الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي

هيبت بافي حلبجة

2021 / 6 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثمت نص يسمي نفسه نصاٌ إلهياٌ ، وثمت جماعة بشرية تعتقد إن هذا النص منزل ، حقيقة ، من عند الإله ويصلح ، بالتالي ، لكل زمان ولكل مكان على إطلاقه ، وحينما يحدث تناقض مابين دلالات النص ومدلولات الواقع ، أو تعارض مابين القيمة المعرفية للنص ومابين القيمة المعرفية لدى البشر ، أو أن يكون النص ليس باللسان العربي ( لاتوجد لغة أسمها عربية ) ، تلجأ تلك الجماعة إلى ما يسمى ، بطلاناٌ وتفاهة ، بالتأويل ، أي تأويل النص الإلهي ، النص القرآني ، ولاتدرك تلك الجماعة إنهم بهذا الفعل يعترفون ، ضمنياٌ ومثل غيرهم ، بتلك التناقضات وبتلك الإشكالات لذلك يسعون جاهدين ، لأسباب عديدة ومتباعدة فيها من الخبث والدجل والنفاق الكثير ، مستفدين من سطوة ماهو غيبي وسلطة المركز ، إلى ترقيع النصوص عبر ذلك المفهوم الذي يسمى تأويلاٌ . وهنا لابد من الأسئلة التالية : ماهو التأويل ، ماهو موضوع التأويل ، وهل له ضرورية الضرورة ، وهل أصبح مثل الفلسفة ، عوضاٌ أن يعالج موضوعاته التي من أجلها وبسببها كان ، غدا يعالج ذاتيته ومفهومه من ناحية ، ومن ناحية أخرى يعالج منتوج ومنتج موضوعاته .
المقدمة الأولى : في مؤلفه تهذيب الأسماء واللغات ، يقول الإمام النووي في تعريف التأويل : إنه صرف الكلام عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله بموجب دليل قطعي في الأمور القطعية وبموجب دليل ظني في الأمور الظنية ، أي صرف الكلام عن معنى ظاهر فيه لغوياٌ ، أي على صعيد اللغة ودلالة المفردات وصياغة الجملة إلى معنى آخر يحتمله ، ويتماهى معه في المغزى وفي المبنى . والمقصود بالمعنى الظاهر هو المعنى الحقيقي في حين إن المعنى الآخر هو المعنى المجازي ، المعنى التأويلي . ويضرب مثالاٌ على ذلك : وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، البقرة الآية 187 . وحسبه إن المقصود الظاهر والحقيقي هو تبيين الخيط الأبيض من الأسود في حين إن المقصود التاويلي المجازي إن ثمت خط أبيض في الأفق عند الفجر وهو الذي يطارد الظلمة التي هي الخيط الأسود .
المقدمة الثانية : يقول العلامة الكوردي محمد سعيد رمضان البوطي ، إن العلاقة مابين التفسير والتأويل هي تماماٌ العلاقة ، من هذه الزاوية ، مابين العام والخاص ، مابين المطلق والمقيد . فالتفسير هو العام ، والتأويل هو الخاص ، أي إن كل تأويل هو تفسير في حين إن ليس كل تفسير تأويلاٌ ، لإن ثمة جانب من التفسير يتعلق بالمعنى الظاهري والحقيقي وهو بطبعه خارج عن سياق التأويل . وبتعبير آخر إن التفسير يتضمن المعنى الظاهري والحقيقي ، ويتضمن أيضاٌ المعنى المجازي التأويلي ، في حين إن التأويل لايتضمن سوى المعنى المجازي . ويذكر مثالاٌ ، من الضروري ذكره ، إن نبي الإله دعا لعبد الله بن عباس : اللهم علمه التأويل ، ولم يقل اللهم علمه التفسير . وكان يقصد نبي الإله بمفردة التأويل معنى التفسير ، ففي صدر الإسلام أستخدم التفسير ، حسب البوطي ، بمعنى التأويل ، وأستخدم التأويل بمعنى التفسير .
المقدمة الثالثة : يقول المرجع الديني العلامة كمال الحيدري ، إن التأويل عند العرفانيين الإشراقيين مرتبط بقاعدتين أساسيتين . القاعدة الأولى هي كيفية التطابق مابين الكلمات (والحروف والآيات ) اللفظية التدوينية ومابين الكلمات (والأحرف والآيات ) الوجودية والتكوينية . ففي النص الإلهي يذكر : على صعيد الأحرف : حم وكهيعص وطه وياسين والنون . وعلى صعيد الآيات : وجعلنا أبن مريم وأمه آية ، المؤمنون 50 . وجعلناها وأبنها آية للعالمين ، الأنبياء 91 . وعلى صعيد الكلمات : إنما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، النساء 171 . وهكذا لابد من التطابق ما بين ماهو لفظي مدون ، في القرآني والنص الإلهي ، من كلمات وأحرف وآيات ، ومابين ماهو وجودي تكويني ، في الآفاق وفي الأنفس ، من كلمات وأحرف وآيات . وهذا هو أساس القاعدة الثانية من أين نبدأ ، هل نبدأ من الأنفس ، أم من الآفاق ، أم من القرآن ، يؤكد الإمام الحيدري لدينا طريقتان : نبدأ من الأنفس ، من عرف نفسه عرف ربه . أم نبدأ من القرآن ، وهو ربما الأرجح ، حيث من خلال المدون اللفظي نستكشف ماهو وجودي تكويني ، أي يمكننا أستكناه حقائق الأنفس والآفاق ، الوجودي التكويني ، من خلال القرآن ، المدون اللفظي .
المقدمة الرابعة : إذا كان التأويل ، تأويل النص الإلهي القرآني ، هو صرف الكلام عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله بدليل يصيره راجحاٌ ، فإن هذا يعني : من جهة إن القاعدة العامة و الأصل هو عدم صرف الكلام عن ظاهره ، أي الإبقاء على المعنى الظاهر ، أي إن الدلالة اللغوية اللفظية تفسر ، هنا ، ذاتها بذاتها ضمن شرط كاف في التوافق مع المدلولات الواقعية بالتطابق مع المبادىء العامة وروح التشريع . ومن جهة يستمر الأصل في ديمومته إلا إذا وجد دليل شرعي يقيد إطلاقه ويخص عامه ، أي دليل شرعي من خارج النص ، حينها يصرف الكلام عن معناه الظاهر ، الأصل ، إلى معنى آخر غير ظاهر في المبنى . ومن جهة ينبغي ألا يحمل ، بضم الياء ، الكلام أكثر مما يحتمل ، وألا يصرف الكلام عن معناه الظاهر إلى معنى غريب عن بنيان النص ، أي أن يجسد التأويل حالة خاصة من حالات الأصل وأن يتناسب محتوى التأويل مع أساس الموضوع . ومن جهة ينبغي ألا يتناقض المعنى الآخر لا مع المعنى الظاهر ، ولا مع قاعدة تشريعية أخرى . ويذكر الفقهاء أمثلة على ذلك : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، المائدة 3 ، والبقرة 173. حيث لفظ الدم مطلق هنا لكنه مقيد في ، الأنعام 145 : إلا أن يكون ميتة أو دماٌ مسفوحاٌ أو لحم خنزير . كما إن : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، البقرة 228 . فهذا هو الأصل المطلق والعام ، لكن ثمة حالة خاصة قيدت الأصل بشروطها الخاصة وأستثنيت عنه : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، الطلاق 4 . وكذلك ، وأحل الله البيع وحرم الربا ، البقرة 275 . فالبيع حلال في إطلاقه ، وحرام في حالة الربا ، والربا أستثناء عن عموم البيع ومقيد له .
المقدمة الخامسة : لكي تكتمل صورة التأويل من حيث موضوعه : نستبين ثلاثة إتجاهات ، إتجاه الصوفية ، إتجاه الدلالات اللفظية ، إتجاه الدلالات النصية والمعنى .
في الإتجاه الأول إن تأويل النص الإلهي لايستند لا إلى الدلالات اللفظية ولا إلى الإستلالات الصورية الأرسطوية ، إنما يستند إلى أمرين : الأمر الأول هو التجربة الذاتية الشخصية التي تحرر النص من معناه اللغوي إلى معناه التكويني الوجودي ، والتي تتدرج في التعرف على مراتب هذا المعنى الوجودي التكويني ، أي كلما أرتقت التجربة أرتقى معها المعنى في سلم التراتيبية . الأمر الثاني إن المدون اللفظي القرآني ليس إلا دلالة أولية في كشف الدلالات الحقيقية ، والتي هي الأصيلة ، للآفاق وللأنفس ، وهذا إلى أستنتاج خاص وهو إن وظيفة المدون القرآني أو دلالاته ، على صعيد الأمور العقائدية ، تنتهي لدى من أدرك كنه دلالات الأنفس والآفاق .
وفي الإتجاه الثاني إن تأويل النص الإلهي مقيد بالقاعدة التالية : إن ظاهر النص ملزم ، وإن جزئياته ، أي جزئيات النص ، هي التي تحدد المعنى ، ولايمكن تجاوز هذا المعنى إلا بحدود ماتقتضي الأصول الشرعية ومبادؤها وأحكامها . وهذا يفضي إلى جملة أمور هي : الأمر الأول إن الدلالات اللفظية هي ثابتة عبر التاريخ كله ، وثابتة في أحكامها القطعية . الأمر الثاني إن الفهم البشري لتلك الدلالات ثابت لايتحول ، لإن العقل البشري ، حسبهم ، يكشف عن الأشياء وهي موجودة وأصيلة وثابتة منذ المنذ ، أي إن العقل ليس إلا أداة للكشف وليس للوعي والفهم أو وعي الوعي أو فهم الفهم . الأمر الثالث إن ظاهر النص ليس ملزماٌ فقط في حدود المعنى إنما هو يقرر أيضاٌ محتوى العبادة ، أي إن النص نفسه يتحول إلى مجال تعبدي ، وبه يكتمل الوجود الإنساني نحو الذات الإلهية .
في الإتجاه الثالث وهو إتجاه يدعي ويزعم إنه يبحث في المعنى ونقسمه إلى ثلاثة مستويات . المستوى الأول هو يدور في فلك التفسير العام ضمن العلاقة العقائدية مابين أمرين ، حيث إن الأمر الثاني يقيد الأمر الأول ويخصصه ، وهو في الحقيقة لايأوله وحتى لايفسره ، مثل : وأحل الله البيع وحرم الربا ، البقرة 275 . أو : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، المائدة 3 ، والآية التي تقيدها : إلا أن يكون ميتة أو دماٌ مسفوحاٌ ، الأنعام 145 . المستوى الثاني وهو يحمل الدالة اللفظية معنى لايحتمله ، يحدث ذلك في مجالين : المجال الأول حينما يتأكد الفقيه إن ثمة تعارض أو تناقض سواء ضمن محتوى الآية نفسها أو مابين آيتين ، فيضطر أن يأول آية لصالح الآية الثانية كما في موضوع الناسخ والمنسوخ . المجال الثاني إنبثقت مجموعة ، هي في الحقيقة جاهلة وغبية ، تمنح الدلالة اللغوية معان لاعلاقة لها بإله القرآن ، مثل : والفجر وليال عشر ، الفجر الآية الأولى . ويفسرون ذلك إن إله النص كان يعرف بالديجيتال ، وهذا الإله ماكان يعلم أين تذهب الشمس لكنه بقدرة قادر يعلم بالديجيتال . أو حينما إكتشفت وكالة ناسا نجمأ ، السوبر نوفا ، وهو يتشايه مع المطرقة فزعموا إن الإله قد نبه إلى وجوده في هذه الآية : والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ، الطارق 1 ـ 3 . فالإله الذي كان يجهل معنى السماء ، له ملك السموات والأرض ، الحديد 2 ، كان يعلم بوجود هذا النجم ، السوبر نوفا . المستوى الثالث هو يدور في فلك التأويل الحديث دون أن يميز مابين النص الإلهي والنص اللاإلهي ، وحتى في معالجة النص اللاإلهي فإنه يرتكب حماقات وحماقات ، ربما نعالج ذلك في حلقة خاصة ، لكن هذا لايمنع من أن نذكر بعض من الأسس : بمجرد صدور النص يموت المؤلف ، يموت صاحبه ، ويخضع النص لشروط المؤول الذي يعيد إنتاجه معرفياٌ حسب إمكاناته ووعيه . بمجرد صدور النص يفقد شروطه الخاصة ولايستطيع أن يفرض شروط مسبقة على المؤول . بمجرد صدور النص تضيع الدلالات اللفظية في غياهب دلالات المعنى . بمجرد صدور النص يخضع المعنى للنشاط الذهني المعرفي للمؤول . بمجرد صدور النص يفقد تاريخانيته ويكشف بدلالاته ومعناه وإمكانياته التي لاتنتهي جزءاٌ أصيلاٌ من حقيقة وفاعلية المؤول ، كما إن المؤول يكتشف ذاته من خلال النص وكذلك يكتشف النص ذاته من خلال المؤول ، أي إن كل منهما ، النص والمؤول ، ينكشف للآخر ويكتشف ذاته ، إلى آخر هذه الحماقات والفانتازيا الكلامية التي لاتفيد ، مطلقاٌ ، في تطور المعرفة إلا إذا كانت إعادة إنتاج النص تمثل معرفة خارجية عنه ، عندها إستناد التأويل على النص مجرد خدعة لبلوغ حالة خاصة في المؤؤل ، مع التأكيد إن حتى هذه الحالة لاتصدق مع النص الإلهي ، كما سنرى ، لإن القضية ، هنا ، هي سرمدية الأحكام ، سردمية العبادة ، فإله النص يفرض على مخلوقاته ماهو قطعي وثابت ...
المقدمة السادسة : في العلاقة مابين العقل والتأويل ، وبالتالي العلاقة مابين العقل والنص ، يبقى السؤال الجوهري هل يتعارض النص مع العقل ؟ يجيبون على هذا التساؤل بلا ، فحسبهم لايتعارض النص مع العقل ، لكن يحددون النقاط التالية : النقطة الأولى ثمة مجال لايختص به العقل أصلاٌ ، أي هو خارج نطاقه ، لذلك لابد من جهة تخبرنا بوجود حيثياته . مثل مجال عذاب القبر ، وعالم الغيب ، واللاهوت الديني البحت ، ويوم القيامة ، والعلم اللدني ، وقرارات الإله من إرسال الأنبياء وإجتباء الرسل ، وكل مايتعلق بإرادته ومشيئته. في كل هذه المواضيع لايحق للعقل أن يبت في أصولها أو معانيها أو كيفية وجودها ، إنما عليه أن يقبل بها كما هي دونما تأويل أو تفسير أو إبداء رأي أو لماذا . النقطة الثانية خارج هذا المجال من المحال ، حسبهم ، أن يتعارض النص مع العقل أو أن يحتار العقل في أمر النص ، مثل مفهوم العدالة ، ومفهوم الحق ، ومجمل الحقوق الشخصية اللصيقة بالإنسان كإنسان كمعطى وجودي . النقطة الثالثة إذا حدث تعارض ، بعد هاتين النقطتين ، مابين العقل والنص ، من الواجب والمحتوم أن يلجأ الفقيه إلى التأويل ، إلى تأويل الدلالات اللفظية تطابقاٌ مع ماهو معقول ، ومايناسب جوهر المعنى دون أن يحمل النص ما لا يحتمل ، وأن يتخطى ظاهر النص لصالح مايشرعه العقل ، أو مايراه العقل صواباٌ .
نكتفي بهذا القدر من الإطروحات ، ونبدي نقدنا عليها بالشكل التالي :
أولاٌ : إن أي نص هو بالضرورة ، سواء أكان نصاٌ إلهياٌ أم نصاٌ أدبياٌ ، منتوج في سياق تاريخي فكري ثقافي محدد ، في زمن يتمتع بخصائص بنيوية ترتقي إلى مستوى سمات المرحلة ، ويتآلف هذا النص ، بالضرورة ، من المفردات والجمل والمعنى الجزئي ثم النص نفسه ثم إمكاناته المعرفية ثم دلالاته اللغوية الرمزية ثم المعنى الكلي الشامل ثم إتساقه مع النصوص الأخرى ، إن وجدت ، لنفس المؤلف ، ثم أخيراٌ لايمكن إلا أن يتراسق مع كل النصوص في تلك المرحلة . وإذا طبقنا ذلك على النص الإلهي ، نحصل على المفردة ، والجملة ، والآية ، والسورة ، والقرآن نفسه . وإذا أضفنا عاملاٌ من خارج السياق التاريخي أو نقصنا عاملاٌ من داخل ذلك السياق فإننا نلغي ذاتية النص ونطعن في أركيولوجيته التاريخية . هذا كله من ناحية ، ومن ناحية ثانية إن النص في سياق التاريخي هو وليد ثقافة الموروث ، وعي المرحلة ، علاقات التجمع ، فكر الجماعة . ونلاحظ في هاتين الناحيتين مايلي : في الناحية الأولى إن المفردات التي أستعملت في غالبيتها ليست عربية لضحالة حاجة العرب البدو إلى تطوير لسانهم البدائي ولضحالة فكر الجماعة ، إنما كانت ومازالت مفردات زرادشتية كوردية أو سريانية ـ آرامية ، سيما المفردات العقائدية ، ونذكر للتوضيح ، البر ، الخير ، الشر ، الحج ، الصلاة ، الصمد ، أحد ، الزكاة ، الزنى ، حوب ، كهيعص ، طه ، كوثر . إضافة إليه ، توجد آيات ليست عربية ، سواء في مفرداتها أم في معانيها . فآية الكوثر ، إنا إعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر إن شانئك هو الأبتر ، كلها سريانية آرامية ، وترجم الفقهاء جهلاٌ باللغة السريانية مفردة كوثر بنهر في الجنة في حين إنها : الدعم والسند ، لتصبح الآية : إنا أعطيناك الدعم ، فصل ( مفردة كوردية ) لربك وأصبرـ ثابرـ ، إن غريمك هو المجبوب . وأية الخلاص : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواٌ أحد . كان قد ترجمها أمية بن أبي الصلت من الزرادشتية الكوردية ، وتعني إن أهورامزدا هو واحد ووحيد ، أي ليس له قرين وليس له أجزاء . أما في الناحية الثانية فإن السبي والسطو والغزو والنهب والقتل وعبادة الأوثان والغدر كانت تمثل الموروث والعلاقات ، بل إن ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، المائدة3 ، كانت عقوبة تمارسها الصعاليك ، وحتى إله الكون ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، وحتى نبي إله الكون تزوج زوجته الثانية ، سودة ، وهي كبيرة في السن ، ثم إنتقل مابين النساء بقوة النص الإلهي إلى أن وصل إلى صبية ـ عائشة ـ عمرها ستة سنوات . فكيف يمكن أن نؤول نصوص وضعت () في تلك الفترة ، وهل يدرك إله الكون الديجيتال ، ويدرك النجم الطارق السوبرنوفا . وهكذا من المستحيل تأويل تلك النصوص دون أن تفرغ من محتواها الفعلي الأصلي ، دون أن يتكون نص جديد ، نص جديد لاعلاقة له بذاك الإله ، أي إن النص المأول يخلق لنفسه سياقاٌ تاريخياٌ جديداٌ وإلهاٌ جديداٌ ، ويموت النص القديم والإله القديم .
ثانياٌ : ثمت ثلاثة حالات ينتفي فيها التأويل ، الأولى حالة إن آية تأول آية أخرى وتقيد إطلاقها وتخصص عامها ، الثانية إذا تعارض النص مع العقل ، الثالثة إن المدون اللفظي يكشف عن الوجودي التكويني .
في الحالة الأولى هي حالة عامة قد تكون قانونية ، قد تكون تشريعية ، قد تكون قواعدية ، حالة إجتماعية ، حالة أستثنائية . فالخاص لايأول العام ولايأول المطلق ، لإن كلاهما صريحان في القاعدة الأساسية . أي لا يأول نص بنص ، فالنص الثاني لايأول النص الأول ، لإن كلاهما مدركان تمام الإدراك ، فالنص الأول واضح في تعبيراته ودلالاته وألفاظه ، وكذلك النص الثاني فهو خال من لبس وإلتباس ، كأنك تقول لصديقك : كل هذه المزارع هي ملكي إلا تلك المزرعة فهي لجاري أحمد ، فهل يقول لك صديقك : لم أفهم ماذا يعني ذلك ؟ وبالعودة إلى تلك الآيات : لقد أحل الله البيع ( وكأن البيع حرام أو كان من الممكن أن يكون حراماٌ ) وحرم الربا . فالربا لايأول البيع ، البيع واضح وكذلك الربا . فما التأويل في ذلك إذا كان تعريفه : هو صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر يحتمله بدليل شرعي . وكذلك الآيات حرمت عليكم الميتة والدم . والآية إلا أن يكون ميتة أو دماٌ مسفوحاٌ ( مع العلم ثمة إشكالية أخرى في هذا النص لكن هذا ليس موضوع بحثنا ) . وكذلك الآية والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . وأولات الأحمال أجلهن إن يضعن حملهن . فثلاثة قروء هي لمنع تداخل الأنساب ، ووضع الحمل يؤكد إنه ليس حمل بعده ، فأين التأويل !! .
في الحالة الثانية إذا تعارض النص مع العقل ، فإنه يتعارض معه ليس لإنه بحاجة إلى تأويل إنما لإنه بصريح مفهومه غير مقبول عقلاٌ ، وإلا كيف أدرك الفقيه إن هذا النص يتعارض مع العقل لو لم يفهمه ويدركه تمام الفهم والإدراك بصورة مسبقة . وهذه هي إشكالية أخرى في العقل الديني الغائب المصادر ، فعوضاٌ عن التشكيك في مصدر النص ، وتقويم الإعوجاج من الجذور ، يزعمون إن لابد من تأويل هذا النص ، لإن المراد منه هو شيء آخر مختلف عن معناه الذي يدل عليه دلالة قطعية !! .
في الحالة الثالثة لو صدقت أصل الفرضية ، أي إن المدون اللفظي القرآني يأول ماهو وجودي تكويني في الأنفس والآفاق ، لأنهار النظام العرفاني من أساسه ، وذلك لسببين : السبب الأول إن التكويني الوجودي في الأنفس والآفاق أرفع وأسمى مرتبة ودرجة من المدون اللفظي ، فإذا كان ولابد من التأويل فإن التكويني الوجودي هو الذي يأول اللفظي . السبب الثاني إن النص الإلهي يعاني من صعوبات تأويلية تطيح به ، ونكتفي بذكر التالي : من ناحية إن الفاتحة ، أي فاتحة النص الإلهي ، مقتبس بتمامه وكماله من التراث السرياني الآرامي . ومن ناحية إن معظم قصص الأنبياء وغيرهم مقتبسة ، وبصورة مغلوطة ، من التراث اليهودي المنحول ، بما فيها قصة أهل الكهف ، فإن النص الإلهي ماكان يعلم إنها قصة غير حقيقية . ومن ناحية كان النبي يملي على مدون القرآن : لايستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، النساء 95 ، هكذا كانت الآية في البداية ، أي دون غير أولى الضرر ، وفي عين تلك اللحظة كان يسمع ذلك رجل أعمى يقال له أبن أم مكتوم ، فقال مباشرة يارسول الله لو لم أكن على حالي لجاهدت في سبيل الله أكثر من المجاهدين ، فأملى الرسول على المدون مباشرة وأضاف جملة ، غير أولى الضرر ، لتصبح الآية : لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم . فكيف يمكن أن ننطلق من هكذا مدون لفظي إلى تأويل الوجودي التكويني في عالمي الأنفس والآفاق !! .
ثالثاٌ : بإنتهاء الرسالة النبوية إنتهى التدخل الإلهي في الوجود الأرضي ، اليوم أكملت لكم دينكم وأتمتت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناٌ ، المائدة 3 ، وغاب عن النص صاحبه لكن يبقي إشكال على صعيد محتوى التأويل : فإذا كان لابد من التأويل ماهي مصداقية نتاج هذا التأويل ، وهل يصبح نصاٌ مقدساٌ أم نصاٌ عرضياٌ للإستئناس ، وماهي القيمة الإلزامية له ، هل من المفروض أن نلتزم به ولماذا ، ثم ماذا لو أتى نصان أو عدة نصوص مؤولة بشكل متناقض ، متعاكس ، متعارض ، أي ماذا لو أول أبن تيمية نصاٌ يتباين بالتناقض مع مايأوله أبو حامد الغزالي ، أو مع مايأوله الطبطبائي أو أي فقيه آخر ، فماهي القيمة الدينية لهذا المعنى الجديد عند هذا وعند ذاك ؟ .
رابعاٌ : من تعريف مفهوم التأويل هو أن يكون ثمة غموض ما في الدلالة اللفظية ، وإذا ما إنتفى هذا الغموض إنتفى التأويل ، وقد يصرح بعضهم إن التأويل قد يقع على عدة إمكانيات متاحة في النص ، وهذا بدوره يخلق نوعاٌ من اللبس ، لإنك لابد أن تبرر لماذا تختار هذه الإمكانية دون تلك وبدليل شرعي ، هذا من جانب ومن جانب آخر يؤكد إله الكون ، صاحب النص القرآني : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناٌ ، المائدة 3 . فهل يجوز كمال الدين أن يكون إن لم يكن الدين كله ، في أصوله ، في أحكامه ، في عباداته ، في معانيه ، في نصه ، في فهمه ، واضحاٌ جلياٌ لامجال للتأويل فيه !! .
خامساٌ : إن النص الإلهي لابد أن يتضمن معان مسبقة تابعة للإرادة الإلهية ، خاضعة لمشيئته ، ونحن بدورنا لابد أن ندرك تلك المعاني ، ليس فقط ، إنما أيضاٌ أن نعلمها تمام العلم لسبب بسيط هو إن الدين يملك جانب من العبادات ، وهكذا هل ينبغي أن نبحث عن المعاني الحقيقية في النصوص الأصلية لإتها هي فيها ، أم ينبغي أن نبحث عنها في النصوص التأويلية ، وإذا ماصدقت الفرضية الأخيرة ، يبقى السؤال : لماذا لم ينزل الإله النصوص التأويلية بدلاٌ من هذه النصوص الحالية .
سادساٌ : وأخيراٌ وننهي به ، ماهي العلاقة مابيننا وبين صاحب النص ، ماهي العلاقة مابين الخالق والمخلوق ، هل العلاقة هي في نص لابد من تأويله ، هل العلاقة هي في نص نحتار في تأويله ، ماذا لو أخطأنا ، كلنا ، في موضوع التأويل ، فماذا يكون رد فعل صاحب النص ، إله الكون !! . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة عشر بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ممتاز
ملحد ( 2021 / 6 / 9 - 19:57 )
مقال ممتاز
اتغق معك تماما
لقد قلتها مرارا وتكرارا أن من يسمّى ب (التأويل) ليس إلا مجرد ضحك على ذقون الجهلاء المخدرين عقليا...... وافضل تسميته , إلتفاف وتدليس وتحايل على المعنى الاصلي المقصود بالنصوص (المؤولة).

تحياتي

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا