الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بذاءة المثقفين..أشرف الخمايسي نموذج

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 7 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ أيام أرسل إلي أحد الأصدقاء غلافا لكتاب إسمه "المسحة" للكاتب المصري "أشرف الخمايسي" على أنه سيُعرَض في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021 فلم أنتبه للإسم أكثر من الصورة التي شملت كل الغلاف تقريبا وفيها صورة دكتور "خالد منتصر" على ورق تواليت، فيكون الجمع بين الإسم والصورة يعني سبا وشتما واضح المعنى.

وهذا الذي قصده المؤلف بغلافه على أنه نقدا لأفكار منتصر..وهذا لا شئ فيه، لكن الغلاف السئ حرف المحتوى عن وجهته الموضوعية – كما يزعم – إلى سب وشتم لا يليق بالمثقفين، فقررت التدخل بمشاركة هذا الكتاب البذئ شكلا على أنه يمثل خطورة على وعي الشباب والمثقفين بإشعال حرائق ومواجهات شخصية لا طائل منها، وشخصنة تليق أكثر بالبلطجية والجهلة..علما بأن الكاتب "أشرف الخمايسي" قد سبق له الدفاع عن المتحرشين جنسيا وتبرير وجهات نظرهم وتسويق رؤاهم الوقحة في احتقار النساء والاعتداء عليهن، كذلك يدعو لضرب النساء والزوجات بدعوى اشتمال نصوصه المقدسة على تلك الأوامر.

من الوهلة الأولى رأيت فقدان الكاتب للثقة بشكل يحصر كل كتابه في الرد على مثقف واحد، في شعورٍ مسبق بالهزيمة دفعه لذلك العنف اللفظي، فإذا كان يرى ذلك العنف نوعا من القوة نراه ضعفا لا يمكن الدفاع عنه، لحقيقة أن عجز اللسان وضعف البيان وضحالة العقل تدفع صاحبها للعنف والهمجية عملا بالقاعدة الشهيرة "من قصر عقله طال لسانه" وبغض النظر عن محتوى الكتاب الذي أتعفف عن قراءة محتواه لسوء بيانه الأول بالغلاف، وعلى رأي المثل الشعبي المصري"الجواب يظهر من عنوانه" فإذا كان العنوان بذيئا مُشخصنا فالمحتوى كذلك سيكون مُشخصنا، ويستحيل على من يشتم ويسب في العنوان أن يناقش الأفكار بموضوعية، فالبشر لديهم أفكارا صعبة جدا عن الآخر لا تتهذب سوى بالتواضع، والكاتب هنا لا يتواضع بل سلّم نفسه تماما للحقد والتشفي والانتقام..وكأن هناك ثأرا بينه وبين د منتصر.

الكاتب أشرف الخمايسي سبق الرد عليه في كتابي "سيكولوجيا المرأة" الصادر في يناير 2021 وبعدة مقالات تفند دعاويه الوقحة في التحرش بالنساء جنسيا والدعوة لنقاب وحجاب المرأة بالقوة، وكراهية واحتقار غير المحجبات بالمُجمل، لكن بعد هذه الواقعة رأيت أن الكاتب يُهدِر نفسه في وضع معاكس للفضيلة والأخلاق عملا بالقوم الذين بالوا في بئر زمزم ليعرفهم العرب، وهنا لا يألف الكاتب نَهَجا مخالفا موضوعيا بل يخرج بفرقعات على أمل شهرته السريعة وترويج كتابه بأغلى الأثمان دون النظر لقيمة وأخلاقية ما يفعله، فقد كان ينتوي من وراء هذا الغلاف البذئ أن ينتشر كتابه بأسرع الطرق ويطبع مرات عدة حتى يكسب الملايين، وقد رأيت هذه النوايا تفوح من ردوده الاستعلائية على معارضيه في صفحته حتى أجبروه على غلق التعليقات لتصبح مخصوصة فقط لأصدقائه المنتمين في أغلبهم للإسلام السياسي..وبالطبع سيوافقوه على هذا الهراء فقط من أجل التشفي وتنفيس الغضب الكامن من تيار الاستنارة بالمجمل.

المثير في اعتراضات القراء عليه أنهم حين سألوه هل هذا خالد منتصر أم لا؟؟...قال لا أعلم كي لا يقدم دليلا ضده، فالغلاف قد يتسبب في سجنه بتهم السب والقذف والتشهير، وحين اشتد عليه الضغط أكثر كتب معلنا أنه خالد منتصر بالفعل، وأن غلافه البذئ يندرج تحت باب حرية الرأي والتعبير، وأنه فعل ذلك منكرا على العلمانيين الذين دافعوا عن الرسوم المسيئة للرسول كما يزعم، والرد على ذلك في بضعة نقاط:

أولا: الكاتب يخلط بين رفض الفعل ورفض القتل، فكلنا نعارض الرسوم المسيئة للرسول، لكن نرفض قتل الرسامين، وبما أنه مؤيدا لداعش ومحسوبا على الثقافة ويطالب بقتل الفنانين..رأى أن المعترضين على قتل الفرنسيين يجوز في حقهم الإساءة..وهذا فعل غريب لا يصدر من كاتب، بل تبين أنه ضحل الثقافة، كون الإساءة لا تعني القتل وإزهاق الأرواح، والرد عليها إما بالصمت والتجاهل، وإما بالقانون..أما أن يلجأ أحد المحسوبين على الثقافة بالإساءة العلنية والمباشرة من باب قبولك بحرية التعبير فهو أولا: جهل بحدود تلك الحريات، وثانيا: إنكار سلطة القانون بمحاسبة المسئ..وكلاهما فوضوية مدمرة..

ثانيا: لم يدافع أحدا عن تلك الرسوم المسيئة للرسول كما يزعم، بل كتبنا أن مادة تلك الرسوم والأفلام المسيئة معظمها موجود في كتب أهل الحديث بما فيها الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات يجب إنكارها لقطع الطريق على خصوم الإسلام بإهانة الرسول، وبما أن الخمايسي جاهلا بالتراث ويتعصب للمشايخ لم يكلف نفسه بالاطلاع على مادة تلك الرسوم المسيئة من كتبه التي يؤمن بها ويؤمن أشياخه أنها حاكمة على القرآن، فيكون الرجل وأمثاله هم مصدر تلك الإساءة بينما المستنيرين يقاومونها بالإنكار وتنزيه الله والنبي عن تلك الأعمال، وما حدث من تلك الاتهامات تهدف لتسويغ شتمه وسبه للأشخاص ليس إلا..ومن ثم حشد الإسلاميين والظلاميين لصفحته وما أكثرهم..

ثالثا: خالد منتصر ليس مسئولا سياسيا أو رمزا دينيا يجوز سبه وشتمه وفقا لبنود الحريات الأوروبية الفرنسية، لكنه شخصية عامة نخبوية كأي مثقف يحرم إهانته بل الرد عليه بمنطلق موضوعي، فبنود الحريات الأوروبية تعطي الحق في الإهانة والسخرية لأي مواطن تجاه المسئولين لعلاقة المصالح والنفع الخاص بين الطرفين سوى جرائم التشهير التي تتطلب أدلة مادية، وللرموز الدينية من منطلق رفض ونقد الأديان..سوى ذلك من إهانات للأفراد والمجموعات يعاقب عليها القانون بالسب والقذف والتشهير والتحريض على الكراهية، بينما تندرج دعوى الخمايسي هنا بأن منتصرا شخصية عامة يجوز إهانته من باب الاستهبال والاستعباط، وقد دخلت على صفحته لكشف الوعي الفكري لأنصاره لم أر تنبيها من أحدهم لتلك الجزئية مما يعني ضحالة وعي الرجل ومعظم أنصاره معا..

وللخمايسي عليه أن يطلع على قانون الصحافة الفرنسي الصادر عام 1881 الذي وضع حدودا للرأي والتعبير وفقا للسرد أعلاه، مع حفظ خصوصية المجتمع الفرنسي العلمانية المختلفة نوعا ما عن بقية مجتمعات الغرب التي قد ترى بعضها تلك الرسوم نوعا من التحريض على الكراهية الدينية يُمنَع بقوة القانون، مثلما حدث في إيطاليا بمنع أحد اللوحات المهينة للرسول على أنه النبي الكذاب المتحالف مع الدجال وفقا للتصور المسيحي الكنسي..وبالتالي صارت إهانة الأشخاص بدعوى الحرية تبريرا ساذجا لا يصدر عن مثقف بل عن بلطجي ضيق الأفق ومحدود معرفيا.

رابعا: الرجل لسانه بذئ للغاية ، فهو يفتعل المشكلات ثم يبني على ردود الأفعال صورا وأحكاما مسبقة، ومن ثم يجيز لنفسه شتم الناس (كأولاد الج..زمة) و (يلعن أب...و..كم) وغيرها من السفالات التي أستغرب كيف تصمت عنها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب والإعلام الذي يستضيف هذا البذئ على أنه مفكر محترم..

خامسا: الرجل ليس بذيئا فقط بل تكفيريا أيضا حيث وضع التيار التنويري بأكمله في خانة الهجوم على الرسول والحرب على الإسلام، في مغالطة منطقية شهيرة تدعي "تسميم البئر" وتعني الحكم على الجهات والأفراد باتهامات مرسلة لتشويه صورتهم من ناحية ولعدم قبول دفاعاتهم من ناحية أخرى، وأكثر من يقعون في تلك المغالطات هم الطائفيين والعنصريين، فإذا تبين أن أشرف الخمايسي عنصريا ضد النساء يجير ضربهن والتحرش بهن جنسيا نفهم أن سلوكه مع خالد منتصر طبيعي يتفق مع أخلاقه وأفكاره العدوانية..

سادسا: النقد الديني واجب وضروري للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومن ثم تحسين صورتهم في الغرب..أما الخمايسي وفريقه من الظلاميين يعتبرون أن هذا النقد كُفرا بواحا لا يجب أن يكون ولا أن يصدر من مسلم بالأساس، وبرغم عدم اطلاعي على كتاب المسحة سوى عن مقدمة بسيطة، لكن ما قرأته يدل على فقر معرفي للكاتب وعدم اقترابه من محاور د خالد منتصر الرئيسة وهي (دحض خرافة الإعجاز العلمي) ( دحض سلطات رجال الدين) (خرافات الشيوخ عن العلم والتطور) فالرجل ناقد من داخل الحداثة ومتجاوز لقصة ومعاناة التراث مع مخالفيه..أي يرى انطباعات الخمايسي ورفاقه عن الدين مجرد خرافات قرووسطية لا علاقة لها بالله ولا الرسول، ومصادمة لحقائق العلم..فهل الخمايسي أثبت في كتابه زيف نظرية التطور مثلا؟..هل أًثبت أن تناول السموم لا يقتل صاحبها إذا تصبّح بسبع تمرات؟!..هل أثبت أن الخلافة الداعشية صحيحة ومفيدة وتنفع العالم؟؟

في النهاية تم منع الكتاب من الصدور عن دار النشر لأسباب منها خشية مسئوليها من الملاحقة القضائية ، وكما ورّط الخمايسي تلك الدار سيورّط أخرى بفظاظته وعنفه..حتى اضطر أخيرا لعرض كتابه على صفحته بالفيس بوك بعدما تحقق له ما أراد من فرقعة إعلامية وتشهيرا لصالح عرض أفكاره ، التي قرأت بعضا منها في المقدمة وجدتها مشخصنة للحد الذي دفعه للحديث عن زوجة دكتور خالد إبنة الفنان الراحل أبو بكر عزت، فما الفائدة التي يجنيها القراء من تلك الشخصنة والتفرغ الكامل لقراءة معارك الخمايسي وكراهيته الشخصية لمنتصر؟ وما علاقة تلك الخلافات الشخصية بالفكر والمعارف؟

يجب على وزارة الثقافة محاسبة المسيئين، وإن كان هذا الكاتب منضما لاتحادات وهيئات ثقافية ينظر في أمره، فما فعله سابقا في الدفاع عن المتحرشين جنسيا وإهانة النساء ثم اليوم إساءة لأحد مشاهير التنوير يحرف الكتابة عن مسارها المعرفي الصحيح ، وتتحول الساحة لمعارك لفظية وبدنية ، فالعبرة ليست معارضة ونقد أحد الكتاب بل العبرة في الوسيلة والأسلوب ..فمن يريد المال يمكنه أن يسرق وأن يعمل في ذات الوقت، تلك وسائل قد يلجأ لها الإنسان وفقا لدوافعه، ومنتصر كغيره يخطئ فيجوز الاعتراض عليه بشكل موضوعي علمي، لا أن نستعمل العنف في تحقيق غايات عجز عن إتيانها الملايين من أنصار الجماعات والمتشددين الذين يروا الاستنارة مؤامرة غربية كافرة..متجاهلا كل الأسباب التي أدت لظهور ذلك التيار التنويري ونقد الواقع المتخلف ، فلو كان الإصلاح يأتي من الحوار والتواصل والنقد الموضوعي فأهلا به، في حين لو جاء ذلك الإصلاح رسم وإهانة الأشخاص والتحريض عليهم فالكُفر به واجب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من غزة| -أبيع غذاء الروح


.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز




.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل