الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإنسان مهم حقاً؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يتخيل الشخص نفسه المخلوق الأهم في الكون. لكن، هل صحيح أن الإنسان هو المخلوق الأهم والأكرم من بين الكائنات والمخلوقات كافة، وأن الخالق اصطفاه واستخلفه واستأمنه دون سواه على الملكوت كافة؟ في قول آخر، هل الله يقف تحديداً وفي معظم الأحوال مع الإنسان قبل غيره من الكائنات في صراع البقاء؟

في الواقع، قامت الحضارة الإنسانية في معظمها على الاعتقاد والإيمان بأهمية الإنسان وقيمته الجوهرية في الكون، إلى حد أن الكون كله مخلوق ومسخر لأجل الاحتياجات الحياتية للإنسان، كمحطة وسيطة إلى الحياة الآخرة الخالدة في مكان وكون آخر غير عالمنا. وإذا كان الكون، من هذا المنظور، مجرد مستقر وسيط إلى الحياة الآخرة للبشر في عالم آخر، يصبح بالضرورة كل سكانه من الكائنات الأخرى من غير البشر- ممن ليس لهم مكان في الدار الآخرة- مجرد وسائل مساعدة للإنسان في رحلته نحو الخلود والحياة الأبدية. هكذا، يعتقد الإنسان أن الدنيا بكل ما فيها، باستثناء الإنسان فقط، هي مجرد محطة وسيطة، وربما وجيزة وعابرة وفانية وتافهة جداً، نحو غاية أكبر وأهم وأعظم. ولما كان الإنسان، من نظر الإنسان ذاته، هو الساكن الوحيد لجناته الخالدة من بين سائر مخلوقات الكون، لذا يصبح الإنسان محل الأهمية الجوهرية وسط سائر الكائنات. هكذا تخيل الإنسان نفسه والكون، وحتى ما وراء الكون في عالم الغيب.

دعونا مؤقتاً من تصورات الإنسان لذاته والكون الذي يعيش فيه. في هذه الحياة الدنيا وعلى هذه الأرض، إذا التقى الرجل صدفة وجهاً لوجه دون عون مع حيوان مفترس أو فيروس فتاك، هل تعتقدون أن أحداً بخلاف الإنسان نفسه سيصطفي هذا الإنسان ويخصه بالاصطفاف معه ضد هذا الحيوان أو الفيروس في صراع البقاء؟ هل ستكون ساحة الصراع منحازة بطريقة ما لصالح الإنسان، أم متساوية وعادلة بين الطرفين؟

في الحقيقة، قد يفتك الحيوان أو الفيروس بالإنسان إذا ما مكنته قدراته الفطرية والظروف المحيطة من ذلك، والأمر ذاته يصدق مع الإنسان. أو، في قول آخر، ليس هناك أي تدخل خارجي- من خارج الكون أو من داخله- لترجيح كفة طرف مقابل الآخر، مهما تصور الإنسان خلاف ذلك.

عكس تصور الإنسان، الكون محايد حيدة مطلقة إزاء كل المخلوقات دون استثناء، لا يميز أحداً مقابل الآخر. وكل مخلوق، حتى لو كان لا يرى بالعين المجردة، يمتلك من مقومات وحظوظ الوجود والبقاء ذات ما يملك الإنسان نفسه. الذبابة وأقذر حشرة متساوية- على ميزان الوجود- مساواة تامة مع أضخم حيوان وأكرم إنسان. هي المساواة المطلقة- من المنظور الكوني، لا الإنساني. لكن يبقى التساؤل، هل يستوي في القيمة والجدارة أن يقف فيروس كوفيد 19 مثلاً نداً لند مع الفيل الأفريقي، أو الإنسان مع الصرصار؟!

على المقياس الطبيعي، نعم. الكل سواسية في القيمة والأهمية والقدرة على البقاء. الطبيعة لا تميز أحداً على الآخر، والله لا يحابي طرف دون الآخر. الله سيقف بعيداً ومحايداً كليتاً وهو يتفرج على أسد جائع يمزق مستلذاً أحشاء فريسته البشرية، تماماً مثلما سيفعل مع الإنسان وهو يلتهم ذبيحته الحيوانية. وإذا استطاع الفيروس الخبيث أن يفتك بالإنسان الكريم سيفعل ولن يتدخل الله، ولا الطبيعة. لكن على المقياس الإنساني، الوضع مختلف، لأننا ننظر إلى الكون- ونستخدمه- من منظورنا نحن ولأغراضنا نحن. ومن منظورنا- لأنه منظورنا- نحن مركز الكون وسادة المخلوقات. لكن، تبقى هناك كلمة أخرى.

أنا الآن- إنسان- أكتب إليكم- أناس مثلي- عبر الكرة الأرضية كلها، وأظن أن هناك نفر منكم قد يدركون بعضاً من معنى الرسالة التي أريد إيصالها إليكم. أنا الإنسان أستطيع أن أخاطب إنسان مثلي عبر آلاف الأميال، وربما متجاوزاً الزمن آلاف السنين في الماضي والمستقبل. هذا، في مثال وحيد، ما لا يستطيع أي كائن أو مخلوق آخر في الكون أن يفعله سوى الإنسان. الإنسان كائن ذو منظور، قادر على التصور والتفكير والوعي والإدراك، والفعل التطبيقي النفعي من منطلق هذا الأساس التصوري والنظري. فوق هذه القاعدة قد شيد الإنسان بعقله ويده قيمته الجوهرية، وحضارته ومركزيته الكونية سواء في هذه الحياة الدنيا أو الآخرة. الإنسان يصنع ويشكل ويطور وعيه لذاته وكونه بنفسه لنفسه. وهو وعي ملك فريد للإنسان وحده دون سائر المخلوقات، ولم يخصه به أي أحد أو كائن أو شيء آخر مهما تصور خلاف ذلك.

الإنسان كائن ومخلوق رائع لا مثيل ولا ند ولا شريك له في الكون. مع ذلك، يجب ألا ننسى أبداً أن الإنسان ذاته عبر ملايين السنين من رحلته الحياتية في الكون ووسط بقية الكائنات هو من طور ونمى ولا يزال تلك القدرات التي نصبته عن استحقاق ملكاً للكون. الإنسان هو من صنع نفسه بنفسه لنفسه بأكثر مما هو صناعة طبيعية أو إلهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على وقع الحرب في غزة.. حج يهودي محدود في تونس


.. 17-Ali-Imran




.. 18-Ali-Imran


.. 19-Ali-Imran




.. 20-Ali-Imran