الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيچبت ... ليست هي مصر (1)

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2021 / 6 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


انظر على حواف شهادة ميلادك ستجد علامة مائبة عبارة عن جملة مكررة داخل خرطوشة ملكية بالخط الهيروغليفي مضمونها " مِسْ إم كِمِيتْ " وترجمتها بالعربية" وُلِد في كِميت" وهذه العبارة هي التي تمنحك جنسية هذا البلد العظيم، و"كِمِيتْ" هو اسم بلادنا وادي النيل منذ القدم. وقد أطلق أجدادنا القدماء على بلادنا إسمان أصليان رسميان أُطلقا معاً على بلادنا وادي النيل خلال عصور مختلفة من التاريخ؛ أحدهما على المستوى الوطني المحلي، والآخر على المستوى الدولي العالمي؛

 أما الأول فهو؛ " كِمِيت" ؛ كلمة هيروغليفية أصلية ومعناها "الأرض السمراء" أو "ألأرض الخصبة " أو أرض الخصب والنماء ( وادي النيل) وهذا الاسم كان ذا طابع محلي وطني. وما يؤكد أنه كان محلياً أن أجدادنا كانوا يطلقونه على الأرض الخصبة فقط المساحات المنزرعة والتي يطمرها الفيضان كل عام ويغنيها بالطمي والغرين والعناصر المعدنية المغذية للتربة، كانت هي مصدر الخيرات في هذه الأرض، فيمكننا القول أن كلمة كميت تساوي حرفياً (وادي النيل) وفي المقابل أطلقوا على المساحات الشاسعة من الصحارى على جانبي الوادي والتي لا يغمرها الفيضان، وكذلك شبه جزيرة سيناء مسمى " ديشرت Deshret" أي الأرض الحمراء أو الصفراء إشارة إلى لون رمال الصحراء، ومن المنطقي أنها أيضاً كانت تحت السيادة الوطنية وتخضع لحكم الملك ومع ذلك استقلت بمسمى مختلف عن الأرض الخصبة، وهو ما يعني أن هاتين التسميتين " كَمَيت و ديشرت " كانتا محليتين داخليتين ولا يعني أي منهما أن يشمل وحده النطاق الجغرافي للإمبراطورية كلها من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط إلى خليج العقبة، إنما هذه المساحة يدخل ضمنها " كِميت وديشرت".

 والثاني:" إيجبت " ؛ كلمة هيروغليفية أصلية ومعناها " أرض الإله " (إمبراطورية وادي النيل)، وهذا الاسم كان ذا طابع دولي عالمي، يشمل كل حدود المملكة بالمعني السياسي والجغرافي والقومي؛ أي كل شبر أرض يخضع للسيادة أياً كان نوعه سواء "كِميت أو ديشرت "، وهكذا عرف الشعوب الأجنبية هذه البلاد باسم " أرض الآلهة " عند الأوروبيين والفينيقيين والأسياويين، وحين كان يتقلد الملك العرش في حضور الكهنة بالمعبد، كان الاسم الرسمي "إيجبت " وكانت جميع الشعوب المجاورة تعرف سكان وشعب وادي النيل بمسميات جميعها مشتقة من إيجبت وليس كميت أو ديشرت، مثل الفينيقيين نطقوا اسم بلادنا كوبتو، والعرب القدامى نطقوها قبطو، والعرب المتأخرين نطقوها قبط، والغرب الأوربي نطقها جبت ..إلخ.

وقد استمر هذا الوضع حتى القرن السابع ميلادي، حتى دخل العرب بلادنا برفقة ابن العاص، فتم إسقاط الاسم الأول "كِمِيت" الوطني المحلي وظهر بدلاً منه مسمى "مصر"، واستمر على المستوى المحلي أيضاً، بينما بقي الثاني" إيجبت" دولياً عالمياً حتى يومنا. وتوارى بذلك "كِميت " ومعه ديشرت أي وادي النيل + ما يخضع لسيادة المملكة من أراضٍ صحراوية محيطة به. لأن مسمى مصر انطلق على كل الحدود الجغرافية السياسية للمملكة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط إلى خليج العقبة، أي دمج كميت وديشرت في مسمى واحد وحل محلهم، لكنه أيضاً بقي محلياً مثلهم فصار جميع الجيران يطلقون على أجدادنا وبلادنا (أقباط – إيجبت Egypt ) وإلى اليوم كل دول العالم تنطق Egypt ما عدا الدول العربية تنطق " مصر". وهذا الاسم الجديد الوافد "مصر" هو النُطق العربي لكلمة "مصرايم" السريانية، ولا يوجد له معنى ولا جذر لغوي في لغتنا الأصلية الهيروغليفية. وبالتالي فإن هذه أسماء متبادلة وليست متساوية في المعنى لفظياً، هي اصطلاحات مختلفة أطلقت كاسم لذات الإقليم ( إمبراطورية وادي النيل).

ومصطلح:" رمت ن كميت - Rm(n) kmt هذا هو الاسم الأصلي لـ سكان وادي النيل، ومعناه "شعب كِمِيتْ"‏‎ ويعادل في عصرنا " شعب وادي النيل" أو " شعب ‎مصر" ‏وهذا ليس ترجمة بالمعنى وإنما تعريب لأننا عجم ولسنا عرب، وفي‎ ‎مصر القديمة‎ ‎كان الاسم يُكتب "رِمنكيمى" في المرحلة‎ ‎القبطية‎ ‎للغة. وهناك اصطلاح آخر خفيف الظل هو "‎كيمتيو": وهو اصطلاح آخر سمّاه الجبتيون لأنفسهم و معناه "أهل كِمِيتْ‎".‎‏ = الجبتيين = (المصريين سابقاً)". ‏وأجدادنا الجبتيين كانوا يتكلمون لغة‎ ‎‏" رانكيمي" ‏‎ ‎وهي‎ ‎اللغة الجبتية القديمة‎ ‎التي كانت ‏ تُكتب ‏بالحرف الهيروغليفي، وتطورت‎ ‎الكتابة في ‏إيجبت القديمة على مر العصور ‏وأصبحت‎ ‎ ‎هيروطيقي‎ ‎و‎ ‎ديموطيقي، ثم قبطي في عصر العرب، حيث بدأت الكتابة بنقوش تصويرية، ثم تطورت عبر الزمن حتى وصلت إلى النقوش الرمزية المعروفة اليوم. ومع أن اللغة الرسمية ‏في مصر ‏ حالياً هي‎ ‎العربية، لكنها ليست لسان الحال، وليست لغة أهل البلد الأصلية التي خلقها الله على لسانهم يوم أن خلق هذا البلد العظيم، إنما اللغة العربية هذه كانت لغة جيراننا، وهم عشيرة البدو العرب سكان الصحارى المجاورة على حدود كِميت.

وما زلنا نحن الجبتيين حتى اليوم نستخدم اللغة الكميتية في حياتنا اليومية "اللغة العامية" وهي عبارة عن لغتنا القديمة (رمن كميت) بلكنة عربية. وهذا يبدو جلياً من ناحية النطق وأدوات الإشارة والتشكيل ومخارج ‏الحروف والمخارج الصوتية وتركيب الجمل والأجرومية، وهذا يتضح أكثر عند المقارنة مع لهجة العرب وسكان الخليج العربي. فنحن لا نستطيع التحدث بالعربية الفصحى مثل العرب أصحاب اللغة الأصليين، وما زالت هناك الكثير في الكلمات والتعبيرات الهيروغليفية مستخدمة في حياتنا حتى اليوم يتجاوز حصرها العشرة آلاف كلمة، وما زالت الكثير من الأمثلة الشعبية القديمة‏ سائدة على ألسنة الناس، وهي تختلف في طبيعتها وصياغتها عن الثقافة العربية الموروثة من جزيرة العرب والتي انتقلت إلينا مع هجرة العرب إلى بلادنا، لأن هذه الحكم والأمثال الشعبية تمثل رصيد ثقافي واجتماعي لكل شعب، وتختلف حسب الخبرة الحياتية وطبيعة النشاط الاجتماعي والثقافي لكل شعب وطريقة التفكير والمستوى الحضاري الذي يظهر في الفارق بين حضارة وادي النيل وصحراء العرب في مكة والطائف وما حولها‎.‎ غير أن سكان بلاد وادي النيل ذوي نسيج ذهني مختلف وعقلية علمية عملية تطبيقية بالفطرة، بينما العرب ذوي عقلية أدبية شعرية بلاغية بالفطرة، ولهذا لا نستطيع منافستهم في الشعر والبلاغة، ولا يستطيعون منافستنا في العلم والفكر والعمل والبناء والإنتاج.

لكن بعدما دخل العرب أرض الحضارة تصحّرت العقلية، واصطبغت بالعقلية البدوية الأدبية واضمحل العقل العلمي وبرز الأدب، ودخل اليهود على أكتاف العرب وانتعشوا، وانتعشت أحوالهم في كنف العرب وترعرعت أفكارهم لتنهش في أكبادنا مثل السوس، حيث بدأ استخدام كلمة "مصر "كاسمٍ عربي لهذا البلد، ونسبوا شعب الوادي إلى جد أسطوري من روايات العرب التوراتية هو مصرايم מצריים‎ ‎ ‎ابن ‏بنصر ابن حام ابن نوح حسب الأساطير العبرانية. ‎وهذا محض خرافة أدبية، لأن شعب وادي النيل لا علاقة له ببنصر ولا مصرايم ولا حتى سيدنا نوح، فهذا الشعب يسكن أراضي وادي النيل منذ ثلاثين ألف عام ق.م بينما طوفان نوح جاء قبل خمسة آلاف عام عقاباً للعرب على كفرهم وجحودهم ورفض فكرة الإيمان بالله. ومن أحفاد نوح جاء حام ومصرايم في الوقت الذي كان سكان وادي النيل يتجاوزون الستة ملايين ويستعدون لبناء أول هرم، فكيف يقولون أننا أبناء حام ومصرايم هذا !

بل إن الغريب أنني قرأت لأحد المؤرخين اليهود النكرة في عهد البطالمة يقول: " لا يوجد في إيجبت سوى اليهود وهم " !! المؤرخ النكرة يحاول أن يضع حفنة اليهود جنباً إلى جانب مع شعب القبط العظيم الذي شيد حضارة عظيمة ! بل ويذكر اليهود بأداة واصطلاح تعريفي بينما يشير إلى القبط بضمير نكرة ! ويصوّر اليهود وكأنهم شركاء في هذا الوطن وهذه الحضارة ! هكذا اليهود دائماً ما يحتلون ثقافات وقوميات الشعوب قبل أن يحتلوا أوطانها، يقول مورون:" وســوف يــأتي الزمــان الــذي يــدرك فيــه أبناؤنــا مــن (الهنــود الحمـر) أنهـم ينحـدرون مـن بيـت إسـرائيل. وإنهـم أبنـاء الله. وعنـدها سوف يتّعرفون على تراث أجدادهم وينتهلون منه" فهم يقومون تدريجياً بتسريب الحكايات والأساطير التوراتية إلى عقول أبناء الشعوب ويقنعوهم أنهم إنما جاؤوا من أجداد إسرائيليين ! حتى إذا ما جاء الإسرائيليين يدخلون بلادهم فلا يكون هناك أي اعتراض ولا مقاومة باعتبار أنهم ينحدرون من جد واحد ولهم ثقافة واحدة ! وهذه الثقافة الواحدة (المسمومة) عبارة عن دمج سبهللي للمفاهيم والمعاني مثل عملية الزنا سواء بسواء، وهي علاقة دنسة غير مشروعة.

فإذا سألت يهودياً عن معنى كلمة "مصر" أو مصرايم" سيقول لك أنها تعني؛ الأرضين ؛ أي الأرض السفلى والعليا ! لكن كيف ذلك؟ فكلمة مصر أصلها جاء اشتقاقاً من الاسم العبري "مصرايم"، أو متزرايم، ولا تتساءل كيف نجح اليهود في تغيير اسم دولة بحجم إيجبت ... برغم أن إيجبت هي عنوان الحضارة البشرية، بينما اليهودية هي إثنية عرقية دينية صهيونية، فكيف تتنازل إيجبت عن كل معاني الحضارة وتحمل اسماً مشتقاً من التراث القومي لهذه العشيرة اليهودية، حتى أن الديانة اليهودية لم تكن الديانة الرسمية لهذا البلد يوماً ما، لكن للأسف هذا ما حدث حرفياً، وهذا ما قد تقرأه في الموسوعة العالمية للمعرفة:
"Miṣr" (Arabic pronunciation: [mesˤɾ]"مِصر") is the Classical Quranic Arabic and modern official name of Egypt, while "Maṣr" (Egyptian Arabic pronunciation: [mɑsˤɾ] مَصر) is the local pronunciation in Egyptian Arabic. The name is of Semitic origin, --dir--ectly cognate with other Semitic words for Egypt such as the Hebrew "מצרים" ("Mitzráyim"). The oldest attestation of this name for Egypt is the Akkadian "mi-iṣ-ru" ("miṣru") related to miṣru / miṣirru / miṣaru, meaning "border"´-or-"frontier"

ومصرايم هذا كان أحد أبناء نوح حسب التراث اليهودي، وهو أول من حمل هذا الاسم في الوجود (حسب التاريخ المعروف لشعوب الشرق) إذن كيف يحمل شخص مسمى "مصرايم" وفي ذات الوقت يكون معناه ( الأرضين؛ أو الأرض العليا والسفلى) ؟ ما العلاقة بين الاسم والمسمى؟ ثم كيف يكون اسم شخص (مفرد) ومعناه (مثنى)؟ هذه التشكيلة اليهودية الخرافية لم تحدث في التاريخ ولا يمكن يقبلها عقل إلا العقل المتصهين، ومسألة أن يقول اليهود بأن مصرايم مثنى مفردها مصريم، فهذا مجرد خبل لأن ذلك ليس من قواعد اللغة العبرية، ثم كيف لو كان لدينا كلمة تعني (مزارع الجولان) مثلاً، وهذا اصطلاح، هل يقبل عقلاً أن نجد شخص اسمه (مزارع الجولان)؟ فكيف نتوقع أن نجد شخص اسمه (مصرايم؛ ويعني الأرضين؛ الأرض العليا والسفلى؟! والكارثة أن أعظم مؤرخ في التاريخ البشري قد وقع في هذه الحفرة الرديئة وصدق كلام اليهود بأن مصرايم هي كلمة مثنى مفردها مصريم أو مصرين، وتعنى الأرضين؛ الأرض العليا والسفلى، وقع في هذا الخطأ الدكتور كمال الصليبي، ولم يتساءل عن إمكانية تكييف المعنى والاصطلاح، فعبارة (الأرضين؛ الأرض العليا والسفلى) هذه عبارة اصطلاحية تقصد منطقة معينة محددة نصفها في الأعلى ونصفها في الأسفل، كما لو كنت تقول(قمة وسفح جبل المقطم، أو قمة وسفح) فهل من الممكن أن نجد شخص اسمه (قمة وسفح)؟ فكيف صدقنا أن هناك اسم شخص معناه ؛ الأرض العليا والسفلى؟!

في الواقع فإن هذا مجرد تلفيق صهيوني وتهجين وتدنيس للثقافة، لأن هذه الأسماء مثل (مصرايم، نوح، كوش، حام، وسام..إلخ) هذه كتل صوتية أطلقها القدماء على أبنائهم تمييزاً لهم عن بعضهم، فلو سألنا معنى إسماعيل، سنعرف أنه بالعبرية (يسمع الله، أو يشمع ءيل) إنما الكتلة الصوتية الأصلية في اللغة التي خلقها الله فلا نعرف معنى لها، فلا معنى كلمة "الله " مثلاً، هكذا جاء تشكيل الكتل الصوتية للأسماء في البداية، فكيف ومن أين قالوا بأن مصرايم تعني الأرضين؛ الأرض العليا والسفلى؟ ... إن ذلك فقط محاولة اتخذها اليهود للقفز من الثقافة العبرية اليهودية إلى الثقافة الجبتية الهيروغليفية، فهم يقومون بصياغة القالب الصوتي من اللغة العبرية أو السريانية، ويقولون أن معناها مُفصّص في اللغة الهيروغليفية ! على اعتبار أن أجدادنا القدماء كانوا يطلقون على بلادنا اسم "تاوي " أي:" الأرضيْن"، إشارة إلى الإقليمين الرئيسيين في وادي النيل (وجه بحري ووجه قبلي) ( أي: الصعيد والدلتا)، حيث وحّد الملك مينا هذين القطرين ليصبحا قطراً واحداً، فيأتي اليهود ليتحلوا المعاني والمفاهيم على الجاهز ويقولن أن اسم البلد على مسمى، بمعنى أن مصر مشتقة من مصرايم، ومصرايم تعني الأرضين، الأرض العليا والسفلى (هكذا !) بحيث يكون التركيب محكم للغاية ويستمر مغموراً في ثنايا الوعي الجمعي بحيث لا يمكن اقتلاعه مرة أخرى والعودة إلى الاسم الأصلي "كِميت " وإيجبت. هذه طريقة اليهود في غرس أشجار الحنظل في الثقافة الوطنية تمهيداً لاحتلال الوطن كله واستعباد شعبه بطرق ملتوية...

. ونستكمل غداً بإذن الله ..

رابط المصدر:
https://books.google.com.eg/books?id=FhHGDwAAQBAJ&pg=Pn








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من