الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتحول العُقد الى قوانين

حميدة العربي

2021 / 7 / 5
المجتمع المدني


يعاني المجتمع الذكوري من عقد نفسية واجتماعية كثيرة لكن أهمها هي عقدة المرأة، فهي محور حياته وتفكيره واهتمامه لكن بالاتجاه الذي يخدمه فقط، فهو يريدها ولا يقدّرها، يتمناها ولا يحترمها، يحتاجها ولا ينصفها، يبحث عنها ويتمنى لو لم تكن موجودة إلا كحالة مؤقتة أو طارئة وليست وجوداً دائماً وثابتاً وأصيلا. فصارت بالنسبة له العلة والسبب، وهي المذنبة دوماً والمتهمة دائماً لذا حاصرها في أضيق الزوايا وأكثرها عتمة وظلاماً وحجّمها في قوالب خاصة بعيداً عن الحياة الطبيعية للبشر ولم يفكر إلا بمصالحه وما يتماشى مع أهوائه ورغباته الآنية.. فصار يفكر بأساليب ( قوانين) تبقيها تحت رحمته وطوع بنانه.
وفي ظل ظروف صعبة جداً ونقص حاد في كل مستلزمات الحياة والذي يتطلب تكوين خلية أزمات في جميع المجالات لمساعدة الناس في تحسين أحوالهم والتخفيف عنهم، نجد من يطرح ويناقش مواضيع، أقرتها الأمم المتحضرة كحقوق غير قابلة للنقاش وأصبحت من بديهيات الحياة الاجتماعية المعاصرة، مواضيع في غاية الحساسية والتأثير السلبي، اجتماعياً ونفسياً، ضارباً حقوق المرأة والطفل عرض الحائط.. مضيفاً لمعاناة المرأة، الطويلة والمتعددة الأبعاد، خسارة فادحة وهي فقدان حضانة طفلها. متذرعين باعتداء زوج الأم على بنت الزوجة! وهو احتمال، أما وارد أو لا، وليس ظاهرة مؤكدة، وغير موجود إلا في أذهان ونفوس من يتعاطاه ومن يفكر بارتكابه لو اتيحت له الفرصة، وهذه تبقى حالات فردية. فمن لديه عقدة، ويخاف أن تصيبه يوماً ما، يسعى لتحويلها الى قانون كي يتحاشى اعوجاج أفكاره وسلوكه معتقداً إن كل الناس مثله، فالسوي لا يفكر إلا بالأمور الإيجابية وصاحب التفكير الأعوج لا يخطر في باله سوى الأمور السلبية. لكن هؤلاء، هل يعرفون أو يتذكرون إن هذا النوع من الاعتداء قد يحصل من الآباء أو الأعمام أو الأخوال وحتى الأجداد؟ هل تتذكرون الشيخ الذي حذّر البنت من الجلوس مع والدها لوحدهما ( خوفاً من أن يؤزه الشيطان ويعتدي عليها)؟ هل سمعتم بالمراهقة التي اغتصبها عمها وحملت منه ثم قتلها أهلها حرقاً، بدعوى انفجار قنينة الغاز في الحمام، وظل العم حراً طليقاً، كوّن عائلة وعاش حياة طبيعية كأن شيئاً لم يحدث؟ وعن ذلك الجد الذي ظل يغتصب حفيدته، ذات الأعوام الستة، لمدة طويلة وحين أمسكوه بالجرم عتموا على الموضوع لأنه شيخ ( محترم ) ارتكب زلة ( بالنسبة لهم ) في لحظة شيطانية ( رغم تكرارها عدة مرات)؟ إذن احتمال وقوع الأذى وارد من إي جهة ومن أي شخص وليس من زوج الأم فقط ـ وهو احتمال مثل بقية الحالات ـ ثم ماذا عن الأطفال الصبيان؟ هل سيصار الى قانون خاص بهم؟

إن فكرة الاعتداء واعتبار البنت هدف مؤكد للاعتداء تهيمن على نفوس وعقول البعض بحيث لا يتخيل وجود ناس أسوياء، لذا يطالب بقانون يؤكد النوايا تجاه المرأة ( حتمية الاعتداء عليها! ) وكأنه يصم المجتمع بالتوحش والتشوه.. بدلاً من إقرار قانون يمنع العنف ضد المرأة والطفل ولصالح الأُسرة، ولم يخطر ببال هؤلاء أو تجاهلوا إن لكل حدث ظروفه الخاصة وتفاصيله، فليس كل امرأة مطلقة أو أرملة تتزوج ثانية، رغم إن هذا من حقها، فالكثيرات يفضلن رعاية الأبناء والتفرغ لتربيتهم. وليس كل رجل يتحرش بابنة زوجته، فليس الجميع مرضى نفسيين أو بلا ضمير، وليس كل أب يستحق ويستطيع رعاية طفل صغير.. ثم ماذا يستطيع الأب أن يفعل مع طفل سُحب بالقوة من أحضان امه وبيئته ومدرسته ووضع في بيئة غريبة عليه وسط ناس لا يعرفهم، ربما سمع عنهم فقط؟ سيواجه الأب والطفل معاً مصاعب وعوائق كثيرة، مثل التعامل مع الحالة النفسية للطفل بعد حرمانه من امه، ومحاولة ترويضه وتعويده على البيئة الجديدة ثم التكيف للعلاقة مع أب لا يعرفه جيداً وقد لا ينسجم معه أبداً ولا يتفقان على شيء إلا إذا فرضت عليه العلاقة بالقوة والإكراه.. وقد يخسر الطفل الأم والأب معاً.. ثم هل سيقضي هذا الأب جل أوقاته مع الطفل ويسهر الليل من أجله؟ هل يحتضنه ويواسيه حين يحزن، ويشجع ويفرح حين ينجح؟ هل سيغسل ثيابه ويهيأ حاجياته ثم يرافقه للمدرسة كل يوم؟ هل يستطيع الاستغناء عن السهرات وجلسات الأصدقاء والسفرات كي يراجع الدروس معه ويعد له الطعام الذي يحبه؟ والكثير، غير هذا، من الأمور الحياتية والنفسية والعاطفية والتربوية والاجتماعية التي لا يستطيع أحد القيام بها وتوفيرها.. لا الأب ولا العمات ولا الخالات ولا الأجداد ولا الأقارب.. إلا هي: الأم!
الرجل، بصورة عامة، غير مؤهل عقلياً ونفسياً واجتماعياً، لتربية طفل.. فالعلاقة بين الطفل وامه غريزية، طبيعية عفوية، لا تحتاج الى التحضير أو التصنع أو التقمص... كل ما يفعله الرجل، الأب، حين يستلم الطفل، هو واحدة من اثنتين:
أما أن يتزوج ثانية ويسلم الطفل الى زوجة الأب لتمارس عليه كل عقدها من حقد وكراهية، له ولأمه، وقد تعذبه جسدياً وتجعله إنساناً مشوه التفكير بلا شخصية.
. أو يسلمه الى أُمه وأخواته ( الجدة والعمات ) حيث يقع تحت رحمة عقليتهن ومزاجيتهن، يعاملن الطفل حسب موقفهن من امه ومشاعرهن تجاهها. بحيث تتشوه نفسيته وصورة والدته فينشأ حاقداً كارهاً لكل شيء. غير سوي ولا طبيعي.. أما إذا كان الطفل بنت فمن المؤكد إنها ستصبح خادمة للعمّات والأعمام وتشبع مذلة وهوان.
في كل الدول المتحضرة والمتقدمة من حيث قوانين حماية الطفل والمرأة والأسرة، حضانة الطفل، حصرياً، للأُم إلا إذا: تخلت هي عنه بإرادتها.. أو كانت مصابة بمرض خطير يمنعها من رعايته أو كانت مدمنة على شيء ما أو يتعرض الطفل للأذى أو العنف معها، بالأدلة القاطعة.. وتوجد لكل حالة تفصيلات.. والسؤال: أمن أجل عقدة ما في نفوس البعض تسن قوانين ـ مصيرية ـ تحرم المرأة، الأم، من طفلها؟ والأهم حرمان الطفل من امه وحنانها ورعايتها والتي يحتاجها ويعتمد على وجودها اعتماداً كلياً حتى يصل مرحلة الشباب؟
ولنتذكر، حتى صغار الحيوانات لا يمكنها مفارقة أُمهاتها.... إذن: وجود الطفل مع امه حق طبيعي، له ولها، يجب التمسك به والدفاع عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المتحدث باسم الأونروا للعربية: المشهد في رفح مأساوي وقاتم لل


.. تغطية خاصة - 143 دولة تدعم منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة |




.. الفلسطينيون والأمم المتحدة.. الطريق نحو -الدولة-؟ | المسائية


.. لحظة اعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم منح السلطة الفلسطينية




.. مشهد يوثق تكدس خيام النازحين في دير البلح بغزة