الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عواقب بعد المسلمين عن فهم وتطبيق صلة الارحام

محمد سمنور

2021 / 8 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي رسولنا محمدالصادق الأمين
وعلي اله وصحبه
لاحظت ان هناك التباس في مفهوم الصلة في زماننا المعاصر
بعكس ما هو في الازمان السابقة،
وقد يرجع هذا الي ضعف صلتنا باللغة،
فكثيرا ما نأخذ الحقيقة علي سبيل المجاز والمجاز علي سبيل الحقيقة.
من المعلوم ان الاسلام دين اخلاق،
وقد ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
انه انما جاء ليتمم مكارم الاخلاق،
لذلك ما من خلق حميد الا ودعا له،
ومن ذلك صلة الرحم.

ولما كان الاسلام له حِكَم عظيمة من وراء جميع تشريعاته،
فلابد ان نسال انفسنا ما هي فائدة صلة الرحم،
ولماذا اقر الاسلام هذا الخلق الحميد.
يقول رسول الله (ص):
(أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس)
ويقول (والله في عون العبد
ما كان العبد في عون أخيه)
لا شك ان ديننا يريد للاقارب ان يكونوا متحابين متعاونين،
ليس بينهم غبن ولا غل ولا تباغض،
فهل مجرد تبادل الزيارات يحقق هذا الهدف؟
لكي تتضح المسالة
لابد ان نبحث جيدا
في النصوص المتعلقة بالموضوع في الكتاب والسنة،
-
صلة الرحم في القرآن:

آيات القران تتحدث مرارا وتكرارا عن ذوي القربي:

- (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ
وَآتَى الزَّكَاةَ) البقرة: 177

- (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء: 36

- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى) النحل: 90

- ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) الإسراء: 26

- (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا
أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ) النور: 22

- (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ) الروم: 38

- (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ) الأنفال: 75 ، الأحزاب: 6

صلة الرحم في السُنّة

وبيانا لما جاء في القرآن يقول الرسول (ص)
للذي جاء يسال عن عمل يدخله الجنة:
(تعبد الله ولا تشرك به شيئا،
وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)،
ويقول (لا يدخل الجنة قاطع)،
وعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص):
(الرحم معلقة بالعرش تقول
من وصلني: وصله الله،
ومن قطعني؛ قطعه الله) متفق عليه.

الحق ان المقصود من أحاديث الرسول عن "صلة الرحم"
هو ما دعا اليه القرآن من "ايتاء ذي القربي"؟
فهذا ما قاله المفسرون،
فمعظمهم لمّا فسّروا عبارة (ايتاء ذي القربي)
لم يزدوا عن قولهم "هو صلة الرحم"
ونذكر علي سبيل المثال لا الحصر
القرطبي والسمرقندي والثعلبي
والسمعاني والبغوي والزمخشري
وابن عطية والبيضاوي والنسفي والرازي.
فأبو المظفر السمعاني مثلا يقول:
"قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه)
أكثر المفسرين على أن المراد من إيتاء ذي القربى هاهنا
صلة الرحم بالعطية والهدية".
انظر! انه قال "صلة الرحم بالعطية والهدية"
ولم يقل بالزيارة.
ان الزيارة لا تعدو ان تكون ناتجا عرَضيا للصلة،
فهي وسيلة وليست غاية؛
لا يمكن لاحد ان يقول
ان المقصود بايتاء ذي القربي ان نعطيه زيارة!
فمجرد قراءة سريعة للايات السابقة
تبين لنا ان الصلة لها علاقة بالمال،
انظر للعبارات:
(ولا تبذر تبذيرا)،
(واتي المال علي حبه)،
(اولي الفضل منكم والسعة)
الا تدل علي ان الامر لا علاقة له
الا باعطاء المال او المساعدة المادية؟
فلابد لمن يسّر الله عليه في الرزق
ان يعين أقرباءه ممن رق حالهم.
يقول فخر الدين الرازي في تفسيره لقوله تعالي:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) النساء1:
"العادة جرت في العرب بأن أحدهم قد يستعطف غيره بالرحم
فيقول: أسألك بالله والرحم،
وربما أفرد ذلك فقال: أسألك بالرحم"
ويقول: "واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع
فيما يتصل بالبر والإفضال والإحسان".
ويلاحظ ان سورة النساء بدأت بالحديث عن الحقوق المالية:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)
، (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) ،
(وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ)،
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
جاء في كتاب "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الاثير:
"قد تكرر في الحديث ذكر صلة الرحم.
وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين،
من ذوي النسب والأصهار،
والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم.
وكذلك إن بعدوا أو أساءوا.
وقطع الرحم ضد ذلك كله"،
ويقول:
"فكأنه بالإحسان إليهم
قد وَصَل ما بينه وبينهم
من علاقة القرابة والصهر".

فابن الاثير يشرح بوضوح
ان عبارة "صلة الرحم":
هي كناية عن الإحسان إلى الأقربين،
واستعمال الكناية كثير في كلام العرب
لانهم يحبون ان يعبّروا بالفاظ غير مباشرة
كقولهم: فلان "نقي الثوب"، أي لا عيب فيه،
و"طاهر الجيب" أي ليس بغادر،
و"دنس الثوب" أي فاجر،
و"غمر الرداء" أي كثير المعروف،
و"مغلول اليدين" أي بخيل،
ويقولون: كبا زنده،
وأفل نجمه،
وذهب ريحه،
وطفئت جمرته،
وأخلف نوؤه،
وانكسرت شوكته،
وكلّ حدّه.
وأفل غربه،
وتضعضع ركنه،
وفت عضده،
ولانت عريكته؛
وكل هذه كنايات عن معني متشابه
لا يراد منه المعني الظاهر.

وجاء في تهذيب الأخلاق لابن مسكويه:
"وأما صلة الرحم فهي مشاركة ذوي اللحمة
في الخيرات التي تكون في الدنيا".
وجاء في تفسير الطبري عن حبيب المعلم،
قال: سأل رجل الحسن، قال: أعطي قرابتي زكاة مالي
فقال: إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة،
ثم تلا هذه الآية (وآت ذا القربى حقه).
وفي مسند أحمد عن سلمان بن عامر، قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول:
(الصدقة على المسكين صدقة،
والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة)،
وفي تفسيرالقرطبي:
" قال مجاهد وقتادة: صلة الرحم فرض من الله عز وجل،
حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة".

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر
ان أعرابيا لقيه في الطريق كان صديقا لابيه عمر،
فأعطاه حمارا كان يتروح عليه،
وعمامة يشد بها رأسه،
وقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول:
«إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه
بعد أنيولّي)،

وفي صحيح مسلم ايضا عن أسماء بنت أبي بكر،
قالت: قدمت عليّ أمي
وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم
فاستفتيت رسول الله (ص)،
فقلت: يا رسول الله،
قدمت عليّ أمّي وهي راغبة،
أفأصل أمي؟
قال: (نعم، صِلي أمك).
فهنا الام عند بنتها،
في منزلها،
ومع ذلك تقول "أفأصِل أمّي؟"
فمعني كلامها اذن: "أفأعطيها؟"
قولا واحدا لا يحتمل التأويل،
فقد ذَكَرت ان أمها "راغبة" اي طامعة فيما عندها.

يقول (ص):
(ليس الواصل بالمكافئ،
ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).
هذا الحديث لا يمكن ان ندرك معناه
الا من خلال قراءتنا لآية قرآنية:
(وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس
فلا يربو عند الله):
قال السدي:
الربا في هذا الموضع: الهدية
يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة،
لأن ذلك لا يربو عند الله،
لا يؤجر عليه صاحبه، ولا إثم عليه،
وهكذا قال قتادة والضحاك.
قال الواحدي: وهذا قول جماعة المفسرين.
قال الزجاج: يعني دفع الإنسان الشيء ليعوض أكثر منه،
وذلك ليس بحرام، ولكنه لا ثواب فيه،
لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه.
فصلة الرحم ليس تبادل عطاء،
اي تعطي من يعطيك،
وانما تعطي للمحتاج من الاقارب
وهذا معني: اذا قطعت رحمه وصلها
والمقطوع هو الذي انقطعت به السبل.

وقد جاء رجل ال النبي (ص) فقال: يا رسول الله
إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني،
وأحسن إليهم ويسيئون إليّ،
وأحلم عنهم ويجهلون عليّ،
فقال: «لئن كنت كما قلت،
فكأنما تسفهم الملّ
ولا يزال معك من الله ظهير عليهم
ما دمت على ذلك).
فمعني "اصلهم ويقطعونني"
يعني انه يعطيهم ولكنهم لا يعطونه
فنظرا لحال الدنيا المتقلب
احيانا يكون حاله متيسرا فيعطيهم،
ولكن عندما يكونوا هم في يسر وهو في ضيق
(يقطعونه): اي يمنعوا خيرهم عنه فلا يعطونه،

قديستحي الناس ان يذكروا
ان الاقرباء في حاجة الي بعضهم البعض
ولكن الله لا يستحي من الحق،
وذكر صراحة في القرآن:
(واولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) الأحزاب: 6
والله له حكمة فيما يأمر وينهي،
فربما لا يريد المولي سبحانه
ان يكون بين الاقارب
غبائن وضعائن وغِلّ وحسد،
ولذا فقد بيّنت السنة ان أعظم الصدقات اجرا علي الاطلاق
الصدقة علي ذي الرحم الكاشح،
أي الذي تبدو منه العداوة.
كذلك ربما كان من حكمة إعطاء الصلة وغيرها من العطايا
ان يعرّف الله عباده
ان ما بأيديهم من مال هو له وحده تعالي بالاصالة،
وهو لهم بالوكالة،
ولذلك جعل في مالهم حقوقا للغير.
-
انه لمن المؤسف ان يتيه الناس
عن ذلك المعني الواضح لصلة الرحم،
ويظنوا انها مهاتفات وزيارات ولقاءات بأياد خاوية،
ونخشي ان يكون البعض قد انحرف بالمعني
خوف الفقر وذلك بفعل الشيطان:
(الشيطان يعدكم الفقر) البقرة:268
وقد نسي هؤلاء ان الله تكفل
بتعويض الواصلين اموالهم،
بل تكفل بان ينمّيها لهم ويبسط رزقهم ويمد في اعمارهم،
يقول (ص):
(من سره أن يبسط له في رزقه،
أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
(قال العلماء: معنى البسط في الرزق البركة فيه،
لأن صلة أقاربه صدقة،
والصدقة تربي المال وتزيد فيه فينموبها ويزكو)،
فالقاطعون يفوّتون فرصة كبيرة لزيادة اموالهم
(وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ
وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) محمد: 38
ولذلك لا نستبعد ان يكون قطعنا للارحام
هو السبب فيما نعانيه من ضيق وعنت
في معظم دولنا العربية والاسلامية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة