف ١٩٦٥ وخلال انعقاد كونفرانس الخامس من آب ظهر جليا بما لايقبل الشك ، ان ضمن حركتنا باحزابها ، ومجموعاتها وافرادها ، نهجان فكريان ، سياسيان ، واحد يرى ان حل القضية الكردية يمر عبر العمل المشترك مع الحركة الديموقراطية السورية ، وضمن سياق النضال الوطني ، وفي ظل الديموقراطية المنشودة ، وآخر يرى أن التفاهم والتعامل مع الأنظمة هو السبيل لحل القضية الكردية .

اتباع النهج الأول أوضحوا موقفهم نظريا ، وطبقوه عمليا ، وفسروا بالتفصيل موجبات موقفهم وفائدته للقضية الكردية ، عبر الكراريس ، والأبحاث ، والمقالات ، ولم يخفوا موقفهم حيث تصدر شعارا : التغيير الديموقراطي ، وحق تقرير المصير المبدئي الصحيفة الناطقة باسم الحزب – اتحاد الشعب - ، اما اتباع النهج الاخر فمارسوا عمليا ما آمنوا به عبر التواصل مع سلطة النظام ، ولكنهم لم يعلنوا ذلك ، ولم يفسروا الجدوى من التعامل مع النظام ومهادنته وبعبارة ادق اخفوا الحقيقة عن الشعب .

بهذه الحالة أي الانكار يبقى الحوار دون جدوى ، بل يمكن تسميته بحوار الطرشان ، بل سيتم الانزلاق نحو الاتهامات ، والردود المضادة الى لانهاية ، لان شروط إنجاح أي حوار جاد ومنتج هي أن يعلم المتحاورون على ماذا مختلفون ، وماهي القضايا الفكرية والسياسية ، التي تستوجب الحديث حولها ومعالجتها ، وصولا الى قواسم مشتركة بصددها ان امكن ، ولدينا الان نموذج من هذا النوع وهو موضوع ما اطلق عليه ( الاتفاق الكردي الكردي ) بين أحزاب الاستقطاب الثنائي – تف دم والانكسي – فالاول ينكر مثلا انه جزء من منظومة – ب ك ك – كما ينكر وجود اية صفقة سابقة ولاحقة مع النظام ، والثاني ينكر تبعيته ، ولايعترف بمواقف بعض اطرافه السابقة من النظام ، والطرفان لايعترفان بانهما لايملكان المشروع القومي والوطني ، لذلك تتوجه الأنظار نحو مسائل المحاصصة فقط ، حيث لاقضايا اساسية تمس الحركة الكردية وحل ازمتها ، وإعادة توحيدها ، واستعادة شرعيتها ، قيد البحث والنقاش ، وهذه احدى إشكاليات الواقع الراهن .

في هذه الأجواء المشحونة بظاهرة الانكار ، والغموض ، فان الجيل الكردي السوري الناشئ امام مشكلة ثقافية منهجية، حول معرفة تاريخ حركته ، على الأقل منذ خمسين عاما وحتى الان ، وماعليه الا الاعتماد على الإحساس الذاتي ، والاجتهاد في معرفة الماضي عبر مصادره الموثوقة ، ومن خلال الاطلاع والقراءة النقدية لما نشر حتى الان من مذكرات الذين عاصروا الاحداث ، وشاركوا في القرار ، وقد علمت ان هناك قسم من المناضلين القدامى بصدد نشر مذكراتهم ، وهو امر إيجابي ، ومفيد .

كما أرى فان معرفة الماضي ليست من أجل ادانة هذا التيار السياسي او ذاك ، ولا الإساءة الى هذا الشخص او ذاك ، ولا تفضيل جماعة على أخرى ، بل فقط من اجل معرفة الحقيقة والبناء عليها ، والاستفادة من دروس الماضي لخدمة الحاضر والمستقبل ، وكما اعتقد فان مثقفينا من الجيل الناشئ قد تتوفر لديهم الوسائل والقدرة على تمييز الحق من الباطل ، والصح من الخطأ .

في مذكراتي باجزائها الخمسة ، حاولت تغطية احداث الحركة الكردية السورية منذ البدايات ، وتحديدا منذ عام ١٩٦٥ وحتى الان ، ولم اكتفي بسيرة وتسجيل الاحداث فحسب ، بل أضفت تفسيري الى كل حدث ، بحسب رؤيتي وقد أكون ببعضها أصبت أو أخطآت ، منتظرا من يؤكد ، أو يصحح ، متقبلا ذلك برحابة صدر .

بكل اسف ليس لدينا في الحركة الكردية السورية منذ اكثر من خمسين عاما وحتى الان أية تقاليد ديموقراطية ، او تراث يعتد به في مجال الحوار الكردي الكردي بشأن قضايا الخلاف والصراع ضمن الحركة وبين الأحزاب ، فمن جانبنا كنا بغاية الوضوح منذ عام ١٩٦٥ ، وبعد كونفرنس الخامس من آب مباشرة ، حيث اوضحنا موقفنا من كل القضايا وخاصة من النظام بكل وضوح ، ووضعنا شعار ( تغيير النظام وحق تقرير المصير الميدئي ) على الصفحة الأولى لجريدة الحزب المركزية – اتحاد الشعب - وفسرنا موقفنا المعارض للنظام ، كخيار تفرضه الظروف الموضوعية ، بالرغم من ثمنه الباهظ ، ولكن خصومنا الفكريين والسياسيين وخصوصا من الاتجاه اليميني ، لم يوضحوا فوائد عدم معارضة النظام على الكرد وقضيتهم ، واخفوا صلاتهم في اكثر الأحيان ، وهذا يقطع الطريق على أي نقاش مفيد ، فكيف يتم النقاش دون وضوح قضايا الخلاف ؟.

كما نوهنا أعلاه مارست قيادات أحزاب ومجموعات وتيارات الازدواجية في مسألة العلاقة والتواصل مع أجهزة السلطة ، وذلك بالتستر على تلك الصلات التي كانت قائمة على ارض الواقع ، واستخدام خطاب مغاير امام الناس ، وحتى امام الأنصار وللحقيقة شكلت تلك الازدواجية مظهرا أساسيا لمرحلة طويلة مازالت بادية حتى الان لدى العديد من الأحزاب القائمة ، في حين ان من حق الشعب الذي يدعي الجميع انهم في خدمته ومن اجله ان يعلم ماذا يجري من حوله .

في بداية الثمانينات وكما ذكرناها مرارا وتكرارا وباقتراح ووساطة أصدقاء فلسطينيين أجرينا حوارا يتيما مع عضو بالقيادة القطرية لحزب البعث الحاكم بسوريا ، بناء على قرار رأس النظام انذاك – حافظ الأسد – ودخل اللواء – محمد ناصيف – على الخط ، وعلى الاغلب بعلم الأسد حيث كان ناصيف الشخص الثاني في مراتبية القيادة السورية حينذاك ، وابلغنا علنا انهم لن يعترفوا بالكرد وحقوقهم بالدستور كما طلبنا ، لان سوريا فسيفساء مكوناتي وان منحنا الكرد حقوقا يجب منحها للاخرين أيضا وحينذاك ستتفتت سوريا وتنقسم على حد زعمه ، وللامانة أضاف أيضا : " نحن نحب الاكراد " ؟! ، ثم توقف الحوار ونشرنا بيانا بجريدة الحزب المركزية ، اوضحنا فيه كل التفاصيل ، واكدنا ان هذا النظام شوفيني لن يعترف بالكرد وجودا وحقوقا واننا لن نحاوره بعد الان وهذا ماحصل ، نحن لم نتصل بالخفاء ، ولم ننكر ، واعلناها بكل شفافية امام شعبنا ، كما قدمنا الشكر للاصدقاء الفلسطينيين الذين صاروا على بينة مما حصل .

ولم تتوقف أساليب الانكار ، واخفاء الحقاذق ، والمناورات الملتوية لدى بعض الأطراف الحزبية الكردية بهذه الحدود ، بل تجاوزتها الى مسائل أخرى ، فبعد انعقاد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ ، اعلن حزب اليمين الذي اصبح اقرب الى جناح منشقي ( ٦٦ ) في كردستان العراق فيما بعد ، اعلن عن عقد مؤتمره بحضور المرحوم – نعمان عيسى – عضو اللجنة المركزية للحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ، مبديا انه الطرف الشرعي المعترف به ، ثم علمنا ان المرحوم عيسى بعد عودته الى مقر عمله استدعي من جانب مقر البارزاني ، وتعرض للمساءلة على تصرفه الفردي المخالف لسياسة الحزب ، ولكنه أوضح بانه تعرض للخداع واخطأ التصرف ، ثم تلقينا دعوة لزيارة الاشقاء وتوجهنا بوفد الى المناطق المحررة عام ١٩٦٧ ، والتقينا بالزعيم قائد الثورة وقيادة الحزب ، وارسينا أساسا متينا منظما للعلاقات ، وبعد نجاح المفاوضات والاعلان عن اتفاقية آذار للحكم الذاتي عام ١٩٧٠ ، دعينا رسميا برسالة من الزعيم مصطفى بارزاني للمشاركة بالاحتفالات ، واستقبلت من جانب ثلاث وزراد كرد في مطارر بغداد على راسهم الشهيد سامي عبد الرحمن وزير شؤون الشمال ، وتوجهنا الى حاجي عمران للقاء الزعيم الكبير ، ثم دعينا لحضور المؤتمر الثامن للحزب الشقيق ، وكنا الحزب الكردي السوري الوحيد المدعو للمؤتمر ، والقيت كلمتنا امام الحضور ، وحاول وفد اليمين الذي حضر الى كردستان العراق من دون دعوة الدخول الى قاعة المؤتمر ، ولكنه منع من ذلك .
أتذكر كنا في وسطنا القيادي الضيق ( الراحل سامي أبو جوان – مصطفى جمعة – جلال أبو روزين – الشهيد مشعل التمو – بشار امين – وانا ) كنا نتناقش حول تلك الخطوة الانشقاقية اللاشرعية ، بوضع احتمال : ماذا لو انسحبت تلك المجموعة بهدوء ، وأعلنت انها لم تعد قادرة على مواصلة مواجهة النظام ، خاصة بعد ان قررت القيادة تنفيذ وتنظيم اعتصامات ، وحتى مظاهرات ، ولو اختارت المجموعة المنشقة طريق المكاشفة ، واختارت نهج المهادنة عبر تيار او تنظيم منسلخ من حزبنا ، لكانت وفرت علينا كل تلك الأوقات العصيبة ، وكيل الاتهامات وفبركة التبريرات ، ولتم قطع الطريق على تدخلات واختراقات الأجهزة ومحمد منصورة ، ولبقي الحزب بعافية ، وظلت حركتنا قوية يحسب لها الحساب .
وأخيرا أقول أن الحوار الكردي الكردي لن ينجح ولن يثمر ان لم يكن شفافا ، واضحا ، صريحا ، ومبنيا على أسس بادية المعالم بشأن قضايا الخلاف ، وان حوار الأحزاب الراهنة لايشكل المدخل الصحيح ، ولا المقدمة السليمة لانه لا يلامس جوهر الموضوع وهو الحوار الديموقراطي من اجل إعادة بناء الحركة الكردية السورية ووضع الاستراتيجية الجديدة لها من خلال الموتمر الجامع المنشود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا: أوامر إسرائيلية جديدة بتهجير 300 ألف فلسطينى


.. رئيس كولومبيا يدعو لاعتقال نتنياهو: يرتكب إبادة جماعية




.. غوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإخلاء سبيل جم


.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا




.. واصف عريقات: يوم 7 أكتوبر ضربت ركائز الكيان الصهيوني الثلاث