الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاعل الفلسفي في إبداع لويس عوض المسرحي

أبو الحسن سلام

2021 / 6 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفاعل الفلسفى فــى الإبداع المسرحى


الفاعل الفلسفى فى إبداع لويس عوض المسرحى :

اذا قيل إن المسرح ولد من رحم الأسطورة، فإن تصحيح طرفى التفاعل فى تلك المقولة يدعونا الى القول : إن الفلسفة وهى أم الفكر عندما زاوجت بين الخيال والفكر خرجت الإسطورة الى الوجود
والقول بأن المسرح قد ولد من صلب التاريخ، فإن ذلك أيضا يشكل طرف المعادلة فحسب، أمال الطرف الثانى، فيجسده القول إن المسرح كان ايضا ثمرة من ثمرات التزاوج الثانى للفلسفة مع التاريخ، وهى ثمرة كريزمية السمت ، تزيت برداء الشعر الفكرى وتجملت بحلى الفكر الشعرى؛ أى أن المسرح ولد فى كلتا الحالتين كريزما شعرية فكرية أو فكرية شعرية حسب عصر ولادته ومحله.
ولعل النظر فيما كتب المسرحيون الإغريق الكبار يكشف لنا عن دور العامل الفلسفى فى الأثر المسرحى، إذ يجسد دور الأنا العليا فى تدبير شؤون الكون ، فى غيبها الحاضر فى فكر الأنا الصغرى، أو فى حضورها الغائب فى واقع تلك الأنا المادى متمثلا فى صورة ( أوديب)1 أو صورة (أنتيجونى)2 أو فى صورة (إلكترا)3 أو فى صورة (ايفيجينيا)4 أو فى صورة ولدى أوديب* أو فى صورة (ميديا)5 أو فى صورة (هيبوليتوس)6 فى إنتاج الثلاثة التراجيدين الكبار . والكلام عن الأنا العليا وعن عالم ما وراء الطبيعة هو كلام الفلسفة من نشأتها فى الفكر الإنسانى.

واذا كانت التراجيديا الكلاسيكية قد تأسست على أن الغيب هو الذى أمد الفعل التراجيدى بالحركة ودوافع الصراع؛ فإن العامل الفلسفى للفكر السقراطى هو الذى حرك الفعل الدرامى فى كوميديات أريستوفانيس ؛ فعرض بالفكر السوفسطائى فى مسرحية (السحب)7 وليكسب التأييد لفكرة القانون عند سقراط فى مسرحية (برلمان النساء)8 ويقيم الموازنة بين شعراء التراجيديا الكبار فى مسرحية (الضفادع)9 ليصعد باسخيلوس " من هاديس" مع أنه حينما نزل إليها بإذن خاص من الآلهة كان ينتوى الصعود بيوربيديس
ولم يقتصر دور العامل الفلسفى السقراطى على مسرح أريستوفانيس ولكنه امتد ليحرك الفعل التراجيدى فى مسرح سينيكا10 ، حيث تتجسد فى شخصية (لايوس) بعد مقتله فكرة الأشباح التى شرحها سقراط لتلاميذه (أفلاطون- فيدراوس- جورجياس - وغيرهم)
وهو يرفض فكرة هروبه التى أجهد تلاميذه أنفسهم من أجل إقناعه بها فما كان منه إلا الرفض حتى لا يقال إن سقراط الذى نادى بفكر القانون واحترامه قد هدم فكرته . لذلك فضل الموت فى سبيل حياة فكرته مبرراً ذلك بشرح فكرة الموت وخروج الروح نوراُ من الجسد حالة انتفاء الآثام عند الميت لتعيش فى عالم نورانى غير مرئى للأحياء بينما تظل آثام من مات عالقة بروحه بعد خروجها من جسده فتتحول روحه إلى شبح يمتزج فيها النور مع المادة ؛ الأمر الذى يجعلها تحوم فى مكان دفنها بين الظهور المادى والإختفاء النورانى.
ولم يقتصر دور العامل الفلسفى الميتافيزيقى على مسرح سينيكا فى العصر الرومانى، بل امتد إلى عصور المسيحية إذ تتجسد فكرة العام الآخر ، وفكرة البعث او القيامة فى مسرحيات الأسرار وفكرة تجسد القديسين فى (المريماتِ الثلاث) وفى مسرحية (القديس نيقولا)11 وتتجسد فكرة إبليس والنزول من الجنة فى مسرحية (آدم)12
ثم امتد العامل الفلسفى الميتافيزيقى ليطال مسرح عصر النهضة حيث يجسد مسرح شكسبير فكرة الشبح فى مسرحية (هاملت)13 وفكرة الأرواح الشريرة فى ساحرات(مكبث)14 ، وفكرة مقايضة روح الإنسان بقدرات ابليس وخوارقه فى (مأساة الدكتور فاوستس)15 لمارلو ويمتد دور العامل الفلسفى فى زاوية اخرى ليجعل محور فعل (يهودى مالطة)16 هو مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذى تجسده المبادئ الميكيافيلية
كذلك يفعل العامل الفلسفى فعله فى (فيدرا) راسين.

وإذا كانت الفلسفة َ فى العصر الحديث قد نظرت إلى الإنسانِ من منظورِ تفسير دوره فى الكونِ بديلا عن تبريرِ الوجود الكونى نفسه وطبيعة التفاعل الإنسانى فيه، كما نظرت بعد ذلك فى امكانيات تغيير طبيعة التفاعل الإنسانى فى الكون عن طريق تملك الذات الإنسانية الفردية لإرادة التغيير وإعادة تشكيل جوهرها الذاتى فى غير مزاحمة لإرادة التغيير الذاتى للغير تحقيقاً للهوية الذاتية أو عن طريق امتلاك القدرة الطبقية على تغيير الواقع الطبقى المعيش بإعادة تقسيم الثروة وتوزيعها وإطلاق العنان للصراع بين الطبقات وصولاً إلى الحياة العامة العاملة المشتركة نتيجة لتغيير موازين القوى الإجتماعية لصالح الطبقة العاملة، فإن التيارات الفلسفية، النفعى منها والوضعى والوجودى أو العدمي والماركسى، قد وجدت فى المسرح خيرَ وسيلةِ لكسب التأييد لفكرها ولجوهر ماتدعو إليه فوظفَ كل إتجاهِ فلسفى منها المسرحَ فى سبيل الدعوة وكسب التأييدِ بنشر أهدافه وقيمة وبرامجهِ – حالة وجودِ برامجَ لأى إتجاهٍ منها – فكان أن توجّه المسرحُ وجهةَ أيديولوجية، وهو ما دعانا إلى توظيفِ ذلك المسرحِ ضمنَ عصرِ الثقافةِ الأيديولوجية.17

إشكالية التعبير بين الفلسفة والأدب والفن:
تتبدى إشكالية التعبيرِ فى معرفةِ إلى أى مدى نجحَ المسرحُ فى أن يكون ابناً شرعياً للفلسفةِ والخيالِ فى العصر الحديث ، بعد أن كان ابناً غيرَ شرعى للأسطورةِ والفلسفةِ فى العصور القديمة ؛ وطفلَ أنابيبَ للفكرِ الدينىِ فى العصور الوسطى وابناً بالتّبنى للتاريخ فى عصر النهضة ؟! إلى أى مدى استطاع المسرحُ أن يُعبَّرَ بلغةِ المسرحِ التى تتوسلُ بالإمتاعِ للوصولِ إلى الإقناعِ ومن ثّم التأثير، إلى أى مدى استطاع المزاوجةَ فى العصرِ الحديثِ بين التعبير العارى وهو خاص بالفكرِ والفلسفة والتعبيرِ الزخرفى وهو خاص بالأدب ، ومطابق للخيال والشعر – كما يرى كروتشه –
لا شك أن اشكاليةَ التعبير ِ هم الهمُ الكبيرُ الذى يواجِه الكاتب والأديَب المسرحَى ، حينما يشرعُ فى كتابةِ نصِ مسرحى قوامُه الموضوعي: الفكُر الفلسفُى ؛ إذ عليه أن يّوفقَ بين التعبيرين: التعبيرى العاري ، والتعبير المزخرف (الجمالى) فإذا كان منطلُق الفكرِ الفلسفى أساسَهُ التأملَ ، فإن منطلق الفكرِ الأدبى قائُم على التأملِ أيضاَ ، غير أن التأملَ الفلسفى يتوهجبالإعمالِ الذهنى المنطقى ،بينما يشتعل الإعمالُ الذهنىُ فى حالةِ التأملِ الأدبى أو الفنّى بالخيالِ والحَدسِ.
وإذا كان المنطقُ يكتسُب مسمَّاه من التحديدِ والتعيينِ ،فإن الخيالَ انطلاقٌ بلا حدود, فكيف يعبرُ الشكلُ المنطلق دون حدودٍ عن المضمونِ المحددِ والمتعَّين؟! تلك هى إشكاليةُ الشاعرِ أو الأديبِ المسرحى الذى يتحمل مسؤوليةَ كسبِ التأييدِ لفلسفةٍ ما ، أو لفكرةٍ فلسفيةٍ ما بوساطةِ فنًّ الكتابةِ المسرحيةْ ، وهى إشكاليةٌ واجهها بالضرورةِ سارتر، كما واجهها بريخت ليس بوصفه فيلسوفاَ ولكن بوصفه حاملَ رسالةٍ فلسفية . والأمرُ نفسُه ينسحب فى الغربِ على جوته ألبير كامى وبيكيت ويونسكو وغيرهم ، كما ينسحب على عددٍ من كبارِ كتِابنا الذين عالجوا الفكرَ الفلسفى معالجات مسرحية مثل إلفريد فرج فى ( على جناح التبريزى وتابعه قفه)18 ويوسف إدريس فى (الفرافير)19 و (المهزلة الأرضية)20 و (جمهورية فرحات)21 و (الجنس الثالث)22 ومثل شوقى عبد الحكيم فى (الملك معروف)23
وعن طريقِ الإحتيالِ النبيلِ يعيدُ (التبريزى) توزيعَ الثروةِ عند ألفريد فرج دون أن يكون هناك فيض إنتاجٍ مستمرٍ يعوضُ الفاقدْ
وعن طريق الحُلم اليوتوبى يوزع (ملُك) شوقى عبد الحكيم الثروةَ دون أن يكون هناك فيضُ إنتاجٍ مستمر تتوازن به معادلةُ الحاجات.
وعن طريقِ (حُلم يقظةِ فرحاتِ "الفابى") يتحول المجتمعُ إلى مدينةٍ فاضلةٍ عند يوُسُف إدريس ومن خلال رحلةِ فرفورةِ الدنيويةِ والأخرويةِ يكسبُ التأييد لفكرِ الفلسفةِ الوضعية فكلُ من (السيد والفرفور) فى محلِهِ الجبرِىِ منذ أوجَدَهُ المؤلفُ وجوداَ جبرياَ فالعبدُ عبدٌ فى الدنيا وفى الآخرة والسيدُ سيدٌ فى الدنيا وفى الآخرة . وفى (المهزلةِ الأرضيةِ) يعرض لفكرةِ الأنـَــا والآخر وفى (الجنس الثالث) حيث العالمُ الأخرويُ تتجسدُ الأشجارْ نساءً فاتناتٍ راقصاتٍ فنتازياً ، مثلما تجسدتْ لإبنِ القاِرحِ فى عالم الغُفَرانِ عند المعري24 ، مما يكشفُ عن أرَقِ فِكرِ يوسف إدريس بعالمِ الصيرورةِ بعد الموت ، تماماً كما أرق فكِرُ سارتر فى (الأبوابِ المغلقة)25 وأرقِ فكرُ بريخت فى (محاكمةِ لوكوللوس)26 وأرقَ فكِرُ يوسُف عز الدين عيسى فى (غرفة بلا نوافذ)27 كما أرق فكر موريس دى كوبرا فى (كرنفال الأشباح)28
وما كان ذلك الأرقّ الإنسانى عند الفنانٍ الحديثِ والمعاصرِ إلا امتداداتٍ لحبل الأرق الإنسانى حول مصيره بعد الموتِ منذ صّوره أريستوفانيس فى رائعتهِ (الضفادع) استحياءً من الرحلةِ التى صّورها أفلاطون فى (محاورات فيدون)29


المسرح والفلسفة بين الإبداع والإكتشاف:
يقول د.محمود فهمى زيدان30 : " إن الإبداعَ قرينُ الاكتشاف والاكتشاف إما أن يكون استكمالاً أو تطويراً لاكتشاف سابق وإما أن يكون مخالفاً او نقيضاً له ، وبداهة أنه لا اكتشاف دون اعتراف من أهل الاختصاص" ، ومن ثم فإن كل اكتشاف يعترف به لا ينتسب إلى المكتشف بقدر ما ينتسب إلى العالم كله .
ولأن الإبداع سواء أكان فلسفياً أم كان أدبياً او فنياً هو اكتشاف لمجهول من ناحية ، وهو خلق على غير مثال سابق من ناحية ثانية ، ولأن ارتباط كاتب مسرحى ما بفكر فلسفى ما هو نوع من الإبداع فى صورة – اكتشاف أو إعادة اكتشاف نظرية فلسفية ما أو فكرة فلسفية ما* – من منظور مسرحى ، على اعتبار أن الكاتب المسرحى يعالج فكر غيره ، فهو فى هذا مثل
" الفيلسوف الذى يصبغ نظرية فلسفية ما كانت لغيره ، وفى عصر غير عصره بصبغته الذاتية ويطبعها بطابع عصره"31
أما الكاتب المسرحى الذى يخلق إبداعه فكراً وفناً على غير مثال فهو كالفيلسوف الذى يأتى بنظرية فلسفية جديدة لم يأتِ بها غيره لأنها تعقلن فكر عصرها"32
فإن المسرح وليد عصره لأنه يعيد تشكيل وجدان عصره. واذا كانت فلسفة العلم تبحث فى المشكلات النظرية والمنهجية التى تواجه العلوم المختلفة ، فإن للأدب فلسفة وللفن فلسفة وللمسرح بوصفه أدباً وفناً فلسفة تحدد موقف المسرحيين من الكون وموقفهم من الحياة و موقفهم من الإنسان، وتكشف عن موقف العصر وموقف المجتمع من الكون ومن الحياة ومن الإنسان لذلك لجأت الفلسفة الأيديولوجية إلى الأدب والفن وسيلة لكسب التأييد ولنشر فكرها
الفلسفة فى المسرح المصرى:
على الرغم من العلامة الفارقة بين الإبداع بوصفه خلقاً على غير مثال والإكتشاف بوصفه إعادة خلق على مثال سابق أو هو كشف عن خلق الغير او إبداعه فإن هناك من يرى فى فكرة التعادلية عند توفيق الحكيم إبداعا فلسفياً33 فلو كان الأمر على ما يرى د.سيد نفادي فى تعادلية توفيق الحكيم فإلى أى مدى يمكن النظر إلى تعادلية شخصيات
(شمس النهار)34 و (السلطان الحائر)35 لتوفيق الحكيم إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً.؟! وإلى أى مدى يمكن النظر إلى وضعية شخصيات (فرافير) يوسف إدريس، وفابية الصول فرحات ووجودية شخصيات (المهزلة الأرضية) إبداعاً فلسفياً مسرحياً وهل يعد التحريض على نبذ الفكر الشمولى وكشف عوراته فى (المخططين) ابداعاً فلسفياً مسرحياً؟! وهل تعد شيوعية فكر شخصيات جوركى فى (الأم) وشخصيات بريخت فى كل أعماله التعليمية والملحمية إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً وبالمثل هل تعد وجودية شخصيات مسرح سارتر وسيمون دى بوفوار وألبير كامى قسمة إبداعية بين الفلسفة والمسرح؟! وهل كانت براجماتية شخصيات كريستوفر مارلو وميكيافيلليتها فى المسرح الإليزابيثى إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً ؟! وإلى أى مدى يمكن اعتبار استدلالات هاملت الإستقرائية مرة والتجريبية فى مرات أخر نوعاً من التجسيد التطبيقى لمنهج روجر بيكون أولاً ، ثم لفرنسيس بيكون بعد ذلك (1561-1626) خاصة وأن شكسبير (أبريل 1564-1616) قد كتبها عام 1601 قبل موت فرنسيس بيكون بعشرين عاماً وقبل موت ديكارت بتسع وأربعين عاماً36 هل يعد ذلك إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً لشكسبير؟!"
وهل مثالية ارتباط كمال الفرد بكمال مجتمعه التى صورتها شخصية الحلاج فى مسرحية صلاح عبد الصبور تعد إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً وهل تبنى الحلاج للواقعية الوجدانية التى عرفناها عند د.أبو ريان يعد إبداعاً فلسفياً مسرحياً لصلاح عبد الصبور؟! وهل تعد ظاهراتية شخصيات صلاح عبد الصبور - ايضا – فى مسرحية ( الأميرة تنتظر) ومسرحية (بعد أن يموت الملك)37 إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً؟ وهل كونية (على جناح التبريزى) فى مسرحية ألفريد فرج وكونية (بيرجنت) هنريك إيسن إبداعاً فلسفياً مسرحياً مشتركاً.

لويس عوض والمسرح
بدأت إهتماماتى بقراءة لويس عوض خلاص تتبعى لسلسلة مقالاته بجريدة "الأهرام" بعنوان " على هامش الغفران" التى تعرض فيها بالتحليل والنقد للمصادر الفكرية للإبداع الأدبى فى "رسالة الغفران" للمعرى، تلك الدراسة التى وظّف فيها منهج النقد الأنثروبولوجى ليكشف عن الدوافع السياسية والإجتماعية والعقيدية لذلك الأثر الإبداعى الأدبى القديم الذى حاول فيه المعرى أن يفلسف أدب العقيد ويؤدب فلسفة المعتقد ويكشف عورة التستر خلف العقيدة وزيف الولاء للولاة ويسقط أقنعة الإدعاء فى العلم وفى الإيمان وفى الأخلاق وهو ما أثار ضده المحافظين الجدد، كما أثار المعرى المحافظين السلفيين بكتاباته وأشعاره، ويبدو أن هذا النهج فى التحليل الأنثروبولوجى للأثر الأدبى والفنى قد لازم كتابات لويس عوض النقدية حتى النهاية وهو ما يؤكده قول د.مجدى وهبة :" كان لويس عوض يلجأ إلى أطر دلالة خارج النص الأدبى الذى يدرسه فإذا كان يقوم بتدريس مسرحية مثلا، تجده يبحث فيها عن الأساطير التى يمكن أن يتكلم عنها من وجهة نظر أنثروبولوجية أو انثروبولوجية ثقافية"38
بعد ذلك توطنت علاقاتى بكتابات لويس عو فى أثناء عكوفى على رسالة الماجستير التى كان عنوانها ( الظاهرة الدرامية والملحمية فى رسالة الغفران)39 التى حصلت على إجازتها فى عام 1983م من جامعة الإسكندرية حيث ناقشت فيها ضمن ما ناقشت فى إطار مصادر الإبداع فى رسالة الغفران ما عرض له د.لويس عوض فى كتابه (على هامش الغفران)40
ولا شد أننى قد أفدت كثيراً مما كتب حول المؤثرات السياسية ،والإجتماعية، والعقيدية للفترة التى وافقت كتابة المعرى لرسالة الغفران . وكان أن تعرفت على العقلية التحليلية للويس عوض فلقد كان لويس عوض كما يرى نسيم مجلى ذا عقلية تحليلية تبحث دائماً عن السبب وعن العلة وراء كل ظاهرة41 ثم كان ارتباطى بلويس عوض بعد ذلك فى أثناء كتاباتى لرسالة الدكتوراه التى عنوانها( الإيقاع فى المسرح المصرى)42 حيث تعرضت لإيقاع النص المسرحى المترجم وتوقفت فى مبحث منه عند ترجمة د.لويس عوض لمسرحية (أنطونى وكليوباتره) ووجدى أن ترجمته للمشهد الذى تدخل فيه كليوباتره إلى مخدعها وخلفها وصيفاتها باحثة عن أنطونيو وهى فى ثورة غضبها بعد أن علمت بإعتزامه السفر سراً دون علمها إلى روما . لقد وجدت أن ترجمة د.لويس عوض للألفاظ التى تقولها كليوباتره وهى على حالتها الثائرة تلك لا تتناسب مع حالتها النفسية ولا مع الغرض الذى سعت تبحث وراءه ولا مع النص الحوارى الذى وضعه شكسبير على لسانها ؛ مما يؤدى إلى اختلاف إيقاع أدائها تمثيلاً عن إيقاع حالتها النفسية؛فشكسبير قد وضع على لسانها سؤالاً استنكارياً.
"CL o : Where is he?"
ولكن د.لويس عوض يجعلها تقول فيما ترجم:
"أين انطونيوس؟"
وقد وجدت أن مناداتها بإسمه فى بحثها الغاضب عنه لا تناسب حالتها بعد ان علمت بأنه ذاهب لملاقاة زوجته (فولفيا) فى روما. ثم ان لغة خطابها فى النص الشكسبيري يغيّب التلفظ باسم (انطونى)
(ابحثوا عنه فإذا وجدتموه فى حالة سكر فقولوا له إننى مريضة) هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، فإن مقاطع إسم انطونيوس الأخيرة لا تقطع بحالة رضاها عنه أو غضبها فحرف التعريف ( السين الأخيرة) مشحونة بالنغم وفى لفظتها امتداد طبيعى إضافة إلى حروف المـــــد (الياء والواو) فإيقاع لفظها لاسمه كاملاً لا يشئ بالغضب أو الرغبة فى تفريغ شحنة غضبها عليه؛ لما علمت من أمر سفره ليلتحق بزوجته الرومانية كما أن ردود أنطونيو على استفساراتها وتبريره لسفره كله صيغ فى النص الشكسبيرى بضمير الغائب :" ما الذى يغضب سيدتى؟!" وكان ذلك مناسباً لحالة الحزن التى انتابته لموت زوجته (فولفيا) الذي يدعوه إلى عزم النية على السفر إلى روما ولخشيته من رفض كليوباتره لسفره أخفى عنها أمر السفر.
لما تقدم وجدت أن ترجمة ذلك المقطع ترجمة حرفية هى الأنسب للموقف وليس الترجمة المنصرفة (للمعلم العاشر) كما أطلق على نفسه.
ثم كان احتكاكى بإبداع لويس عوض فى ترجمته لمسرحيتى (الصافحات) او (حاملات القرابين)43 و (أجاممنون) تلك الترجمة التى نحى فيها إلى النظم العمودى مزدوج القافية، وقد كتب النقاد كتابات متعددة حول الترجمتين , وخاصة ترجمته (لحاملات القرابين) عندما تعثر أداء ممثلى المسرح القومى الكبار ووقع أداؤهم فى (الإرنان) نتيجة للقافية المزدوجة ويكفى للدلالة على فقدان الأداء لحسن الاستهلال الذى هو أهم سمات الأدب والعمل الفنى المسرحى خاصة – بوصفه فن الأداء الحاضر إرسالاً واستقبالاً – مايشكل صعوبة أمام المخرج العالمى موزينيدس والممثلين والجمهور الأمر الذى عبّر عنه لويس عوض نفسه تعبيراً ينم عن تواضع العالم وسعة أفقه بأنه قد تعلم الكثير من موزينيدس فى هذه التجربة المسرحية العالمية. ويكفى أن أشير إلى أن الاستدلال الذى تلقيه الكاهنة فى هذه المسرحية بلغ 182 (ثنتان وثمانون ومائة) سطراً شعرياً مزدوج القافية وهو ما يؤدى إلى الإملال . وكذلك الأمر مع شبح (كليتمنسترا) (ص32-37) و (أبولو) (ص41-44) و (أوريست) (ص51-58) من النص نفسه:
"أثينا: سمعت رغم البعد من ينادى
علىّ من مشارف الأعادى
عند اسكماندر، النهر الحزين
حيث أقيم العدل والقانون،
بسهل طروادة والأمصار
احتلها بالصارم البتار
أبطال إغريقا رجال الثار
وخصصوا غنائم الديار
الأرض والعبيد والأحرار
هدية لى ، فأنا أثينا" 44
فهذه السردية الغنائية التى لا تحتوى إلا على الوصف السردى الظاهرى على لسان الإلهة أثينا لا يحسن اداؤه إلا بالغناء تخلصاً من الإرنان القوى الذى تحدثه القافية المزدوجة. لكن هل تؤدى المسرحية كلها بسبب ترجمتها فى قافية مزدوجة غناء ؟! وهل ذلك ممكن دون أن تتحول إلى نص أوبرالى (ليبرتو)؟!
ذلك دار فى مناقشتى لتلك الترجمة فى كتابى (حيرة النص المسرحى بين الترجمة والإقتباس والإعداد والتأليف)45
وأخيراً كان احتكاكى به خلال بحث لى بعنوان (المسرحية بين الرطانة وتعدد الترجمة والتعريب)46 ففى موازنتى النقدية لترجمات عربية متعددة لمسرحية (مكبث) لشكسبير، ترجمة متفاوتة ما بين الشعر العمودى والشعر الحر والترجمات النثرية ، وقفت عند ثلاث ترجمات لقطعة واحدة مشهورة ، من حديث (مكبث) فى (المنظر الخامس ، من الفصل الخامس ) وهى :
1- ترجمة نثرية دقيقة للدكتور لويض عوض47
2- ترجمة من الشعر المرسل لمحمد فريد أبو حديد48
3- ترجمة عامر بحيرى بالشعر العمودى ، الذى رأى فى مقدمة ترجمته للمسرحيه أنه " لا عبرة هنا بأن يقال إن مسرحيات شكسبير من الشعر المرسل" وأن الشعر العمودى هو الأنسب فى تحقيق روح الشعر"49

فخرجت من هذه الموازنة النقدية إلى أن ترجمة د.لويس عوض هى الترجمة الأنسب والأوفق والأكثر تعبيراً عن الموقف المأساوى الذى تردى فيه مكبث وعن ضعفه الإنسانى والتعبير عن روح الشعر ، ليس بالصياغة الشعرية العربية فى ترجمة (مكبث) شكسبير والتزام القوافى وعناصر الشعر العمودى كما تقيد عامر بحيرى وأعاب على غيرهم عدم التقيد بما قيد نفسه به دون غيره الذين انفلتوا من قيود العمود الشعرى ! وليس بالصياغة الشعرية المرسلة التى أبدعها ترجمة: محمد فريد أبو حديد ولكن أعيد هنا السؤال ذاته الذى طرحته فى البحث الذى أشرت أليه " هل انتفت روح الشعر من المترجمة النثرية للمسرحية؟ ألا تدب الحياة فى الفاظها التى هى مجمل اعضاء السياق الأسلوبى؟ إن النص الأدبى جسد حى سواء كان من جنس الشعر أو من جنس النثر ، وروح الشاعر إن طلبت فى القصيدة عند ترجمتها فان التماسها فى المسرحية المترجمة لا يصح إلا عند الشخصيات ؛ لأن لسان الحال فى العمل المسرحى مؤلفاً كان أم مترجماً ، شعراً كان أم نثراً هو الشخصيات وليس المؤلف ، إذ يتحتم ان تتخفى روح الشاعر تمام التخفى وتتوزع على أرواح الشخصيات فلا ترى مطلقاً ، وظهور الروح عند كل شخصية له أطواره المتدرجة وصوره المتعددة والمتنوعة وفق حالاتها وتفاعلاتها الدرامية فى الحدث المسرحى نفسه.
إن (روح الشعر) ليست هى أوزانه وتفاعيله وقوافيه ومشتملات موسيقاه الخارجية، وإنما تكمن روح الشعر فى صوره وأخيلته وما الأوزان والتفاعيل والقوافى سوى أدواته ومظاهره الخارجية ، ومن المعلوم أن الروح لا تظهر ظهوراً مادياً فى كل ما تدب فيه روح" 50
هل انتفت روح الشعر من المترجمة النثرية لموقف مكبث المأساوى بعد سماعه لنبأ انتحار الليدي مكبث فيما ترجم لويس عوض وهل روح الشعر حاضرة فى ترجمة عامر بحيرى العمودية المقفاة للموقف نفسه، وفى ترجمة ثالثة للموقف نفسه بقلم محمد فريد أبو حديد:
ترجمة بحيرى بالشعر العمودى المقفى للمشهد عن روح الشعر ومجرى إيقاعاته:
"سيتون :
إن الملكة يامولاى قد هلكت فى ساعة الضيق تنهال الفجاءات
وكان أولى بها لو انها انتظرت حتى تلم لهذا الخطب أشتات
غد يمر ، وفى آثاره أبداً غد، تدب به للدهر خطوات
هو السجل كتبنا فى صحائفه لكل مبتدئ فيه نهايات
والناس حمقى مشى الماضى يضئ لهم حتى احتوتهم قبور مدلهمات
ممثلون تلهوا فوق مسرحها ثم انقضوا ، وتلاشت فيه أصوات
كأنها قصة خرقاء يسردها أحيمقٌ ، قد أكدته الشروحات"

ثم أمعن النظر

2- فى ترجمة لويس عوض النثرية للموقف نفسه كشفاً للروح الشعرية ولروح الإيقاع :

"سيتون: الملكة ماتت يامولاى
مكبث: ليتها ماتت بعد هذا الأوان
إذاً لوجدنا الوقت لمثل هذه الكلمة
غداً ، ثم غداً ،ثم غداً
هكذا نزحف من يوم ليوم فى خطو بطئ
حتى نبلغ آخر مقطع فى سجل الزمان
وكل ما مضى من أمس قبله أمس
أيام تركت فأضاءت طريق الحمقى إلى تراب القبور
انطفئ ! أيتها الشمعة الصغيرة! ما الحياة إلا ظل عابر.
هى ممثل تافه يمشى الخيلاء ، ويملأ المسرح ساعة بضجيجه
ثم لا يسمع له صوت بعد ذلك..
هى قصة يرويها أبله ، كلها صخب وهدير
ولكنها خالية من كل مغزى .." 51

3- النموذج الشعرى المرسل من ترجمة محمد فريد أبو حديد للموقف نفسه (روحه وايقاعاته):
"سيتون: مولاى ماتت ملكتى!
مكبث: ليتها قضت بعد حين
علَّ فيما يكون بعد من الوقت
أواناً لمثل هذا الحديث
بل غد ، بعده غد، وغد آخر
تحبو بتلك الخطى القصار دبيباً
تتوالى يوماً فيوماً
إلى آخر حرف مسجل فى الزمان
كل أمس لناس أضاء لحمقى
فى طريق يفضى لموت التراب
أيتها الشمعة الضئيلة ، بعداً لك ، بعداً
فإنما العيش فى ظل
كخيال يمشى ، وكاللاعب المسكين
فى مسرح يضج ويزهى
ساعة قدرت له ، ثم يمضى
ثم لا يسمع من بعدها مدى الأيام
إنها قصة يرددها الأبله
صوت وهيجة .. دون معنى". 52

ألا تدب الحياة فى الفاظ الترجمة النثرية وتسرى سريان الدم فى العروق؟
إن النص الأدبى جسد حى سواء كان من جنس الشعر أو من جنس النثر و روح الشعر. إن طلبت فى القصيدة فإن صوت الشاعر فى الصور المنظومة هو دليل وجودها تكن إلتماسها فى المسرحية لا يصح عند الشاعر بل عند الشحصيات لأن لسان الحال فى العمل المسرحى مؤلفاً كان أم مترجماً ، شعراً كان ام نثراً هو الشخصيات وليس المؤلف ، إذ يتحتم أن تتخفى روح الشاعر تمام التخفى وتتوزع على أرواح الشخصيات فلا ترى مطلقاً وظهور الروح عند كل شخصية له أطواره المتدرجة وصوره المتعددة والمتنوعة وفق حالتها وتفاعلاتها الدرامية فى الحدث المسرحى نفسه ، ولا شك أن الإيقاع يعد المظهر المسموع والمرئى الأكثر وضوحاً للدلالة على روح الشعر سواء فى القصيدة أو فى النثرية الأدبية (الحوارية) غير أن صوت الإيقاع يصبح أكثر ضجيجاً فى الشعر المقفى عنه فى الشعر المرسل وفى شعر التفعيلة ويقل ضجيجه فى المسامع النثرية عنه فى المسامع المقفاة والمسامع الشعرية غير المقفاة ، كما تبدو حركة الصور المرئية بعين الذهن فى الإيقاعات عند المصور أقل وهجاً فى ميزانية الإيقاعى عنها فى الصورة الشعرية المرسلة وعنها فى الصورة الشعرية المقفاة على النحو الذى تكشف عنه النماذج السابقة لمشهد مكبث بعد تلقيه نبأ انتحار الليدى مكبث.

ومع أن الإيقاع يشكل العمود الفقرى أو العقل المنظم لحركة الصورة وتواليها فى المشهد سواء فى ترجمته الشعرية العمودية أو المرسلة أو النثرية ، إلا أن روح الشعر تبدو لى أكثر حضوراً فى ترجمة لويس عوض النثرية عنها فى ترجمة فريد أبو حديد الشعرية المرسلة، بينما تضج روح الشعر فى ترجمة عامر بحيرى للمشهد نفسه من اصطكاكات الإيقاع وفجاجاته التى تخلو الإنسيابية اللازمة للأداء المسرحى.
فى ترجمة لويس عوض تعكس الصورة فى قول مكبث حالة من حالات روحه ، حالة الإستسلام للقضاء والقدر ، تعكس إدراكه لعمومية هذه الحالة ، لأن البشر كلهم يزحفون وليس هو الزاحف الوحيد نحو آخر مقطع خطه القدر فى عمر الإنسان وهذه الحالة قد سيطرت على روحه من قبل أن ينعى إليه نبأ موت الليدى مكبث. فالزحف نحو النهاية مستمر قبل علمه بالنبأ. وما موتها سوى انتهاء خطواتها لأنها بلغت المقطع الأخير فى سجل حياتها.
إن كل الذى كان يتمناه مع حالة الإستسلام للقضاء والقدر ، هو فحسب بعض الوقت حتى يمارس معها لعبة انتظار النهاية المحتومة وهذا ما يعكسه لفظه بعد علمه بنبأ موتها وقبل أن يعلق على النبأ يظهر روح إستسلامه ويعلنها بعد سماعه للخبر:
"ليتها ماتت بعد هذا الأوان
إذا لوجدنا الوقت لمثل هذه الكلمة!
غداً ، ثم غداً ،ثم غداً"
إن روح الشعر تظهر فى تمنى مكبث أن يمتد عدد خطوات زوجته شيئاً ما ليمارسا معاً لعبة انتظار النهاية وتلك لعمرى روح كل ابن حواء ، تلك كانت الترجمة النثرية للموقف عبر عنها لويس عوض ليصور روح مكبث التى اندمجت فيها روح شكسبير بل روح الإنسان فى كل مكان وزمان قرب شعوره بإقتراب أجله فما هو مدى وفاء ترجمة أبى حديد الشعرية لروح الشعر وروح الإنسان التى زعم بحيرى وفاء الشعر العمودى بها دون غيره:
"ليتها قضت بعد حين
عل فيما يكون بعد من الوقت
أواناً لمثل هذا الحديث
بل غد ، بعده غد ، وغد آخر "

إن ظهور روح الشعر يكون خلال المعنى من وراء هذا الظهور والجمل الملتبسة التى تبنى عليها الصورة الشعرية لا تفى المعنى حقه من الوضوح أو من البلاغة ، ففصاحة المظهر اللفظى هى الفاعل الرئيسى فى بلاغة المعنى ، فلا بلاغة فى المعنى الملتبس والأسلوب الذى يلفه الغموض لفاً يلبس معناه على مستقبله ، فلفظتى (ليت) و (علَّ) عند أبى حديد تفيدان التمنى ، بينما تعبر (ليت) فى ترجمة لويس عوض النثرية عن التمنى وتعبر (إذا) عن تبرير التمنى ، وبذلك فإن توظيف لويس عوض للفظتين مختلفتين تعطيان معنيين مختلفين الأول (طلبى) والثانى (سببى) وذلك أفصح من توظيف أبى حديد للفظتين هما أداة لمعنى واحد – من ناحية – ومن ناحية ثانية تعطينا لفظتى لويس عوض إيقاعين صوتيين مختلفين وبذلك تكون فصاحة اللفظ فى الترجمة النثرية عند لويس عوض أنفع لبلوغ المعنى على المستويين الدرامى والشعرى وأكثر تحقيقاً لجماليات التنويع الإن ظهور روح الشعر يكون خلال المعنى من وراء هذا الظهور والجمل الملتبسة التى تبنى عليها الصورة الشعرية لا تفى المعنى حقه من الوضوح أو من البلاغة ، ففصاحة المظهر اللفظى هى الفاعل الرئيسى فى بلاغة المعنى ، فلا بلاغة فى المعنى الملتبس والأسلوب الذى يلفه الغموض لفاً يلبس معناه على مستقبله ، فلفظتى (ليت) و (علَّ) عند أبى حديد تفيدان التمنى ، بينما تعبر (ليت) فى ترجمة لويس عوض النثرية عن التمنى وتعبر (إذا) عن تبرير التمنى ، وبذلك فإن توظيف لويس عوض للفظتين مختلفتين تعطيان معنيين مختلفين الأول (طلبى) والثانى (سببى) وذلك أفصح من توظيف أبى حديد للفظتين هما أداة لمعنى واحد – من ناحية – ومن ناحية ثانية تعطينا لفظتى لويس عوض إيقاعين صوتيين مختلفين وبذلك تكون فصاحة اللفظ فى الترجمة النثرية عند لويس عوض أنفع لبلوغ المعنى على المستويين الدرامى والشعرى وأكثر تحقيقاً لجماليات التنويع الإيقاعى ، حيث تؤدى المفردة إلى تخليق مفردة أخرى ، تنبنى الثانية على تحقق الأولى ، وهكذا الحال ، إلى نماء يؤدى إلى ذروة الفعل فنتيجته المنفرجة ، ذلك النماء الذى يكشف عن الروح الإنسانى الذى تشكل إيقاعات الحركة والدوافع سبل ظهورها المتنامى.
ولفظة "تحبو" فى السطر الشعرى لترجمة أبى حديد ليست تفيد حالة خطوة نحو النهاية ، ولكنها تعكس حالة البداية لأن الحبو صفة تطابق حركة السيرة الطفولية ، هى صفة لبداية حياتية وليست تطابق حركة خطو فى نهاية رحلة حياة إنسانية
لذلك كان إختيار لويس عوض للفظة "نزحف" ألصق بالحالة التى تستنشق رائحة الموت ، وألصق بالإنسانية فى عمومها فالزحف فعل جمعى يخص الماضين والحاضرين والقادمين ، الجميع زاحف نحو مصيره ، والزحف مراحل " من يوم ليوم " فى حين أن "الحبو" متوال عند أبى حديد ولئن كان الحبو نوعاً من الزحف ،إلا أنه زحف الطاقة المتفتحة النشطة المتوالية فى حين أن زحف المستقبل لنهايته المحتومة يكون على مراحل لأنه يقاومه من داخله ، فهو رافض له ، فى حين أن زحف (الحابى) طفلاً هو زحف الراغب الفرح بزحفه ، هو زحف غير مدرك ، ولكنه زحف غريزى والفرق كبير بين الزحف المدرك المستبصر الخبير والزحف الغريزى !! وبين المظهر الإيقاعى لكلا الزحفين ولننظر أخيراً إلى طبيعة الصورة فى ترجمة لويس النثرية وإلى طبيعتها فى ترجمة كل من أبى حديد وعامل بحيرى الشعريتين: لنر أى الصور الثلاث المترجمات أقرب إلى روح الشعر وقيمة الجمالية وأى إيقاع منها أقرب إلى الموقف المأساوى لمكبث:
لويس عوض: " أيام احترقت فأضاءت طريق الحمقى إلى تراب القبور"
أبو حديد: كل أمس لنا أضاء الحمقى
فى طريق يفضى لموت التراب
بحيرى:" والناس حمقى مشى الماضى يضئ لهم
حتى احتوتهم قبور مدلهمات"
أبو حديد قصر الحمق على بعض الناس ، وجعلنا نعتقد أن هناك لوناً من الموت لا يفضى إلى التراب فخالف الحديث أما ترجمة بحيرى فتخص الجميع بالحمق وتخص الماضى وحده بالإضاءة من الميلاد حتى الممات .
فالماضى هو ما ينير للناس وهم حمقى سبيل الحياة ولا شئ غيره ! وهو يعكس روح التعصب للماضى ويدعو إليه وحده قدورة للحاضر وللمستقبل- وذلك يناسب إيقاع فكره- وذلك يتعارض مع روح الشعر التى هى الإبداع والقدرة الفذة على الخلق التصويرى على غير مثال ، ويتناقض مع "الدور الكبير المنتظر" من المسرح الشعرى "فى ظلال الثورة وتحت أعلام الوحدة العربية"- التى هلل لها مع المهللين وقتذاك- والثورة تكتسب مسماها من تخطيها للماضى والحاضر استشفافاً للمستقبل وتلمساً لضيائه والإستضاءة الاجتماعية به . فى ترجمة أبى حديد تعميم والتباس وبعد عما قصده شكسبير فى صورة وصفه للحياة البشرية التى هى أشبه بحياة شخصية يؤديها ممثل فاشل فى حلبة المسرح:

"فإنما العيش ظل
كخيال يمشى، وكاللاعب المسكين
فى مسرح يضج ويزهي
ساعة قدرت له ثم يمضى"

لقد أضرت الترجمة هنا بالمعنى الذى قصده شكسبير "فاللاعب المسرحى" لا تخص الممثل بل تخص الراقص والمغنى ولاعب السيرك أيضا:
أما ترجمة بحيرى لتلك الصورة ففيها تعميم يبتعد عن المعنى الذى أراده شكسبير:
"ممثلون تلهوا فوق مسرحها ثم انقضوا ،وتلاشت فيه أصوات"
إن الممثل لا يتلهى فوق خشبة المسرح ، وإنما التلهى يكون للجمهور فى نوع من أنواع الدراما فى (الملهاة) والأصوات ليست هى فحسب التى تتلاشى بالموت ولكن الحركة والفعل أيضاً.
وفى الألفاظ بترجمة بحيرى تثاقل لا يتناسب مع الإنسيابية التى تتطلبها لغة الأداء التمثيلى:" قد أكدته – أحيمق- الشروحات – مدلهمات الفجاءات" وفى قوله:
" قد كان أولى بها لو أنها انتظرت حتى تلم لهذا الخطب أشتات"
إذاً لم يبن الفعل "تلم" للمجهول فيه إكفاء.


وخلاصة الأمر :

أولاً: أن روح الشعر لا تتحقق – فيما رأينا- فى ترجمة بحيرى الملتزمة بعمود الشعر على طريقة (شوقى وأباظة) كما أوضح- ولم تتحقق دقة المعنى الذى أراده شكسبير على لسان الشخصية بما يناسب إرادتها عنده وعند أبى حديد.

ثانيا: اختلف الإيقاع فى المشهد الواحد وعلى لسان شخصية واحدة هى مكبث لإختلاف المترجم "ثقافة وإدراكاً ومعايشة وموهبة وخبرة وروحاً شعرية" تدرك أن الإيقاع يشكل عنصر القبول أو النفور عند الذوق المتلقى لفكرة من الأفكار ، متوافقاً مع إيقاع الأسلوب أو الشكل الذى يكون بدوره نظاماً زمنياً متدفقاً ، وفق خطة بنائية جمالية محكمة فى الزمان (فنون السمع) او فى المكان (فنون الرؤية) فو فيهما معاً فى حالة من الحضور إرسالاً واستقبالاً فى آن وزمان (فن المسرح)





















المقاربة الثقافية في (محاكمة إيزيس)
بين الإبداع الفلسفى والإبداع المسرحى

- دراسة تطبيقية –

تتبدى البصيرة الحداثية فى مسرحية لويس عوض (محاكمة إيزيس) أولاً فى اختياره لشخصية (إيزيس) نفسها على اعتبار أن فكرة البعث قد تبلورت فى قصة جمعها لأشلاء زوجها أوزيريس لتعيده إلى الحياة ومن ثم نشوء حالة من التقديس تحيط بدورها وبقصة نجاحها فى ذلك الأمر الخاق للقدرة الإنسانية مما أحال هذه الحادثة الإسطورية إلى طقس دينى ترسخ على هيئة إعتقاد فى نفوس الناس فى كل أرجاء مصر ولعصور متتالية فإيزيس إذن هى المنبع الأساسى لفكرة التقديس والشعيرة الطقسية والإعتقاد بالبعث والخلود ، لذلك فقد وجد فيها لويس عوض منطلقاً لاعمال بصيرته ومصدراً حاضاً لنا على أن تعمل بصيرتنا لنتجاوز (منامة الطقس) إلى (نهار اليقظة).
ولا شك أن تجاوز (منامات عصور الطقس) تحتاج مناَّ إلى معاناة فكرية ووجدانية عميقة لا يقدر عليها من لم يتملك بصيرة لويض عوض الحداثية ، ولأن لويس عوض أحد الرموز الثقافية الكبيرة فى مصر وبلاد العرب ، ولأنه مفكر ملتزم بقضايا التنوير لذلك حمل عبئ تقريب المسافات بين جيلنا والأجيال التالية على جيلنا ونهار اليقظة فحملنا على متون كتاباته النقدية من سرير منامات عصور الطقس إلى نهار اليقظة . وهو فى سبيل ذلك يحلق بنا فكره ممتطياً متن مسرحيته تلك لنبصر بعين الحداثة من عل حيلة تخفى (عشتروت) فى هيئة خادم لترضع وليدها فى القصر الملكى إشارة إلى المقاربة الثقافية الدينية مع تخفى أخت موسى فى القصص الدينى لترضعه طفلاً فى قصر الفرعون.
ثم نبصر بعين الحداثة شعيرة الحج إلى قبر (أوزوريس)، إشارة إلى المقاربة الثقافية الدينية مع (شعيرة أو فريضة الحج إلى مكة أو إلى بيت المقدس) ونبصر بعيون حداثية معجزة الأم التى تحمل دون ان يمسسها بشر فتلد (حورس) فى الطقس الدينى الفرعونى إشارة إلى معجزة العذراء فى الحمل بدون أن يمسسها بشر.
وتبصر بمنظار الحداثة المقاربة الثقافية بين قصص اختلاء ايزيس بنفسها مكاناً قصيا ًعند المخاض وقصة مريم ومخاضها فى القصص الدينى.
تم نبصر بعين لويس عوض الحداثية فكرة التثليث مرتين الأولى فى العبادة الأوزيرية (إيزيس ، أوزوريس ،حورس) والثانية فى المسيحية (الأب ، الإبن ، الروح القدس) ونبصر معه خلاص (حورس من ست ) فى نهاية المطاف ، كما نخلص فى النهاية من (المسيخ الدجَّال) فبعث حورس للخلاص من الشر فى آخر الزمان كقيام المسيح للتخلص من المسيخ الدجال فى آخر الزمان.
ونبصر فكرة صعود الإله فى مقاربة ثقافية مع صعود المسيخ إلى السماوات ونبصر فكرة الأضرحة وفكرة إنطاق الجوامد والصوامت وغيرها.
وفي استعارتنا لبصيرة لويس عوض ومرورنا المارق بين هذه المفاهيم والعلامات الدينية وما ترمز إليه نسترجع ما يقابلها من علامات ورموز دينية ثابتة في معتقداتنا ، فنكتـشف أن هذه المفاهيم وتلك الطقوس انحدرت إلينا وفق التراتبية المعرفية كموروث ثقافي عاش في جنسنا منذ ذلك التاريخ السحيق للفراعين وما زال فاعلاً في عصرنا الحديث . وهنا لا يصبح أمام من أبصر مفعول التراتبية المعرفية ببصيرة لويس عوض الحداثية ، إلاّ أن يقفز من ( مركبة الطقوس النوّامة ) ليهبط هبوط أورفيوس في ( نهار اليقظة ) . وعندها تكون رسالة لويس عوض التي حملها متن مسرحيته ( محاكمة إيزيس ) قد وصلته وتكون دعوته إلى محاكمة إيزيس محاكمة لامتداد تأثير قداستها إلى العصور التالية على عصرها وصولاً إلى عصرنا الحاضر وهي محاكمة تدين التراتبية المعرفية والتواصل الثقافي وثقافة الثوابت .
ومع أن نص لويس عوض من جهة نظري يعد نص المواجهات الدرامية للفكر ونقيضه الفكري ، إلاّ أن ذلك لا يحيل النص إلى حالة من حالات الصراع الفكري الجاف أو الخالي من روح الكتابة المسرحية في تقنياتها وجمالياتها .
لقد قرأت النص في المرة الأولى ونسيت أنه لكاتب معاصر فلقد خدعني الأسلوب الفني فاعتقدت بأنني أقرأ نصاً مسرحياً قديماً . ولو قارنّا بين نص ( بعث حورس 53(ونص (محاكمة إيزيس ) لما لاحظنا فروقاً تذكر في أسلوب عرض صراع الأفكار في هيئة شخصيات ولا في تقنيات الكتابة وجماليتها ولا في إلباس الآلهة صفات بشرية ففي ( بعث حورس ) وفي النص الموازي الذي تبدأ به الافتتاحية نجد المنظر عبارة عن )مستنقعات البردي بمدينة خميس بالدلتا حيث اختبأت إيزيس بعد مصرع زوجها أوزوريس ، وبجوار إيزيس جثة ولدها حورس هامدة. إيزيس تخاطب النظارة لتعرض عليهم أحزانها(.

• الصفات البشرية للآلهة بين الثبات والتغير:
ارتبط المسرح الفرعوني بالفكر الديني وبالقيم الدينية ارتباطاً وثيقاً . وقد شكلت كل من الأفكار والقيم الدينية دور المسرح ووظيفته الطقسية ، على أساس أن المسرح الفرعوني هو مسرح الآلهة ؛ الداعي إلى أن الإنسان قائم في وقوف الآلهة إلى جانبه .
ومع أن للآلهة الفرعونية صفات بشرية ومع أن الصفات البشرية متغيرة ومتبدلة ؛ إلاّ أن تلك الصفات لها صفة الثبات ، لارتباطها بالآلهة ، وباعتبار الآلهة خالدة ، لذا فتلك الصفات التي استعارتها من البشر لها صفة الخلود أيضاً. إن لويس عوض في نص ( محاكمة إيزيس) يحاكم الأسطورة نفسها بالكشف عن مقاربتها للنص الديني السماوي فهو المبدع الباحث المعاصر في ذات الوقت في النصوص المصرية القديمة عن قصص دينية حدثت مع الآلهة في أحداث الأسطورة ، ثم يقارنها في ذات الوقت بما ورد في ( الكتاب المقدس ) و( القرآن ) بعد ذلك . ومنها قصة ) عشتروت ) في نص ( محاكمة إيزيس ) حيث تخفت في هيئة خادم ودخلت قصر ملكة لبنان مرضعاً لوليدها الصغير ) وقصة إيزيس ومعجزة حملها بالروح القدس دون أن يمسها زوجها54 وقصة إلقاء إيزيس لابن عشتروت في النار وخلوده وقصة اختلاء إيزيس بنفسها مكاناً قصياً ، وفكرة الإله الابن والابن المخلص حورس ، كل ذلك القصص الديني يشبه قصصاً لموسى وأمه أو أخته التي تخفت ودخلت قصر الفرعون لترضع وليدها وقصة حمل مريم بالروح القدس وقصة إلقاء إبراهيم في النار وخروجه سالماً وفكرة التثليث عند المسيحية معجزة الأم العذراء التي تحمل دون أن يمسسها زوج عند إيزيس في المسرحية وعند مريم في العهد الجديد والقرآن . إن تكرار تلك القصص الدينية في الكتب السماوية ، يقطع بثباتها في عقيدة المؤمن بالله وكتبه ورسله . كذلك نجد في النص نفسه فكرة الأضرحة وزيارتها . كذلك نجد في نص ( محاكمة إيزيس ) شعيرة الحج إلى قبر أوزيريس ، حيث يحج الناس إليه ونجد فكرة الثأر من قاتل أوزيريس فعندما (استكمل حورس بأسه وفتوته خرج ليثأر لأبيه من قاتله ) وفكرة الخلاص التي عرفتها المسيحية بعد ذلك ، مع فكرة الثالوث المقدس ( الأب - الابن - الروح القدس ) كلها عرفها المصريون القدماء من خلال قصة خلاص ( حورس ) من (ست) عمه وقاتل أبيه ) أوزوريس ) وفكرة القضاء على ( المسيخ الدجال ) نراها في النص نفسه حيث أن استيقاظ حورس كان في آخر الزمن ؛ ليخلص الكون من الشر . فكرة صعود الإله ومثلها صعود المسيح في الفكر المسيحي .. إن كل تلك الأفكار دينية أو متصلة بالعقائد ، وهناك أفكار أو عادات متصلة بالعقائد مثل فكرة ( النواح ) فلقد " كانت مصر من أقصاها إلى أقصاها تنوح كل عام لتمزيق هذا الإله المعذب فتحلق النساء شعورهن ويدققن الصدور ويصبغن وجوههن بالنيلة ويلطخنها بالوحل حزناً على تمزيق إله الخصب " 55
ومثل هذه العادات مازالت تمارس إلى الآن في صعيد مصر وفي ريفها وتكرارها عبر العصور أحالها إلى طقس أو عادة فلكلورية ( تراث ) . وهناك من الفنون ما كان نتاجاً لشعيرة دينية فرعونية ، وأقصد بها فن أو لعبة (التحطيب(.
إن هذه اللعبة المنتشرة حتى الآن في صعيد مصر هي بقايا شعيرة دينية مصرية قديمة ؛ ولندع هيرودوت المؤرخ اليوناني القديم يخبرنا عمّا كان المصريون يفعلونه في حفلاتهم هذه التي مجدوا بها قصة إله الخصب ؛ يقول هيرودوت :
" وما أن تبدأ الشمس في المغيب حتى يتجمع نفر من الكهنة حول التمثال مقبلين على عجل إقبالهم على أمر هام ، وأما بقية الكهنة ، وهم الكثرة ، فقد كانوا ينتظرون عند مدخل المعبد حاملين الزقل والشوم ، وفي الجانب الآخر كان أكثر من ألف شخص يتجمهرون وكلهم من ناذري النذور ، وكان كل منهم يحمل عكازاً " وتنشب معركة بين الطرفين بالشوم بين من في موكب تمثال الإله والذين تجمهروا وسدوا عليهم الطريق ليحولوا بينهم وبين دخول المعبد " وهكذا تنشب معركة حامية يستخدم فيها الشوم وتشج الرؤوس ويموت الكثيرون56 " .
ويعلق د. لويس عوض على ذلك بقوله : " وواضح من هذا أن عادة التحطيب التي لا تزال قائمة بيننا حتى الآن كانت في مصر القديمة جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الدينية الخاصة بعبادة أوزيريس ، أو على الأصح بعبادة ولده حوريس ، إله القوى المنتقم لأبيه ، هرقل مصر وماحق الشر فيها " .
وأخلص مما سبق إلى أن كل ما ارتبط بالعقيدة الدينية من صفات انحدرت عبر العصور القديمة - عصور الوثنية لتصبح من ثوابت الفكر الديني السماوي.


نص مسرحية ( محاكمة إيزيس (
بين ثقافة الثوابت وثقافة المتغيرات

يثبت النص الذي بين أيدينا أن الآلهة المصرية القديمة لها عواطف مثلها مثل البشر فهي تحس وتحقد ، فهذا ( ست ) بعد وصوله إلى " أون " وهو يرتقي درج المعبد فرأى " مرمره الأملس النظيف المطعم بالبازلت أضمر البغض لكاهن أون وعزم على تأديبه " فإذا ببغضه وحقده يتحول إلى حسد ، حتى أنه " نفخ في الأعمدة المنقوشة فطمست أنفاسه الصلوات المحفورة على الأعمدة بغبار أصفر رقيق57 "
وتظهر فكرة إنطاق الجوامد في النص نفسه أيضاً " وهمس عمود لعمود " الإله الأصفر الإله الأصفر " 60 وفكرة إنطاق الجوامد ، فكرة تراثية فلكلورية أما فكرة المعاشرة الجنسية بين المحارم ، وهي فكرة دينية ارتبطت بالنواهي أو المحرمات ، تلك التي نهت الآلهة البشر عن اقترافها ؛ لكنها هي نفسها تمارسها فهذا ( رع ) الإله الأعظم يمارس المحرمات : " لقد وعد زوجة أخيه الجميلة " آيا " وهي خليلته في وقت واحد ، بأن يزورها الغداة بمنفيس ، وفي صحراء منفيس سوف يكيدك الإله ست سلطان الصحراء " 61 إن ممارسة الغرائز ليست سلوكاً إلهياً ، ولكن الآلهة القديمة تمارس الغرائز ، والعواطف : ( الحسد والحقد والنفاق والشذوذ ) ويظهر النفاق في سلوك كاهن معبد ( أون ) للإله ( ست) فهاهو يتضرع للإله ست منافقاً :
" أنوبيس : مولاي عفوك يا مولاي ، إنه خادم المعبد ، ولسوف أطرده غداً من المعبد .
لسوف أطرده غداً من أون يا مولاي . لسوف أزجه غداً في السجن . مدى
الحياة إن شاء مولاي إنها غلطة لا تغتفر ، ولكن مولاي أرحم الراحمين "
ست : أيها المخادع
أنوبيس : الرحمة يا مولاي
ست : كيف تزيل أثاري من كل مكان ؟ أين الرمال . رمالي ؟ على الدرج رمال على
الأعمدة رمال في الأبهاء رمال . ولكنك أزلتها أيها المخادع . أتخشى بأس
أوزيريس؟ غداً تعلم أينا سيد الوجود .
أنوبيس : كلا . كلا إنه خادم المعبد يا مولاي . لسوف أطرده غداً من أون . لسوف
أطرده شر طرده . بعد المحاكمة يا سيد الوجود فوراً فوراً . إن عندي ثلاثة
عجول سمان وهبتها لك يا سيد الوجود كلها لك . غداً تخرج أسرتي إليك
بالضراعة والقرابين " .62
وتظهر في هذه الحوارية فكرة النفاق والمداهنة وفكرة اللوم وفكرة الوعيد والانتقام والردع كما تظهر فكرة ( الكفّارة ) حيث يكفر أنوبيس عن خطئه أو خطيئته بتقديم القربان (ثلاثة عجول ) وكلها صفات بشرية . وسرعان ما يتحول أنوبيس عن ست بعد أن " رأى الآلهة الآخرين وافدين من بعيد مثنى مثنى ، يتقدمهم " تحت " كاتب الآلهة " (9)
ومن الملاحظ ، أن الآلهة غيرى من بعضها البعض ، وهي تتنافس وتتصارع وتتناكح وتخون وتلك كلها صفات بشرية متكررة عبر تاريخ البشرية وهي بذلك ثابتة من حيث إطارها الخارجي أو العام ولكنها متغيرة من حيث تفاصيلها والظروف المحيطة التي تؤدي إليها وصورها.
وسوف لا ندهش إذا رأينا ( بتاح ) إله الصناعة أو الحدادة يصطفي غلاماً صبوحاً !! أو إذا رأينا إيزيس " قد أسدلت على وجهها حجاباً رقيقاً من نسيج عجيب لا تنفذ فيه الأبصار " أو إذا طالعتنا فكرة سخط الآلهة للبشر ليصبحوا حيوانات أو جمادا . وقد لا ندهش إذا وجدنا أنوبيس الذي كان منذ لحظة يتذلل للإله ست ، يتمرد عليه ويتبجح وتتبدل لغة التذلل إلى لغة التجرؤ والتطاول بعد حضور الآلهة وخاصة الإله ( بتاح ) بدرعه المضئ وحرابه الكثيرة :
" أنوبيس : لقد ظلمني سيدي . إن سيدي قد حضر قبل الجلسة بربع ساعة دون سبب أعرفه .

وهذا مخالف للوائح المحكمة التي أصدرها القاضي " تحت " ووقع عليها جميع الأرباب إن في هذا إرهاباً لهيئة المحكمة يا سيدي . محال أن ينفرد الآلهة بالبشر أو أن ينفرد الآلهة بالآلهة قبل انعقاد الجلسة . لقد كان ينبغي أن ينتظر في استراحته63 "
وعلى الرغم من ذلك فإن حواره يعطينا فكره عن طبيعة النظام القائم والمعمول به بين الآلهة عند التقاضي وفكرة الحياد التي يجب مراعاتها حينئذ .
كما يكشف قول أنوبيس لـ " ست " عن فكرة التهرب من النذر أو الالتزام :
" .. .. أما العجول الثلاثة فرجائي أن يكتفي سيدي بعجل واحد منها ، الأسبوع المقبل سوف تخرج أسرتي إلى الجبانة وتوزع اللحم على روح عمي . وسيدي يعرف أن " أوزيريس " يوزع الرحمة بمقدار ما توزع اللحم " 64
إن فكرة الترحم على الأموات عادة قديمة وكذلك فكرة الاسترضاء ، وفكرة النذور . وفكرة ذم الخصم والغيبة :
" إن " أوزيريس " قد غدا في الأيام الأخيرة إلهاً جشعاً منذ أن أقام في " ببلوس" 65
" أنظر يا سيدي إلى هذا الرخام المشقق من منّا سيدفع نفقات إصلاح المعبد ؟ سوف أتولى أنا إصلاح المعبد ثم أخصم النفقات من نصيب سيدي في النذور "
".. ويل للبشر من الآلهة . ويل للبشر من الآلهة " 66
حتى فكرة التبرم بالآلهة والتضرر من مطالبها ثابتة في هذا النص المسرحي وفكرة توظيف جزء من حصيلة النذور الخاصة بالمعبد.

المونولوج بين مراجعة النفس وضبط انفعالاتها :
إذا كان الحوار قد اتخذ في المسرحية عدداً من المستويات المتنوعة ما بين الحوار الجماعي ( حوار الكورس ) تعبيراً عن رأي عام والحوار الثنائي ( الديالوج ) والحوار الثلاثي (التريالوج) فإنه قد ظهر في شكل الحوار الفردي في المناجاة ( المونولوج ) أيضاً ، حيث تتصارع عاطفتين أو إرادة وعاطفة لدى شخص واحد وذلك قائم في الموقف الذي يقفه الإله ست مع نفسه بعد تهجم الكاهن ( أنوبيس ) عليه وتطاوله ليس عليه وحده ، ولكن على خصمه أوزيريس ، وست يراجع موقفه منه . يراجع رغبته في الانتقام من ذلك الكاهن ( مندوب البشر في محكمة الآلهة ) حتى " لا يؤثر في مجرى العدالة " وحتى لا " يتذرع اللئيم " تحت " بذلك ليطلب تأجيل الجلسة ؟ إنه ظل قرنين كاملين ينتظر هذه الخطة الحاسمة . والأرباب كلهم بين مؤجل ومسوف ومتوسط في الصلح "

وهكذا يتحاور في " ست " عقله مع عاطفته :
" ست : إن تحت كان دائماً يقول : " هب اتهامك صادقاً " ولكن عار أن تنشر الآلهة
غسيلها القذر أمام الناس سوف يتندرون بنا كلما اجتمعوا حول قصاع العدس أو التقوا بين أعواد الذرة في الحقول . إن " تحت " كان يرفض دائماً أن يدعوا الأرباب الأجانب ليشهدوا المحاكمة . وكان يقول في ذلك " أيها الزملاء استحلفكم أن تبقوا زيتنا في دقيقنا ، لا تلوثوا سمعة مصر في الخارج . سوف يعصف هذا بشرفنا القومي ، كيف تكشفون عورتكم أمام آلهة البرابرة ؟ واهاً على المجد الذي كان أيام أن كان اسم " رع " مولانا العظيم ولد " نون " ذي الغدائر الزرقاء يرعب الأرباب الشياطين على جبل الأولب ، على جبل " البرز " من جبل أطلس " إلى جبل " القاف " من جبل " أرارات " إلى جبل عرفات وترتعش له أشجار " الهوم " على جبل " هملايا " وفي وديان " كشمير فلتتصدع أسرتنا في الداخل ولكني استحلفكم أن تكتموا شقاقنا على الأعداء ثم تذكروا جيوشنا في الأمصار سوف يحطم هذا روحها المعنوية سوف يؤثر هذا في تجارتنا . ولكن " أنوبيس " الماكر هو الذي استطاع أن يفسد عليه خطته ، ويحرجه إحراجاً أمام بقية الآلهة . إن أنوبيس هو الذي دبر ثورة البدو في صحراء النطاط وفي كل صحراء وأوحى إليهم أن ينادوا بمحاكمة " إيزيس " أو الانسلاخ من حكومة "منفيس " ألم يزيف " أنوبيس " الماكر آلاف الرسائل والعرائض وينسبها إلى أهالي النوبة وإلى حامية ( برقة ) وحامية " سينا " ويزعم فيها أن الأمصار تهزأ من أسرة " رع " وتجهز للثورة ما لم تحاكم " إيزيس محاكمة علنية وتثبت براءتها ؟ ويل للآلهة من البشر " . بل إن أنوبيس قد أفلح في دعوة " بنتاؤر ليشهد المهزلة ويخلد عار إيزيس بقريضه النضيد . ويل للآلهة من البشر67 "
إن هذا المونولوج يعكس روح التآمر في عالم السياسة ، ومع أنه يصور الحياة الخاصة للآلهة في صراعها مع بعضها البعض ، لكنه يعكس فكرة الوفاق بين طبقة الآلهة ولم شمل الآلهة تلك التي يحرص " تحت " إله الثقافة والفكر عليها في مجتمع الآلهة الفرعونية كذلك يعكس وعيه السياسي في حرصه على مصر الخارجية وحرصه على عدم إذاعة أسرار الآلهة في صراعاتهم حرصاً على مصالح البلد الخارجية في التجارة وفي ردع الدول المجاورة التي تدين لها بالولاء ، وفي الحرص على الأمجاد التي حققها " رع " وفي آسيا . لذلك يؤجل ست انفجاره في أنوبيس عند تذكره لكل ما كان منه ومن الآلهة ومن " تحت " وحرصه على أمن البلاد التي أخضعها المصريون لهم . فهو على الرغم من إدراكه بأن أنوبيس هو الذي يشيع الفتنة بين أفراد الشعب ( البدو في الصحاري ) وهو المحرض على محاكمة علنية لإيزيس وتجنيد الشاعر بنتاؤر وهو بمثابة وزارة الإعلام على أيامه ليصنع حملة إعلامية لفضح (إيزيس) ونقل صورة المحاكمة وعلى الرغم من ذلك فإن مصالح البلاد العليا أهم مما يفعله أنوبيس فالمهم هو إحباط مؤامرته .
هذه صورة الآلهة وهذه طبيعة القيم والأفكار والقضايا التي يعرض لها هذا النص وهي قيم بشرية تصنعها الآلهة وتتصف مثلها مثل البشر . وهي قيم وقضايا منها ما له صفة العبور إلى عصور تالية على العصر الفرعوني ومن قارة إلى أخرى ، لأن البشر هم البشر ، ولأن الآلهة المصرية تتخذ من الصفات البشرية - صفات لها ، وكذلك تفعل آلهة الأمم القديمة ؛ فربما كان هذا ما دعا شادون تشيني إلى القول إن " عالم الشعوب الهمجية يكاد يكون حافلاً بالآلهة والأرواح ذات القوة المقتدرة التي لا تعجز عن شيء " 68
ولأن الآلهة متعددة ولأنها لا تكتفي بممارسة تسلطها على بعضها البعض بل تتعدى ذلك إلى البشر وهم ضعفاء فتمارس تسلطها عليهم مما جعل الإنسان دائماً في حالة إظهار لخضوعه لها وفي حالة تملق وتقرب بالأضاحي والنذور والتراتيل والصلوات . والانحناءات . مما يولد لدى البشر والكهنة على رأسهم الولاء المزدوج .
إن النص يصور " ست " إلاهاً انتهازياً ، ويصوره محتقراً ومكروها ليس فحسب من البشر ممثلاً في الكاهن الأكبر أنوبيس ولكن من الآلهة أنفسها ؛ فهذا بتاح حين مر " ألقى نظرة إلى المرمر المتشقق وإلى كسر اللوتس الحجري وإلى الغبار الأصفر ا لذي طمس الصلوات على الأعمدة ، ثم ألهب "ست " بنظرات من نار وبصق على الدرج احتقاراً ، ومضى لحال سبيله وهو يقول :
" لولا حاجتي إليه لقتلته . لولا معاونته الكثيرة لأزلته من الوجود "
" وحين مرت " إيزيس " بالإله الأصفر أشاحت بوجهها ونقلت رضيعها حورس إلى ذراعها الآخر ، ورسمت علامة " العنخ " مفتاح الحياة " .
إن رسم علامة ( عنخ ) مفتاح الحياة وهي طقس استعاذة من الشر - فيما يبدو - عند الفراعنة المتدينين قد انتقل رمزاً للشهادة في الديانة المسيحية ، حيث إشارة التثليث فرمز عنخ مفتاح الحياة رسم يتكون من خطين متقاطعين الأطول رأسي متوج بدائرة أو حلقة بيضاوية والأقصر ويساوي نصف الخط الرأسي يقطعه في ثلثه العلوي بالعرض ، والصليب كذلك في رسمه حيث يبدأ الشعار الطقسي عند الفراعنة ثلاثياً ( أوزوريس - حوريس - الروح القدس ) ويبدأ عند المسيحية ( الآب - الإبن - الروح القدس ) ، وهذا معناه أن عقيدة التثليث قد انتقلت من الثقافة الفرعونية الدينية القديمة ، إلى الثقافة المسيحية بدءاً من ظهورها ومروراً بثقافة العصور الوسطى المسيحية وانتهاء إلى عصرنا ، وما يليه مما يقطع بأنها من الثوابت الثقافية القديمة المعاصرة في نفس الوقت .

الموروثات الثقافية:
مع أن كل ما هو دنيوي فهو متغير ، إلاّ أن من التقاليد الموروثة ما هو ثابت في مظهره فتقليد النذور والأضاحي والضراعة كلها لها مظاهر ثابتة ، وإن تغيرت جزئياتها أو أساليب ممارستها . ولأن النص يجعل تقليد تشكيل هيئة المحكمة قديماً تشكيلاً ثلاثياً ، وتقاليد احترام هيئة المحكمة وقرع المنصة أو الأرض لتنبيه المتقاضين إلى الوقوف احتراماً لهيئة المحكمة يجعلها تقاليد قديمة .. مثلما هي الآن في عصرنا ، فللمحكمة تقاليد نجدها هي نفسها تقاليد محكمة الآلهة الفرعونية .
" أنوبيس : محكمة "
فإذا كانت فكرة الاستجواب وكانت فكرة المداولة ، وفكرة رد القاضي وفكرة الشهادة والتعويض، كلها أفكار قضائية ارتبطت بالمحاكمات على نحو ما تشهده ساحة القضاء في المحاكم المصرية والعالمية في عصرنا ، فإن وجود هذا الأفكار في نص مسرحية ( محاكمة إيزيس) يعطي انطباعاً بقدم هذه الأفكار ، وبأنها تقاليد قديمة عبرت العصور والثقافات إلى أن وصلتنا بالتوارث . لذلك فهي تدخل ضمن الثوابت الثقافية :
" رع ضرب بصولجانه الأرض ثلاثا فسكت الحاضرون " " ثم سوى الإله الرامي على معبده شعره الأبيض المستعار وأصلح من عباءته وقال :
" رع : باسم "نون " العجوز ، عميد الأسرة المقدسة . ذي الغذائر الزرقاء ، نفتتح هذه الجلسة " ( نهض الإله الأصفر واستأذن وقال:
" أنا أطلب رد القاضي " تحت " عضو اليسار "
وحتى فكرة الطرد من الجلسة وحق القاضي في الحكم بذلك يوحي النص بأن المصريين عرفوها فلقد صورها هذا النص نفسه فهذا ( رع ) يسمع " شقشقة " مصدرها التوأمين " شحرم " و " طعرم " إذ كان الأول يقزقز لباً والآخر يمضغ لباناً :
" رع : أخرجوهما من الجلسة ، وإلاّ سجنتهما أربعاً وعشرين ساعة لامتهان هيئة المحكمة "
فيخرجهما الإله الأسود الخصي " نم نم " بقذفهما خارجاً على الدرج وكذلك يصور النص المحكمة القديمة وقد عرفت نظام الإدعاء :
" رع : فليبدأ المدعي بتلاوة صحيفة الاتهام " 69
وإذا كانت الثقافة غير مقصورة على الفكر أو على السلوك ولكنها تشتمل على نظم المعيشة ، طريقة الحياة نفسها في بيئة ما وفي عصر ما ، وكان الحجاب جزءاً من زي المرأة ، كما هو منصوص عليه في النص ، ووجدناه يطل برأسه من وقت لآخر في بيئتنا باسم التدين ، لذلك عددناه من ثوابت الثقافة حتى مع تذبذب ظهوره واختفائه حسب علو صوت السلفية والمنتسبين للدين .
" رع : إيزيس يا ذات الحجاب .
إيزيس : ( بصوت هادئ) أبتاه
ست : ( صائحاً ) أنا اعترض على صيغة الخطاب . إن القانون يحرم تبادل العواطف
في أثناء المحاكمة .
رع : الاعتراض مقبول . إيزيس يا ذات الحجاب
إيزيس : نعم يا صاحب الجلالة
رع : ارفعي يمينك
إيزيس : سمعاً وطاعة
رع : احلفي
إيزيس : أنا كل ما كان ، وكل ما هو كائن ، وكل ما سيكون ، أنا الحقيقة .
ست : أنا أعترض .
إيزيس : أقسم بالطفل الإلهي حوريس ، المخلص المنتظر ، المولود خارج الزمن ، أقسم بالطفل الإلهي الذي ورد في ألواح تحت الأزلية أنه سينهض في نهاية الزمن ويثأر لأبيه المقتول من قاتله .
ست : أنا أعترض
رع : الاعتراض مقبول . هل نسيت القسم يا إيزيس ؟
إيزيس : كلا ، كلا ، أقسم بالأب وبالإبن وبالروح القدس ، أن أقول الحق ، ولا شيء غير الحق . " 70
هذا القسم إذن أصيل في الثقافة الدينية والدنيوية المصرية القديمة ، وقد انتقل إلى الثقافة الدينية المسيحية ، لذلك فهو من الثوابت الثقافية الدينية والدنيوية معاً . ولقد انتقلت إلى الإسلام فكرة (البينة (
" رع : البينة على من ادعى
) يأخذ ست مكانه من القاعدة الحجرية ويرفع يمينه (
ست : اقسم بالإله الأكبر "رع " الرامي على معبده ساكن القرص وقت الظهيرة .
مجفف البحر والنهر والغدير . أقسم .
رع : هذا يكفي
ست : حين حبست أوزيريس في الصندوق الذهبي وألقيت به في مياه النيل حملته الأمواج حتى دمياطيس وهناك قذف به الماء الحلو إلى الماء المالح فظل يطفو إلى أن بلغ ببلوس عند شواطئ فينيقيا ، وفي ببلوس احتوته خليلة الآلهة ، ذات اللباس اللبني ، من الشجرة عموداً يقيم فيه معبدها الأزهر كان ذلك قبل عصر مينا العظيم " والسيد " أوزيريس لا يزال إلى الآن حبيس الشجرة والشجرة لا تزال إلى الآن حبيسة المعبد في ببلوس " 71
أليست تلك القصة متماسة مع قصة إلقاء أم موسى لوليدها في صندوق في النيل؟!
ثم فكرة الكائن المسخوط ، وهي فكرة أسطورية تتردد في الموروث الشعبي والديني كثيراً كفكرة زوجة ( لوط ) في بني إسرائيل وتاريخهم ، وكذلك وردت في القرآن .
" رع : ألديك شهود ؟
ست : نعم " ملكارت " جامع الذهب و " عشتروت " خليلة الآلهة "
ومن الملاحظ في استشهاده ، أن شاهديه : غني ، وامرأة متحللة حتى وإن كانت معبودة فينيقية ( لبنانية قديمة ) فهو شرير أو رمز الشر فيمن يستشهد ، ومن يناصره سوى من هم أشباه له ؟ ومن الملاحظ أن تلك العادة تمثل تقليداً سجله الحديث النبوي ( المرء على دين خليله ) ولأنه شرير فأصحابه مثله وهو يستشهد بأصحابه .
ثم إنه يمد حبل الإنكار إلى نهايته ليصل إلى ألوهية حوريس وفكرة الروح القدس :
" .. فمن أين لذات الحجاب ولدها ( ساخراً ) الطفل الإلهي أليس واضحاً أنها حملت به سفاحاً ثم ذهبت تروج الأساطير عن منشئه العجيب . ودسته على أسرتنا دساً ثم ذهبت تنتشر في الغوغاء وبين العبيد وخاصة بين العبيد ، خرافة الأم العذراء وتنسب لولدها أصلاً لم يسمع به إنس ولا جان . من منّا سمع بأم عذراء ، نعم كيف تكون الأم عذراء . وكيف تكون العذراء أماً؟ إن هذه أول مرة تكسر فيها قوانين الطبيعة . كلا . كلا . لن تجوز علينا هذه الحيلة . لو كان هذا صحيحاً لارتج بنيان الكون . إن هذه أخطر سابقة في تاريخ الخليقة ."72

إن فكرة وجود ابن للإله فكرة ثابتة في الدين المسيحي انتقلت - فيما نرى - من الفكر الديني الفرعوني ، فالمسيح في الفكر المسيحي ابن الله وهذا الحوار يكشف عن تطابق قصة العذراء إيزيس وحملها دون معاشرة زوج لها - بالروح القدس - مع قصة المسيح في المسيحية وفي الأديان .
ويحمل النص بذرة فكرة الإلحاد في المسرح الفرعوني ؛ فهو أول من أطلقها على لسان )ست) رمز القفر والشر والجدب عند الفراعنة ، ففكر ( الهرطقة ) أو إنكار القيم الدينية واضح في حواره . وكذلك يحمل حواره فكرة النذور وفكرة التقديس وفكرة التبرك وفكرة الحمل بنفخ الروح القدس في رحم العذراء . كلها أفكار دينية صورها النص في حياة إيزيس وست وحوريس وهي كلها أفكار دينية ما زالت تسيطر على اعتقاد المؤمنين المسيحيين ، ويسيطر أكثرها على فكرة الطبقة الشعبية والبسطاء فهم يتبركون ويقدسون وينذرون ، وهناك أيضاً من ينكر هذا أو يستنكره ، وبذلك فهو شبيه بـ ( ست (
ومن الثقافة الطقسية المترسبة في مجتمعاتنا الشعبية المعاصرة أيضاً ضرب النساء على صدورهن بأيديهن عند الفجيعة ، كما فعلت ( نفتيس ) زوج ست وشقيقة ( إيزيس ) عندما رأت ما حل بزوجها حيث يتهم أختها وهو يتصبب عرقاً عند هجومه على الإله " من " إله التناسل :
" ست : سوف تخلو صناديقك من النذور ، ومحاريبك من الشموع ، سوف يجوع كهنتك ويطوفون في الشوارع يشحذون لماذا ؟ لأن " إيزيس " حملت وهي عذراء . سوف تخرج العاقرات إلى معبدها أفواجاً ويركعن تحت تمثالها المحبب فيحملن بالروح . وسوف تخرج العاهرات إلى معبدها أفواجاً أفواجاً وترفع كل زانية طفلها الإلهي إلى زوجها أو أبيها قائلة : باركه فهو من الروح كل هذا لأن إيزيس ذات الحجاب أم عذراء . ألا فانزعوا عنها الحجاب73

تصوير الآلهة غير المصرية في صورة زرية:
ويعمد نص ( محاكمة إيزيس ) إلى تصوير شاهدي ( ست ) وهما أجنبيان تصويراً يحط من شأنهما فـ " عشتروت " وهي الآلهة الفينيقية عشيقة الآلهة وهي الوالهة في حب أوزوريس الذي لا يحب إلاّ إيزيس ، عشتروت تلك تغازل ( من ) إله التناسل المصري :
" من : كلكم تعرفون حدود مملكتي ، أنا رب التناسل أنا سيد الذكور والإناث . أنا معمر الكون بالأجيال الجديدة رعيتي كل أفراد الحيوان الناطق ، الناطق منها والأعجم .
ست : وكيف تعمر الكون ؟
من : كيف ؟ كيف ؟ هات السرير أشرح لك .
رع : لا . لا . لا . بالكلام
من : أتسمح لي بالألفاظ القبيحة ؟ " 73
ولأنه قبيح لذلك ، فإن عشتروت تتطلع إلى أن تقيم معه علاقة صداقة وهذا ما يلحظه زوجها ملكارت إله الذهب الأجنبي :
" ملكارت : ( هامساً لعشتروت ) لماذا تحملقين فيه هكذا ؟
عشتروت : ( كالمسحورة ) فيمن ؟
ملكارت : في من ؟
عشتروت : أليس صدره عريضاً ؟ ما أجمل صدره .
(ملكارت : ( يقرصها في فخذها " الحشمة . الحشمة 74. "
لم تشارك عشتروت ولا ملكارت في الصراع إلاّ عند بدء ظهور ( من ) إله التناسل ومع بدء تلفظه بالألفاظ الجنسية الفاضحة من خلال أسلوب التورية . ومع أن النص يصور الإله ( من ) قبيحاً وإباحياً :
ويكشف النص عن غزل الآلهة لبعضها البعض فعشتروت الإلهة الأجنبية و
( رع ) يغازل بعضهما البعض فهذه عشتروت في ردودها على " تحت " ثم على " رع " نفسه تكشف عن نعومة وليونة واستعداد فطري لإقامة علاقات غزلية مع الرجال من الآلهة ؛ فهي في ردها على) تحت(
" تحت : الصناعة
عشتروت : آلهة الحب
تحت : العنوان
عشتروت : في الأرض أم في السماء ؟
تحت : في الأرض
عشتروت : المعبد الأكبر في ببلوس الزهراء بفينيقيا الزهراء
تحت : وفي السماء
عشتروت : العنوان القديم في القمر ، والعنوان الجديد في الزهراء ، ولكن كل الرسائل تحول بانتظام
تحت : العمر ؟
عشتروت : الشباب الدائم " 75

هذا إلى جانب الإيماءات التي تؤديها والغمزات واللمزات :
" تغمض عينيها وتسترسل في ذكريات بهيجة " " تفيق من التذكر المصطنع "
" عشتروت) : تنثني وترخي أهدابها ) شوشو يا صاحب الجلالة "
" عشتروت : (في خفر ) لقد أسرني "
" عشتروت : ما أجمل لحيتك يا مولاي
رع : إنها من عاج نادر ، صنعت خصيصاً في أسيوط . ألم تسمعي قول الشاعر فيها :
فوجهك يا رع مصفى
وذقنك يا رع عاج نفيس
وعينيك يا رع فيروزة
وذقنك يا رع عاج نفيس
وفي كل خيط لنا صولجان
يقينا الأعادي ويحيي النفوس
هلموا ، هلموا نلاقي المنايا
تظللنا ذقن رع رعمسيس
فذقنك يا رع عاج نفيس وذقنك يا رع عاج نفيس
فما باض فيها فراش حقير
ولا باض قمل ولا باض سوس
ما رأيك في هذا الشعر ؟ جميل . جميل . لقد أمرنا أن يكون النشيد القومي الجديد . ما رأيك في هذا الشعر جميل . جميل . ما رأيك يا بنتاؤور ؟ من قال هذا النشيد . لقد نسيت الآن . كافئوه أعطوه عشرة عجول . أرسلوا إليّ زوجته لأباركها علموا أولاده بالمجان
عشتروت : ما أجمل لحيتك يا مولاي
رع : قلبي يتمزق يا شوشو.أتحبين خصلة منها للتذكار ؟ يا نمن نم . هات المقص "76
وينتهي الغزل بين الآلهة بالتواعد على لقاء ليلي للمطارحة الغرامية في المعبد :
" رع ) : يبتسم ابتسامة حزينة لعشتروت ) موعدنا الليلة في معبدي
عشتروت : موعدنا الليلة في معبدك 77"
إن الإله الأكبر ( رع ) ينحاز إلى عشتروت لما كشفتها الآلهة تحت وآمون وبتاح واثبتوا كذبها:
" .. أنا رأيت الصندوق يطفو إلى ببلوس . رأيته قبل مينا العظم . رأيته قبل أن أولد . نعم قبل أن أولد . أنا عشتروت أرى الماضي . إذا كانت إيزيس ترى المستقبل فأنا أرى الماضي . أنتم تضطهدونني أيها الأوغاد . تريدون أن تفرقوا بيني وبين حبيبي رع . أن تثبتوا له أني كاذبة . رع يا حبيبي لا تصدقهم أنظر إلى وجهي . هل يكذب الجمال ؟ ( تكشف صدرها ) سهمك قد نفذ يا حبيبي
( يترك المنصة وينزل إلى عشتروت ويمسح دموعها بطرف ثوبه78 ..(
" من : هل " ربطك " أحد الآلهة ؟
ست : اسكت يا مغفل " 79
إن فكرة الربط الجنسي التي مازالت شائعة في مجتمعاتنا الشعبية في مصر وفي العالم العربي لها جذور في تقاليد الفراعنة وطقوس آلهتها - كما نرى - وهي مرتبطة بفكرة السحر في الفلكلور الشعبي الديني ، حيث التنويم المغناطيسي :
" ست : فلنر بشكل عملي ؟ ( يصفق مخاطباً "نم نم " أغا الآلهة (
إلينا بسرير .
لا . لا . لا . المشكلة نظرية . من 80
مع أن " من " يبدو إباحياً في النص ؛ إلاّ أنه إله التناسل وتلك لغته وذلك فكره وهذه ثقافته ومعجمه اللغوي .

مفردات اللغة الأسطورية :
تشكل الأسطورة الأساس المتين للثقافات القديمة ، ولكثير من تلك الثقافات فيها تشابه واضح ، وهذا ما دعاني ربما إلى تقسيم العصور الثقافية إلى ثلاثة عصور : عصر الثقافة الأسطورية وعصر الثقافة الأيديولوجية ثم عصر الثقافة المعلوماتية81 وذلك عندما أردت أن أصنف الاتجاهات المسرحية ، وأرد كل اتجاه منها إلى ما رأيت أنه عصره الثقافي الذي تفاعل فيه ونبع منه82 ولأن الأساطير كما يقول ليقي شتراوس لها : " معنى عقلياً أكثر منه اجتماعياً لأنها تصدر عن المنطلق العقلي الذي هو طبيعي ولا شعوري " 83 لذلك اعتمدت مفردات لغتها على الرموز ، وذلك ما نراه في نص مسرحية ( محاكمة إيزيس ) حيث يقوم الحدث فيها على أسطورة أوزوريس وتقطيع ست لجسده وجمع إيزيس لأشلائه ولعل نص حوار ست الذي يعكس يأسه من الحصول على حكم يدين ( إيزيس ) مليء بتلك الرموز التي تعكس روح الأسطورة ، وعالم الآلهة وصراعاتها في المسرح الفرعوني الذي تبنى قضايا الصراع بين الآلهة وبعضها البعض . ففكرة صراع الآلهة فكرة قديمة ولا شك ، وإن كان المسرح الإغريقي قد تبنى فكرة صراع البشر مع الآلهة - غالباً - إلاّ أن الفكرة توالدت عبر العصور فأصبح الصراع بين رجال الدين ممثلين للآلهة وبين البشر أو بين ممثل الإله وحامي حمى دنيه مع البشر ، أو صراع رجال الدين وطوائفهم ( سنة وشيعة ودروزا مسلمين ومسيحيين كاثوليك أو أرثوذكس أو بروتستانت أو مارون ، ويهود اشكناز أو سفرديم - صدوقيون أو فريسيون )84

أسلوب التعريض ( الردح الشعبي (
ويتخذ الآلهة الردح وسيلة تعريض ببعضهم البعض تماماً كما يفعل البشر :
" ست : ( باحتقار ) إن هذا هو الفرق بيني وبينكم معشر الآلهة الأخساء
( هرج في القاعة ست يرفع صوته )
أنتم تعيشون للنذور . أنا أعيش للمبدأ . بالمبدأ أحيا وللمبدأ أموت من أجل المبدأ قتلت أخي وشقيقي أوزوريس ( ينتحب في صمت ويستأنف بصوت عميق ) أنا إله الصحراء وهو إله الوادي . أنا إله القحل وهو إله الخصب . أنا الإله الأصفر وهو الإله الأخضر فالحرب بيننا أبدية . أتفهمون ؟ أبدية هذا ناموس الوجود . لقد خاصمته منذ خرجنا من بطن السنة الكبيسة خارج الزمان والمكان . لكم اقتتلنا بين الأفلاك . لكم طاردته من سديم إلى سديم . من كوكب إلى كوكب حتى نزلنا الكوكب الأرضي حتى بلغنا وادي النيل فاحتمى اللئيم بـ " خيمي " السمراء الشمطاء . ولكني تربصت به حتى اقتنصته " . " نعم أنا قتلته . قتلت أخي . من أجل المبدأ . قتلت أخي . أما أنت يا " من " يا أخس الآلهة . أنت لا تفكر إلاّ في النذور . إذن فهذا سرر ثرائك العجيب . لقد فهمت الآن من هنا كانت أوقاف " أخميم " من هنا كانت عرب "سايس" و " دمنهور " من هنا كانت تفاتيش " طيبة "
الآن أصدق كل ما قيل عنك يا رب التناسل . أنت تقبل النذور لتمنع التناسل إن الجيران إذا تخاصموا ذهبوا إلى معبدك ليربط كل عدوه . وأنت إله التناسل تمنع التناسل . تمنعه من أجل النذور "
من : (هائجاً ) أيها الوغد . هذا عمل الكهنة . أنا أعترض
رع : (واقفاً يطرق الأرض بصولجانه ليعيد النظام ) الاعتراض مقبول
أسكت يا ست وإلاّ أخرجتك من القاعة ( يجلس ) 85
لا شك أن ف هذا الحوار حول قصة نزول ست وأوزوريس إلى كوكب الأرض تماساً مع قصة نزول آدم وإبليس في القصص الديني والرموز واضحة ( الإله الأصفر ) و ) الإله الأخضر ) وقصة عراك الآلهة بين الأفلاك ترد بعد ذلك بآلاف السنين في ) محاورة فيدراوس ) لأفلاطون86 حيث اقتتال الآلهة وكذلك نزهة زيوس والآلهة الأخرى على خيولهم بين السحب .
ومن الأفكار التي يعرض لها النص فكرة العقم وفكرة الربط وفكرة الأوقاف وفكرة النذور وفكرة الخديعة وفكرة الرشوة وفكرة الوجود الإلهي في الأديان الذي هو وجود خارج الزمان والمكان وفيها ما هو ديني نجده في الأديان السماوية أيضاً وما كان متعلقاً بالتدين أو مرتبط بالدين وما كان دنيوياً وكلها صفات وعادات تتكرر من عصر إلى آخر منذ القدم مما يعطيها صفة الثبات مع تغير التفصيلات .
وتلك كلها مقاربات ثقافية في الفكر الديني منذ الوثنية حتى الوحدانية رآها لويس عوض ببصيرة حداثية ودعانا إلى أن نراها بمنظار حداثي وببصيرة تفكيكية لنعيد النظر في تقييمنا لها .


خلاصة البحث:
ينتهي البحث إلى أن البصيرة الحداثية في مسرحية لويس عوض( محاكمة إيزيس ) تتبدى أولاً في اختياره لشخصية إيزيس نفسها على اعتبار أن فكرة البعث قد تبلورت في قصة جمعها لأشلاء زوجها أوزوريس لتعيده إلى الحياة ومن ثم نشوء حالة من التقديس تحيط بدورها وبقصة نجاحها في ذلك الأمر الخارق للقدرة الإنسانية مما أحال هذه الحادثة الأسطورية إلى طقس ديني ترسخ على هيئة اعتقاد في نفوس الناس في كل أرجاء مصر ولعصور متتالية : فإيزيس إذن هي المنبع الأساسي لفكرة التقديس والشعيرة الطقسية والاعتقاد بالبعث والخلود ، لذلك فقد وجد فيها لويس عوض منطلقاً لإعمال بصيرته ومصدراً حاضاً لنا على أن نعمل بصيرتنا لنتجاوز ( منامة الطقس ) إلى
( نهار اليقظة .( ولاشك أن تجاوز (منامات عصور الطقس ) تحتاج منّا إلى معاناة فكرية ووجدانية عميقة لا يقدر عليها من لم يتملك بصيرة لويس عوض الحداثية الذي حمل عبء تقريب المسافات بين جيلينا والأجيال التالية على جيلنا وحملنا على متون كتاباته النقدية من سرير منامات عصور الطقس إلى نهار اليقظة . لنبصر بعين الحداثة وبصرها رسوبيات الثقافة التراتبية وننفض عنها ما يعوض انطلاقاتنا المأمولة إلى المستقبل.


الهوامش
¬
1. سوفوكليس ، أوديب ملكاً ، ترجمة د. على حافظ ، مسرحيات عالمية 52 القاهرة ، دار الكاتب العربى للتأليف والنشر 1976.
2. ـــــــــــــ ، أنتيحونه ، ت :د.على حافظ ، من المسرح العالى الكويت أول يونيو 1973م.
3. اسخيلوس ، حاملات القرابين ، ترجمة وتقديم : د. لويس عوض ، كتاب الهلال ، القاهرة ، مؤسسة دار الهلال.
4. سوفوكليس ، إيفيجينيا فى أوليس مسرحيات يوربيجيز ، ترجمة : محمود محمود ، القاهرة ، لجنة النشر للجامعيين 1946م.
5. يوربيديس ، ميديا، ترجمة كمال ممدوح حمدى ، مطبوعات الجديد (27) القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب مايو 1984 م.
6. أريستوفانيس ، السحب ، ثلاثة أجزاء ، ترجمة د .أحمد عثمان ، سلسلة من المسرح العالمى الكويتى ، إعداد 215-216-217 أغسطس ، سبتمبر ، أكتوبر 1987م.
7. ـــــــــــــ ، برلمان النساء ، ترجمة د. لطفى عبد الوهاب ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1996م.
8. ـــــــــــــ ، الضفادع ، ترجمة د. لويس عوض ، دار المعارف بمصر.
9. سينيكا ، أوديب ، ترجمة إعداد الشاعر الإنجليزى المعاصر : تد هيوز ، من المسرح العالمى الكويتية (82) أول يونيو ، 1976م.
10. راجع النص فى كتاب عبد الرحمن صدفى ، المسرح فى العصور الوسططى "القاهرة" ، دار الكاتب العربى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1969م .
11. راجع النص فى المرجع السابق نفسه . ص ص 62-82
12. شكسبير ، هاملت ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا. روايات الهلال (254) القاهرة ، دار مؤسسة الهلال – فبراير 1970م.
13. ـــــــــــــ ، مكبث ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ، من المسرح العالمى الكويتية ع 124 أول يناير 1980م.
14. كريستوفر مارلو ، مأساة الدكتور فاوستس ، سلسلة روائع المسرح العالمى ، القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر ع (25) د/ت.
15. ـــــــــــــ ، يهودى مالطة ، ترجمة د. زاخر غبريال ، سلسلة من المسرح العالمى ، الكويت.
16. راجع الباحث ، مقدمة فى نظرية المسرح الشعرى ، الإسكندرية ، دار حورس للنشر 2000م
17. ألفريد فرج ، على جناح التبريزى ونابعه قفه القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر 1969م.
18. يوسف إدريس ، الفرافير ، القاهرة ، سلسلة المسرحية عن مسرح الحكيم ، 1966م.
19. ـــــــــــــ ، المهزلة الأرضية ، القاهرة ، مكتبة مصر ، دار مصر للطباعة 1984
20. ـــــــــــــ ، جمهورية فرحات وملك القطن ، القاهرة ، مصر للطباعة ، مكتبة مصر 1981م
21. ـــــــــــــ ، الجنس الثالث ، القاهرة . عالم الكتب 1971م
22. شوقى عبد الحكيم ، الملك معروف ، المسرحية ، عن مسرح الحكيم.
23. أنظر : أبو العلاء المعرفى ، رسالة الغفران ، ط السادسة ، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن ، دار المعارف بمصر 1966م.
24. سارتر ، بلا مفر – من الوجودية إلى العبث ، مسرحيات مختارة ، ترجمة جلال العشرى ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1977م.
25. بريخت ، محاكم لوكوللوس ، ترجمة د. عبد الغفار مكاوى ، سلسلة مسرحيات عالمية (6) القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر 1965م.
26. د.يوسف عز الدين عيسى ، غرفة بلا نوافذ ، نريد الحياة ومسرحيات أخرى ، الإسكندرية ، دار المعارف بمصر 1986م.
27. موريس دى كوبرا ، كرنفال الأشباح ، روائع المسرح العالمى 62 ، القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر 1965
28. راجع: أفلاطون ، محاورات فيدون ، ترجمة د.أميرة مطر ، القاهرة ، دار المعارف بمصر.
29. راجع : د.محمود فهمى زيدان ، مناهج البحث الفلسفى ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م.
*مثلما فعل الحكيم فى بعض مسرحياته التى جسد فيها فكرة التعادلية التى هى إعادة إكتشاف لنظرية الوسطية أو الوسط الذهبى الأرسطية التى عرفها الإسلام ونوجها بالآية (وجعلناكم أمة وسطاً) ثم بلورها فكر الإمام الشافعى وجسدها واقعاً فكرياً مصرياً بعد ان رفعها الفكر الإسلامى فى شعار (لا ضرر ولا ضرار) وأصبحت محور الفكر الوجودى المادى بعد ذلك فى معادلة (الحرية والإلتزام)
30. د. زيدان ، نفسه .
31. انظر: د.سيد نفادى ، الإبداع الفلسفى فى مصر ومشكلاته فى القرن الماضى – ورقة مقدمة إلى ندوة الفكر الفلسفى فى مصر فى مائة عام – جامعة القاهرة – كلية الآداب – 26-27/4/2000م.
32. راجع : د.سيد نفادى ، نفسه.
33. توفيق الحكيم ، شمس النهار ، القاهرة ، مطبعة الأدب ومكتبتها بدرب الجماميز ، 1965م.
34. ـــــــــــــ ، السلطان الحائر ، القاهرة ، مطبعة الآداب ومكتبتها بدرب الجماميز ، 1976
35. راجع : د.أبو الحسن سلاّم ، إشكالية المنهج فى الدراسات المسرحية بين التدريس والبحث ، بحث مقدم ضمن فعاليات مؤتمر المسرح وقضايا المجتمع العربى – قسم المسرح بجامعة الإسكندرية 1996 م – قاعة المؤتمرات الكبرى.
36. راجع: د.أبو الحسن سلاّم ، إتجاهات النقد المسرحى المعاصر بين النظرية والتطبيق ، القاهرة، المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية 2001م.
37. مقتبس عن نسيم مجلى "لويس عوض - كيف حاول التوفيق بين طه حسين والعقاد وسلامة موسى "(وجهة نظر) العدد الثلاثون – يوليو 2001 ، ص 54.
38. راجع : د.أبو الحسن سلاّم . الظاهرة الدرامية والملحمية فى رسالة الغفران ، ط أولى ، الرياض ، دار المعارف السعودية 1415 هـ- 1995م.
39. د.لويس عوض ، على هامش الغفران ، دار الهلال 1966م.
40. انظر ، نسيم مجلى "لويس عوض" ، نفسه ، ص56.
41. يمكن الرجوع إليها فى طبعة النرجس بالرياض عام 1995م أو فى طبعة جزئها الأول بمركز الأبحاث العلمية بالإسكندرية عام 1997م.
42. راجع ، ترجمته لحاملات القرابين ، دار المعارف بمصر 1968م.
43. اسخيلوس ، المصدر السابق نفسه ، ص66.
44. للمزيد: راجع الباحث ، حيرة النص المسرحى بين الترجمة والإقتباس والإعداد والتأليف ط 3 ، الإسكندرية ، مركز الإسكندرية للكتاب 1996م.
45. ألقى ضمن فعاليات ندوة تعريب العلوم الخامسة بالجمعية المصرية لتعريب العلوم ، جامعة عين شمس 1998 م والبحث منشور ضمن كتابى : إتجاهات النقد المسرحى المعاصر بين النظرية والتطبيق- سبق ذكره.
46. د.لويس عوض بجريدة الأهرام فى 5/6/1964م.
47. محمد فريد أبو حديد وترجمته للمسرحية فى مجلة الثقافة ، 16/6/1964م.
48. انظر عامر محمد بحيرى ، مقدمة ترجمته لمسرحية مكبث (مجلة أبوللو) عدد يونية 1933 ، ص11 ثم طبعة القاهرة الدار القومية للطباعة والنشر ، دار الكاتب العربى 1969م ، ص8
49. الباحث نفسه ، فى بحثه المشار إليه من قبل.
50. (المنظر الخامس من الفصل الخامس) الأهرام 5/6/1964 م
51. (م5 ، ف5. مجلة الثقافة الجديدة 16/6/1964)
52. راجع: النص فى كتاب: درينون ، المسرح المصرى القدية ، ترجمة د. لويس عوض ، القاهرة ، دار الفكر المصرى.
53. د.لويس عوض ، محاكمة إيزيس ، القاهرة ، دار حورس للنشر ، 19
54. محاكمة إيزيس ، نفسه
55. نفسه ، مقدمة النص نفسه.
56. نفسه.
57. نفسه.
58. نفسه.
59. المصدر نفسه.
60. نفسه
61. نفسه
62. نفسه
63. نفسه
64. نفسه ، ص ص 81-82
65. شلدون نشينى ، تاريخ المسرح فى ثلاثة آلاف سنة جـ1 ترجمة : درينى خشبة ، القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، ص15.
66. المصدر نفسه ، ص91
67. نفسه ، ص ص 93-94
68. نفسه ، ص ص94-95
69. المصدر نفسه ، ص ص 94-95
70. المصدر نفسه ، ص95
71. نفسه ، ص 97
72. نفسه ص 98
73. نفسه ص ص 104-105
74. نفسه ، ص ص 107-108
75. نفسه ، ص 139
76. نفسه ، ص 138
77. نفسه ، ص 96
78. نفسه ، ص 96
79. انظر كتابى : مقدمة فى نظرية المسرح الشعرى ، الإسكندرية ، حورس للنشر 2000 المقدمة.
80. انظر : أبو الحسن سلاّم ، المسرح السعودى بين المصادر التراثية والمصادر الحداثية ، بحث ألقى فى الملتقى العلمى لعروض المسرح العربى ، القاهرة ، هيئة قصور الثقافة – 1995م.
81. شتراوس، عن د. أحمد أبو زيد ، " الواقع والأسطورة فى القصص الشعبى" (عالم الفكر) مجلد 17 ، ع1 ابريل – مايو- يونيو 1986 م ،ص10
83. نفسه ، ص ص 98، 99
84. انظر ، افلاطون ، محاورة فيدراوس ، ترجمة د. أميرة مطر ، القاهرة ، دار المعارف بمصر ، 1981م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي