الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يهدد طغيان الأغلبية و توحشها الديمقراطية التونسية !

إقبال الغربي

2021 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- هل يسمح للأغلبية أن تفعل ما تشاء ؟
- هل يمكن للأغلبية أن تستخدم الشرعية الانتخابية لخدمة مصالحها على حساب الأقلية ؟
- هل يمكن للأغلبية التي تملك "الشرعية الانتخابية " محو تاريخ البلاد وحداثتها ومنجزاتها و تخريب مجلة الأحوال الشخصية و العودة إلى تعدد الزوجات و زواج الأطفال و أسواق النخاسة مثلا ؟
- هل يمكن منع أغلبية ، جاءت للسلطة عبر وسائل مشروعة من انتهاك حقوق الآخرين من دون أن نتنكر للديمقراطية ؟
تعني الديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وهي نظام سياسي يكون للشعب فيه حق المشاركة في إصدار القوانين والأحكام في ما يتعلق بالأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياتهم. ويمكن تقسيمها عموما إلى نوعين:
- الديمقراطية المباشرة
- الديمقراطية التمثيلية/النيابية
تبين بعد الانتخابات الأخيرة في تونس أن الأغلبية البرلمانية الشرعية همها الوحيد اليوم ،في ضل الأزمات الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تمر بها البلاد ،هو المحافظة على مكاسبها و ومواقعها و الحماية المتبادلة بين مختلف أطرافها و مكوناتها .
كما تبين أيضا أن البرلمان التونسي بأغلبيته الحالية و الشرعية بات فضاءا متوحشا غير امن للأقليات و للمرأة خصوصا استشرى فيه العنف و تنتهك فيه الحقوق الأساسية و الحرمات الجسدية إذ تتعمد الكتل النيابية الحاكمة و المتغولة توفير الحماية السياسية و الحصانة القانونية للمعتدين و للجلادين .
.
و ينتج هذا المشهد البرلماني السريالي و المشين شعورًا بهشاشة الديمقراطية الناشئة في أوطاننا، وبإمكانية تَحوُّلها إلى استبداد ناعم قائم على الوصم والإقصاء، خاصة في مجتمعات لا تزال غير مستوعِبة للفرْدَنة والتفرد، وغير قادرة على القطع مع ثقافة تمييزية نشأت عليها واستبطنَتها.
إن الهدف من النظام الديمقراطي هو حل النزاعات وإدارة المصالح توافُقيًّا، والتداول على السلطة سلميًّا، عبْر الانتخابات التي تُفرز أغلبية وأقلية، مع العلم أن أقلية اليوم يجب توفر لها كل الإمكانيات لتكون يوما ما أغلبية . وتجدر الملاحظة هنا أن الانتخابات هي مجرد إجراء تِقْني، وليست قيمة في حد ذاتها. لماذا؟ لأن التاريخ علَّمَنا أن الانتخابات بوصفها إجراءً ديمقراطيًّا، قد أفرزَت نقيض الديمقراطية، وخيْر دليل على ذلك صعود هتلر إلى السلطة. ولذلك، لا بد من إيجاد حدود و محاذير للديمقراطية حتى لا تتحول إلى فاشية، أو تنزلق إلى ما سمَّاه "توكفيل" و"جون لوك" و"جون ستيوارت ميل": "طغيان الأغلبية" وهو أهم تهديد يواجه الديمقراطية.
وهذا يعني أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون مجرد وسيلة أو أداة للوصول إلى الحكم، فالسلطة لا تعني
التمدد وتوسيع دوائر الولاء والسيطرة بإفراغ الدساتير من محتواها وفلسفتها وتوظيف إمكانيات الدولة ووضع شبكة من الموالين في مختلف أجهزتها و مفاصلها لا لتحقيق الصالح العام بل لتوسيع دائم و مستمر لإخطبوط التسلط و النفوذ.
وفي هذا السياق لا يمكن للديمقراطية أن تكون شكلية. فمضمونها الفلسفي والأخلاقي تَحرُّري بامتياز، وهو قائم على معيارية الإنسان وسلطان العقل والحقوق الطبيعية للفرد. ومِن ثَمّ، فالانخراط في المنطق الديمقراطي يترتب عليه العديد من الالتزامات القانونية والأخلاقية ، إذ الديمقراطية تُجسِّد قيمًا إنسانية راقية، مثل: قبول وجود الآخر المختلف‏،‏ ونسبية الحقيقة،‏ واحترام الأغلبية للأقلية، والسماح بحريات الاعتقاد والتعبير والاختلاف‏.‏
في عالمنا هذا، لا يمكن مثلًا للفريق الغالب أن يستعمل نفوذه لانتهاك حقوق المواطنين/ات، أو أن يتخذ قرارًا يُلغي الانتخابات، أو أن يُحرِّم الإضرابات العمالية، أو أن يَسنّ قوانين شاذة تَقهر الأقليات الإثنية أو الدينية. لماذا؟ لأن لِسيادة الإرادة العامة حدودًا وخطوطًا حُمْرًا، تتمثل بحقوق الإنسان المؤسَّسة أخلاقيًّا. وهنا، يكمن التناغم و التماسك الداخلي بين السيادة الشعبية من جهة، وحقوق الإنسان من جهة أخرى، لأن ذلك هو الأمر الذي سيَنتج منه بِناء العَقد الاجتماعي السليم والدائم.
إذًا، الديمقراطية وحقوق الإنسان، هما متلازمتان كوجه الورقة وقفاها، بل إن احترام هذه المبادئ والأخلاقيات والحقوق هو الذي يعطي الديمقراطية شرعيتها النهائية، ويحمي في نفس الوقت سيادة الشعب من الانزلاق في طغيان الأغلبية. وبتعبير آخر: إن حقوق الإنسان يُفترض فيها أن تكون بمنزلة سدٍّ شرعي، يحُول دون دَوس الإرادة العامة ذات السيادة لفضاء الحريات الفردية -على حد تعبير الفيلسوف الألماني "هابرماس"-.
فالديمقراطية هي أساسًا ضمان حقوق الأقليات العِرقية والدينية والسياسية، التي من حقها تجسيد قناعاتها حتى في الفضاء العام ، الذي يجب أن يكون محايدا ،والمجاهَرة بها بكل حرية واستقلالية دون أن تخدش مشاعر الأغلبية، ودون أن تكون عُرضة لأيِّ حساب أو عقاب أو إقصاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah