الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى وفاته السادسة والعشرين ... صراع البداوة/ الحضارة في مفهوم الدكتور علي الوردي... ونظرة فالح عبد الجبار لهذا الصراع!!

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2021 / 7 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ف

لقد اعاد الدكتور علي الوردي للقاعدة الخلدونية بعضا من حضورها الواعي في الحاضر ، ومن هنا فقد انطلق الدكتور فالح عبد الجبار من قراءته للوردي من خلال مقاربات ومباعدات كما اسماها في سوسيولوجيا الماضي والحاضر ونقاط تقاطعهما .
ان الوردي يتبنى في مقاربته المجتمع العراقي (نقطة انطلاق خلدونية) كما يسميها عبد الجبار صراع البداوة والحضارة انما هو صراع يمتد عند الوردي في الماضي الى اقصاه، فالصحراء حسب الدكتور الوردي" تنتج البداوة ، والبقاع الخصيبة تنتج الحضارة ، وهما في صراع متصل منذ ان ظهرا للوجود" ويقف فالح عبد الجبار عند هذه الرؤية معتبرا ان دورة الصراع الخلدوني المستديمة تنفتح عند الوردي على هيمنة احادية ، سيادة روح البداوة وانتقالها الى المدينة ، بتعبير اخر : ان الدورة الخلدونية دورة مغلقة ومحددة الافاق والاماد.
اذ تبتدأ هذه الدورة كما يشير عبد الجبار باستيلاء الجماعة البدوية المتلاحمة بأشكال الولاء القرابي (العصبية) على الملك( المدينة او الحاضرة) وهنا يقول الدكتور فالح" لا تملك المدينة ردا لهذا الاختراق، من قطبها المضاد بالعنف، فالسلاح، والشجاعة والتماسك، عناصر لاتنتمي اليها بحكم استقرارها واسلوب معاشها بالذات ، لكن المدينة تنتصر على البدوي بأن تزيل عنه صبغته البدوية وتجعله واحدا منها، وبذا تزيل عنه مكامن قوته انها تستخدم سلاحها الخفي : الثروة، نعيم العيش، وبازالة انياب العصبية ، تنزل المدينة عقابها بالبدوي وتفتح طريق دماره كحاكم، وتبدأ دورة جديدة ، في هذه العلاقة تبدو المدينة اضعف من غريمتها البادية ، في تنظيم العنف، ولكنها اقوى في تنظيم انتاج الثروة والرفاه ويحارب كل طرف بادواته المتاحة"
وهنا فان الدكتور الوردي يأتي الى لمس مشكلة البداوة، ومفعومه لتضاد ، البداوة / الحضارة، لايشبه التقابل القطبي الخلدوني بل هو عكسه تماما، "ان البداوة عند الوردي هي نظم قيم واشكال تنظيم تطغى على المجتمع وتنتقل الى المدن، لا لتنحل فيها بل لتدوم في صورة ، ثأر ، غزو، دخالة ، غسل عار، الانغلاق في عصبية محلية (مدينة، طائفة ، محلة) ان الوردي هنا يعيد انتاج صراع البداوة / الحضارة الخلدوني بصورة تناشز اجتماعي بين حضارة حديثة واخرى تقليدية ، لكن هذا التناشز لم يعد حسب رايه هو نتاج انقسام المجتمع الى بدو وحضر ، بل ثمرة احتكاك المجتمع كله بالحضارة الغربية " وينظر الدكتور فالح عبد الجبار الى ان المجتمع الخلدوني يقف في المركز ليس وراءه سوى التوحش السابق للعمران وليس امامه سوى صورته الذاتية .
اما المجتمع الجديد الذي يريد الوردي انتاجه خلدونيا فيقف حائرا بين حضارته الذاتية ، التقليدية التي تتمزق وحضارة الاخر |، الحديثة التي تخترق الاسوار.
يلج الوردي عبر منهجية يسميها فالح عبد الجبار نسبية وضعية الى استقراء المكونات السيسولوجية للمجتمع العراقي من حفر تاريخي يشمل العهد العثماني في العراق كله، فالعمليات التاريخية كما يبينها تشكل الذات الاجتماعية نظامها القيمي وتصورها لذاتها ونظمها الثقافية وتنظيماتها الاجتماعية (محلات اصناف، طرق صوفية ، قبائل، ملائية ، افندية ... الخ.) لا تمتد الى مالا نهاية في الزمان وان الذاكرة الجمعية في هذا العهد لا تمتد الى ابعد من بضعة قرون...
يحدد الوردي سمتين اساسيتين في العراق، سيطرة المد البدوي والصراع العثماني /الصفوي، وما خبره حسب تعبيره من (نزواع طائفي شديد بين السنة والشيعة) يؤكد الوردي دون وسائل قياس واضحة ، ان المد البدوي في العهد العثماني وهو الاخير ، كان " اشد وطأة من جميع العهود السابقة ويعزو ذلك الى تعاقب الفتوحات" واضطر اهل المدن من جراء ذلك الى الالتجاء الى العصبية القبلية والقيم البدوية من اجل المحافظة على ارواحهم واموالهم مثلما اضطرت العشائر الصغيرة الى التكتل او الانضمام الى اتحادات قبلية كبيرة.
ويعبر الدكتور فالح عبد الجبار عن هذه الرؤية (ان نمو البداوة ، او هيمنة القيم البدوية تتناسب طرديا مع ضعف الدولة المركزية وضعف الحواضر ) وبتطبيق بسيط لهذه الرؤية نراها متحققة وبشكل كبير في العراق اليوم في مدنه الرئيسة كالبصرة وبغداد اذ ان للعشيرة اليوم الدور الاكبر للاسف الشديد مقابل القانون وسيادته والعشيرة اليوم تقوم بدور سلبي مقابل عجز القانون ، بالتالي نرى الفوضى على كافة المستويات والسبب هيمنة العشيرة والقيم البدوية بدلا من المدنية والتناسب طردي بين هيمنة القيم البدوية وضعف الدولة المركزية ويشرح الدكتور فالح عبد الجبار حدود معالجة الوردي للمجتمع العراقي في العهد العثماني اذ يعتبر عبد الجبار ان علي الوردي لا يضع اية مفاضلة بين اشكال الالتحام البدوي والحضري ولا يرى في الحواضر اداة هدم للعصبية البدوية ، بل يرى امكان نقل هذه العصبية البدوية الى الحواضر وجعلها عوامل تماسك للجماعات الحضرية .
ويثير سؤالا / كيف يمايز الوردي اشكال التلاحم؟
اذ هنالك نوعان: 1- بدوي قائم على العصبية القبلية (الالتحام القرابي)
2- حضري ويتجلى في ثلاثة مستويات:
أ‌- المحلة
ب‌- العصبية البلدية
ت‌- المستوى الطائفي
ان العصبية القبلية واقع طبيعي لدى الوردي اما الحضرية فتتشكل بفعل العدوان الخارجي ، خارج المحلة/ خارج البلدة/ خارج الطائفة
الا ان العصبية الحضرية باتت اليوم ليس كما يفسرها الوردي بل انها عصبية تقوم وفق عوامل ومستويات بنيوية تقوم عليها ويتمأسس وفقها نمط عنيف يقود الى الاستبداد والقهر والظلم حتى . وتفسير الدكاور الوردي للعصبيات الحضرية تفسير ضيق جدا كما يسمه الدكتور فالح عبد الجبار
فما باتت العصبية الحضرية تتاتى من العدوان الخارجي كما يشير الوردي فحسب بل ان الجماعات الحضرية " بمثابة تنظيمات ذات وظائف اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية علاوة على وظيفتها العسكرية اي: الحماية الذاتية بوجه العدوان الخارجي ، ولايعقل ان يكون نظام العلاقات الذي نسميه عصبية او التحام ناجم عن وظيفة واحدة تتعلق بالخط الخارجي رغم اهمية ذلك" ان علة (التحليل الناقص) كما يسميه الدكتور فالح ترجع الى اهتمام الوردي بوضع اشكال هذا التلاحم الضيق المتشظي معه في موضع الرد، على الخرافات الايديولوجية سواء القومية التي ترى ان الانتماء الى الامة"العروبة، العراق" ازلي من الابد واليه ام التصورات التاريخية الضيقة التي تلغي اشكال الوعي الجماعي المغاير للوعي الطبقي حسب اميل دوركهايم في تقسيم العمل داخل المجتمع" وهنا علينا ان نقف كثيرا عند مفهوم العصبية للمحلة والبلدة والطائفة ونرى ان التئام هذه العصبية لم يكن مقتصرا على العدوان الخارجي فحسب بل اننا نراها في المجتمع دوما تلتئم سواء كان هنالك عدوان ام لا فنرى ان العصبية على سبيل المثال انتشرت في العراق مثل النار في الهشيم والسبب في ذلك قد تكون عصبيات طائفية واخرى مناطقية واخرى حزبية وهكذا فالعصبية تجعل القوميات والطوائف تنكفئ على نفسها وتدعي الافضلية على الاخر وهذا الذي يسبب انفجار افكار بعينها داخل المجتمع ، والعصبية الطائفية كانت اسوء انواع العصبيات التي عاشها العراق اذدعت الطوائف لمقاتلة بعضها البعض وهذا ما حدث لدينا لسنوات طوال بعد التغيير في 2003.اذ عشنا اسوء انواع الحروب الاهلية . فيا حبذا يعاد قراءة فكره لافادة الحاضر فما زالت الكثير من الاشكاليات التي شخصها نعيشها في الوقت الراهن وهكذا وجدنا الدكتور فالح عبد الجبار قدم رؤية مهمة حول صراع البداوة والحضارة الذي تحدث به الوردي واسقطه على معاناة المجتمع العراقي وخرج بنتائج مهمة واعادة قراءات اساسية لفهم الواقع الراهن ، فنحن ملزمين اليوم بان نسقط هذه الافكار ونؤسس لها من جديد علنا نجهز لنهضة ثقافية كبرى تضع لنا خارطة طريق اساسية .
كذلك ينظر الدكور عبد الجبار لانحلال الهويات الصغيرة وتشكل الهوية العراقية خلال عام 1920 عام "الثورة" التي اختلط فيها الوعي الجديد بالقديم ، النهب بالتمرد والهياج بالثورة.
ويرى الوردي ان: الانكليز فشلوا في امرين : اولا: التدخل في نظام التمثيل القبلي الطبيعي وتحويله بقوة التعيينات الادارية والنقود،
الثاني: فشلهم في اجتذاب انتلجنسيا المجتمع في تلك الحقبة الملائية الافندية .
الاولون: بحكم المكانة السامية للمعرفة الدينية .
الثانون: بحكم ثقافتهم السياسية الحديثة .
ويؤكد الدكتور الوردي ان هذين الصنفين من العارفين اكثر قدرة على اثارة الجماهير من الشعراء او الكتاب.
فالافندية حسب الوردي "يطالعون الصحف ولهم اطلاع سابق، على شؤون السياسة العالمية وعلى بعض المعلومات الجغرافي والتاريخية ، لاشك ان معلوماتهم كانت سطحية محدودة لكنها كانت تعد في ذلك الزمان علما عظيما " اللمحات ج1 ،ص32 وهنا يعتبر الدكتور عبدالجبار باننا ازاء النبتة الاولى لمثقف الكلمة الحديثة المطبوعة ولنمو سلطة المعرفة الدنيوية ، ، بموازاة سلطة المعرفة المتسامية (الدينية) ان اندماج الاثنتين سيخترق اسوار العزلة السرمدية ، للطوائف والقبائل وسيجد في خدمته خطوطالتلغراف انذاك وسكك الحديد والكلمة المطبوعة ، معتبرا ان الوردي يتحدث عن التفاعل الاجتماعي الجديد بين قبائل ومدن وقرى العراق ايام "ثورة العشرين" مركزا على فحواه :تكوين الهوية الجديدة العراقية دون ادواته :وسائل الاتصال الحديثة ، ان هذه الحقبة من تاريخ العراق تشهد التمايز بين المقدس واللامقدس في علاقة جديدة ، لقد كان المقدس يقيم نظام الاشياء في هرم يقف هو في الذروة منه مخترقا عالم الانسان من اقصاه الى اقصاه.
ويكتسب المقدس سمه وقيمته من قدرته على اكتناه الاشياء والسيطرة عليها بقوة الكلةم المقدسة وطقوسها ، ان احتكار المقدس سيبدأ بالانحسار عن رقعة الفعل الجماعي او بعضه، بظهور المعرفة الدنيوية ، اللامقدس الجديد وحامله : طبقة الافندية ، ان فعالية هذه المعرفة توازي فعالية المقدس اولا ثم تقلب الهرم القديم عاليه سافله
وفي قراءة الدكتور فالح عبد الجبار لرؤية علي الوردي في هذا المضمار نجد ان هنالك تساؤلات قيمة يثيرها الدكتور فالح عبدالجبار ابرزها ماهية الصلة بين المراقب والحدث المراقب(بفتح القاف) ؟ ما الذي يضمن دقة المراقبة؟ ان هذا السؤال يلح على الوردي كما على اي باحث في التاريخ الاجتماعي وهو يقلب اوراق الماضي بأهوائه المضطرمة وتحيزاته.
ان النظرة الاجتماعية ، جزئية بطبيعتها ،فالواقع كما يقول الوردي مركب من جماعات ، فعلى الباحث ان يكون موضوعيا والا يكون ضمن هذه الجماعات الجزئية ، اي ينبغي ان يكون باحثا منفصلا مستقلا عن الجماعات والسؤال الذي يثيره الوردي : ما الذي يجعل الباحث خارج اسر الجماعات له وخارج تبنيه لاطرها المغلقة؟ وارائها المسلوبة الارادة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م