الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلسوف ألان باديو (Alain Badiou) : لا أحب إيمانويل كانط، لكنني معجب به (كانط مهووس بوضع الحدود، وبإيجاد أدراجٍ ليُرتّب فيها المقولات، وبقيادةٍ تُصدر الأوامر.)

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2021 / 6 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"أنا لا أحب إيمانويل كانط (Emmanuel Kant)، لكنني معجب به. إنه يتصف بصلابة وذكاء خارقين للعادة. لكن الإعجاب ليس هو الحب، خاصة في مجال الأعمال الفلسفية الكبرى التي تتخللها انقطاعات بشكل مزعج.
لا أحب كانط كثيرا، أولا: لأنني لا أحب لجوءه لمبرر "حدود العقل". فبخصوص "نقد العقل المحض" لا أحب الهدف النقدي بوجه خاص، الذي يتوخى وضع حدٍّ للعقل المحض، وضع حدّ للمعقولية المعرفية. أؤكد أن العقل، بما في ذلك العقل المحض الأكثر صفاء (أي العقل الرياضي) هو عقل بدون حدود على الإطلاق. ثانيا: فيما يخص نقد العقل العملي، لا أحب فكرة الأمر الإلزامي (الواجب اللامشروط). لا أعتقد أنه يوجد شيء صوري خالص، مثل الأمر الإلزامي اللامشروط، والذي يخلقُ، وبشكل مباشر، كونية الأخلاق.
أعتقد بكل تأكيد أن هناك أوامر إلزامية مرتبطة بوضعيات وبأحداث. لكن الحوافز التي توجد وراء هذه الأوامر الإلزامية ومادتها الخاصة (مثل الذاتية) التي تحتاجها متعلقة بالعوالم التي تفرض نفسها فيها.
أما بخصوص نقد ملكة الحكم، لا أحب التمييز ما بين الجميل والجليل، فهذا التمييز يُعتبر علامة واضحة على اللمسة "الرومنسية" التي تميز المثالية الألمانية كلها.
يمكن أن أستنتج أنني، في آخر المطاف، لا أجد ما أحبه في كانط الرسمي، كانط المُعبَّر عنه في بعض الشعارات. ومع ذلك، أشعر باستمرار أنني مُجبرٌ على خوض نقاش مع كانط، وأن أستعمل كلماته، وأتحدث عن "الترنسندنتالية" في كتابي (Logiques des mondes, l’Etre et l’Evénement )، وأن أراجع في أكثر الأحيان التمهيدات والمقدمات والمشاريع الكانطية.
وباختصار، إن علاقتي بكانط متناقضة يمكن تلخيصها كما يلي: إن كانط هو، بصفة عامة، فيلسوف لا تعجبني استراتيجياته الفلسفية. لنقل إنني لا أحب المشروع النقدي. فالفكرة التي تقضي بإيجاد طريق سلبي نظريا وجليل عمليا، ما بين "الدوغمائية" المزعومة (المقصود ديكارت) والتجريبية الواقعية جدا (المقصود هيوم) ليست بالنسبة لي فكرة مثيرة ومُحفزة. وأشعر في نفس الوقت بوجود قطيعة، توتر، حداثة جديدة، جهد رائع. وجعلني هذا الأمر أفكر في هؤلاء الناس، الموجودين في محيطنا، والذين نُعجب بهم من وجهة نظر معينة، لأنهم يتصفون بالصلابة والذكاء، ولكنهم من ناحية أخرى لا يُحتملون لأنهم شخصيات استحواذية ووسواسية بامتياز (...).
هناك ثلاثة أنواع من الفلاسفة: المصابون بالهستيريا، المصابون بالوسواس والاستحواذ، المصابون بالبارانويا (جنون الارتياب). وأعتبر كانط من كبار الشخصيات المصابة بالوسواس والاستحواذ، فهو مولعٌ بالمطلق والنسق وما شابه ذلك. لكن عظمة كانط بالنسبة لي هي عظمة فعلية، بالرغم من كونها عظمة مدهشة لمصاب بالوسواس والاستحواذ. ويتضح ذلك من خلال: هوسه بوضع الحدود، وإيجاد أدراج لترتيب المقولات، وبقيادة نابعة من الأنا الأعلى تصدر الأوامر، وبالتمييز الدقيق بين الأشياء، واختراع كلمات معجم سري... لقد نجح كانط في أن يجعل من كل ذلك عملا فلسفيا جديدا لا يمكن الاستغناء عنه.
لكن كل هذه الأفكار الوسواسية الاستحواذية تدفع للتساؤل: كيف ستكون الحياة مع كانط؟ من المؤكد أنه لا أحد عاش مع كانط (ما عدا الشخص الذي كان يخدمه).
- ملاحظة: (استعمل كانط كلمة transcendantal ليدل على ما يتعارض مع "ما هو تجريبي"، وعلى ما يشكل شرط قيام "التجربة"، في تعارض مع ما يعتبر محتوىً للتجربة. فالدراسة "الترنسندنتالية هي التي تهتم بالعلاقة الضرورية بين الذات وتجربتها الممكنة في العالم.)
- المرجع:
Alain Badiou – Jean Luc-Nancy, La tradition allemande dans la philosophie, éditions Lignes, 2017, p. 15-18.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة