الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية أس التنوير وأساسه ج 1

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2021 / 7 / 31
المجتمع المدني


لقد حول الفيلسوف الامريكي (جون ديوي) مفهوم التربية في زمنه من مفهوم تقليدي الى حديث يقوم على الخبرة والاستكشاف والعمل والتعاضد بين الطلاب وتحويل الصف الى مختبر عملي . لقد اسس نتيجة لذلك المدرسة المعملية LABORATORY SCHOOL التي سميت فيما بعد بمدرسة (ديوي) وسميت معملا ، لانها كانت بالاضافة الى تعليم الفلسفة وعلم النفس والتربية كمعامل الطبيعة والكيمياء ، بل انه تخطى حاجز ارتباط التربية بالقضايا العلمية الى ارتباطها بقضايا سياسية مثل : الصلة بين التربية والديموقراطية ، حتى ينشأ الطفل منذ صغره على عشق الديمقراطية ومحبة الحرية ، ليكون سلوكه في الحياة حين يشتد ساعده ويدخل يف طور الشباب والرجولة صادرا عن ديموقراطية أشربت بها نفسه ، ونزلت منه منزلة الطبع وبذلك تكون الديموقراطية في الدولة ديموقراطية حقيقية ، لقد زاد ايمانه بأن التربية هي السبيل الى احداث الثورة الاجتماعية والتقدم بالامة من أسر التقاليد البالية التي لم تعد تلائم عصرنا الحالي. لقد لخص ديوي تصوره عن التربية بأمور اربعة هي:
1- الاهتمام بالتربية نظريا وعمليا ، بخاصة الصغار وان التفلسف يجب ان يدور حول التربية من جهة انها تاج الاهتمامات الانسانية .
2- اخراج منطق جديد يلغي الثنائية القائمة بين منهج العلوم ومنهج اخر للاخلاق ، باعتبار ان العلم هو التفكير النظري، والاخلاق هي السلوك العملي ، هذا المنهج الجديد هو الذي سماه (الاداتية) .
3- تخليص علم النفس من النزعات الميتافيزيقية والبحث في الشعور ، وتطبيق العلوم البيولوجية على دراسة نفسية الانسان .
4- تطبيق العلم الحديث ومناهجه على العلوم الاجتماعية مثل الانثربولوجيا ، التاريخ، السياسة ، الاقتصاد ، اللغة والادب وغير ذلك.
كذلك فان التربية تقوم على امور عدة نستخلصها من فلسفة ديوي:
1- التربية ظاهرة طبيعية في الجنس البشري وبمقتضاها يصبح الفرد وريثا لما حصلته الانسانية من حضارة .
2- تتم هذه التربية لاشعوريا عن طريق المحاكاة بحكم وجود الفرد في المجتمع وبذلك تنتقل الحضارة من جيل لاخر.
3- التربية المقصودة تقوم على العلم بنفسية الطفل من جهة ومطالب المجتمع من جهة اخرى ، فالتربية ثمرة علمين هامين من علم النفس وعلم الاجتماع.
يعرف ديوي التربية في استهلال كتاب (الديموقراطية والتربية) ب( ضرورة من ضرورات الحياة ، يقصد بذلك انها عملية بيولوجية تفيد الانسان من جهة انه كائن حي والحياة الاجتماعية حسب ديوي تتصف دوما بالتجدد المستمر) وهو يسمي هذه الحياة ب (الخبرة) EXPERIENCE وسمي ديوي نتيجة اهتمامه بالخبرة ب(فيلسوف الخبرة) .
التربية هي السبيل الى تجدد الحياة الاجتماعية واستمرارها وهي بمثابة (التغذي والتناسل للحياة الفسيولوجية)
يركز جون ديوي على البيئة الاجتماعية كثيرا ، فهي المجال الحيوي الذي بدونه لا تتحققالتربية على وجهها الصحيح فالبيئة الاجتماعية كالماء بالنسبة الى الاسماك، فهي التي تكون الاتجاهات العقلية الوجدانية في سلوك الافراد ، ويتعلم الطفل من وجوده في البيئة الاجتماعية امورا اربعة هي:
1- اللغة.
2- اساليب الكلام.
3- اداب السلوك وموازين الاخلاق
4- الذوق السليم ومعايير الجمال
بالتالي تشكل هذه المعايير اساليب تقود الى التنوير .
المدرسة لا بد ان تغير من اساليبها القديمة التي كانت تعتمد على الحفظ والتلقين حتى يكسب التلميذ بعض من المعلومات ، التي يتجلى بها ويرفع بها مستواه على اصحاب المهن والحرف ، وان تصنع المدرسة اسلوبا جديدا في التربية يمهد للتلميذ ان يشارك مشاركة فعالة في المجتمع المعقد الحديث وللمدرسة وظائف عدة تؤديها للمجتمع:
أ‌- ان المجتمع جهاز معقد التركيب فيه نظم اقتصادية وسياسية ودينية وفنية يصعب على الفرد فهمها اذا ترك وشأنه ، وهنا تتدخل المدرسة لتهيئة بيئة مبسطة يفهم الاطفال منها الحياة الاجتماعية .
ب‌- ان تخلق المدرسة للناشئة مجتمعا مصفى من الشوائب وتؤكد لهم ما في المجتمع من محاسن، فتصبح بذلك اداة للرقي، لانها تظهر العادات الاجتماعية الموجودة وتسمو بها.
ت‌- اقرار التوازن بين مختلف عناصر البيئة الاجتماعية من نحل دينية واجناس متباينة وغير ذلك.
ث‌- فتكون المدرسة هي البوتقة التي يصهر فيها افراد المجتمع ويتقاربون في مشاربهم وتقاليدهم وعاداتهم ، اما اذا اقتصرت المدرسة على قبول طائفة معينة (مسلمون ، بوذيون، ارمن وغيرهم من قوميات واديان ) فانها تتحول من عامل صهر الى عامل فصل وتمييز .
ج‌- توحيد نفسية الفرد حتى لا تتجاذبه طوائف الامة المختلفة فتتفكك نفسيته.
بالتالي تستطيع المدرسة ان توجه النشئ بما يجعلهم يشاركون في المستقبل في حياة الجماعة ، ولتحقيق هذه الغاية يجب العدول عن التربية التقليدية ، التي كانت تعتمد على الكتب والتي يحفظها التلاميذ عن ظهر قلب، الى التربية عن طريق النشاط والمشاركة الفعالة بين الطلبة ، حتى يشعر الطفل أن ما يتعلمه ليس منعزلا عن الحياة بل مستمدا منها.

بالتالي نادى ديوي بضرورة اعتماد المدرسة على نشاط التلاميذ وعلى اشتراكهم في العمل، حتى تكون المدرسة صورة مصغرة للحياة ، الاجتماعية ، وكي تكون كل العلوم التي تدرس فيها لها واقع مستمد من الحياة ، وليست مجرد نظريات وتقنيات، كما يحصل اليوم في مدارسنا، لذلك نجد الفشل الذريع في التعليم في العراق .
ولكي نضع مقارنة جيدة بين المبادئ التقليدية للمدرسة وبين الحديثة التي ارساها جون ديوي .
المبادئ القديمة التي ينبغي التخلص منها/
1- نقل التراث الى الجيل الجديد .
2- بناء عادات السلوك وفق مقاييس وقواعد ثابتة .
3- الطابع العام للمدرسة اي العلاقة بين التلاميذ مع بعضهم البعض ومع مدرسيهم والتي تجعل من المدرسة مؤسسة مختلفة عن المجتمع.
اما مبادئ ديوي : التي ارادها متحققة في المجتمع ، هي :
1- التعرف على العالم المتطور الذي نعيشه بدلا من الحقائق الثابتة التي كان من المفروض ان يقوم عليها.
2- اننا نعد الناشئة للحياة الراهنة ليخوضوا غمارها لا لحياة مستقبلية مرسومة جاهزة .
3- ان يكون التعليم تعبيرا عن الذات وتنمية للفرد بدلا من التفسير الخارجي الذي يفرض على التلاميذ فرضا (الاسلوب الملائي) .
4- ان تقوم التربية على النشاط لا على النظام الخارجي .
5- ان يكون التعلم عن طريق الخبرة لا عن طريق الكتب والمتون والشوح والحفظ والتلقين
اننا في العراق وبعض البلاد العربية ما زلنا لا ناخذ بهذه المفاهيم ابدا ، فالحقائق الثابتة لدينا مستمرة ، ونرفض التعرف على المفاهيم العليا في التطور ، بل نعتبرها تخالف الاديان وعلى راسها نظرية التطور التي لاتذكر في مناهج الاحياء الا لمما ولايتم التكلم عن اصل الخليقة ولاعن الاحفوريات وغيرها من المفاهيم .
كما ان التعلم لدينا لايراعي جوانب تنمية الفرد وصقل شخصيته والتعبير عن ذاته، بل يفرض على ذات التلميذ ويعمل على تلقينه بعيدا عن مفاهيم التعليم التي تراعي الجودة وتراعي ذكاء التلاميذ وقدراته الذهنية والمعرفية وتعمل على صقلها ولاتفرض عليه الافكار التي ينبغي ان يكتشفها اكتشافا ، والتعرف على افكاره عن قرب والاسيكون لدينا جيل تقليدي غير قادر على التفكير ، اما الخبرة فتتأتى من البحث والتطوير بأن تجعل التلميذ يبحث في القضايا الفكرية والعلمية على حد سواء، والابتعاد عن اسلوب التلقين الذي اعتدناه عن طريق الكتب والشروح والحفظ والذي ما زالت مدارسنا تعمل عليه، اذن نحن وحسب اسلوب ديوي في التعليم نحصل على محصلة صفر في هذا المجال، حيث ان مدارسنا والتربية لدينا تخلو من النقاط انفة الذكر ، لذلك نحن نصنع اجيالا غير قادرة على التفكير ، سوى من يحالفه الحظ ويستطيع القراءة ، ستحوله انذاك القراءة الى مفكر رافض لقيم المجتمع المنحطة التي يسير عليها ، وبالتالي تصبح حياته جحيما اذ انه يفكر في مجتمع لايفكر منقاد من قبل رجال الدين او من يوازيهم بل المضحك المبكي في هذا المجتمع، انك عندما تواجهه بأيماناتك ومعتقداتك يطالبك بالسكوت؟ لماذا؟ لانه لا يملك الحجة لمجاراتك ، بالتالي يخاف ان تتضعضع ايماناته الموهومة ، او تهتز ما يعتبره اساسا له ويعيش عليه ،ان مبادئ ديوي في التربية ترتكز على ركيزتين اساسيتين هما:
1- الخبرة/ Experience
2- الحرية / freedom
وجزء من الحية الا حقائق ثابتة يربى عليها الجيل بل ان بعض الحقائق متغيرة تبعا للعلم الذي يكتشف ويزيح حقيقته.
اما اذا اردنا ان نتعرف اكثر على مفهوم الخبرة ، فهي الاساس الذي ينطلق منه ديوي للامور الاخرى ، ففي صلتها بالتربية والفن والطبيعة وهنالك شعار يرفعه في كتابه (الخبرة والتربية ) وهو :
(التربية للخبرة ، وعن طريق الخبرة ، وفي سبيل الخبرة) والمثال الذي يضربه ديوي حول الخبرة مثال شائع كلنا نعرفه وقد مررنا به ايضا . " الطفل الصغير حين يلمس النار بأصبعه فليس حرق النار لاصبعه كافيا في حصول الخبرة ، بل لابد من ان يتألم ثم عندها يدرك ان النار محرقة ثم يتعلم كيف يتجنبها حتى لا تحرقه.
اذن الخبرة التي يجب ان نعلمها لاطفالنا في المدارس هي قضية حية ما دامت تنمو مع نمو الفرد واضطراد تعلمه من الحياة ، ولكن مع الخبرة يجب ان يكون هنالك الفهم والادراك للعلاقات بين الاشياء " فاذا ادركنا ان النار علة في الاحراق استطعنا ان نستفيد من هذه المعرفة في تكييف انفسنا وفي السيطرة على المستقبل، وبناء على ما تقدم استطيع القول وفق فلسفة جون ديوي ما يلي" ان الامور التي لا يحصل عليها التلميذ عن طريق الخبرة الشخصية ، اي: التي يتأثر فيها بنفسه ودرك بنفسه العلاقات بين الاشياء لن يكون لها ثمرة مجدية وهذا هو عيب ، التعليم عن طريق التلقين الموجود في مدارسنا والنتيجة الثانية ان التلميذ ينبغي ان يستفيد من نشاطه الجسماني في كسب الخبرة ، ما دام الانسان ليس عقلا فحسب، ولاجسما فقط، انما هو انسان بجسمه وعقله معا، هذا هو السبب في تحويل المدارس من هيئتها القديمة الى معامل وورش يتحرك فيها الطفل ويجرب ويختبر ، وكذلك الاستفادة من جميع الحواس في التعلم كالبصر والسمع واليد واخيرا ان التفكير عن طريق هذا الضرب من الخبرة ، يتم بالمحاولة والخطأ وهذا هو السبيل القويم الصحيح للتفكير السليم ، لان التفكير "عملية بحث وتحقيق وفحص للاشياء" ديوي ، الديمقراطية والتربية ، ص154، لا مجرد حفظ عن طريق التلقين .هنالك مبدأين اساسيين للخبرة ، هما :
1- الاستمرار.
2- التفاعل .
3- مبدأ الاستمرار ويسمى ايضا مبدأ تواصل الخبرة Experiential continuum يعتمد على العادة ، بشرط ان تفسرا تفسيرا بايلوجيا وليست العادة مجرد الية لأداء الاعمال بطريقة ثابتة ، انما هي تكوين الاتجاهات النفسية انفعالية كانت ام فكرية ثم كيفية مواجهة الاحاسيس الاولية واستجابتنا لظروف الحياة . فالعادات ليست ثابتة مطلقا ، بل تتغير وتتعدل ثمرة تغير الظروف الخارجية ونمو الفرد وينشا هذا ...التعديل بدوره في صفة الخبرات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية