الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استقلال مجلس الدولة في ضوء الدستور والقانون وقرارات المحكمة الاتحادية العليا

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 6 / 20
دراسات وابحاث قانونية


تداولت وسائل التواصل الاجتماعي تزامناً مع مقترح مجلس النواب العراقي بالغاء الدور القضائي لمجلس الدوله قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (118/اتحادية /اعلام /2015) في 30/11/2015 وهو قرار تفسيري صدر بمناسبه طلب مجلس النواب تفسير المادة (87) من الدستور والتي تنص ( السلطه القضائية مستقله وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون ) حيث استفسر مجلس النواب عن مدى عد وظائف القضاء الاداري والافتاء الواردتين في المادة (101) من الدستور من مظاهر السلطه القضائية الواردة في المادة (87) من الدستور ، وقد جاء في حيثيات قرارها التفسيري ( .....ويظهر من ذلك ان السلطه القضائية تمثل سلطه من سلطات الدولة الثلاث تمارس مهامها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات وانها تستمد خصوصيتها وصلاحيتها من المادة (87) من الدستور وتنظم اعمالها النصوص الدستوريه الواردة بالمواد (88) و(89) و(90) و(91) من الدستور ، ومن القوانين منها قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنه 1979 ، حيث ينظم انواع المحاكم ودرجاتها من محاكم البداءة والاستئناف والتمييز والجنح والجنايات ، وهذه المحاكم هي صاحبه الاختصاص الاصلي في نظر جميع المنازعات المدنية والجزائية باستثناء المنازعات الاداريه وما استثني بقانون خاص ، والحكم الذي يصدر من هذه المحاكم يكون وفقاً لاجراءات معينه ووفقاً لضمانات معينه ويؤدي الى حسم النزاع والخصومه بين الطرفين ، وان المادة (101) من الدستور اجازت بقانون انشاء مجلس الدولة الى جانب السلطه القضائية حيث نصت على ( يجوز بقانون ، انشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الاداري والافتاء والصياغه وتمثيل الدولة وسائر الهيئات امام جهات القضاء ، الا ما استثني منها بالقانون ) ويتولى مجلس الدولة محاكم مجلس الدولة ، .....وهو ليس جزء من السلطه القضائية الاتحادية وانما هو جزء من السلطه التنفيذية بالصفه الادارية وان مجلس الدولة هو الذي يباشرالقضاء الاداري وفرض الرقابه القضائية على اعمال السلطه التنفيذيه وعن طريقها يمكن اخضاع الادارة لسيادة القانون ، وعلى هذا الاساس لايعد القضاء الاداري جزء من السلطه القضائية الاتحادية المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين المشار اليها ولاسيما ان اللذين يمارسون القضاء الاداري هم ليسوا من القضاة المعينيين وفق قانون التنظيم القضائي واللذين جرى تأهيلهم لمهام القضاء...) ولاشك ان هذا القرار صدر قبل صدور قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 الذي نص في المادة (1) منه على انشاء مجلس الدولة ويختص بوظائف القضاء الاداري والافتاء والصياغه ، ويعد هيئة مستقله تتمتع بالشخصيه المعنويه ويمثلها رئيس المجلس ، ومن المعروف ان مجلس شورى الدولة كان يرتبط قبل صدور قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 بالسلطه التنفيذية التي كانت تعده مرفقاً من مرافق وزارة العدل ولذلك فإن صدور هذا القانون الذي عد مجلس الدولة هيئة مستقله مع فك ارتباطه بوزارة العدل ، دفع وزارة العدل بسبب استقلال احد مرافقها عنها الى الطعن بعدم دستوريته لمخالفته للدستور ولتجاوزه على صلاحيات السلطة القضائية وفق ماجاء بعريضه الدعوى ، وقد حسمت المحكمة الاتحادية العليا الطعن بموجب قرارها (85/اتحادية/اعلام/2017) في 10/10/2017 برد دعوى وزير العدل (اضافة لوظيفته) كونها تفتقر للسند القانوني والدستوري حيث جاء في حيثيات قرارها (... من الرجوع إلى اختصاصات ومهام مجلس الدولة التي نصت عليها المادة (1) من قانونه نجد أنه اختص بالقيام بمهام (القضاء الإداري، الإفتاء، الصياغة)، ويقصد بها صياغة مشروعات القوانين والقرارات التشريعية، وهذه المهام والاختصاصات تختلف عن مهام واختصاصات مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها في الدستور وفي مجموعة قوانين تنظيم القضاء، لذا فأن ربط مجلس الدولة بالسلطة القضائية لمجرد ورد ذكره في نهاية الفصل الثالث من الدستور الخاص بالسلطة القضائية، مسألة لا تمس جوهر الموضوع، وانما هي مسألة تنظيمية ليس إلا وبالتالي فلا تشكل مخالفة دستورية تبيح الغاء القانون موضوع الطعن، هذا من جانب ومن جانب اخر فان وصف (مجلس الدولة) بكونه (هيئة مستقلة) كما ورد في قانونه فأن ذلك نجد سنده في المادة (108) من الدستور التي اجازت استحداث هيئات مستقلة اضافية للهيئات المستقلة المنصوص عليها في المواد (102-107) من الدستور بحسب الحاجة والضرورة ويتم ذلك بقانون، وهوما أجراه مجلس النواب بموجب صلاحيته المنصوص عليها في المادة (61/ اولاً) من الدستور، بإصداره القانون موضوع الطعن (قانون مجلس الدولة) وعدم ربط هذا المجلس بالسلطة القضائية الاتحادية لاختلاف مهامها واختصاصاتها عن مهامه وعدم ورود ذلك في المادة (89) من الدستور التي عددت مكونات السلطة القضائية الاتحادية وليس من بينها مجلس الدولة، وكذا الذهاب إلى عدم ربطه بالسلطة التنفيذية توخياً لضمان حياده واستقلاليته حينما يتصدى قضاؤه الإداري للقرارات والاوامر التي تصدرها هذه السلطة، وبناءً عليه تكون دعوى المدعي (اضافة لوظيفته) فاقدة لسندها الدستوري والقانوني فقرر الحكم بردها...) .
يمكن ان نسجل على قرار المحكمة الاتحادية العليا اعلاه الملاحظات الآتية :
1. إن القرار المذكور اقر باستقلالية مجلس الدولة عن السلطة القضائية الاتحادية لاختلاف طبيعة ومهام واختصاصات مجلس الدولة عن مهام واختصاصات السلطة القضائية، كما إنه قرر استقلالية مجلس الدولة عن السلطة التنفيذية توخياً لضمان حيادية واستقلالية المجلس حينما يتصدى قضاؤه الإداري للقرارات والاوامر التي تصدرها هذه السلطة، ولم يحدد ارتباط المجلس بأي جهة اخرى ، ونرى من الاوفق بقائه هيئة قضائية مستقله على ان تستكمل كافه مقومات استقلاله ، في حين نجد ان مجلس الدولة المصري كان يرتبط برئيس الجمهورية في ظل دستور مصر لسنة 1956 ويعد هيئة مستقلة تابعة لرئاسة الجمهورية استناداً للمادة (الأولى) من قانون مجلس الدولة الرابع رقم (55) لسنة 1959 وظل الأمر كذلك في ظل دستور الوحدة مع سوريا عام 1958 وحتى الانفصال عام 1961.
2. إن توجه المحكمة الاتحادية العليا باعتبار مجلس الدولة هيئة مستقلة هو امر محمود ولكن ان تستند المحكمة لأحكام المادة (108) من دستور جمهورية العراق توجه غير محمود لان مجلس الدولة هيئة قضائية مستقله ، وكان من الأوفق لو نص المشرع العراقي في هذا القانون على كون المجلس (هيئة قضائية مستقلة) كما فعل المشرع المصري لتمييز المجلس عن الهيئات المستقله التي تجد سندها في المادة (108) من الدستور ، حيث نصت المادة (1) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 على ان (مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة)، وايضاً نصت المادة (190) من دستور مصر لسنة 2014 على ان (مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة) ، ولا يقدح ذلك من مهام واختصاصات مجلس الدولة الأخرى، اذ ان مجلس الدولة المصري يمارس ايضاً مهام الفتوى وصياغة مشاريع القوانين ، وعلى الرغم من ذلك يمكن القول بأن قانون مجلس الدولة العراقي قد خطى خطوة جريئة نحو الاستقلال العضوي والوظيفي للقضاء الإداري يفوق حتى مجلس الدولة الفرنسي الذي لا يزال مرتبطاً بالسلطة التنفيذية، إذ إن رئاسة مجلس الدولة الفرنسي معهودة لرئيس السلطة التنفيذية ويحل محله في حالة غيابه (وزير العدل)، ويفسر رئيس السلطة التنفيذية الوارد بالأمر الصادر في 31/يوليو/1945 المعدل برئيس مجلس الوزراء ، وبالرغم من ان رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل لا يشاركان بالمداولات الخاصة بإصدار الأحكام ويتولى رئاسة المجلس من الناحية الفعلية وكيل مجلس الدولة وفي حالة غيابه أقدم رؤساء الاقسام، إلا ان المجلس تابع من الناحية العضوية إلى السلطة التنفيذية وهذا يشكل تهديد لاستقلال المجلس.
3. ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد أخذ بنظام القضاء المزدوج عندما اجاز تشكيل مجلس الدولة بموجب المادة (101) منه ، كما ان ورود هذه المادة ضمن (الفرع الثالث/ احكام عامة) من (الفصل الثالث/ السلطة القضائية) ليس مجرد صدفة أو مجرد مسألة تنظيمية كما ورد بقرار المحكمة الاتحادية العليا آنف الذكر، ذلك ان القضاء العادي يمثل جهة قضائية مستقلة والقضاء الإداري يمثل جهة قضائية مستقلة وهاتين الجهتين كلاهما تحت مظلة السلطة القضائية، ونرى ان المشرع الدستوري اخفق بتعداد مكونات السلطة القضائية الاتحادية في المادة (89) منه ، وكان من الاوفق لو أكتفى بالنص على ان السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون، وأن ينص كما فعل المشرع الدستوري المصري في المادة (185) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 التي جاء فيها (تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها ويكون لكل منها موازنة مستقلة، ...)، وبذلك يمكن ان تضم السلطة القضائية جهات القضاء العادي والإداري والدستوري ولكل جهة قضائية تنظيمها الخاص حسب طبيعة عملها وبالتالي فان مجلس القضاء الاعلى يفترض ان يكون جهة تنسيقية بين انواع القضاء العادي والاداري والدستوري، ويمكن التاسي بالمادة (الأولى) من قانون مجلس الهيئات القضائية المصري رقم (193) لسنة 2008 ، التي نصت على (يشكل مجلس للهيئات القضائية يرعى شؤنها المشتركة، ويتولى التنسيق بينها، ويناط به كذلك، التنسيق في الامور المشتركة الواردة في اي قانون بما لا يمس اختصاصات المجالس العليا لهذه الهيئات) وهذا يجنبنا اصدار تشريعات لإضفاء الصفة القضائية على عمل المجلس ومستشاري المجلس والمستشارين المساعدين وما يترتب على ذلك من ضمانات وحصانات وامتيازات تعزز الاستقلال الشخصي لهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة


.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين




.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف


.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو




.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با