الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الإلهة إنانا إلى العالم السفلي

عضيد جواد الخميسي

2021 / 7 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نزول إنانا الى العالم السفلي ؛ هي قصيدة سومرية يعود تاريخها إلى عام ( 1900-1600 ق.م) . حيث تؤرخ قصة "إنانا" ملكة السماء و الإلهة العظيمة في رحلتها من السماء إلى الأرض ، وصولاً إلى العالم السفلي أو عالم الأموات ؛ وذلك في زيارة لأختها الأرملة " إريشكيگال " ملكة الموت . تبدأ القصيدة بمقطعها المشهور :
من السماء الشاسعة ؛ هي سمعت الأرض الواسعة
من السماء الشاسعة ؛ الإلهة سَمعت الأرض الواسعة
من السماء الشاسعة ؛ إنانا سَمعت الأرض الواسعة
(و ولكستين - كريمر ص 52)

ثم تستمر القصيدة في وصف نزول إنانا إلى العالم السفلي مصطحبة معها خادمتها ومستشارتها المخلصة والأمينة " نينشوبور "، في جزء من رحلتها إلى الأرض .

ملخّص القصة
ترتدي إنانا أجمل ثيابها وتضع تاج السماء فوق رأسها ، والقلادة حول رقبتها ، و تلبس رداءها المرّصع بالجواهر، و خاتمها الذهبي ، ومن ثمّ تحمل صولجانها ، وعصا القوّة في يدها .
قبل دخولها عالم الأموات ؛ تعطي إنانا إرشاداتها إلى خادمتها نينشوبور ، وتشرح لها سبل مساعدتها إن فشلت في العودة مثلما كان متوقعاً . وعند وصولها إلى أبواب العالم السفلي ؛ تطرق إنانا بصوت عال طالبة الدخول .
يسألها "نيتى" قائد الحرس : من تكون ؟، تجيب إنانا :" أنا إنانا ، ملكة السماء". يسألها نيتي مرة أخرى : لماذا ترغبين في الدخول ؟"هذا المكان لا يعود منه ، كل من قدِمَ إليه ". أجابت إنانا :
بسبب أختي الكبرى إريشكيگال
مات زوجها گوگولانا ؛ ثور السماء ، وجئت لأعزّي
وأحضر طقوس الجنازة
( و ولكستين ـ كريمر ص 55)

طلب منها نيتي في البقاء حيث هي ، ريثما يذهب للتحدث مع إريشكيگال .
عندما نقل نيتي الأخبار إلى إرشگيگال ، من أن أختها إنانا تنتظر عند الأبواب ، كان ردّ فعل ملكة الموت قد بداغريباً :
" لقد ضربت فخذيها ، وعضت شفتيها . و حملت الأمر في قلبها وأقفلت عليه " (و ولكستين و كريمر ص 56) .
لا يبدو أن إريشكيگال كانت مسرورة لسماع خبر حضور أختها عند البوابة ، وتجلّى استيائها أكثر ؛ عندما تخبر نيتي في اغلاق البوابات السبع للعالم السفلي بوجه إنانا ، على أن يسمح لها في الدخول لبوّابة واحدة في كل مرة ، ويطلب منها إزالة واحدة من كسوتها الملكية عند كل بوابة . فعل نيتي كما أمرت به إريشكيگال . عند كل واحدة من البوابات السبعة ، تجردت إنانا من تاجها ، قلادتها ، خاتمها ، صولجانها ، وحتى ملابسها ، وعندما سألت إنانا ؛ نيتي : لماذا هذه الإهانة ؟ أخبرها :
الهدوء ؛إنانا ؛ سُبل العالم السفلي مُحكمة
لا يجب التشكيك فيها
( و ولكستين ـ كريمر ص 58 ـ 60)

تدخل إنانا قاعة عرش أختها إريشكيگال "عارية مطأطأة الرأس " ، وتتوجه في سيرها نحو كرسي العرش ، فجأة :
حاصرها آنونا ، قضاة العالم السفلي
وأصدروا حكماً ضدّها
ثم رمت إريشكيگال على إنانا ، "عين الموت "
والتي أصدرت ضدها عقوبة الآلهة
"كلمة الغضب"
تلفّظت بها ، "صرخة الذنب "
ضربتها
تحولت إنانا إلى جثة هامدة
قطعة من اللحم المتعفن
وعلّقت بخطّاف على الحائط

(و ولكستين ـ كريمر ص 60)

بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال وخادمتها في الانتظار، تتبع نينشوبور الأوامر التي أعطتها إياها إنانا ، وتذهب إلى الإله "إنكي " والد إنانا للحصول على المساعدة ، فيخصص اثنين من الـ "گالا ( عفاريت شرسة وشريرة ) ، واثنين من العفاريت الخنثية ، لمساعدتها في إعادة إنانا إلى الأرض . تدخل الـ (گالا ) إلى العالم السفلي "مثل الذباب" ، اتباعاً لتعليمات إنكي الصارمة ، حتى أصبحوا قريبين جداً من إريشكيگال . وكما يبدو ان ملكة الموت كانت في محنة :
لم يكن هناك أردية كافية تغطي جسدها
كاشفة عن ثدييها
شعرها ملفوف حول رأسها مثل الحشيش
( و ولكستين ـ كريمر ص 66)

بعد ذلك ، تستمر القصيدة في وصف ملكة الموت (إريشكيگال ) التي كانت تعاني من آلام المخاض . تتعاطف الـ (گالا) مع معاناة الملكة ، وهي على استعداد ان تقدم لها أية هدية تطلبها ، وبكل ممنونية .
حسب أوامر وخطة الإله إنكي ، كان مطلبهم من إريشكيگال :
"نتمنى لو تعطينا فقط الجثة التي تتدلى من الخطاف على الحائط" ( و ولكستين ـ كريمر ص 67) .
لبّت إريشكيگال رغبتهم ، ثم قام جميع الـ (گالا) باحياء إنانا ملكة السماء من الموت ، بعد أن قدموا لها طعام وماء الحياة .

كما في أسطورة "ديميتر و پيرسيفون" اليونانية ؛ فالذي وطأت قدمه عالم الأموات لا يمكن مبارحته بسهولة. وبالتالي يجب العثور على شخص بديل لإنانا يقيم في العالم السفلي . بسبب ذلك ؛ فإن عفاريت گالا التابعة الى العالم السفلي ، قد رافقت إنانا إلى سطح الأرض للمطالبة ببديلها .
في بادىء الأمر حاول العفاريت مع "نينشوبور" خادمة إنانا ، ثم مع أبناء إنانا ، "شارا" ، و"لولال" ، وأيضاً مع مساعدتها في التجميل " كارا" . لكن إنانا منعت الـ ( الگالا) الإقتراب منهم ، لأنهم كانوا يرتدون ثياب الحزن ، وهم في حداد على موتها الظاهر .

عندما استنجدت إنانا بعشيقها "دوموزي" ، وإذا به "يرتدي ملابسه الزاهية ، بكامل حلّته الجميلة ، جالساً على عرشه المهيب " ، شعرت إنانا بالغضب منه ، لأنه كان على عكس الآخرين ، فهو لم يكن مهتماً لأمرها ، كما لم يحزن عليها ، عندئذ أمرت إنانا العفاريت في القبض عليه.
ناشد دوموزي إله الشمس "أوتو" وطلب مساعدته ، ثمّ تحوّل إلى ثعبان في محاولة الهروب ، لكن بعد المطاردة قُبض عليه ، وُنقل إلى العالم السفلي . عند ذاك تطوعت أخت دوموزي " گيشتنانا " لتحلّ محل أخيها ، فتقرر أن يقضي دوموزي نصف السنة في العالم السفلي ، و گيشتنانا في النصف الثاني منه. كما هو الحال مع أسطورة "ديميتر وپيرسيفون " ؛ عندما تم تفسير حصول الفصول الأربعة .
ولكن لماذا علينا أن نستعين بأسطورة طويلة وعريضة ، لمجرّد التبرير في تغير المواسم؟!!

التفسير الحديث
أتاحت تلك القطعة الشعرية للكتّاب والقرّاء المعاصرين ؛ كمّاً هائلاً من التفاسير لاستنباط معانيها . فأخذ هؤلاء الكتّاب يطبقون مفاهيم نفسية وعلى وجه التحديد " النظرية اليونغية ـ كارل يونغ " ( دمج الوعي و اللاوعي في علم النفس التحليلي Analytical psychology ) لاستيعاب معاني القصيدة ؛ باعتبارها أسطورة نموذجية عن الرحلة التي يجب على كل شخص القيام بها للوصول إلى درجة الكمال .
إنانا في هذه القصيدة الشعرية ، كما يقول التفسير النفسي ؛ ليست " شخصية كاملة حتى أنها تبدو ضعيفة لتموت قبل " نصفها المظلم ، ومن ثم تعود إلى الحياة مرة أخرى .
في نهاية القصيدة يؤكد هذا التفسير ؛ من ان إنانا خلال نزولها إلى العالم السفلي ؛ تخلّت عن جميع أفكارها السابقة ، وأصبحت في مواجهة مع "ذاتها ، من وفاتها وحتى ولادتها من جديد . إنانا الآن كاملة ومدركة تماماً لما يدور من حولها بسبب تلك التجربة .
الكتّاب الذين قاموا بترويج تلك المفاهيم كثيرون ، لدرجة أن تسميتهم ليس له معنى . أي قارئ لذلك العمل الأدبي القديم (رحلة إنانا إلى عالم الأموات) ، سوف يدرك هذا التفسير بسرعة !
ساعدت الأمثلة النموذجية لـ "كارل يونغ " وأدواته التنويرية في فهم الأساطير القديمة لدى القرّاء المعاصرين (لا سيمّا من خلال مؤلفات جوزيف كامبل- كاتب ومؤرخ يهودي متزمت وطروحاته غير منطقية ) ، . وإذا كان هناك اتفاق أو تباين ؛ يجب أن يُراعى في تفسير النصوص : الالتزام الدائم بمحتوى النص نفسه ؛ ومعرفة تفسير الكلمات الموجودة في النص ؛ وترتيب تلك الكلمات ؛ وطريقة التوصيف والحوار . ومهما كانت وجهة النظر اليونغية الحديثة لـ ( نزول إنانا ) ، مثيرة للاهتمام ومتنورة ؛ إلاّ أن النصّ لا يثبتها !!
من بين الأخطاء الفادحة الأخرى في تفسير النصّ وفق تلك النظرية ؛ لا يضع في اعتباره السطور الأخيرة من القصيدة ، وهو يتجاهلها تماماً ؛ في حين لها أهمية بالغة في العمل الأدبي لتقييم شخصية إنانا المتناقضة ، وذلك عندما تكيل المديح إلى" إريشكيگال " ، وليس لـ "إنانا " :
إريشكيگال المقدّسة ! عظيمة هي شهرتك !
إريشكيگال المقدّسة ! أنا أنشد للثناء عليك !
(و ولكستين ـ كريمر ص89)

القصيدة تنص بوضوح على نيّة إنانا في رحلتها إلى العالم السفلي ؛ لحضور مراسم جنازة زوج شقيقتها . تلك الزيارة الخاصة الغير المرغوب بها والتي أثارت استياء شقيقتها إريشكيگال ؛ كانت سبباً في صدور حكم الموت بحقها، ومن ثمّ قتلها من قبل شقيقتها بنفسها ؛ من خلال "كلمة الغضب" ، و "صرخة الذنب" ، و "الضربة " المميتة . بعد ذلك يتم تعليق إنانا على خطاّف ، و وصفت بأنها " قطعة من اللحم المتعفن". تستمر القصة بسرد التفاصيل عن كيفية إنقاذ إنانا من قبل والدها الإله إنكي ، و كيف زُجَّ شخصان ، " دوموزي وگيشتينانا "في الأحداث ، والاثنان لم يكن لهما أي علاقة بقرار رحلتها الى العالم السفلي ، فينتهي الأمر بهما بدفع الثمن غالياً .

إذا كان القارئ على دراية بملحمة گلگامش السومرية ( 2150-1400 ق.م) ، فإن معرفة دور إنانا يمكن فهمه بسهولة أكبر في سياق وثقافة بلاد الرافدين القديمة .
في تلك الملحمة ؛ بعد أن قَتل بطلاها " گلگامش وإنكيدو " ؛ الوحش "همبابا " في غابة الأرز ؛ فإن شهرتهما قد أصبحت واسعة .
بعد ان نظّف گلگامش جسده واغتسل ، وارتدى ملابسه الملكية ، جذب انتباه إنانا ( في الملحمة عُرفت باسمها الأكدي / البابلي ـ عشتار ) . هنا تحاول إنانا إغواء گلگامش ليصبح عشيقها ، فهي وعدته بكل الأشياء الجميلة ؛ لكن گلگامش نفرها ؛ مستشهداً بالعديد من عشاقها السابقين والذين تخلصت منهم الواحد تلو الآخر ، لأنهم لم يعودوا مهتمين بها ، و ماتوا جميعهم في نهايات سيئة. إذ قال لها :
" لقد وجَدكِ عشّاقكِ وكأنكِ نحاساً يشتعل في البرد ، وباب خلفي لا يمنع صراخ الرياح ولا العاصفة ، والقلعة التي تسحق الحامية ، والقار الذي يُسوّد حامله ، و قشرة الماء التي تخدش ناقلها . " (ساندرز ص 85)
بعد ان واجه إنانا بمقدار البؤس الذي عانوه عشّاقها على يديها ، اختتم گلگامش قائلاً:
"وإذا أنا وأنت صرنا حبيبين ، ألا يجب أن أخدمك بنفس الطريقة التي خدمك بها جميع أولئك الذين أحببتيهم قبلي ؟ " (ساندرز ص-87) .
عند سماع إنانا هذا الكلام ؛ تقع في "غضب مرير" ، وتناشد والدها الإله "أنو" (كما فعلت نينشوبور مع إنكي في قصة النزول) مع البكاء والنحيب ؛ بسبب الإهانة التي وجهها گلگامش اليها . كانت إجابة أنو لإنانا : أنها لم تحصل إلا على ما تستحقه ، وذلك بسبب "سلوكها البغيض"(ساندرز، ص 87).

إنانا التي لم تكن تهدأ بأي حال من الأحوال ؛ قد طالبت والدها في أن يبعث ثور السماء " گوگولانا " زوج شقيقتها الكبرى " إريشكيگال " الى الأرض، كي ينتقم لها من گلگامش . ثم أخذت تهدده في حال لم يُلبى طلبها هذا ؛ بأنها ستلجأ الى كسر أبواب العالم السفلي لتبقيها مفتوحة .
"سيكون هناك ارتباك وفوضى بين الناس الذين هم فوق الأرض ، ومن هم في أعماقها السفلية. سأقيم الموتى ليأكلون طعامهم مثل الأحياء ؛ حينئذ ستكون أعداد الموتى تفوق أعداد الأحياء ”(ساندرز ،ص 87) .
وافق أنو في أن يبعث لها ثور السماء إلى مدينة أوروك لتحطيم گلگامش . "ينفخ ثور السماء في الأرض ؛ فتتشقق ؛ وتبتلع مائة من الرجال الشباب حتى الموت. مع النفخة الثانية ؛ تشققت الأرض فابتلعت مائتين من الرجال الشباب حتى الموت ”(ساندرز ،ص 88).
ثم انضمّ كل من گلگامش ، وصديقه إنكيدو إلى المعركة مع ثور السماء فيقتلانه . أظهرت إنانا شدة غضبها من على أسوار أوروك ، مما دفع إنكيدو إلى قطع فخذ ثور السماء الأيمن وإلقائه بها .
"هذا التجاوز من جانب بشر لا يمكن أن تتقبله الآلهة أبداً ، وكان قرارهم ؛ أن إنكيدو يجب أن يموت؛ كي لا يعتدّ أي من البشر بنفسه أكثر مما ينبغي . بعد أيام معدودات ؛ أُصيب إنكيدو بمرض ، ومن ثم مات ." (ساندرز ص 88-95).

تفسير أوضح
إنانا التي لم تُظهر أي اعتبار لمشاعر أختها ، ولا اهتمامها بالثلاثمائة شاب بريء الذين قتلوا بسبب نزواتها ؛ عندما قررت أن تحضر جنازة زوج شقيقتها ، والتي هي كانت المسؤولة عن وفاته .
بمجرد أن يدرك القارئ ؛ من أن إنانا كانت سبباً في وفاة زوج شقيقتها إريشكيگال ؛ فإن ردّة فعل ملكة الموت عند سماع وصولها على أبواب مملكتها ؛ أمر مفهوم للغاية.
قرار القضاة بحق إنانا ، وموتها على أيدي إريشكيگال ، و"كلمة الغضب" ، و "صرخة الذنب" ؛ كانت ردود فعل منطقية للغاية .
في ظل هذا السياق ؛ حيث واجهت إريشكيگال بشكل مباشر؛ الشخص المسؤول عن حزنها العميق ، والذي زاد من شدته ؛ هو حملها وولادتها الوشيكة لطفل ليس لديه أب .
كما هو الحال في ملحمة گلگامش ؛ فإن إنانا كانت قادرة على التلاعب بشخص مثل والدها الإله " أنو " في الحصول على ما تريد ، و بسبب انانيتها وغرورها ؛ مات زوج شقيقتها ثور السماء ، وإنكيدو صديق كلكامش ومعه ثلاثمائة شاب . علاوة على ازدراء عشيقها دوموزي وشقيقته گيشتنانا وتقييد حريتهما ، بينما هي عادت إلى الحياة ، وكأن شيء لم يحدث !.

هذه الحكاية من الأدب الرافديني ؛ عندما يسمعها شخص من الماضي القديم ؛ قد تأخذه بعيداً في معانيها "رحلة رمزية للذات في البحث عن الكمال ، وهي الدرس القائل "بأن هناك عواقب وخيمة لكل ما يفعله المرء"، وإن ذلك قد يتم عزاؤه ؛ بسبب أشياء سيئة قد تحصل مع الآلهة وكهنتهم ، والنتيجة تنعكس على البشر بسرعة .. وقد يردد هذا الشخص متسائلاً ؛ لماذا يجب أن يكون مصير البشر بائساً على الدوام ؟؟
في بلاد الرافدين القديمة ؛اعتبر البشر أنفسهم شركاء مع الآلهة في تنظيم شؤون الحياة ، وأن الآلهة يعيشون في وسطهم . حيث كان سكن إنانا في مدينة أوروك ، وإنكي في أريدو ، وهكذا بقية الآلهة . لم تكن الآلهة كائنات بعيدة ؛ بل إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع الحياة اليومية لأهل الأرض ، وما يؤثر على الإله سيؤثر حتماً على هؤلاء الناس وبشكل مباشر . فقد كانت الفكرة القديمة عن الآلهة أنهم يتباينون في المقاصد تجاه البشر ، فلو أن أحد الآلهة كانت نواياه حسنة مع البشر، إلاّ أن إلهاً آخر؛ يمكن أن يحبط أي أمل يتمناه الانسان .
هناك إشادة صريحة بـ "إريشكيگال " في نهاية الملحمة الشعرية ؛ بسبب سعيها إلى العدالة في قتل إنانا . إذ لا يمكن إنكار حقيقة العدالة مهماً كان ؛ حتى لإلهة مثل إريشكيگال صاحبة السلطة العليا في عالم الأموات ، وهذا من شأنه قد يخفف من وجع الظلم اليومي ، وخيبات الأمل التي يتعرض لها الناس عند سماعهم لتلك القصة .

رحلة إنانا الى العالم السفلي ؛ هي قصة أحد الآلهة كان يتصرف بشكل سيء . أمّا الآلهة الأخرى ومعهم البشر ، قد عانوا من هذا السلوك الخاطئ . لذا فإن هذه القصة قد نقلت نفس المفاهيم القديمة من المتلّقي في العالم القديم إلى الإنسان في عالمنا الحديث .
على سبيل المثال ؛ متى ما حصل حادث مأساوي ناجم عن إهمال شخص ما ، أو بسبب تصرّف مسيء له ؛ فإنه كثير من الأحيان يكون القضاء والقدر حاضراً . عند ذاك ؛ ستكون الحياة قاسية جداً ، وغير عادلة أبداً ! .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جيرمي بلاك ـ الأدب السومري القديم ـ مطبعة جامعة أكسفورد ـ 2006 .
صموئيل نوح كريمر ـ السومريون : تاريخ ، ثقافة ، شخصية ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 1971 .
جويندولين ليك ـ اختراع المدن في بلاد الرافدين ـ بنجين للكتاب ـ 2003 .
دايان و ولكستين ـ صموئيل نوح كريمر ـ إنانا ملكة السماء والأرض ـ هارب بيرنيال للنشر ـ 1983 .
نانسي ساندرز ـ ملحمة گلگامش ـ بنجين كلاسيك ـ 2003 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل