الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طمأنينة التفكيك الكاذبة

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2021 / 6 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


‏"والتفكيك،..... يتجاوز المؤلف ومقاصده، كما يتجاوز المعنى واحتمالاته، لكي يهتمَّ بما ‏يتناساه القول أو يسكت عنه، وتلك هي إشكاليَّة الخطاب في ما ينطق به أو يطرحه ويدافع عنه. ‏إنَّه ينسى نفسه؛ أي كونه واقعة لها دورها في إنتاج المعنى وإقرار الحقيقة. ومثاله قول الحسن ‏البصري: «بقيت يوماً وليلة أنا ورابعة العدويَّة نتحدث حديث الروح، حتى نسيت أنّي رجل وأنَّها ‏امرأة». ولكنَّ وجود النص، وبصرف النظر عن منطوقه، هو دليل على أنَّه لم ينسَ أنَّه رجل". ‏هذا ما قاله علي حرب في مقابلةٍ أجراها معه محمّد شوقي الزين لموقع "مؤمنون بلا حدود"‏ ‏.‏
يرى المفكر علي حرب أن مقولة الحسن البصريّ تناست أو سكتت عن أمر يخالف ‏منطوقها؛ إذ يشي المنطوق بأنه نسي كونه رجلاً، ويعدّ هذا التصريح الإخباريّ دليلاً "على أنه لم ‏ينس أنه رجل". والحقيقة أنّ المنطوق يعيّن النسيان في إسار حدثٍ يقوم به اثنان: الحسن ورابعة ‏‏"نتحدّثُ"، وحركيّة هذا الحدث يحددها النص في "ظرفٍ" مصرّحٍ عنه بلفظتين متعاطفتين هما ‏‏"يوماً وليلةً" ما يعني أنّ النسيان كان ضمناً، وبخاصة أنّ الإخبارَ استُهلّ بالفعل "بقِيت" الذي ‏يحيل على "الدوام"، وكان من الممكن أن يدل على التأبيد لولا أن النصّ حاصر هذا الفعل بظرف ‏نهائي" يوماً وليلة". ‏
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكون الإخبار بالفعل الماضي عن حدث انقضى ومضى، ‏ما يعني أن الحسن البصريّ يثبت نصه بعد انقضاء ذلك اليوم وتلك الليلة بما انطويا عليه من ‏أحداث، وأن فعلَ التحدث المسند إليهما فعلٌ مضارع فذاك الإسناد لا يعني أنه مستمرٌّ بعد ‏انقضاء ظرف البقاء، بل هو متجدد ضمن البقاء. وعليه يكون التصريح كنايةً عن إشهار العفة، ‏لا ليغطي هواجسه الجنسية أو غير الجنسية، ويكون أيضاً لإظهار ما لحديث الروح من قدرة على ‏السموّ بالإنسان فوق هواجسه.‏
وصراحةً، لست بصدد التصدّي للمفكر الكبير علي حرب من كوني عثرت على مستمسك ‏أرشقه به، فهو أكبر من باعي وذراعي، ولكن الدافع هو كوني عثرت على مستمسك يمكنني أن ‏أستخدمه في مواجهة غلوّ الرهان على التفكيك الذي أفسد العلاقة مع النص ومقاصده أو مقاصد ‏مؤلفه. كما أفسد علاقة الإنسان بالكون وأثاث الكون وما وراءه. ‏
قد لا يعدّ الفعل "أفسد" فعلاً سلبيّا عند البعض، فهو فعلٌ ــــ على الأقل ــــ ضروريّ ‏لتأسيس العاصفة التي تأتي على آليات رصد الطريق إلى العلاقة بين الدالّ والمدلول. إذْ لا يمكن ‏تجاوز الطمأنينة المزيفة إلا بإفساد أمشاجها العريقة؛ ولا تكون هذه الأمشاج إلا من زيف متراكم ‏الأوهام، وذلك لا يخلو من مخاطر تضييع زاوية الرؤية، وانعكاسها على منجزات الاجتماع ‏الإنساني؛ لأنّ الهدف كما يقول جاك دريدا في كتابه علم الكتابة"‏Grammatologie‏"، "إيجاد الصدع ‏الذي يمكن من خلاله رؤية بصيص غير مسمى أبعد من الفتحة التي يمكن رؤيتها‎"‎، ولا مانع ‏يحول دون تحقيق هذا الهدف، فالصدع المطلوب دائما سيكون مفتعلاً وتعسفيا، وهو من خارج ‏النص أو ما يحيلُ عليه النص.‏
أيضاً، كلمة ضياع قد لا تكون سلبية، فالهدى وهم يؤدي إلى طمأنينة كاذبة، واللغة لم ‏تعد مع جاك دريدا منزل الوجود كما بدت لهايدغر، وكما أودعها الإنسان كل مخاوفه ومطامنه ‏وأحزانه وأفراحه وأحلامه ونجاحاته وإخفاقاته وخيباته و.....، بل هي ليست علامات على شيء، ‏وبات بإمكان القارئ أن يشحنها بالمدلولات المؤقتة حتى يظهر قارئ آخر، وهكذا فلا تكون قراءة ‏خاطئة، إذ لا بد من تقويض مركزية المعاني، أو محورية المعاني كما يسميها محمد حسن جبل، ‏فالمرونة في بيولوجية الأصوات جعلها مستباحة، يؤديها العاقل والمجنون ومَن بينهما. ‏
صحيح أنّ المعاني يقينية مؤقتاً ريثما يتوافر طالبٌ للحقيقة معترضٌ على كل ما تلقّى، ‏فتصبح ظنيةً إلى حين، أويتغير منسوب اليقين في الدلالة، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ المعاني لا ‏تكمن في العلامات، ويكمن معها مَن اختارها ليودع فيها ما أراد؛ فهل يحق لنا إذا لم نصل إلى ‏ذلك أن نعتمد تعريفاً للأسود على أنه ليس الأبيض، مع علمنا أنّ ذلك لا يطّرد؟ ألا نحسب هذا ‏التعريف يفضح عجزنا، وليس بالضرورةِ عجز العلامات! هذا ما يبدو، فكيف إذا اغتصبنا ‏العلامة بما لا صلة له بها ؟!!.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال