الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الجامعات العراقية .. مؤهلة حقا للإستقلالية.؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 7 / 8
التربية والتعليم والبحث العلمي


تناولنا موضوع إستقلالية الجامعات في عدد الحوار المتمدن ذي الرقم (5589) الصادر في الثالث والعشرين من شهر تموز عام 2017,عندما قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية, بمنح بعض الصلاحيات ( المستحقة أصلا بموجب قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ) , لرؤساء الجامعات بدعوى منح الجامعات إستقلاليتها , متخذة حينها من الجامعة التكنولوجية إنموذجا لهذه الإستقلالية , بمنحها صلاحية قبول الطلبة من قبلها مباشرة. بينما كانت جامعات بغداد والموصل والبصرة عند تأسيسها تدير كافة شؤونها العلمية والتربوية والإدارية والمالية بما فيها قبول الطلبة وبرامجها الدراسية, بموجب قوانينها الخاصة دون أية مداخلات خارجية, حيث ألغيت هذه القوانين عند تشكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 1970.وكانت هناك درجة عالية من التنسيق بين هذه الجامعات من خلال ما كان يعرف بالمجلس الأعلى للجامعات , الذي ألغي هو الآخر بإستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي أصبحت بمرور الزمن الأمر الناهي بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي, حيث جعلت الجامعات العراقية وكأنها جامعة واحدة ذات فروع متعددة في مناطق العراق المختلفة.
واليوم يعود الحديث ثانية عن موضوع إستقلالية الجامعات, وكأنه مفتاح الحل السحري وطوق النجاة ,لإنتشال الجامعات العراقية من وضعها السيئ الذي هي فيه الآن , بحيث أصبحت خارج معايير جودة التعليم العالي العالمية , نتيجة السياسات الخاطئة التي إنتهجتها القيادات المتعاقبة على إدارتها, منذ غزو العراق وإحتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا , على الرغم من توفر الموارد المالية والبشرية والآفاق الواسعة المتاحة لها , للتعاون مع أرقى الجامعات العالمية وأكثرها رصانة , بخلاف ما كان عليه حال الجامعات في ظروف الحصار الظالم الشامل الذي طال كل شيئ وحرم الجامعات والمؤسسات التعليمية من أبسط مستلزماتها , ناهيك عن هجرة آلاف التدريسيين من ملاكاتها . وبرغم كل ذلك لم تنحدر الجامعات إلى هذا الوضع المشين , بل واصلت مسيرتها بثبات وهي مثخنة الجراح ,حيث حققت نجاحات مميزة, لعل أبرزها توطيد الترابط بينها وبين حقل العمل وتلبية حاجاته من الكوادر العلمية والتقنية وإجراء البحوث والدراسات التي أسهمت بفاعلية بحل الكثير من المعضلات التي كانت تواجهها المؤسسات الإنتاجية الصناعية والزراعية , لا نرى مجالا الآن للحديث عنها أكثر.
نعود لموضوع إستقلالية الجامعات , ونقول يتوهم من يعتقد أن منح الجامعات بعض الصلاحيات أو توسيع صلاحياتها يعني أستقلالها إطلاقا, لاسيما أن أغلب إن لم يكن جميع رؤوساء الجامعات وعمداء الكليات يشغلون مناصبهم وكالة , بدعم ورعاية جماعات دينية وسياسية مختلفة ,مما يعني عدم إستيفائهم المتطلبات القانونية لتوليهم هذه المناصب , وكان الأجدر معالجة هذه الحالة الشاذة في الإدارة الجامعية التي مضى عليها وقت طويل ,والتي يبدو أنها باتت مستعصية بسبب نظام المحاصصة المقيت , وبذلك يصبح الحديث عن إستقلالية الجامعات في الظروف السائدة حاليا ضربا من الخيال.ولا نعتقد أن بالإمكان إصلاح التعليم الجامعي في العراق , بمعزل عن إصلاح مجمل أوضاعه السياسية والثقافية والإجتماعية أبدا .
وعلى أية حال نقول أن موضوع إستقلالية الجامعات,يتطلب تحقيق ثمة شروط ذاتية وموضوعية قبل الحديث عنه , فالإستقلالية لا تتحقق بالتمنيات وكتابة المقالات على ما لها من أهمية بخلق الوعي ونشره ولفت إنتباه من يعنيهم الأمر, لإتخاذ ما يلزم للشروع به في أقرب فرصة سانحة . ندرج هنا بعضا من هذه الشروط :
1. تهيئة البيئة الجامعية المادية والبشرية التي تمكن الجامعات من ممارسة وظائفها الأساسية في التربية والتعليم وإعداد الكوادر المؤهلة التي يحتاجها سوق العمل طبقا لمعايير الجودة والرصانة العلمية المتعارف عليها دوليا , وإجراء البحوث العلمية لإثراء المعرفة ونشرها وتوظيفها لمصلحة مجتمعاتها وتحقيق التنمية المعرفية المستدامة وخدمة المجتمع .
2. أبعاد الجامعات عن كل أشكال المناكفات السياسية والصراعات الدينية والطائفية والأثنية , فالجامعات مستودعات فكرية حرة , وحرم آمن ينبغي أن يمارس فيه الباحثون والأكاديميون أعمالهم العلمية بكل حرية وطمانينة ودون خوف أو وجل, بحدود الحريات الأكاديمية المتعارف عليها في الأوساط الجامعية .
3.تحديد شروط ومواصفات أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات بدقة وعدم السماح بتجاوزها لأي سبب من الأسباب, ذلك أن التدريسيين الجامعيين إنما يمثلون صفوة العقول النيرة الذين تستنير بهم بلدانهم , ويتوهم من يعتقد أن كل حامل شهادة دكتوراه يصلح بالضرورة أن يكون عضو هيئة تدريسية جامعية. ويفضل حصر التعينات في الجامعات بالخريجين الأوائل على أقسامهم ,كما كان معمول به سنوات طويلة عند تأسيس الكليات والجامعات في العراق , وإبتعاثهم فيما بعد للحصول على شهادات الدكتوراه بتخصصاتهم , ومن ثمة تدرجهم العلمي بموجب نظام الترقيات العلمية الخاص بهم دون سواهم.
4. الإلتزام الدقيق بشروط تعيين ومواصفات شاغلي الوظائف القيادية في الجامعات , رؤساء الأقسام العلمية ومدراء المراكز البحثية وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات ومساعديهم , ومراعاة التسلسل الوظيفي والقدم والنتاج الجامعي بشقيه الأكاديمي والإداري. ونقترح أن يكون التعيين وفق الآتي :
أ. يتم إختيار رئيس القسم العلمي بالإقتراع السري من قبل تدريسيي القسم , لمن يرغب بإشغال هذا المنصب وتتوفر فيه شروط ومواصفات رئيس القسم العلمي المحددة قانونا , ومصادقة مجلس الكلية.
ب. يتم إختيار عميد الكلية بالإقتراع السري , لمن يرغب بإشغال هذا المنصب ممن تتوفر فيه شروط ومواصفات عميد الكلية المحددة قانونا ,من قبل رؤساء الأقسام العلمية وتدريسيي الكلية من حملة لقب أستاذ مساعد فما فوق , ومصادقة مجلس الجامعة.
ج. يتم إختيار رئيس الجامعة بالإقتراع السري , لمن يرغب بإشغال هذا المنصب ممن تتوفر فيه شروط ومواصفات رئيس الجامعة المحددة قانونا , من قبل عمداء الكليات وتدريسيي الجامعة من حملة لقب الأستاذية حصرا , ومصادقة مجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
د. لا يجوز إشغال هذه المواقع وكالة لمدة أكثر من ثلاثة أشهر , ولا يحق لهم المشاركة بالإقتراع على إشغال إحدى الوظائف القيادية ما لم تتوفر فيهم الشروط المذكورة آنفا .
5. تأمين الإستقلال المالي للجامعة وحرية الصرف بموجب التعليمات والقوانين المالية السارية في البلد.
6. تسري هذه التعليمات على الكليات والجامعات الأهلية والحكومية على حد سواء.
وإذا ما تحققت هذه الشروط يصبح الحديث عن إستقلالية الجامعات , حديثا ذا معنى , وبخلافه يصبح الحديث في هذا الموضوع , حديثا عبثيا لا قيمة له. إذ لا يمكن لجامعة تسودها الفوضى وينعدم فيها الأمن والآمان , وينخرها الفساد وتباع وتشترى فيها الشهادات الجامعية , ويتسلط عليها الأفاكون والفاسدون والجهلة الأميون الذين لا يفقهون من العلم والتعليم شيئا , ويتخذون منها مظهرا للوجاهة الزائفة , أن تكون قادرة بذاتها على إدارة شؤونها بإستقلالية مهنية وأكاديمية بعيدا عن المساءلة المجتمعية,وتؤمن تخريج ملاكات علمية أمينة ونزيهة , قادرة على خدمة مجتمعاتها , وهي منغمسة ذاتها بوحل الفساد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع