الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الأنوار الأمريكي والآباء المؤسسون (1740 – 1800)

محمد زكريا توفيق

2021 / 7 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"كانت الطبيعة وقوانينها تختبئ في ظلام الليل. قال الرب، ’ ليكن نيوتن’، وإذا بكل شيء قد وضح في النور." ألكساندر بوب

عصر الأنوار في أوروبا وأمريكا، يعتبر ثورة رائعة في الفكر. لماذا؟ لأنه قد أطاح بحقبة طويلة من الأفكار الجامدة المطلقة الراسخة في عقول الناس، والتي كان يروج لها الكهنة والحكام المستبدون.

كما أنه قد أكد قدرة الإنسان على التفكير بنفسه دون وسيط لحل مشاكله. هذا التفكير الحر، جعله يكتشف حقائق الكون والإنسان والرب خالق هذا الكون. القرن الثامن عشر، والذي يسمى بعصر العقل، قد حرر أوروبا من سلطة الكنيسة، وأنتج لنا الجمهورية الأمريكية، التي تعرف ب "الولايات المتحدة".

لكن، من أين جاءت هذه الثقة الجديدة في العقل؟ لقد بدأت مع الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. في عام 1665 العالم الإنجليزي، اسحق نيوتن، بناء على عمل نيكولاس كوبرنيكوس وجاليليو جاليلي، قد اكتشف قوانين الحركة التي تحكم الكون المعروف. نشر نيوتن النتائج التي توصل إليها عام 1665.

أصبحت قوانين الحركة هذه هي قوانين الطبيعة. أي قوانين يمكن تعلمها عن طريق الملاحظة وإعمال العقل والمنطق. بعبارة أخرى، لم تعد الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وفيضانات، تفسر على أنها بسبب غضب الرب على عباده العصاة، بل هي ظواهر تحدث لأسباب طبيعية، يمكن فهمها بالعقل. أي بالتفكير المنطقي وربط النتائج بالأسباب.

القوانين الطبيعية لنيوتن، قام بتطبيقها على العالم المادي كلا من جون لوك وآدم سميث، وهما مفكران إنجليزيان كبيران. لقد طبقاها على ما يخص المجتمع البشري من سياسة واقتصاد. كذلك الآباء المؤسسون لأميركا، قاموا هم أيضا بتطبيقها على مجتمعهم ودستورهم.

وفقا لجون لوك، الفيلسوف الإنجليزي، في أطروحتين له بشأن الحكومة عام 1690، يمنح القانون الطبيعي كل إنسان ثلاثة حقوق طبيعية، هي:
حق الحياة، وحق الحرية، وحق الملكية.

لماذا هي حقوق؟ لأنها ضرورية. ولماذا الحياة حق؟ لأنك لن تكون موجودا بدونها. ولماذا الحرية ضرورية؟ لحماية حياة الفرد. إن لم تكن حرا، فلن تستطيع الدفاع عن نفسك. أما الملكية، فهي أيضا ضرورية لأنها تساعد على الحفاظ على الحياة.

ولأن الناس ينتهكون حقوق بعضهم البعض، جاءت فكرة العقد الاجتماعي، أو الاتفاق المتبادل. بمقتضى هذا العقد أو الاتفاق، تتكون الحكومة. هدفها الوحيد هو حماية هذه الحقوق الثلاثة.

ينتخب الشعب وكلاء لكي يشكلوا حكومة تدير شؤونهم. لكن في نفس الوقت، هذه الحكومة يجب أن تحافظ على حقوقهم الطبيعية وسيادتهم. فإن فشلت الحكومة في حماية حقوق الشعب في الحياة والحرية والملكية، أصبح من الواجب خلعها حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة والعنف. هذه الأفكار، أثرت في توماس جيفرسون عند كتابته لوثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي.

قانون العرض والطلب هو القانون الطبيعي للسوق، وفقا للاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث في كتابه ثروة الأمم (1776). لا يحتاج الأمر إلى تدخل الحكومة في الأعمال التجارية، من حيث الإعانة أو التنظيم أو التأميم أو خلافه. لأن قوانين العرض والطلب وحدها، كفيلة بإصلاح الأمور، وجعل اليد الخفية للمنافسة، تنتج أفضل منتج بأقل سعر.

لقد تبنى الآباء المؤسسون الأمريكان النظام الرأسمالي، وهو نظام اقتصادي يقوم على قانون العرض والطلب. النظام الرأسمالي يؤكد ثلاثة حقوق:
- الملكية الخاصة
- حرية المشاريع والابتكار (تعمل وتخترع كما يحلو لك)
- تحقيق الربح والاحتفاظ به
وقد كان بنجامين فرانكلين، واحدا من أعظم دعاة الرأسمالية كنظام اقتصادي للولايات المتحدة.

وفقا ل "توماس بين" في كتابه "عصر العقل" (1794)، خلق الله الكون لكي تحكمه القوانين الطبيعية. لذلك، الطبيعة هي الكتاب المقدس الحقيقي للبشرية.

هذا هو المفهوم الأساسي للربوبية، وهي فلسفة دينية يعتنقها بدرجات متفاوتة، العديد من القادة السياسيين الأميركان في القرن الثامن عشر، منهم توماس جيفرسون وجون آدامز.

لقد آمن معتقدي الربوبية في القرن الثامن عشر بإله الخير العقلاني، الذي يريد الأفضل لمخلوقاته. إذا كنت ربوبيا، فأنت تؤمن بوجود الرب، ولكنك ترفض الظواهر الخارقة للطبيعة، بما في ذلك الجنة والنار والثعبان الأقرع وعذاب القبر.

الجنة، ليست في السماء، وإنما مكانها الأرض. يمكن خلقها بالعمل الصالح وفعل الخير، ليس إلا. أما الأخلاق، فتأتي فقط عن طريق العقل والقوانين الطبيعية. الأخلاق لا تأتي جاهزة معلبة، مثل العلب المحفوظة، عن طريق وسطاء مشكوك في أمرهم ونواياهم.

هم في أحسن تقدير، عبيد للمؤسسات الدينية والسلطة السياسية. معيار الأخلاق الحقيقي، هو مدى مساهمتها في رفاهية الناس وإسعادهم، لا كما ورد في الأسفار القديمة، أو تردد في أقوال المشايخ والكهنة.

كان التعلم عن طريق التجربة والمشاهدة، هو السمة المميزة لفترة التنوير. لقد شاهدنا ذلك في أعمال إسحاق نيوتن في إنجلترا. ونرى أيضا ذلك النهج في حياة اثنين من العلماء العصاميين الأمريكان، الذين قضوا حياتهم في دراسة الظواهر الطبيعية. هما بنجامين فرانكلين، الشهير في أمريكا وأوروبا لاكتشافاته العلمية واختراعاته، وبنجامين بانيكر، عالم الرياضيات والفلك الذي ساعد في مسح واشنطن دي سي.

شكلت أفكار التنوير تفكير العديد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. عشرات الرجال، قادوا أمريكا من مجرد عدة ولايات صغيرة محتلة بالاستعمار البريطاني إلى الاستقلال، وأقاموا جمهورية ديموقراطية، مؤسسة على مبادئ حقوق الإنسان في الحياة الكريمة والحرية والملكية الخاصة.

لقد أشرق ضوء العقل وسطع، عن طريق الآباء المؤسسين الستة الكبار. بدون حكمتهم العظيمة، وخيالهم الخصب، ونزاهتهم الراقية، وجهودهم البطولية، من أجل قضية الحرية والإنسان، لما كانت الولايات المتحدة كما نعرفها موجودة. لقد تقاسموا رؤية، مفادها أن الحرية للأمريكيين، هي حرية للبشرية جمعاء.

من الآباء المؤسسين:

بنجامين فرانكلين (صديق البشرية)
عضو بنسلفانيا في الكونجرس القاري الثاني.
المدير العام للبريد
سفير لدى إنجلترا
ساعد في إلغاء قانون الطوابع
عضو في لجنة إعلان الاستقلال
مندوب المؤتمر الدستوري
مؤسس أول مكتبة عامة
عالم شهير أثبت بالتجربة أن البرق عبارة عن كهرباء

جورج واشنطن (الأب الروحي لبلاده)
ضابط في الحرب الفرنسية والهندية ضد إنجلترا
عضو في كونجرس فرجينيا
عضو في المؤتمرات القارية الأولى والثانية
رئيس المؤتمر الدستوري
القائد العام للثورة الأمريكية
أول رئيس للولايات المتحدة

جون آدامز (خريطة الاستقلال الأمريكي)
عضو في المؤتمر القاري الأول والثاني
اقترح قيام جيش قاري بقيادة جورج واشنطن
عضو لجنة إعلان الاستقلال
دافع عن إعلان الاستقلال
سفير لدى فرنسا وبريطانيا العظمى
مؤلف دستور ولاية ماساتشوستس
النائب الأول للرئيس جورج واشنطن
الرئيس الثاني للولايات المتحدة

توماس جيفرسون (مهندس الديمقراطية)
عضو في كونجرس فرجينيا
عضو في الكونغرس القاري الثاني
مؤلف إعلان الاستقلال
مؤلف النظام الأساسي لولاية فرجينيا للحرية الدينية
سفير لدى فرنسا
وزير الخارجية
نائب رئيس الولايات المتحدة
الرئيس الثالث للولايات المتحدة
قام بشراء أراضي لويزيانا من فرنسا، التي كانت مساحتها تعادل مساحة كل الولايات في ذلك الوقت
مؤسس جامعة فرجينيا

جيمس ماديسون (الأب الروحي للدستور الأميركي)
عضو في الكونغرس القاري الثاني
عضو في كونجرس ولاية فرجينيا
ساعد في كتابة دستور ولاية فرجينيا
أنشأ الهيكل الأساسي لدستور الولايات المتحدة
كتب 28 من 85 ورقة بحثية بخصوص الاتحادية
عضو في كونجرس الولايات المتحدة
وزير الخارجية
الرئيس الرابع للولايات المتحدة

ألكسندر هاملتون (عبقرية الرأسمالية)
ضابط في الحرب الثورية ومساعد الجنرال جورج واشنطن
عضو في المؤتمر الدستوري
كتب 52 من 85 ورقة بحثية بخصوص الاتحادية
أول وزير للخزانة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
عدلي جندي ( 2021 / 7 / 5 - 17:38 )
استاذ محمد
امريكا تمكنت عبر مخاض ليس بالطويل من تخطي عقبات هائلة من تطبيق أساسيات التعايش ما بين البشر بمختلف أطيافهم (الحياة، وحق الحرية، وحق الملكية) لم تستطعها دول ذات حضارات وتاريخ بل إنزلقت تلك الدول إلي أسفل بسبب رعونة قادتها وجهل وإنتشار الجهل والتخلف والفقر وسيطرة الثقافة الدينية كالتواكل والخنوع وإنتظار حلول السماء
حقيقة تناولت عدة زوايا في مراحل تأسيس الولايات المتحدة الامريكية تعتبر نبراس ودرس لمن يريد التقدم والتحضر وربما البقاء بدلا من شيطنة تلك الدولة العظمي
تحياتي


2 - عرض رائع سلس وواضح لمسيرة عظمى لاعظم شعب وقادة و
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 7 / 5 - 23:31 )
و جمهورية يجب ان تكون مثالا لبناء الدولة الحديثه ومجتمع انساني مرن ديناميكي مستمر في تطوره-مقالتك هذه استاذ زكريا تعادل كتبا لشرح الموضوع وتدفع القارئ للاستزاده بقراءات تنويرية تفصيليه-شكرا استاذنا لدورك الكبير في نشر الحقيقة العظمى =ان اميركا صديق صدوق بعيدا عن كل الديماغوجيات المتياسره والمتشدده-والطريق الاميركي ليس ايديولوجيا وانما العمل والعلم والثقافة وهذه تؤدي للبناء والتقدم ناهيكم ان الطريق الاميركي قد ادى الى جمع العالم كله بكل عروقه ومعتقداته وثقافاته في مجتمع واحد متاءخي سائر الى الامام مزيلا كل العوائق والسلبيات الموروثه-اعود استاذ زكريا الى تساؤلي المستمر =من اين جاء هذا الحقد الاسود الجنوني عند الكثير من ابناء شرقنا الاوسخ ضد بلد الانسان الدائم التطور الى امام-الولايات المتحده الاميركيه حتى اصبح عند البعض من المرضى كلمة اميركا عنوانا لكل سيئات الدنيا رغم ان الكثير من هؤلاء يستميت للذهاب والعيش هناك في بلاد الخير اميركا-لقد ان الاوان لنتقرب والاستفاده ليس فقط من التجربة الحضارية العظمى الاميركيه وانما ايضا الاستفاده من مكانتها المادية والمعنوية لانقاذ بلداننا من المستنقع


3 - إلى الأستاذ عدلي جندي
محمد زكريا توفيق ( 2021 / 7 / 5 - 23:32 )
شكرا لمرورك الكريم وتعليقك القيم.


4 - مسرحية هاملتون
عامر سليم ( 2021 / 7 / 6 - 03:22 )
الأستاذ توفيق:
شكراً على هذا المقال التعريفي للأباء المؤسسين لأمريكا .
لفت انتباهي اسم الكسندر هاملتون , فقد شاهدت قبل فترة قصيره مسرحيه غنائيه شهيره تناولت حياته وأعماله, وهي مسرحيه مشهوره تحت اسم - هاملتون- بدأ عرضها في أمريكا على مسارح برودواي في العام 2015 ولا زالت , وكذلك تم عرضها خارج الولايات المتحده ( شاهدتها في مسارح استراليا في سدني).
مسرحيه تاريخيه بايوغرافيه ممزوجه بموسيقى وغناء غاية في الابداع والحرفية عن هذا المؤسس العظيم.
https://www.imdb.com/title/tt8503618/?ref_=nv_sr_srsg_0
تحية وتقدير وأحترام لجهودكم في نشر كل ماهو مفيد و ممتع وتنويري.


5 - إلى الدكتور صادق الكحلاوي
محمد زكريا توفيق ( 2021 / 7 / 6 - 04:04 )
مرحبا بك عزيزي الدكتور صادق. وشكرا على تعقيبك الوافي الذي يثري الموضوع. وأنا معك أتساءل والمرارة تملأ قلبي، لماذا لا يستفيد الساسة العرب من التجربة الأمريكية في نظم الحكم السياسية والاقتصادية؟ هل هو الجهل، أم الدين، أم العصبية، أم كل هذا، أم ماذا بالله عليك؟ ولماذا بلانا القدر بمثل هؤلاء الحكام، الذين أوصلوا شعوبهم إلى أسفل السافلين بالمقارنة بباقي الشعوب؟


6 - إلى الأستاذ عامر سليم
محمد زكريا توفيق ( 2021 / 7 / 6 - 12:27 )
شكرا أستاذ عامر لتواصلك ومعلوماتك عن هاملتون القيمة, أبحث الآن عن الفيلم وسوف أقوم بمشاهدته إن شاء الله.


7 - جذر الحقد على الغرب ديني
منير كريم ( 2021 / 7 / 6 - 21:45 )
تحية لكم جميعا
نحن في البلدان العربية جذرنا الفكري ديني ولا فرق عندي بين الشيوعي والقومي-البعثي والاسلامي كلهم سواء في العقل الباطن وطرق التفكير
وما يسمى بحركات التحرر الوطني معظمها ذات منشأ ديني
سكتنا اكثر من 5 قرون على احتلال الاتراك لمنطقتنا واقتطاعهم الاسكندرون لانهم مسلمون وكذلك سكتنا على احتلال ايران للاحواز لانهم مسلمون وجن جنوننا على دخول الاوربيين منطقتنا لانهم كفار
الحقد على الغرب ورفض الحضارة الحديثة بسبب الدين
متى ما نصبح علمانيين حقا وليبراليين سنقبل الانفتاح الطبيعي على الغرب
شكرا لكم

اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ