الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن قياس الأخلاق بين النفعية والعدالة !

نضال عرار

2021 / 6 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من النافل القول أن النفعية بوصفها المساق الأخلاقي للفلسفة قد بدأت مع المفكر الإنكليزي جيرمي بنتام ، فلا نجانب الحقيقة أن الفلسفة عبر التاريخ قد عرفت البحث الدائم عن السعادة للفرد والمجتمع على حد سواء .
فإذا كانت النفعية على مدار القرنين الماضيين من الزمن قد حددت أو عرفت بخاصية أيما شيئ قد نتجت عنة السعادة او الرفاهية أو الخير أو أنه حال دون وقوع تلك الأعمال السيئة أو الشر أو أذى أو ألم على المجتمع كذلك الأمر ينسحب على المجتمع في السعادة .
بهذا المعنى فإن النفعية تأخذ بالعاقبة على الأفعال ونتائجها المرجوة منها على رفاهية المجتمع وسعادته وهي المعيار لصحة أو خطآ التصرف أو السلوك .
وبذلك تتأتى نجاعة النفعية في مدى صحة الإجراء أو الفعل وما ترتب عنه من منفعة ، إذ يقول ستيورات ميل :. الطريقة الصحيحة لاختبار الأفعال من خلال نتائجها هي اختبار نتائج كل فعل بعينه وليس من خلال تتبُّع النتائج التي سنحصل عليها إذا قام جميع الأفراد بنفس الفعل، ولكنَّني أعتقد أيضاً أنَّ النظر في ما يمكن أن يحدث لو قام الجميع بالفعل نفسه هو الوسيلة الوحيدة التي لدينا لاكتشاف اتجاهات وحقيقة الأفعال المفردة
عادة ما تغلف أو ترد القوانين والإجراءات الادارية وحتى القضائية إلى شأن الصالح العام أو المنفعة المجتمعية ، وصحيح أنها لا تتوافق مع رغبات المجتمع ككل غير أنها تلبي إحتياجاته ، تماما كما أجاز القول الفيلسوف ريتشارد ميرفت بحتمية مراعاة القواعد النفعية على كونها أسس عامة في الدعامة الأخلاقية للفرد والمجتمع

يجب أن يلتزم المرئ بالمبادئ العامة لأنَّ ناتجها العام سيكون للأفضل، وإنَّني أعتقد أنَّ الضرر الذي يحدث في المواقف الأخلاقية المعقَّدة يعود للتشكيك في هذه القواعد وليس بسبب التمسك بها.»
وكثيرة هي الإجراءات والقرارات في حياة مجتمعنا التي تتخذ بشأن ما وتكثر فيها التقولات وحتى التشكيك بمدى نجاعتها .
لعل هير في كتابه ( التفكير الأخلاقي ) قد عرض المسألة على نحو يعتد به فقد أجاز الإجراء ونقاشه على مستويين للمنفعة وإن تداخلت بعضها تبعا للزمن والظرف ما بين الملاك والناقد للإجراءات ومشروعيتها النفعية بالرغم من تجنيبه الإنسان البسيط بخبرته والذي عادة ما يلعب دور المتلقي للإجراءات أو القوانين التي يقوم بتقليدها طوال الوقت ليس إلا .
كذلك الأمر يسحب نفسه على مستوى كوكب الأرض الذي تحيى عليه البشرية وتعرضه لنكسات ومخاطر جمة نتيجة لإجراءات الدول الكبرى كقضية المناخ على سبيل المثال لا الحصر ، كون الإنبعاث الحراري هو نتاج فعل البشرية جمعاء غير أن نصيب الدول الرأسمالية هو أكبر بكثير مما تشكله نسبة الإنبعاث لدى باق دول العالم وإن محدودية الضرر والمنفعة على النقيض وكذلك بمستويين بهذا الشكل أو ذاك .
ومثل كل القوانين أو المقولات تخل النفعية في الفلسفة التفضيلية انا كحال فلاسفة عصر النهضة الذين إنحازو إلى الصالح العام وتجيير المنفعة العامة إلى الأخلاق .
النفعية والعدالة ...
إذا كان عقاب الأباء لأبنائهم سلوك نفعي يبتغي مصلحة وسعادة أبنائهم على أنه يبقى قياس لسلوك غير عادل ، وإن كان هناك من يرى بالعدل فضيلة للمك ، ولا يمكن التكهن بمكان مما سلف أن الحكم على الدوافع المحركة لسلوك البشر هو السعادة واللذة فثمة محركات ودوافع أخرى تبقى المحرك الأكثر دافعا لدى الفرد والمجتمع على نحو مغاير ، فطالما كان النقد هو مصدر التطور أو الصراع وأن التطور مرهون بأدواته في مجريات حياة الأفراد والتاريخ .
إن كتابة رواية أدبية أو رسم فني أو نتاج آخر هو عمل يحمل قيمة الرفاهية الفكرية للمجتمع غير أن النقد الأدبي لكل تلك الأعمال لا يتأتى في إطار النقيض للمنفعة بل على العكس تماما ، فإن الناقد بسلوكة إنما يدفع بإتجاه نتاجات أدبية وفكرية أكثر تطور ومنفعة للمجتمع .
لقد دعا الفيلسوف ديكارت أبان عصر النهضة بتعريض كل الأعمال والانتاجات إلى الشك ، ليس لغايات الهدم بقدر ما هي لغاية التطور والإزدهار ، على أنني مدركة في الوقت عينه بأحقية تلك النتاجات الفنية والأدبية على النقد
لم تخلوا أيما نظرية أو فلسفة أو نتاج فكري من النقد وحتى التفنيد إذا ما إستثنينا الحقائق العلمية والعلو التطبقية طبعا بقوانينها الأساسية ، غير أن العلوم الإنسانية تشبه المقولات والقواعد العامة أكثر عرضة للنقد والتأويل عن الجمع والطرح الرياضي الذي ليس فيه مكان سوى للصواب أو الخطأ ، وهكذا تكون النفعية ضمن الفكر البشري في مراحل تطوره عرضة حتى للإستثناء والتغييب في نمط ثقافة مجتمعية ما وإلا ما النفعية في سلوك المجتمعات الذكورية تجاه المرأة ؟!!!
كذلك الحال يسحب الأمر نفسه على العدالة ، غاية البشر ونسبيتها تبعا للظروف والزمان الذي تسرد فيه واقعة ما .
إن البحث عن العدالة الإجتماعية مذ ثورة سبارتاكوس في روما ولغاية يومنا هذا ما زالت حلم البشرية فلا بنيت المدينة الفاضلة ولا تحققت السعادة العامة للمجتمعات .
لا يستدعي مفهومي النفعية والعدالة التحليق بعيدا عن الواقع فثمة الكثير من أسئلة البديهة برأيي تستدعي أجوبة صادمة ، لندقق قليلا في بيوتنا ومدننا هل بنيت على هوانا ؟
هل تبنى المدن وفقا لأهوائنا ؟ أن لإجراء يجتر نفعية ومعادلة ( العدالة ) المبتورة بذريعة الإمكانات أن المحرك الأساس هو رأس المال
لا تبنى المدن والبيوت على هوانا كما يرى هنري لوفيفر وإلا ما معنى العدالة في تكدس الأحياء الشعبية أو الضواحي كما يحب البعض القول حول المدن والعواصم الكبرى ، فهل اللذة أو الرفاهية أو السعادة كانت المحرك أم العدالة ؟
لا هذا ولا ذاك إن التطور الرأسمالي وفائض القيمة أي الربح هي المحرك والدافع الرئيس كما أورد ماركس .
قد ينحاز البعض وأراهم كثر إلى مفاهيم العدالة على النفعية وقد أرى بذلك تفهما فقيم العدالة الإجتماعية والشفافية والحكم الرشيد تبقى في الإطار الأكثر نجاعة لأنظمة الحكم غير أنها لا تكفي ، إن أعتى الديموقراطيات وأكثرها ليبرالية لا توفر الحد الإدنى من التوزيع العادل للثروة ، وإلا ما الذي يفسر هذا الإنفاق الهائل على موارد السلاح هل هي النفعية أم العدالة ؟!!!
و ماذا بعد ؟
إن إحالة لما سبق تقودنا إلى نسبية التفضيل ما بين النفعية ونسبية العدالة ولو رجحت موضوعيًا لقيم العدالة فإن الدافع البشري يبقى محرضا طبقا لشروط التناقض والحاجة .... لا بدافع الرغبات والمثاليات الموضوعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير