الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثقافة الذكورية وجسد المرأة
أحمد هيكل
2021 / 6 / 21حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
زرعت الثقافة الذكورية فى عقولنا أن جسم المرأة شهوة وفتنة، فلا يستطيع المرء أن يرى فى جسد المرأة إلا ما يثير غريزته، فيصبح غيرَ قادر على التعامل معها -ولو مرة واحدة- بشكل سوىّ، وبدون أن ينحِّىَ غرائزه المسعورة. فالمرأة كلها عورة، لا يجوز أن يظهر منها أى عضو من أعضائها، أى أنَّ عليها أن تسير متكفنة حتى يستريحَ الرجل من عناء الشهوة ولا تهتاج أحاسيسه! فراحة الرجل أولى من حرية المرأة! وعليها ألا تختلى بأحد حتى ولو كان مديرَها فى العمل أو زميلَها فى الدوام! فالهاجس الجنسىّ هو ما يحرك التشريع والفكر الذكورىّ على الدوام، بحيث أصبح له سلطة على العقل؛ فلا يستطيع أن يتحرر من هذا الهاجس المتسلط. لذلك نجد التشريعات المتعلقة بالمرأة فى هذا الشرع الذكورىّ متحاملة على المرأة وتحملها مسئولية أخطاء الرجل، فإذا رققت المرأة قولها أو خففت ملابسها أو تصرفت بتلقائية وبدون حرج، فهى الملومة وليس المتحرش!
وفى حقيقة الأمر، لا يوجد شيء يعدُّ فى حد ذاته فتنة أو شهوة أو عورة، ولكنه الوصف الشعورىّ الذاتىّ غير الموضوعىّ الذى يسبغ أمور حياتنا، وهى مشاعر النفس المضطربة إزاء ما تواجهه، وهكذا الأمر مع كل ما يحسه الإنسان وما يشعر به، فلا يوجد شىء موضوعىّ اسمه فتنة أو شهوة أو عورة، ولكننا نسقط ميولنا وأحاسيسنا ومشاعرنا على كل ما يقع خارج إطار الذات! وليس أدلَّ على ذلك من اختلاف النظرة إلى جسد المرأة بحسب كل ثقافة، ففى حين يُنظر إلى العرىّ فى الثقافة العربية على أنه إشارة إلى الشبق والإثارة، تنظر الثقافة الغربية إلى العُرِيّ على أنه يرمز إلى دلالات اجتماعية وفكرية بعيدة. وقد استخدمت النساء التعرِّيَّ عن قصد في أفريقيا بُغيةً توجيه اللعنة، ويرجع تاريخ هذه الممارسة الثقافية إلى قديم الزمان، ومازلت تمارس في أماكنَ كثيرةٍ حتى يومِنا هذا. وقد استخدِمَ تهديدُ التعرية بنجاح في مظاهرات ضخمة ضد صناعة البترول في نيجيريا، كما استخدمته الناشطة والحائزة على جائزة نوبل للسلام ليما غبوي خلال الحرب الأهلية الليبيرية الثانية، وضد الرئيس لوران غباغبو في ساحل العاج. كما يعدُّ اللجوء إلى التعرى أسلوبا من أساليب الاحتجاج، إذ يقوم فيه المحتجون بالتعري بشكل كامل أو جزئي كوسيلة لإثارة الانتباه أو إظهار السخط من سياسة أو قانون ما بطريقة سلمية. كما تتجه بعض الدول الأوروبية (على سبيل المثال: ألمانيا وفنلندا وهولندا) إلى إتاحة الفرصة لكلا الجنسين الاستحمام عراة معًا، ومن ناحية أخرى توجد حمامات بخار فنلندية مختلطة، ودائمًا تحضر عاريًا!
وتختلف كل ثقافة عن الأخرى فى النظر إلى ما ينبغى حجبه أو كشفه من جسد الإنسان أو المرأة، وذلك تبعًا لرؤية كل ثقافة من هذه الثقافات للإنسان، وعلى حسب موقع الجسد ومكانته وتأثيره فى هذه الثقافة، فالثقافة العربية فى الحقيقة تختزل الإنسان إلى جسد، فتولى الجسد اهتماما كبيرا شرعيا وفقهيا وعرفيا، فمنذ اللحظة الأولى لبلوغ الرجل والمرأة يبدأ المجتمع فى تحديد وضبط سلوك وملبس الاثنين، فالمرأة عورتها كل جسمها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ما عدا الوجه والكفين على الراجح، والرجل عورته ما بين السرة إلى الركبة عند جمهور أهل الفقه . كما تحرص الأسرة والمجتمع على الالتزام بتلك المعايير والأوصاف الدينية، فالجسد وَفقَ هذه الرؤية يتحول إلى ملك للمجتمع وليس لصاحبه، إذ تسعى السلطة الأبوية الرجعية لفرض الزى والملبس بالقوة، والفقه والفتاوى الدينية عندنا منشغلان أشدَّ الانشغال بما تلبس المرأة. أما الثقافة الغربية فتتعامل مع الجسد باعتباره ملكا للإنسان أو لصاحبه وليس للمجتمع حق الوصاية أو فرض ملابسَ بعينها، كما أن الجسد في الثقافة الغربية لا يغدو أو يصبح هو محور الاهتمام، بل السلوك الأخلاقى للفرد هو الأهم ، فلا يهم ماذا تلبس بل الأهم : كيف تفكر ، ماذا تنتج ، هل تلتزم بالأخلاق الإنسانية ؟
ولا يشكل الجسد بالضرورة ، من حيث حجبه أو كشفه، عند كثير من الشعوب والثقافات، أهمية بالغة، ولا يرتبط كشفه أيضا بقصد الإثارة الجنسية، حيث إن دلائل وشواهد واقعية كثيرة تؤيد ذلك، فإنَّ تطور الإنسانية فى القرنين الأخيرين، وتغير وسائل الإنتاج، وظهور الآلة، وتسارع وتيرة الحياة، قد دفع الإنسان إلى تغيير عوائده وأزيائه، بنفس الدرجة التى دفعته إلى تغيير نظامه الاجتماعىّ، وهو ما أدى إلى ظهور أشكال وأنماط جديدة للزىِّ تناسب التطور. بل لا يمكن فهم حركة تعرى المرأة والإنسان بوجه عام فى عصرنا بدون فهم الملابسات والظروف الحضارية التى أدت إليها، فالزى يلبِّى حاجة الإنسان الحضارية في المقام الأول، والشعوب التى تحرَّرت من ملابسها التقليدية إنما كانت تشبع هذا الاحتياج الحضارىَّ بالأساس، وكلما صارت أمة أكثر عمليَّة في حياتها وتقدمت وسائل وأدوات إنتاجها، أصبحت أكثر احتياجًا إلى تغيير ملبسها وتطوير أزيائها، كما أن الشعوب التى تمتاز برتابة الزى وتتصف أزياؤها بأنها محافظة، هى في الأخير تتبع نمط إنتاج وأسلوب حياة تقليدى لم يسمح لها بتغيير عوائدها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. دراسة تحذر.. ألبان البقر خطر على النساء ويصيبهم بأمراض القلب
.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم -قطيعة الأخوات بسبب الت
.. مساحة آمنة للمرأة المصرية.. مكتب شكاوى المرأة اعرفى إزاى تست
.. الإعلان عن برنامج حملة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
.. النزوح وتداعياته على المرأة والمجتمع محور ندوة حوارية