الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفاسير عمل بشري يطغى عليه كل عوامل التاثير البشري الاية 24من سورة يوسف نموذجا

الناصر خشيني

2021 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اختلف المفسرون قديما وحديثا باختلاف ظروفهم الثقافية والسياسية و التاريخية وعوامل البيئة والعصر والعوامل الذاتية لكل منهم بحيث ينتجون ولا يزالون تفاسير عديدة هي في النهاية ليست دينا ولا مقدسة بل هي صياغة بشرية تخضع لظروف انتاجها كما اسلفت وبالتالي فان كل تلك التفاسير في النهاية هي مجرد عمل بشري لا اكثر من ذلك وان تعامل مع النص المقدس وهو القران الكريم في محاولة لفهمه وتيسيره للناس وتقديمه لهم حتى يستوعبوهوقد استعمل المفسرون لذلك طرقا ووسائل عديدة لاقناع قرائهم وتلاميذهم بمواقفهم منها المرويات المحتلفة والمتناقضة عن الرسول عليه السلام او تفاسير بعض الصحابة والتابعين او مواقف لعلماء من مختلف العصور اضافة الى استعمالهم اللغة العربية وما فيها من اسرار وعناصر بلاغية ومجازية وتقديم وتاخير وغيرها من المضامين اللغوية التي يرون انها في عونهم على استيعاب وفهم القران الكريم
اضافة الى استعمالهم للاسرائيليات التي حفلت بها كتب التفاسير وكانت ضمن المصادر الهامة التي استعملوها ظنا منهم انها موثوق بها في حين انها تضمنت معلومات في معظمها سخيفة ولا تليق ان تكون ضمن التفسير مثل ما فعل ابن كثير حول سفينة نوح عليه السلام حيث
ينقل عن عبد الله بن العباس، أن الحواريين قد طلبوا من المسيح أن يحيي لهم رجلاً كان شاهداً على السفينة والطوفان الذي وقع في زمن نبي الله نوح، فاستجاب المسيح لهم، وبعث لهم بحام بن نوح، فقام هذا الأخير ليحدثهم عن عجائب الطوفان والسفينة، وكان من أعجب ما ذكره لهم، أن الروث والأوساخ لما كثرت بالسفينة، فأن الله قد أوحى لنوح بأن يغمز ذنب الفيل، فوقع منها خنزير وخنزيرة، فتقدما إلى تلك الأرواث ليأكلاها.
أيضاً، تذكر الرواية أن الفئران لما قرضت أخشاب السفينة، فأن الله قد أوحى لنوح، بأن يضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخاره قط وقطة، وذهبا لتعقب الفئران.
وفي السياق نفسه، تذكر الرواية أن نوح قد بعث بغرابٍ حتى يعرف إذا كانت الأرض قد جفت فلم يرجع، فبعث بحمامة، فرجعت إليه بورقة زيتون في منقارها وطين برجليها، فعرف نوح أن الطوفان قد انحسر.
الواضح في الرواية، أنها قد عملت على محاكاة السردية التوراتية في الكثير من المواضع من جهة، كما أنها قد استجابت للثقافة الإسلامية الشائعة من جهة أخرى.
فالاعتقاد بأن الله قد خلق الخنزير للتخلص من الأوساخ، قد لاقى توافقاً وانسجاماً مع الذهنية الإسلامية التي تكره أكل لحم الخنزير دون مبررات أو أسباب واضحة، كما أن الاعتقاد بأن الغراب نذير شؤم وأن الحمامة رمز للسلام والفرج، كان اعتقاداً شائعاً ومألوفاً في الثقافات القديمة، وظلَّ قائماً حتى اللحظة الراهنة.
وقد اشار عبد الرحمن بن خلدون، الذي فسر في مقدمته سبب شيوع الروايات الإسرائيلية في التفاسير الإسلامية بقوله "والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنها أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى
وبناء عليه فان التفاسير لاتخلو من نقائص واخطاء وقد تصل الى فظاعات وامور غير مقبولة عقلا لانها تتحدث عن خوارق وروايات تناقض العقل والفطرة السليمة ونشير فط كنمكو-ج له-ه الاختلافات التي رصدناها في جزء بسيط من التفاسير حول الاية (24) سورة يوسف حيث قال تعالى :

ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) سورة يوسف وقد تباينت مواقف العلماء حولها الى عدة مواقف اخترت منها النماذج التالية حيث تجدون مرجع كل موقف في نهاية كل فقرة لتكتمل الصورة التي توصلت اليها من كون التفاسير عمل بشري يطغى عليه كل عوامل التاثير البشري

نماذج من التفاسير المتعلقة بالاية
قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [24] يعني همَّ بنفسه الطبيعية إلى الميل إليها، وهمَّ بنفس التوفيق والعصمة الفرار منها ومخالفتها. ومعناه أنه عصمه ربه، ولولا عصمة ربه لهمَّ بها ميلاً إلى ما دعته نفسه إليه، وعصمه ما عاين من برهان ربه عزَّ وجلَّ، هو أنه جاءه جبريل صلوات الله عليه في سورة يعقوب عليه السلام عاضاً إصبعه، فولى عند ذلك نحو الباب مستغفرا.تفسير التستري
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) }
قال أبو جعفر: ذكر أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته، جعلت تذكر له محاسنَ نفسه، وتشوّقه إلى نفسها، كما:-
19013 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد همت به وهم بها) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! قال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت، وغلَّقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول:"يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه"، فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتدُّ، فأدركته، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط، وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب.
19014 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبَّت عليه - يعني المرأة - تُطمعه مرة وتخيفه أخرى، وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها، وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به، ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به، حتى خلوا في بعض بُيوته.
فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما:-
19015 - حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان، وجلس منها مجلس الخاتن (2) = لفظ الحديث لأبي كريب.
19016 - حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن عيينة، قال: سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الخاتن، وحلّ الهميان.
19017 - حدثنا زياد بن عبد الله الحسَّاني، وعمرو بن علي، والحسن بن محمد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن.
19018 - حدثني زياد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها.
19019 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت له، وحلّ ثيابه.
19020 - حدثني المثنى، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها) ،

ما بلغ؟ قال: استلقت له وجلس بين رجليها، وحلّ ثيابه = أو ثيابها.
19021 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها، وقعد بين رجليها لينزعَ ثيابه.
19022 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل ابن عباس، عن قوله: (ولقد همت به وهم بها) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان = يعني السَّراويل.
19023 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه واستلقت له.
19024 - حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: حدثنا مالك بن سعير، قال: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلّ سراويله، حتى وقع على أَلْيَتيه.
19025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.تفسير الطبري
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
أما ما قاله أهل التأويل إنها استلقت له (وَهَمَّ بِهَا) أي: حل سراويله، وأمثال هذا من الخرافات؛ فهذا كله مما لا يحل أن يقال فيه شيء من ذلك، والدلالة على فساد ذلك من وجوه:
أحدها: قوله: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)، ولو كان منه الإرادة والمراودة، لم يكن ليقول ذلك لها ويبرئ نفسه من ذلك.
والثاني: قوله: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ)، ولو كان شيء مما ذكروا من حل السراويل والجلوس بين رجليها، لم يكن السوء مصروفًا عنه.
والثالث: قوله: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)، ولو كان منه ما ذكروا لقد خانه بالغيب.
والرابع: قولها: (مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)، وقوله (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ).
هذا كله يدل أن ما قاله أهل التأويل فاسد، لا يحل أن يتكلم فيه بشيء من ذلك، وليس في ظاهر الآية شيء مما قالوا لا قليل ولا كثير؛ إذ ليس فيه سوى أن همت به وهم بها.
ثم تحتمل الآية وجوهًا عندنا:
أحدها: همت به: هم عزم، وهم بها هم خطر، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب، ولا مؤاخذة عليه، وهو قول الحسن.
والثاني: همت به همّ الإرادة والتمكن، وهم بها هم دفع، لكنه يدخل عليه قوله: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، لو كان همه بها هم دفع لم يكن لقوله: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) معنى، لكنه يشبه أن يكون هم بها، أي: هم بقتلها، فإذا كان هم بقتلها فرأى برهان ربه فتركها لما لا يحل قتلها.
والثالث: كان يهم بها لولا أن رأى برهان ربه على الشرط؛ كان يهم بها لولا ما رأى من برهان ربه، وهو كقوله: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ)، لولا ما كان من تثبيتنا إياك، وكذلك يخرج قول إبراهيم: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) أي: لو كان هو الذي ينطق لفعل هو.
ثم اختلف في قوله: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ): قال بعض أهل التأويل: رأى يعقوب عاضًّا على شفتيه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: مثل له يعقوب وصور له، فرآه عاضًّا على أصبعه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: رأى برهان ربه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: رأى آية من كتاب اللَّه: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً. . .).
هذا كله لا يدري.
وأصل البرهان: الحجة؛ أي: لولا ما رأى من حجة اللَّه، وإلا كان يهمّ بها، ولكن لا ندري ما تلك الحجّة، واللَّه أعلم بذلك.
والبرهان: هو الحجة والآية؛ لولا أن رأى حجة ربه، وبرهان ربه وآياته، أو الرسالة، ويشبه الحجة أي: النبوة.
تفسير الماتريدي
فالهمُّ من امرأة العزيز كان هم عزمٍ وتصميم، والهمُّ من يوسف كان مجرد حديث نفس {السواء} المنكر، والفجور، والمكروه {والفحشآء} ما تناهى قبحه والمراد به الزنى {قَدَّتْ} القدُّ: الشق والقطع وأكثر ما يستعمل في الطول، والقطُّ يستعمل في العرض {أَلْفَيَا} وجدا {كَيْدِكُنَّ} الكيد: المكر والحيلة {الخاطئين} المتعمدين للذنب قال الأصمعي: خطئ الرجل فهو خاطئ إذ تعمد الذنب، وأخطأ يخطئ إذا غلط ولم يتعمد {شَغَفَهَا حُبّاً} وصل حبه إلى سويداء قلبها قال الزجاج: الشغاف سويداء القلب {أَصْبُ} أملْ يقال: صبا إلى اللهو إذا مال إليه
طلبت امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها منه أن يضاجعها، ودعته برفق ولين أن يواقعها، وتوسَّلت إليه بكل وسيلةٍ {وَغَلَّقَتِ الأبواب} أي غلّقت أبواب البيوت عليها وعلى يوسف وأحكمت إغلاقها قال القرطبي: كانت سبعة أبواب غلّقتها ثم دعته إلى نفسها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي هلُمَّ وأسرع إلى الفراش فليس ثمة ما يُخشى قال في البحر: أمرته بأن يسرع إليها {قَالَ مَعَاذَ الله} أي عياذاً بالله من فعل السوء قال أبو السعود: وهذا إشارة إلى أنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه، لما أراه الله من البرهان النيِّر على ما فيه من غاية القبح ونهاية السوء {إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي إن زوجك هو سيدي العزيز الذي أكرمني وأحسن تعهدي فكيف أسيء إليه بالخيانة في حَرَمه؟ {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} أي لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومنهم الخائنون المُجازون الإِحسانَ بالسوء، ثم أخبر تعالى ان امرأة العزيز حاولت إيقاعه في شراكها، وتوسَّلت إليه بكل وسائل الإِغراء، ولولا أنَّ الله جلَّ وعلا حفظه من كيدها لهلك فقال {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} أي همَّت بمخالطته عن عزمٍ وقصدٍ وتصميم، عزماً جازماً على الفاحشة لا يصرفها عنها صارف، وقصدت إجباره على مطاوعتها القوة، بعد أن استحكمت من تغليق الأبواب، ودعوته إلى الإِسراع، مما اضطره إلى الهرب إلى الباب {وَهَمَّ بِهَا} أي مالت نفسه إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وحدثته نفسُه بالنزول عند رغبتها حديث نفسٍ، دون عزمٍ وقصد، فبين الهمين فرق كبير قال الإِمام الفخر: الهمُّ خطورُ الشيء بالبال أو ميلُ الطبع، كالصائم في الصيف يرى الماء البارد فتحمله نفسُه على الميل إليه وطلب شربه، ولكنْ يمنعه دينُه عنه {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} جوابه محذوفٌ أي لولا حفظ الله ورعايتُه ليوسف، وعصمتُه له لخالطها وأمضى ما حدثته نفسه به، ولكنَّ الله عصمه بالحفظ والتأييد فلم يحصل منه شيءٌ البتَّة
صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني
اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الناس وعباراتهم في هذا المقام، فقيل: المراد بهمه بها خَطَرَاتِ حَدِيثِ النَّفْسِ، حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنْ بَعْضِ أهل التحقيق؛ ثم أورد البغوي ههنا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا همَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنَّ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِنْ همَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي، فَإِنْ عملها فاكتبوها بمثلها" (هذا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ منها هذا، قاله ابن كثير)، وَقِيلَ: همَّ بِضَرْبِهَا، وَقِيلَ: تَمَنَّاهَا زَوْجَةً؛ وَقِيلَ: هم بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، أَيْ فلم يهم بها (حكاه ابن جرير وغيره فكأن في الآية تقديماً وتأخيراً: أي لولا أن رأى
برهان ربه لهمّ بها، فلم يقع الهمُّ لوجود البرهان وهو عصمة الله عز وجل له. وانظر ما حققناه
في كتابنا (النبوة والأنبياء) صفحة (78) حول هذا البحث فإنه دقيق ونفيس فقد أوردنا عشرة وجوه على عصمته عليه السلام)، وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الَّذِي رَآهُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَيْضًا، قيل: رأى صورة أبيه يعقوب عاضاً على إصبعه بفمه؛ وقيل: رأى خيال الملك يعني سيده، وقال ابن جرير عن محمد ابن كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: رَفَعَ يُوسُفُ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، فَإِذَا كِتَابٌ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ: {لا تقربوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً}؛ وقيل: ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: {إِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} الآية، وقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} الآية، وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ أي آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ الله تزجره عَمَّا كَانَ همَّ بِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صُورَةَ يَعْقُوبَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صُورَةَ الْمَلِكِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ مَكْتُوبًا مِنَ الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُطْلَقَ، كما قال الله تعالى، وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} أَيْ كَمَا أَرَيْنَاهُ بُرْهَانًا صَرَفَهُ عَمَّا كَانَ فِيهِ كذلك نفيه السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} أَيْ مِنَ الْمُجْتَبِينَ الْمُطَهَّرِينَ الْمُخْتَارِينَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
مختصر تفسير ابن كثير للصابوني
التَّقْدِيرُ: وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا، فَقَدَّمَ الْجَوَابَ عَلَى شَرْطِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ. وَلَمْ يَقْرِنِ الْجَوَابَ بِاللَّامِ الَّتِي يَكْثُرُ اقْتِرَانُ جَوَابِ لَوْلا بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قُدِّمَ عَلَى لَوْلا كُرِهَ قَرْنُهُ بِاللَّامِ قَبْلَ ذِكْرِ حَرْفِ الشَّرْطِ، فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ لِيَظْهَرَ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ بِجُمْلَةِ وَهَمَّ بِها وَاضِحًا. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يُخَالِطْهُ هَمٌّ بِامْرَأَةِ
الْعَزِيزِ لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنَ الْهَمِّ بِالْمَعْصِيَةِ بِمَا أَرَاهُ مِنَ الْبُرْهَانِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أَقْرَأُ غَرِيبَ الْقُرْآنِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها الْآيَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ تَقْدِيمِ الْجَوَابِ وَتَأْخِيرِ الشَّرْطِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا.
وَطَعَنَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ جَوَابَ لَوْلا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا. وَيَدْفَعُ هَذَا الطَّعْنَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَرَى مَنْعَ تَقْدِيمِ جَوَابِ لَوْلا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَجْعَلُ الْمَذْكُورَ قَبْلَ لَوْلا دَلِيلًا لِلْجَوَابِ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَ لَوْلا عَلَيْهِ. وَلَا مَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنَّ لَوْلا وَشَرْطَهَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَهَمَّ بِها عَلَى جَمِيعِ التَّأْوِيلَاتِ، فَمَا يُقَدَّرُ مِنَ الْجَوَابِ يُقَدَّرُ عَلَى جَمِيعِ التَّأْوِيلَاتِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هَمَّ يُوسُفُ بِأَنْ يُجِيبَهَا لِمَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ ثُمَّ ارْعَوى وَانْكَفَّ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَثَعْلَبٌ. وَبَيَانُ هَذَا أَنَّهُ انْصَرَفَ عَمَّا هَمَّ بِهِ بِحِفْظِ اللَّهِ أَوْ بِعِصْمَتِهِ، وَالْهَمُّ بِالسَّيِّئَةِ مَعَ الْكَفِّ عَنْ إِيقَاعِهَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ قَبْلَ النُّبُوءَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى عِصْمَتَهُمْ مِنْهَا قَبْلَ النُّبُوءَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ،
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج