الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمود الحركة الإسلامية نذير بزوالها

أحمد هيكل

2021 / 6 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمثل وقوف أبناء التيار الإسلامى، من مفكريه ومنظريه، عند نفس جملة المفاهيم والمعتقدات الدينية التي تربَّوا عليها، حالة من التمترس خلف المعتقد السياسى الدينىّ والتماهى به والذوبان فيه، بحيث أصبح يستحيل مع هذه الحالة طرح فكر مغاير أو تقديم تصورات ورؤى جديدة مختلفة، وصار الانكفاء على نفس الأفكار القديمة هو سيِّد الموقف، مما أنشأ اتجاها فكريا دوغمائيا صلبا، لا تجدى معه أى محاولة للإصلاح أو مقاربة للتوفيق؛ فقد استحالت الفكرة إلى معتقد، والتصور إلى دين .
فعلى مدار أكثر من قرن، لم تراوح الحركة الإسلامية، على مستوى أدبياتها السياسية والدينية، موقعها الفكرى والأيديولوجى، وظلت على نفس ولائها التقليدىّ لفكر المؤسِّسين الأوائل، إذ تنافح عنهم بشراسة، وتذود عن تراثهم وإنتاجهم الفكرى بكل ما أوتيت من قوة. فلا نكاد نرى خروجا على المألوف إلا فيما ندر، إذ تم اجترار مفاهيم نفس المنظومة الفكرية طوال عقود كاملة، ولم نر ثمة اجتهادا حقيقيا يمس الثوابت والأسس الفكرية التى قام عليها فكر مدرسة الإحياء والتجديد، التى غرس بذرتها الشيخ جمال الدين الأفغانى ومن بعده الإمام محمد عبده، والتى تعدُّ بحق المَعين والرَّافد الرئيسىّ الذى نهل منه الإسلاميون على مدى قرن وأكثر، وكانت بمثابة المَدَد المعرفىّ ومصدر الإلهام الفكرى لكثير من رُوَّاد المشروع الإسلامى فى عصرنا الحديث، والتى قدَّمت التأصيل المنهجىّ والأيديولوجى للفكر الإسلامىّ السياسىّ، حيث تطرح هذه المدرسة الإسلام كمشروع حضارى وسياسىّ فى المقام الأول، ويمثل عندها رؤية متكاملة للنهضة بل منطلقا معرفيا وإنسانيا فيه الغَناء عن كل مصادر المعرفة الإنسانية، فالإسلام وَفق هذه الرؤية الحضارية هو منهج شامل للحياة، فهو دين ودولة، وثقافة ومجتمع، وقانون وحضارة، واقتصاد وسياسة.. وهو الفكر الذى قام عليه مشروع الإمام محمد عبده ومن بعده تلميذ الإمام، الشيخ / محمد رشيد رضا، والشيخ/ حسن البنا، فاكتمل لدينا مشروع واضح المعالم، وتجلَّى بشكل أكثر قوة مع إسهامات اللاحقين من أبناء الحركة الإسلامية.
والمشكلة الجوهرية فى مشروع الحركة الإسلامية بكل أطيافها ومدارسها، السلفى منها والصوفىّ، الأشعرىّ والأكثر ميلا إلى العقلانية والاعتزال(الدكتور محمد عمارة مثالا)، كامنة فى الاعتراف بسلطة النص الدينىّ، وأسبقيَّة الوحى للعقل، وصلاحية التشريع الدينىّ وتجاوزه لإطار الزمان والمكان، وهو ما ألقى بظلال كثيفة على تعاملات المسلمين ومشكلاتهم اليومية، وعلى واقع الممارسات التطبيقية الذى تظهر من خلاله الفجوة الكبيرة بين التشريع ومتغيرات الحياة.
ورفع هذا الحرج إنَّما يكون بوضع النص الدينى موضِعَ التساؤل والنقد والتحليل، وقراءته وفق السياق التاريخى الذى جاء فيه، وليس بترقيع الموروث وتلفيق الإجابات وردِّ الشبهات! فلن يستطيع المسلمون مواجهة العصر وأسئلته وأعناقهم مشرئبة نحو الماضى يستلهمون منه النهج والسبيل. فإذا كان النص قد نشأ من رحم الواقع والثقافة والبيئة المحيطة به، وتشكَّل عبْرَ جدلية وحوار لم ينتهِ طوال مدة الوحى، فإنه من الظلم أن تظل علاقة المسلمين بالنص هى ذات العلاقة التقليدية التى تمنع إعادة النظر وطرح الاجتهادات. فتجديد الخطاب الدينىّ، وإعادة تأويل النصوص، هو فى حق الإسلام أوكد، لأنه خطاب مبنى على التفاعل مع الواقع، وجاءت أحكامه وتشريعاته وفق النوازل وما كان يستجد من الأمور. فعشرون عاماً هى عمر الرسالة المحمدية قد استلزمت نسخ أحكام ونصوص بأحكام ونصوص أخرى، فما بالنا والحياة طويلة، وبها من الأطوار المعبِّرة عن جوهر معناها وأخص ميزاتها ما بها؟ مما يعدُّ دلالة قوية على تاريخية المعرفة الدينية وأنها وليدة زمانها وبنت عصرها. بل إن هناك عدة شواهد أخرى تثبت بذلك بوضوح، منها: نزول القرآن مُنجَّمًا، أى مُفرَّقًا بحسب الوقائع ومستجدات الأمور، أى أن النص كان يأتى إجابة على أسئلة الواقع، وهذا يدل على عدم تعالى النص وفوقيته، بل يؤكد جدليته وحركيته، وأنه لم يكن نصا دوغمائيا جامدا معزولا عن حركة الحياة. ومن تلك الشواهد التى تحل دليلا قويا على صحة ما ذكرناه: تعدد الشرائع الدينية بتعدد الأزمان والأجيال : ( ولكل جعلنا شرعة ومنهاجا )، فشريعة موسى غير شريعة عيسى غير شريعة محمد، وهذا يدل على أن كل زمن له منظومته القانونية والأخلاقية، وأن تغير الزمان يقتضى تغير أنواع المعاملات والممارسات التشريعية، فما صلح من ألف أو ألفى عام لا يصلح بالضرورة اليوم. وأخيرا : ختم الرسالات السماوية برسالة محمد بن عبد الله، هو أكبر الأدلة على عدم حاجة البشرية إلى شرائعَ سماويةٍ جديدة، ولما كانت الشريعة فى ذاتها إجابة عن أسئلة واقعية وبيئية، كان هذا إيذانا بزوال سلطة النص وتأكيد سلطة العقل، وأن العقل هو الموكول إليه والمنوط به سلطة الفهم والتشريع.
وبناء على ذلك، ينبغى أن نعتبر الفرق الكبير البيِّن الواضح بين ما جاء الإسلام به من مبادئَ تمثل جوهره ومعناه، فتبقى خالدة بخلوده، كعقيدة التوحيد، ومكارم الأخلاق، وإقامة العدل والمساواة بين الناس، وبين ما كان عرَضًا ظاهرًا منه لا يمثل جزءا أصيلا من نظامه فهو قابل للتبديل والتغيير كأى شىء يمر بمراحلَ وأطوارٍ مختلفة متباينة.
ومشكلة الفكر الإسلامى المعاصر هو الربط الكامل بين الغايات والوسائل، بين المنهج وأدواته، بين الغرَض والعرَض، حيث اعتبرت وسائل المنهج جزءًا لا يتجزأ عن المنهج ذاته، وهو ما ساهم فى انغلاق الرؤية وإقامة حواجز حضارية بيننا وبين الحضارة المعاصرة، حيث لا توجد ثمة قنوات للاتصال أو اللقاء الحضارىّ. فالفهم الشائع هو أن الشريعة نظام مصمت مغلق محكم، ومن ثمَّ فلا مجال لقبول التعدد والتنوع والاختلاف وقبول الآخر والانفتاح على الثقافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال