الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة إلى قبائل زعير وقبائل ورديغة (2)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2021 / 7 / 7
السياحة والرحلات


رحلة إلى قبائل زعير وقبائل ورديغة (2)
في ذلك اليوم الصيفي المشمس، بمجرد ما أخذنا الطريق الإقليمية رقم 403 حتى غادرنا بلاد زعير وتوجهنا صوب بلاد الكناديز، يصل العلو على سطح البحر في هذه الربوع إلى 800 متر. وقبل الوصول إلى ثلاثاء الكناديز، كانت الحصيدات تنتشر على نطاق واسع و كان صوت الرعاة يأتي من بعيد. ومثل الكثير من المناطق المغربية، صار الكناديز بلا صبار الذي مرض ومات. تنتمي جماعة الكناديز إلى دائرة وادي زم وتبتعد عن هذه المدينة بحوالي 50 كلم، ومن بين دواوير الكناديز: الفنانشة، وأولاد الحاج، والطبة والدغاغية والرمل. وتمارس هذه الدواوير الفلاحة البورية وممارسة الرعي وسط أرض قاحلة تعاني من خصاص مائي، وبعد الوقوف برهة من الزمن للاستراحة في هذه الأرض، تركنا الكناديز على يسارنا وتوجهنا إلى العين الكحلة، بحيث انحدرنا 100 متر عن سطح البحر في نقطة العين الكحلة. وتنتشر في هذه الأرض الصخور الجرداء المترامية والأودية الجافة ونبات السدر. وهنا كنا دخلنا إلى أولاد عبدون وهي إحدى قبائل ورديغة التي ترجع إلى ورديغ.
ينتمي أولاد عبدون إلى قبائل ورديغة التي تمتد جذورها إلى شبه الجزيرة العربية، إذ يعود اسم (ورديغة) أو (ورديغ) -وفقا لما ذكره ابن خلدون الصفحة 1570 من كتاب العبر- إلى بني جابر المتفرعة عن القبيلة الهلالية التي استقرت حسب المؤرخ عبد الرحمان ابن خلدون بتامسنا” البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أواسط بلاد المغرب الأقصى وأقاموا بها أحياء حلولا، وافترقت شعوبهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبني جابر”.
والكلام نفسه يعضده المؤرخ الناصري بشكل أكثر تحديدا في الصفحتين 266 و 267 من كتابه ( الاستقصا) بحيث يقول أن ورديغة من بني جابر بن جشم، “إلا أنهم تحيزوا عن أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلا وما إليها يجاورون هنالك صناكة من البربر الساكنين بفتنة هضابه فيسهلون إلى البسيط تارة، ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى، إذا دهمتهم مخافة السلطان”.
ولا يفوته أن يشير مرة أخرى في الصفحة 268 من الكتاب نفسه (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى)، أن ورديغة من بني جابر وليسوا من جشم، وأنهم بطن من بطون “سدراته”، إحدى شعوب “لواته” من البربر، مستدلين على ذلك بموطنهم وجوارهم البربر،
هاجرت قبيلة ورديغة ببطونها المتعددة في القرن الثاني عشر الميلادي، بدعوة من السلطان الموحدي أبي يعقوب المنصور، الذي اختار لها الإقامة بسهول تادلا وورديغة المتاخمة لنهر أم الربيع والقريبة أيضا من جبال الأطلس المتوسط. ولا يزال إلى اليوم ضريح بالقرب من نهر أم الربيع وبالضبط في الطريق الوطنية رقم 11 بين حد برادية وبني ملال، ويعرف (بسيدي جابر) الشهير: ( بسيدي جابر مول الكنابر) والذي يرجح أنه الجد الأول لورديغة، فهو أب “لملال” (بني ملال) و “صالح” أب الفقيه الذي أطلق اسمه على مدينة (الفقيه بن صالح) وأب لورديغ الذي تفرعت عنه مجموعة ورديغة.
امتزجت قبائل ورديغة وتصاهرت مع قبائل أخرى من المغرب منها مثلا، (بني عمير) الهلالية و (بني زمور) التي تستوطن السهول المجاورة للأطلس المتوسط. وقد ارتبطت هذه القبائل بأسطورة تأسيس الزاوية الشرقاوية نفسها، تتضمن مساهمة بني زمور إلى جانب بني (شكدال) و(السماعلة). تزوج الجد ورديغ ثلاث نساء، فخلف منهن ثلاثة أبناء وهم على التوالي:
- بحر كبير: وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الكبار، والتي تضم : (الكفاف، بني خلف، بئرمزوي، بولنوار)، وهذه المراكز وجدناها في طريقنا بين خريبكة ووادي زم وتحمل هذه الطريق رقم 312.
- بحر صغير، وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الصغار، والتي تضم : (أولاد عبدون المفاسيس – الفقراء – أولاد عزوز).
- السماء – أعلى (السماعلة) : وإليه تنسب قبائل السماعلة والتي تضم : (أولاد عيسى ، المعادنة – البراكسة ، أولاد فنان ،الطرش)، وهذه القبائل صادفناها في طريقنا نحو أولاد فتاتة، وتحمل رقم 401.
على هذا المنوال، تصبح قبائل (السماعلة) و(أولاد البحر الكبار) و (أولاد البحر الصغار) إخوة نسبة إلى أب واحد.
أما عن أسماء المدن والمراكز الحضرية والقروية أيضا التي مررنا منها في طريقنا، فبعضها يحمل أصولا أمازيغية واضحة منها مثلا: (واد زم) التي تفيد في الأصل: (واد إزم)، أي: وادي الأسد، أما الكفاف فهي الأخرى انزياح عن مفردة (أكفاف) التي تعني المكان الذي يقع بين هضبتين.
و من المراكز القروية التي مررنا في طريق عودتنا إلى بنسليمان والتي من اللازم الحديث عنها:
- أولاد البوغادي: تقع هذه القرية شمال واد زم بحوالي 33 كلم وينظم فيها سوق يوم الاثنين وتمثل مركز قبيلة بني خيران، ويسود في هذه المنطقة المناخ شبه الجاف، الذي يؤثر في نذرة الموارد سواء السطحية أو الجوفية، مما يجعل المردودية الفلاحية بالمنطقة دون المستوى المطلوب، وخاصة أن الفلاحة بورية تعتمد أساسا على التساقطات المطرية خلال فصل الشتاء.
- مركز آيت عمار:وفي طريق رجوعنا كان من اللازم التوقف لحظة من الزمن بآيت عمار التي تنتمي إلى قبائل بني خيران المتفرعة إلى:
ـ قبيلة أولاد فتاتة
ـ قبيلة لكناديز
قبيلة بوغادي
ناهيك عن آيت عمار التي كانت تسمى بالحيط الأحمر، وعند مجيء الفرنسيين حولوا الاسم إلى آيت عمار لما اكتشفوا منجما بالمنطقة، لقد توقفنا في منطقة آيت عمار، لأن هناك باعثا تاريخيا حرك وجداننا، بحيث أنه في زمن الاستعمار الفرنسي كانت منطقة آيت عمار تحتوي على خيرات باطنية و خارجية مثل(الفوسفاط، الرصاص، الحديد، الزنك، المنغنيز…)، كما شكلت منطقة آيت عمار نقطة جذب لليد العاملة من مختلف مناطق المغرب وخارجه، وتم ربط المنجم بالسكة الحديدية لنقل المواد الأولية إلى ميناء الدار البيضاء، أما اليوم فتعتبر منطقة آيت عمار منطقة طرد للسكان بالنظر إلى عدم توفر فرص الشغل، إذ لو استمر إستغلال المنجم المذكور إلى يومنا هذا لشيدت مدينة بحجم مدينة خريبكة، تلك المدينة التي لولا الفوسفاط لما كان لها وجود في خريطة المغرب، بالإضافة إلى ما ذكرنا كانت آيت عمار تتوفر على يد عاملة قوية تملك شروط الوعي الطبقي والنقابي وساهمت في المقاومة الشرسة لأبناء ورديغة ضد المستعمر الفرنسي، وبالضبط خلال انتفاضة غشت سنة 1953م.
وفي طريق عبورنا عبر هذه الربوع القصية من أرض ورديغة، كانت تحفنا ذكريات جميلة ملؤها الفخر بالماضي والحزن على مآلات الحاضر. وكلما نظرنا إلى الصخور السامقة في السماء والرعاة الراحلين السائحين والمعتزين بأنفسهم بين الفجاج والمسارب، لا يسعنا سوى أن نعتز بأنفسنا يوم مررنا مرات كثيرة من هذه الأرض الطيبة.

يتبع
في ذلك اليوم الصيفي المشمس، بمجرد ما أخذنا الطريق الإقليمية رقم 403 حتى غادرنا بلاد زعير وتوجهنا صوب بلاد الكناديز، يصل العلو على سطح البحر في هذه الربوع إلى 800 متر. وقبل الوصول إلى ثلاثاء الكناديز، كانت الحصيدات تنتشر على نطاق واسع و كان صوت الرعاة يأتي من بعيد. ومثل الكثير من المناطق المغربية، صار الكناديز بلا صبار الذي مرض ومات. تنتمي جماعة الكناديز إلى دائرة وادي زم وتبتعد عن هذه المدينة بحوالي 50 كلم، ومن بين دواوير الكناديز: الفنانشة، وأولاد الحاج، والطبة والدغاغية والرمل. وتمارس هذه الدواوير الفلاحة البورية وممارسة الرعي وسط أرض قاحلة تعاني من خصاص مائي، وبعد الوقوف برهة من الزمن للاستراحة في هذه الأرض، تركنا الكناديز على يسارنا وتوجهنا إلى العين الكحلة، بحيث انحدرنا 100 متر عن سطح البحر في نقطة العين الكحلة. وتنتشر في هذه الأرض الصخور الجرداء المترامية والأودية الجافة ونبات السدر. وهنا كنا دخلنا إلى أولاد عبدون وهي إحدى قبائل ورديغة التي ترجع إلى ورديغ.
ينتمي أولاد عبدون إلى قبائل ورديغة التي تمتد جذورها إلى شبه الجزيرة العربية، إذ يعود اسم (ورديغة) أو (ورديغ) -وفقا لما ذكره ابن خلدون الصفحة 1570 من كتاب العبر- إلى بني جابر المتفرعة عن القبيلة الهلالية التي استقرت حسب المؤرخ عبد الرحمان ابن خلدون بتامسنا” البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أواسط بلاد المغرب الأقصى وأقاموا بها أحياء حلولا، وافترقت شعوبهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبني جابر”.
والكلام نفسه يعضده المؤرخ الناصري بشكل أكثر تحديدا في الصفحتين 266 و 267 من كتابه ( الاستقصا) بحيث يقول أن ورديغة من بني جابر بن جشم، “إلا أنهم تحيزوا عن أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلا وما إليها يجاورون هنالك صناكة من البربر الساكنين بفتنة هضابه فيسهلون إلى البسيط تارة، ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى، إذا دهمتهم مخافة السلطان”.
ولا يفوته أن يشير مرة أخرى في الصفحة 268 من الكتاب نفسه (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى)، أن ورديغة من بني جابر وليسوا من جشم، وأنهم بطن من بطون “سدراته”، إحدى شعوب “لواته” من البربر، مستدلين على ذلك بموطنهم وجوارهم البربر،
هاجرت قبيلة ورديغة ببطونها المتعددة في القرن الثاني عشر الميلادي، بدعوة من السلطان الموحدي أبي يعقوب المنصور، الذي اختار لها الإقامة بسهول تادلا وورديغة المتاخمة لنهر أم الربيع والقريبة أيضا من جبال الأطلس المتوسط. ولا يزال إلى اليوم ضريح بالقرب من نهر أم الربيع وبالضبط في الطريق الوطنية رقم 11 بين حد برادية وبني ملال، ويعرف (بسيدي جابر) الشهير: ( بسيدي جابر مول الكنابر) والذي يرجح أنه الجد الأول لورديغة، فهو أب “لملال” (بني ملال) و “صالح” أب الفقيه الذي أطلق اسمه على مدينة (الفقيه بن صالح) وأب لورديغ الذي تفرعت عنه مجموعة ورديغة.
امتزجت قبائل ورديغة وتصاهرت مع قبائل أخرى من المغرب منها مثلا، (بني عمير) الهلالية و (بني زمور) التي تستوطن السهول المجاورة للأطلس المتوسط. وقد ارتبطت هذه القبائل بأسطورة تأسيس الزاوية الشرقاوية نفسها، تتضمن مساهمة بني زمور إلى جانب بني (شكدال) و(السماعلة). تزوج الجد ورديغ ثلاث نساء، فخلف منهن ثلاثة أبناء وهم على التوالي:
- بحر كبير: وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الكبار، والتي تضم : (الكفاف، بني خلف، بئرمزوي، بولنوار)، وهذه المراكز وجدناها في طريقنا بين خريبكة ووادي زم وتحمل هذه الطريق رقم 312.
- بحر صغير، وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الصغار، والتي تضم : (أولاد عبدون المفاسيس – الفقراء – أولاد عزوز).
- السماء – أعلى (السماعلة) : وإليه تنسب قبائل السماعلة والتي تضم : (أولاد عيسى ، المعادنة – البراكسة ، أولاد فنان ،الطرش)، وهذه القبائل صادفناها في طريقنا نحو أولاد فتاتة، وتحمل رقم 401.
على هذا المنوال، تصبح قبائل (السماعلة) و(أولاد البحر الكبار) و (أولاد البحر الصغار) إخوة نسبة إلى أب واحد.
أما عن أسماء المدن والمراكز الحضرية والقروية أيضا التي مررنا منها في طريقنا، فبعضها يحمل أصولا أمازيغية واضحة منها مثلا: (واد زم) التي تفيد في الأصل: (واد إزم)، أي: وادي الأسد، أما الكفاف فهي الأخرى انزياح عن مفردة (أكفاف) التي تعني المكان الذي يقع بين هضبتين.
و من المراكز القروية التي مررنا في طريق عودتنا إلى بنسليمان والتي من اللازم الحديث عنها:
- أولاد البوغادي: تقع هذه القرية شمال واد زم بحوالي 33 كلم وينظم فيها سوق يوم الاثنين وتمثل مركز قبيلة بني خيران، ويسود في هذه المنطقة المناخ شبه الجاف، الذي يؤثر في نذرة الموارد سواء السطحية أو الجوفية، مما يجعل المردودية الفلاحية بالمنطقة دون المستوى المطلوب، وخاصة أن الفلاحة بورية تعتمد أساسا على التساقطات المطرية خلال فصل الشتاء.
- مركز آيت عمار:وفي طريق رجوعنا كان من اللازم التوقف لحظة من الزمن بآيت عمار التي تنتمي إلى قبائل بني خيران المتفرعة إلى:
ـ قبيلة أولاد فتاتة
ـ قبيلة لكناديز
قبيلة بوغادي
ناهيك عن آيت عمار التي كانت تسمى بالحيط الأحمر، وعند مجيء الفرنسيين حولوا الاسم إلى آيت عمار لما اكتشفوا منجما بالمنطقة، لقد توقفنا في منطقة آيت عمار، لأن هناك باعثا تاريخيا حرك وجداننا، بحيث أنه في زمن الاستعمار الفرنسي كانت منطقة آيت عمار تحتوي على خيرات باطنية و خارجية مثل(الفوسفاط، الرصاص، الحديد، الزنك، المنغنيز…)، كما شكلت منطقة آيت عمار نقطة جذب لليد العاملة من مختلف مناطق المغرب وخارجه، وتم ربط المنجم بالسكة الحديدية لنقل المواد الأولية إلى ميناء الدار البيضاء، أما اليوم فتعتبر منطقة آيت عمار منطقة طرد للسكان بالنظر إلى عدم توفر فرص الشغل، إذ لو استمر إستغلال المنجم المذكور إلى يومنا هذا لشيدت مدينة بحجم مدينة خريبكة، تلك المدينة التي لولا الفوسفاط لما كان لها وجود في خريطة المغرب، بالإضافة إلى ما ذكرنا كانت آيت عمار تتوفر على يد عاملة قوية تملك شروط الوعي الطبقي والنقابي وساهمت في المقاومة الشرسة لأبناء ورديغة ضد المستعمر الفرنسي، وبالضبط خلال انتفاضة غشت سنة 1953م.
وفي طريق عبورنا عبر هذه الربوع القصية من أرض ورديغة، كانت تحفنا ذكريات جميلة ملؤها الفخر بالماضي والحزن على مآلات الحاضر. وكلما نظرنا إلى الصخور السامقة في السماء والرعاة الراحلين السائحين والمعتزين بأنفسهم بين الفجاج والمسارب، لا يسعنا سوى أن نعتز بأنفسنا يوم مررنا مرات كثيرة من هذه الأرض الطيبة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟