الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يعتذر -الأزهر- لضحاياه ؟

أحمد عصيد

2021 / 6 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن العد العكسي لغربلة التراث الفقهي الإسلامي بشكل حاسم وغير مسبوق قد انطلقت فعلا كما تنبأنا بذلك لأكثر من مرة، فثمة عوامل ووقائع كثيرة تضافرت جميعها في العقد الأخير لتجعل استمرارية الكثير من بديهيات الفقه الإسلامي القديم وقواعده الفكرية أمرا مستحيلا.
فبعد أن تحول معقل التطرف الوهابي والإرهاب الفكري (العربية السعودية) ـ وبإرادة أمريكية ـ إلى "منار" لـّ"الاجتهاد" و"الانفتاح" و"السماحة" (ولو بطريقة سلطوية قهرية جعلت نصف فقهاء التطرف في السجون والمعتقلات، والنصف الآخر يتسابق في إعلان "التوبة" عن الإرهاب) فها هي المؤسسات والمرجعيات الدينية التابعة لقطب الغلو الديني تنقلب على أعقابها وتتلون بحسب الإشارات القادمة من أرض الحجاز، فقد أعلن شيخ الأزهر الملقب بـ "الإمام الأكبر"، بأن "الدعوة لتقديس التراث الفقهي ومساواته في ذلك بالشريعة تؤدي إلى جمود الفقه الإسلامي المعاصر، نتيجة تمسك البعض بالتقيد - الحرفي- بما ورد من فتاوى أو أحكام فقهية قديمة كانت تمثل تجديدا ومواكبة لقضايا عصرها".
من خصائص الأزهر قدرته الكبيرة على التقلب وممارسة التقية، فعند محاكمة المتطرفين لا يجد الأزهر صعوبة في التبرؤ منهم وإن كان في الواقع يرى نفس ما يعتقدونه، بل يدرّس بعضه في مقرراته وبرامجه، إذ ما أن يتراجع المتطرفون وتخبو جدوتهم حتى يأخذ الأزهر مكانهم ليمثل دور الغلو والتشدّد والجمود.
يتذكر جميع المهتمين بالشأن الديني كيف قام شيخ الأزهر قبل عامين بغزوة بلاغية ضدّ رئيس الجامعة محمد عثمان الخشت الذي دعا إلى التجديد الفكري وغربلة التراث الفقهي الذي تعد الكثير من مضامينه حاجزا منيعا أمام أي تطور، وكيف دافع شيخ الأزهر عن ذلك التراث الذي حسب قوله آنذاك "خلق أمة كاملة وسمح للمسلمين بالوصول إلى الأندلس والصين".
طبعا من المعلوم أنه لم يسبق لرجال الدين في التاريخ كله أن قبلوا بالتراجع عن أفكارهم الأوثوذوكسية من تلقاء أنفسهم، بل إنهم لا يفعلون إلا بضغوط وإكراهات كبيرة إما من الحكام وأرباب السلطان، أو من الواقع الذي يتجاوزهم ويضطرّهم إلى الالتحاق به.
ويبقى السؤال المطروح حاليا هو ما إذا كان هذا التمييز بين الفقه والدين في خطاب شيخ الأزهر سيصلُ إلى مداه بالتركيز على مشكلة القراءة وقواعد التفسير والتأويل والاجتهاد التي نحتها ذلك الفقه القديم في قراءته للأصول، هذه القراءة التي ظلت حتى اليوم تمنع الفكر الديني الإسلامي من مواكبة ثورات الواقع وتحولاته الجذرية. ومن جهة أخر سيكون على شيخ الأزهر ومن في مثل موقعه أن ينتبهوا إلى أن في عمق ما يسمونه "ثوابت الشريعة" توجد أحكام مرتبطة بدورها بـ"قضايا عصرها" وببنيات سوسيوـ ثقافية وسياسية لم تعد قائمة اليوم، ما يعني ضرورة توسيع دائرة المتحول وتضييق دائرة "الثوابت" لتشمل فقط مجال العقيدة، طالما أن كل ما يتعلق بالدولة والمجتمع وبواقع التجربة الإنسانية لا يتوقف عن الانقلاب والتغيّر من عصر لآخر. ويستحيل كليا احتواؤه وتدبيره بنصوص جامدة.
ومن جانب آخر يطرح بشكل جدّي، أمام بداية التغيير هذه في خطاب شيخ الأزهر، مسألة تغيير برامج ومناهج ومضامين التدريس بالأزهر، والتي ما زالت تعتمد أمورا يندى لها الجبين، كما من واجب شيخ الأزهر التفكير في الاضطهاد الذي تعرض له الكثير من المفكرين والمثقفين والباحثين على مدى القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، بسبب دعوتهم من قبل إلى ما أشار إليه اليوم ودعا إليه هو نفسه، وهو ربط آراء الفقهاء بسياقاتها التاريخية وإزاحة التقديس عنها والدعوة إلى تجديد الفكر الديني وتغيير منطقه الداخلي والتمييز بين الدين واجتهادات البشر في الفهم والتفسير والتأويل. بل إن حتى ما أعلنه محمد بن سلمان من تمييز بين "خبر الآحاد" و"خبر التواتر" في الحديث هو تمييز ركز عليه سابقا الكثير من المفكرين العلمانيين الذين دعوا إلى عدم اضطهاد المجتمعات والتضحية خاصة بكرامة ملايين النساء اعتمادا على أخبار مروية 90 في المائة منها مشكوك فيها ولا مصداقية لها. فبعودة الأزهر اليوم إلى ما قاله هؤلاء يثبت أن الحق كان بجانبهم، ما يقتضي منه التحلي بالشجاعة وإعلان اعتذاره لهم كما فعلت الكنيسة برحابة صدر، عندما أعلنت أمام العالم اعتذارها عن كل أشكال الظلم والحجر والقتل والتعذيب والتضليل التي مارستها خلال تاريخها الطويل ضدّ العلماء والمفكرين والمبدعين وضد النساء بنسبة كبيرة.
ولهذا سيكون من النبل أن يعتذر شيخ الأزهر للائحة طويلة من المثقفين والمفكرين الذين اضطهدوا من طرف المشايخ، والتي تبدأ بعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد، وتنتهي بفرج فودة ونصر حامد أبو زيد وإسلام البحيري وعبد الله نصر وأحمد عبده ماهر وغيرهم.
وقد حدث نقاش وتبادل اتهامات لعقود من الزمن بين مثقفي مصر والمثقفين الخليجيين، حيث اعتبر الأوائل بأن التطرف والإرهاب الديني جاء انطلاقا من السعودية ومن السلفية الوهابية تحديدا، بينما ردّ عليهم الخليجيون بأن الإرهاب باسم الدين انطلق عكس ذلك مع "الإخوان المسلمين" بمصر منذ 1928، ونحن نقول اليوم إن موجة الإرهاب الإسلاموي التي شهدها العالم وما يزال كانت نتيجة عوامل كثيرة أهمها الاستبداد السياسي الذي ظل يربط الدين بالدولة، إضافة إلى زواج الإيديولوجيا الإخوانية بالوهابية واقترانهما بعد الثورة الإيرانية مباشرة سنة 1979. وعلى البلدين معا مصر والسعودية أن يتحليا بإرادة سياسية حاسمة في تفكيك ما صنعاه على مدى عقود، ومحو آثاره من أذهان الأجيال القادمة عبر التعليم الجيّد والحياة الديمقراطية الحديثة.
لقد أثارت قرارات محمد بن سلمان وتصريحات شيخ الأزهر موجة من التشكيك بجانب الارتياح الذي عبر عنه كثيرون، ومصدر الشك ما عودنا عليه الحُكام والفقهاء من خداع وانقلاب حربائي مع كل موجة أو واقعة ولو صغيرة أو عابرة، لكن يبدو أن اتجاه التاريخ كفيل بأن يحسم ّـ بقوة الأشياء ـ في القطع مع الكثير من المساوئ السابقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الازهر وفلسفته
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 6 / 25 - 19:45 )
اينما يكون هناك ديانة علينا ان نتوقع فورا فتح دكاكين للكهنوت من ال السبوبة الذي يحرف بوصلة الدين ومصلحة الجماعة البشرية لمصلحة اشخاص وطبقات بعينها
فاذا كان هناك انحراف ما فهو بسبب الكهنوت مثل ما اصاب اليهود والنصارى من قبل
ولكن طلب التجديد في الخطاب الديني هو بمثابة دعوة لانقاذ الكهنوت من ورطته ليظهر بوجه اجمل ومنطق شبه مقبول
اما عن الاسلام فلا وكالة او وكلاء له وحتى المؤسسات الدينية مثل الازهر وشيوخها فهم لا يدعون الوصاية الدينية انما هم يصرحون بمنهج ومذهب فكري وهو الاشعرية وهم انحرفوا بهذا عن الاسلام العقيدة والدين باتباع منهج فلسفي اختصوا وميزوا انفسهم به فصار الكلام عن فلسفة دينية تشرح ايمانهم وتصورهم للموعظة والطريقة لمسيرة الحياة والفكر
ومن هنا من باب حرية الراي والمعتقد فلا يمكنني التدخل في طريقتهم او فلسفتهم الا من باب اين يكمن الخطا في فلسفتهم الخاصة الملاكي وخاصة انهم يصرحون بانهم اشاعرة اي ميزوا انفسهم عن الناس وهذا بحد ذاته دعوة لانقسام الامة شيعا وتلك صنعة وفن الحكام والانظمة
والازهرية امتداد للفكر اليهودي بان الله في كل مكان وبمعنى انه كل شيء ويرحبون بفكرة وحدة الوجود


2 - نظره وتحليل
على سالم ( 2021 / 6 / 26 - 01:55 )
من المؤكد ان الصرح الاسلامى الارهابى الذى يسمى الازهر الغير شريف فى مصر هو اكبر مصيبه وكارثه وخراب مستعجل يحدث للشعب المصرى المسكين على مر العصور , هذا الصرح الشرير الاسلامى تم بناؤه منذ اكثر من الف عام فى مدينه القاهره , دائما وابدا وهذا الصرح المجرم يبث سمومه وكراهيته واحقاده فى عقول الناس بدون اى هواده او رحمه , شيوخ الازهر اكيد فاسدين واشرار وكذبه ومرتشين لئام , هم فى حاله بزنس مع القياده السياسيه المجرمه السارقه الساديه , كلاهما لايستطيع التخلى عن الاخر , الهدف هو غسيل العقول الخاويه وملئها بالمخدر السماوى والافيون الصلعمى , حاليا افه مصر بدون جدال هى الاسلام بجميع اطيافه , اعتقد انه لو تم وتخلص المصريين من الاسلام فذلك سيكون فاتحه خير والانعتاق من هذه العقيده البدويه الشريره


3 - عندما تعتذر الوهابية
احمد علي الجندي ( 2021 / 7 / 19 - 14:54 )
تحياتي للجميع
قرأت قبل قليل فتوة للشيخ صالح الفوزان ( ابن تيمية القرن الواحد والعشرين اذا لم يتجاوزه فابن تيمية كان شاعر ومثقف على الأقل ضمن قواعد عصره ونحن طبعا لا ندافع عن بشاعة فكره وانما نقول واقع زمانه )
يقول فيها بأنه لم يحرم قيادة المرأة للمركبة الا لبعض الأسباب وأن الأصل في الأمر الاباحة وانه حرمها فقط
لعدم وجود قواعد امنية مرورية في السعودية مثل نظيرتها في الغرب
الحقيقة انني تذكرت مسرحية شاهد ما شاف حاجة بكل صراحة
لان الرجل وعلى موقعه للان فتاويه في تحريم قيادة المرأة للسيارة !فالرجل لم يتعب نفسه ويحذف فتاويه
لكي يأتي ويكذب ويقول الأصل بالموضوع الاباحة ولكن لوجود مشاكل مرورية !!!
بل المضحك انه يقول بان سبب التحريم في الماضي عدم وجود نظام مروري كالنظام المروري في الغرب
رغم انه من اسباب التحريم عنده وجود رجال مرور يقابلون النساء مما يؤدي الى الخلوة الشرعية ولو لدقيقة ولانه لا يجوز للمرأة ان تتوقف لرجل حتى لو كان رجل مرور لعدة ثواني
!!!
لم يعتذر الشيخ صالح الفوزان عن فتواه بل عمل اسلوب الشاهد الي ما شاف حاجة
نفس الشيء عن الازهر
ونفس الشيء عند كل الوهابية
فاذا تنتظرون


4 - احمد على الجندى ؟
على سالم ( 2021 / 7 / 19 - 16:20 )
اذن فالحل امامك ولايجب ان تتجاهله , الحل هو الخلاص من الاسلام وشروره وكوارثه