الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في التاريخ العسكري المسيحي الأرثوذكسي

مهند صباح
كاتب

(Mohanad Sabah)

2021 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما ارتكب البلغاريون والبيزنطيون أشد الفظائع ضد بعضهما البعض، أورد لكم من عبق صفحات التاريخ غيضٌ من فيض، هذهَ الحروب المسيحية التي تقاتل فيها المسيحيين مع بعضهم البعض، هي على وزن معركة النهروان وَمعركة الجمل وَمعركة صفين وَمعركة الزاب وَمعركة كربلاء وَمعركة الأمويين وعبد الله بن الزبير
عندما قتل المسلمين بعضهم البعض من أجل الحكم وَالتوسع.

تحديدًا عام ٩٩٧ ميلادية كان صموئيل البلغاري الأرثوذكسي وهو ( إمبراطور ) الإمبراطورية البلغارية الأولى وَالذي حكم من العام ٩٩٧ إلى غاية ٦ أكتوبر ١٠١٤. ومنذ العام ٩٧٧ إلى ٩٩٧ كان صموئيل جنرالاً تحت الحكم الروماني الأول لِبلغاريا، وَصموئيل هو الأبن الأصغر لِلكونت نيكولاس كوميز وَالذي كان حاكماً محلياً في بلغاريا آنذاك.

يقابلهُ باسيليوس الثاني البيزنطي الأرثوذكسي وهو إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية وَالملقب "بِقاتل البلغار" وَالذي حكم من العام ٩٧٦ إلى ١٠٢٥ للميلاد، وهو أبن الإمبراطور رومانوس الثاني من الأسرة المقدونية.

دارات بين هاتين الإمبراطوريتين حروبًا طاحنة، وسفك دماء قتلت فيها خلق كثير، كانوا يشنون الغزوات وَالحملات العسكرية على بعضهما البعض، من أجل السعي لتعزيز حكمهما، وَتوسعة مصالحهما على الأرض.

كانت كونت سريديتس هي عاصمة الإمبراطورية البلغارية (الاسم القديم للعاصمة صوفيا اليوم)، كان لِصموئيل أربعة أخوة هو كان أصغرهم، جميعهُم كانوا يحملون أسماءً توراتية صموئيل وداود وموسى وهارون، وَنظراً لِلحروب المشتعلة بين الإمبراطوريتين، أراد هارون وقف الحرب مع بيزنطة وَالإطاحة بِحكم أخيه صموئيل، حيث استغل باسيليوس الثاني البيزنطي هذا الموقف، وَعرض على هارون الزواج بأخته إذ تمكن من وقف الحرب وإزاحة أخيه عن الحكم، فوافق هارون على عرض باسيليوس.

مـــؤامرة هارون
وفعلاً أرسل باسيليوس الثاني امرأة جميلة من القسطنطينية برفقة الأسقف سيباستيان إلى الإمبراطورية البلغارية، وَلكن تبين فيما بعد أن المرأة المرسلة ليست أخت الإمبراطور باسيليوس، كانت خدعة وَعندما علم هارون على الفور بِالخديعة التي دبرها لهُ باسيليوس، أمر بإحراق الأسقف حياً بالنار.

حصـــار سريديتس الفاشل
تخبرنا المصادر التاريخية حين وصل خبر إحراق الأسقف بالنار حيًا إلى باسيليوس استشاط غضبًا وَأعد جيشًا ضخمًا بيزنطيًا قوامه ستون ألف جندي ٦٠,٠٠٠ وَحاصر سريديتس عاصمة البلغار لمدة عشرون يومًا، ولكن دون جدوى فشل حصار باسيليوس الثاني، وَلاقت قواتهُ هزيمةً ساحقة في كمين عند ممر جبلي بلغاري ضيق يُعرف باسم (بوابة تراجان) على يد قوات هارون وصموئيل المتحالفة، وَتم تدمير الجيش البيزنطي بأكمله تقريبًا لدرجة أن حياة باسيليوس كانت معلقة بالخيط وهرب بأعجوبة من المعركة مع عدد قليل من رجاله.

..صـــنف المؤرخون هذهِ الهزيمة أنها كانت أول وأسوأ حملة عسكرية لِباسيليوس في أغسطس عام ٩٨٦ ميلادية عندما تعرض لخسارة مدوية على يد قوات صموئيل البلغاري.

(عـــواقب الهزيمة).
كانت عواقب هذهِ الهزيمة النكراء في بوابة تراجان هي التوسع الإضافي لمملكة صموئيل إلى الأراضي البيزنطية، حيث هاجمت جيوش صموئيل الممتلكات الأوروبية للإمبراطورية البيزنطية، وَقامت بِغزو تراقيا ومنطقة سالونيك ، وَغزت أيضًا ثيساليا،
وَهيلاس وَبيلوبونيز، سقطت العديد من القلاع البيزنطية في أيدي البلغار، صموئيل لم يغزو فقط بل أراد صموئيل الاستيلاء على قلعة لاريسا المهمة، والتي كانت تسيطر على الطرق الرئيسية في ثيساليا، وَتم فرض حصار مجوعٍ خانقٍ على المدينة، مما أجبر البيزنطيين على الاستسلام بعد مجاعة مميتة، وتمكن صموئيل من احتلال ثيساليا وَترحيل سكانها إلى المناطق الداخلية من بلغاريا وأجبر الذكور الذين سقطوا في الأسر على التجنيد في الجيش البلغاري، بعد هذهِ الانتصارات اكتسبت بلغاريا نفوذًا على معظم جنوب غرب البلقان، مما أجبر باسيليوس على الفرار إلى القسطنطينية بحثاً عن الانتقام.

(إعـــدام هارون)
وَفي الحقيقة بعد أن سيطر صموئيل على مقاليد الحكم، لم يستطع أن يغفر خيانة أخيه هارون، وَبعد كل هذهِ الانتصارات التي سجلها صموئيل بعد أقل من عام، أمر صموئيل بذبح عائلة هارون بأكملها وإعدامه كعقوبةً على خيانتهِ له.

(زواج شـــقيقة باسيليوس)..
عند هروب باسيليوس وسقوط العديد من القلاع البيزنطية في أيدي البلغار كما ذكرنا سلفًا، لجأ باسيليوس، طالبًا المساعدة من فلاديمير الأول ملك كييف (أوكرانيا حاليًا) والأخير كان ملكًا وثنيًا،
استجاب فلاديمير لطلب باسيليوس وَلكن بشرط أن يمنح شقيقته آنا بورفيروجينيتا زوجة له، كان هذا هو ثمن المساعدة من كييف إلى القسطنطينية، لم يريد باسيليوس أن يعطي شقيقته إلى فلاديمير.
ناهيك أن آنا شقيقة باسيليوس رفضت في البداية الزواج من الوثني فلاديمير العظيم لأن مثل هذا الزواج محرمًا في سجلات الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية، وَنظرًا إلى أن هذا الزواج مفيدًا لبعضهما البعض كحلفاء، وافق باسيليوس بأن تتزوج أخته آنا من فلاديمير، بشرط أن يوافق الأخير على ترك الوثنية واعتناق الأرثوذكسية المسيحية وأن يتعمد بالمعمودية، وَمع الوقت اِتخذ فلاديمير بالفعل قرارهُ بشأن الدين، وَوافق فلاديمير على تلقي المعمودية الأرثوذكسية المسيحية، بل أنهُ أُعجب جدًا بممارسات الديانة الأرثوذكسية البيزنطية، ولهذا قرر أن يصبح عضوًا في الكنيسة الأرثوذكسية، بل أنهُ تبنى المسيحية وَالترويج لها أيضًا، وَفي ١٩ مايو عام ٩٨٨ للميلاد تم تعميد فلاديمير في خيرسونيسوس (جزيرة القرم حاليًا)، في كنيسة القديس باسيل، واتخذ فلاديمير الأرثوذكسية كديانة رسمية لبلادهُ كلها، بعد ذلك مباشرة تزوج فلاديمير وآنا هناك، في الوقت نفسهُ أرسل فلاديمير ٦٠٠٠ مقاتل من الفايكنج لدعم وَمؤازرة بيزنطة، شكل هؤلاء الستة آلاف مقاتل كحرسٍ شخصيًا لِلإمبراطور البيزنطي باسيليوس.

(غـــزوات باسيليوس).
كان باسيليوس إمبراطورًا غليظاً قاسيًا لا يعرف الرحمة، أضمر حقدًا على حقد إتجاه صموئيل، بدأ يشن الغزوات صيفٍ وَشتاءً من كل حدبٍ وَصوبٍ، احتل اليونان عام ٩٩٧ للميلاد، ثم احتل بليسكا عام ١٠٠٠ للميلاد، وَاحتل سكوبي عام ١٠٠٤ للميلاد، واحتل وديراكيون عام ١٠٠٥ للميلاد، وَراح يحتل المدن مدينةً تلو الأخرى.

انتقـــام باسيليوس (معركة كليديون).
معركة الانتقام بعد الحملات العسكرية وَالغزوات التي شنها باسيليوس، حشد جيشًا عرمرمًا وَتوجه صوب ممر جبلي بلغاري عام ١٠١٤، وَهذهِ المرة في كليديون في جبال بيلاسيكا، وَدارت في كليديون حرب ضرُوس طاحنةً شديدة، قاوم فيها الجيش البلغاري الجحافل البيزنطية ولكنها كانت مقاومة ميئوسًا منها ولا أمل للبلغاريين في الانتصار بها، طغت حماسة البيزنطيون على الجيش البلغاري، وأخيرًا انتصر باسيليوس انتصارًا ساحق ضد البلغار، وأسروا ١٥,٠٠٠ جنديًا بلغاريًا وَبعد معركة كليديون، تذكر الإمبراطور باسيليوس هزيمته أمام صموئيل في (بوابة تراجان)، فاستخدم التقليد البيزنطي الأصولي في تشويه العدو إلى أقصى الحدود وَالبشاعة، وبِأمر من باسيليوس الثاني شخصيًا، أمر بِسمل وَفقأَ أعين الأسرى البلغار، وَقسمهُم إلى مجموعات كل مجموعة ١٠٠ رجل، وَمن كل ١٠٠ رجل يترك رجل واحد بعين واحدة، لِيقود كل مجموعة مرشد أعور، أُعيد الجنود المكفوفون إلى صموئيل، تخبرنا المصادر التاريخية أنهُ أصيب بنوبة قلبية عند رؤيتهم وتوفي بعد يومين، في ١٥ أكتوبر عام ١٠١٤ للميلاد، هذه الوحشية أعطت الإمبراطور البيزنطي لقب "قاتل البلغار".

يوصف الإمبراطور باسيليوس بأنهُ رجل متدين للغاية عاش حياةً عملية مثل الرهبان، ولم يتزوج قط، دفن الإمبراطور في مقبرة صغيرة خارج مدينة القسطنطينية وَكتب على شاهد القبر العبارة التالية: "منذ اليوم الذي دعاني فيه ملك السماء لأصبح الإمبراطور، وسيد العالم العظيم، لم ير أحد رمحي بلا عمل. بقيت متيقظًا طوال حياتي وقمت بحماية أطفال روما الجديدة، وقمت بحملات شجاعة في كل من الغرب وفي البؤر الاستيطانية في الشرق ... يا رجل، عندما رأيت الآن قبري هنا، كافئني على حملاتي بصلواتك".

صدق عبدالله القصيمي عندمـــا قال..
“قتلي لعدوي عدل ، وقتل عدوي لي ظلم ، رأيي وديني صواب ، ورأي المخالفين ودينهم خطأ . هذا منطق كل الأذكياء - وكل الأغبياء”

فـــي الواقع إن صراع الإمبراطوريتين كان صراعٍ بين كنيستين الكنيسة الرومانية البلغارية والكنيسة الشرقية البيزنطية في القسطنطينية، وَالمسيحية الأرثوذكسية هي دين الإمبراطوريتين، وَالاثنان عملوا على نشر المسيحية وَالدعوة إليها، بل قاموا بِترجمة الكتاب المقدس إلى لغاتهُم المحلية وَلغات أخرى أيضًا، لكنهم تقاتلوا تحاربوا تناحروا، ذبحوا بعضهم البعض، مع أنه الاثنان متدينين وَمؤمنين، والإيمان يشرر منهُم شرشرةً.

على الرغم أن الإمبراطورين المذكورين كانوا متدينين، وقاموا بِنشر المسيحية والدعوة إليها، إلا أن كل آيات المغفرة والغفران التي يعج بها الكتاب المقدس، لم تؤثر فيهما ولم يعملوا بها، لم تؤثر فيهم البتة، أضع لكم بعض النصوص من الكتاب المقدس.

وكونوا لُطفاء بعضكم نحو بعضٍ، شفوقين، مسامحين بعضكم بعضاً كما سامحكم الله في المسيح. أفسُس ٤: ٣٢

فإن غفرتم لِلناس زلاتِهم، يغفر لكم أبوكُم السماويُّ زلاتكُم.
متى ٦: ١٤

واغفر لنا ذُنُوبنا، كما نغفرُ نحن للمذنبين إلينا! متى ٦: ١٢

ولا تدينوا، فلا تدانوا. لا تحكموا على أحدٍ فلا يحكم عليكم. اغفروا، يغفر لكم. لوقا ٦: ٣٧

أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم. متى ه: ٤٤

ومن ضربك على خدك، فاعرِض له الخد الآخر أيضاً. لوقا ٦: ٢٩

هـــذهِ النصوص ببساطة كانت معطلة تماماً بين القسطنطينية وسريديتس، وَكانت معطلة أيضاً بين صموئيل وباسيليوس فالإمبراطوريتين المسيحيتين لم يحبوا أعداءهم ولم يباركوا لاعنيهم، ولم يكونوا شفوقين لبعضهم البعض، بقدر ما ذبحوا بعضهم البعض، وأتساءل هنا "الإله الذي تؤمن بهِ كِلتا الإمبراطوريتين هل كان مع صموئيل أم كان مع باسيليوس أم كان مع الاثنان في آنٍ واحدٍ".


المصادر:
Byzantium: The Surprising Life of a Medieval Empire 2009 by Herrin, Judith

An Encyclopedia of Battles: Accounts of Over 1,560 Battles from 1479 B.C. to the Present (Dover Military History, Weapons, Armor) Paperback – September 1, 1985
by David Eggenberger

Encyclopedia of the Byzantine Empire Paperback – Illustrated, November 8, 2011

Mango, C. The Oxford History of Byzantium. Oxford University Press, 2002.

Norwich, J.J. A Short History of Byzantium. Vintage, 1998.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأيي بالموضوع
عبد الفادي ( 2021 / 7 / 6 - 19:17 )
اخي مهند يجب الأحتكام على النصوص وليس على الأفعال السياسية للبشر ، يقول الإنجيل الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ، الإنسان بطبيعته الفاسدة لا يطيع ويتمرد ليس على الله وحده بل حتى على اعز الناس له لأنه ينساق وراء اطماع المصالح الأرضية وحب الذات التي احيانا تغلب على الإيمان ، الإنجيل كتاب تهذيب يسمو بالإنسان ليتحول الى ملاك وليرجع الى براءة الأطفال فحينئذ تبطل الأنانية والحسد ويعم السلام على الأرض فالسيد المسيح يقول احب قريبك مثل نفسك وعليه فتعاليم الإنجيل ليست لها علاقة بالعنف والحروب ابداً فهو عهد جديد عهد النعمة المجانية ولو كان الإنجيل يشجع على الحروب لوجدت الناس كلهم مسيحيين الأن بفضل الأختراعات العسكرية الفتاكة التي يمكن استخدامها لتنفيذ نصوص العنف ، تحياتي واحترامي

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا