الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات المحمول الفنية..تيك توك نموذج

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القصة هي عداء الشيوخ لكل جديد

فقه رجال الدين قائم دائما على أصالة الماضي وصلاحية الأسلاف، فعندما يظهر الجديد ليخلف الآية إلى أصالة الحاضر والمستقبل أو يطعن في صلاحية الأسلاف أو يضع تلك الصلاحية في سياقها التاريخي (ينتفضون) ثم يرفعون سلاح الكفر والهرطقة..

كل الأديان عانت من تلك الظاهرة..وهي رفض كل جديد ومقاومة أي تحديث

ركز معايا حضرتك :

أولا: بدأت القصة بتحريم الفقهاء للمسرح في أواخر القرن 19 باعتباره تمثيلا وكذبا غير حقيقي وافتراض حكايا لم تقع وتصويرها بشكل زائف كما يدعون، ثم استدلوا بقصة "الحكم بن أبي العاص الأموي" مع الرسول، وعندما استمر المسرح ونشط أكثر دون مبالاه برأي الشيوخ لم تنجح فرق المسرح في الاستعانة بالنساء لثورة الشيوخ على عملهن..فاستعان المسرحيون بالذكور لآداء دور الإناث..

ثانيا: عندما ظهرت السينما في أوائل القرن 20 حرّمها الفقهاء لنفس السبب، برغم أنها في البداية لم تكن بها قبلات ولا يحزنون، مجرد قصص اجتماعية واسكتشات محافظة، لكنها كانت فواحش في مخيلة رجل الدين، تخيل بقى حضرتك لما بدأت القبلات مع فيلم العزيمة لحسين صدقي؟!

ظهور السينما فتح مجال فني أكثر لشرائح اجتماعية أكثر لا تتقن المسرح ولا الظهور في الفرق المسرحية أو تكوين علاقات عامة لأصحاب تلك الفرق، وبالتالي أصبح عدد المشتغلين بالفن أكبر..تخيل كان يحدث ذلك بينما الشيوخ مشغولين بكلمة واحدة (حرام..حرام) ولا يوجد منهم أدنى محاولة لفهم ما يحدث وأن المستقبل سيكون فني بامتياز..

ثالثا: عندما ظهر التلفزيون في الستينات فتح المجال أكثر وأكثر..وزاد عدد المشتغلين بالفن، ورأينا المذيعات لأول مرة والبرامج الاجتماعية والفنية المختلفة، وفي وقت انشغال الفقهاء بتحريم التلفزيون..كان هذا الجهاز ينتشر بسرعة الصاروخ حتى (استسلموا للأمر الواقع) وقرروا يشتغلوا بالتلفزيون مع "أحمد فراج" التي بدأت معه رحلة تديين الإعلام رسميا..

ومن هنا وضحت استراتيجية الشيوخ وهي عندما يفشلون في مقاومة ظاهرة ما، ينخرطوا فيها من باب (الإصلاح الداخلي) فصار دخولهم التلفزيون وبرامج الشعراوي من باب إصلاح التلفزيون من الداخل، وهي كانت رؤية ذكية جدا بالمناسبة ولها بعد براجماتي يجيده الفقهاء حين يتعرضون للهزيمة أو يشعرون بالخطر، وشيئا فشيئا تحول التلفزيون لآداه إعلامية دينية وفقد دوره الفني وصارت أخبار اعتزال الفنانين تملأ النشرات والمجلات الفنية..

رابعا: عندما ظهر الفيديو في السبعينات حدث نفس الشئ، وهو تحريم الفيديو باعتباره:

1- يفتح الباب لتصوير الحياة العامة بعيدا عن الدراما، يعني الموضوع لم يعد في إمكانية التضييق أو مقاومة ألوان الفن في (المسرح والسينما والتلفزيون) دا الفيديو دا (بلوة سودة) لأنه سيدفع الناس لتصوير الشارع وحياتهم الشخصية وحفلاتهم الماجنة والخليعة كما يزعمون..هنا عقلية الحارس الديني لم تفارق رجل الدين، فهو يعتقد أنه (حارس العقيدة) وأنه الموكل من الله بإجبار الناس على الفضيلة، وهي الآفة التي يعاني منها أي رجل دين بالمطلق وفي كل الشعوب والمجتمعات..

2- يفتح الباب لرؤية فنون الكفار والماسونيين والزنادقة في الغرب، والتي من بينها الأفلام السكس، وبرغم أن الشيوخ من رواد هذا النوع من الفن وعشاقه (باعتبارهم الأكثر نكاحا) لكن ملأوا الدنيا والمنابر صراخا من (خطر الفيديو) وشهدت بأذني خطب الشيوخ في الثمانينات والتسعينات المحذرة من هذا الجهاز اللعين..!

خامسا: عندما ظهر الكمبيوتر في الثمانينات وصار امتلاكه في البيوت أمرا عاديا مع اسطوانات مدمجة فيها كل ما لذ وطاب من أنواع الفنون المختلفة حدث نفس ما حدث مع الفيديو، وشهدنا فتاوى تحريم الكمبيوتر، لكن وكعادة الشيخ عندما يفشل في مواجهة الظاهرة ينخرط معها من باب إصلاحها من الداخل، فتحولت كمبيوترات المسلمين من الأفلام والمسرحيات لخطب الظواهري وحسان والشعراوي، وتسجيلات بن لادن على قناة الجزيرة..

سادسا: عندما ظهر الدش في التسعينات..مش هقولكم على اللي حصل لأنكم عارفينه بالحرف، وماذا كان يعني الدش في مخيلة هؤلاء إلى اليوم، وخطر الدش عند هؤلاء أنه لا يمكنك التحكم في مادة العرض كالكمبيوتر والفيديو والسينما والتلفزيون الوطني..يعني مصيبة قولا واحدا..!

سابعا: عندما ظهر الإنترنت في أواخر التسعينات لم يرصده الشيوخ وقتها كخطر يستدعي المقاومة كسابقيه، لأن استعماله كان محدودا في الطبقة العليا..وعندما بدأت الطبقة الوسطى في استعماله بالألفية الجديدة انتفض الشيوخ، والويل والثبور وعظائم الأمور لمستخدمي الإنترنت..إنه يسمح للمسلمين برؤية الكفار والعياذ بالله..بل والحديث معهم في الشات..بل والزواج منهم ..استغفر الله العظيم..

ثامنا: عندما ظهر المحمول في نفس التاريخ أيضا لم يرصده الشيوخ لنفس السبب وهو أنه كان حكرا على الطبقة العليا، لكن فور دخوله للوسطى والدنيا وحملات موجهة ك (المحمول في يد الجميع) التي رفعتها شركات (كليك سابقا فودافون حاليا..مع موبينيل) انتفض الشيوخ وظهرت لأول مرة خطب (خطر المحمول) مع (عظمتين وجمجمة وثعبان سام) لزوم الدعاية السوداء وتشبيه المحمول (بخطر الكهرباء) والقنبلة النووية، وهي ثمة سيكولوجيا رجال الدين بالعموم..وهي أنهم يبالغون في تصوير الخطر حين يشعرون من وراءه بالخطر على ذواتهم ونفوذهم المعرفي، لأن المحمول وقتها كان يعني تواصل دون مراقبة العائلة ، فإذا كانت العائلة تتحكم في الخط الأرضي إنما لا يمكنها وقف هذا الجهاز الجديد الذي يعني كلام الشباب مع البنات بعيدا عن سلطة الأب والمجتمع والعياذ بالله..

تخيل بقى حضرتك لما أضيف للمحمول (رنات وصور وموسيقى وفيديو وكاميرا hd وزادت مساحة الذاكرة لتحمل ما عجز عن حمله كل أسلاف المسلمين من كتب ومرئيات)..حتى يمكن اعتبار أن الذي حدث في المحمول أشبه بيوم القيامة حرفيا بمخيلة الفقيه..

تاسعا وأخيرا: ثم وصلنا للمحطة الأخيرة في تطبيقات المحمول وخصوصا التيك توك، وهي المحطة التي جعلت من كل مواطن صغير وكبير (مشروع فنان) أي زادت مساحة الانشغال الفني ولم تعد حكرا على المسرح والسينما والتلفزيون كما في السابق، فإذا كان في القديم توجد شبكة مراقبة على المنتجات الفنية..فالآن لن يوجد بفعل تواصل وانخراط كل فئات المجتمع تقريبا وبعشرات الملايين في تصوير أعمالهن الفنية..

حنين أسامة ومودة الأدهم كانوا جزءا من ثورة تطبيقات المحمول، وفيه غيرهم ملايين بيطلعوا حاليا ويحصلوا على الأضواء والشهرة بأثر الانشغال الفني، فمهما فعلت الدولة أو الشيوخ من عقاب ومراقبة لن يؤثروا في هذا الظهور ، والفنون عموما تشغل الحيز الأكبر من مخيلة ذهن الإنسان، فهو ملئ بالتمثيل والقصص والأدب والشعر والغناء والرقص والتفاعل الإيقاعي مع الحركات والكلمات..هذا لا يمكن نزعه، والاعتقاد بإمكانية ذلك هو نوع من (الغباء والوهم)

لاحظ أن الفقهاء كانوا دائما ردود أفعال على التطور الحضاري..يعني لا يمكنهم التحكم في هذا التطور أو صياغته حتى..وكل ما يفعلوه إنهم يصبحوا جزءا من هذا التطور كمستهلكين، ومن ثم يوجهوا خطابهم الدعوي والتحريضي من داخله، وهي أيضا سياسة فاشلة بدليل أن مقاومتهم للتلفزيون لم تفلح في تدمير الفيديو، ومقاومتهم للفيديو لم تفلح في تدمير الكمبيوتر ، ومقاومتهم للكمبيوتر لم تفلح في تدمير الدش..وهكذا ، حتى جاءت ثورة الإنترنت لتفتح كل آفاق المعرفة والتطور الحضاري الإنساني وتختصر كل الصراع السابق على شكل (حرب طواحين الهواء)

مطلوب من الدولة أن تتعامل مع التطور الحضاري دون إنكار ومقاومة، فالحكم بسجن فتيات التيك توك بتهم مطاطية لن يحل المشكلة بل يعقدها عن طريق قهر الفنون الشعبية والنساء خصيصا بوصفهن أكثر رواد هذا النوع من الفن وجمهوره لتعلقه بالسلامة الشخصية والأمان من العنف والابتزاز الذي قد يتعرضن له إذا انخرطن في الحياة العامة أو شبكة العلاقات المتحكمة في الفن الرسمي، علاوة على رخص هذا النوع من الفن وما يجلبه من أموال طائلة حال الإنجاز، وبالتأكيد سيكون هو الحل لأسر كثيرة تعاني من الفقر بعيدا عن ممنوعات القانون كالدعارة وخلافه، فالرقص ليس تهمة ولا الفنون خطيئة..ومن يرى الأمور كهذه هو الخطر الحقيقي على المجتمع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي