الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي التقاليد الامازيغية بمنطقة سوس بين المعاني و الرموز الجزء الاول

المهدي مالك

2006 / 8 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يشرفني ان اتطرق ضمن عدة مقالات الى تقاليدنا العريقة في سوس كمنطقة تتميز بتاريخها المشرق و علمها المتنور و رجالاتها العظماء في مختلف الميادين و اذكر بعضهم مثل عبد الله بن ياسين المؤسس للدولة المرابطية و يوسف بن تاشفين الذي فتح الاندلس للمرة الثانية من اجل نصرة الاسلام ببعده الديني و الاخلاقي و هناك
المهدي بن تومرت المؤسس الروحي للدولة الموحدية و الذي اجتهد كثيرا و عمل على ترسيخ ديننا الحبيب في وجداننا كشعب متعدد الروافد الثقافية و اللغوية و هناك الحاج بلعيد الذي سيبقى رمزا للتقاليد المحافظة و الغناء الجميل و هناك المرحوم الاستاذ المناضل علي صدقي ازايكو الذي بدا نضاله الامازيغي الطويل في زمن كان فيه من ينادي او يدافع عن هويتنا الامازيغية بمثابة احياء المشروع الاستعماري و سيبقى ازايكو رمزا لنضالنا الامازيغي و هناك اخرين .
و انني سأسافر معكم عبر ذكرياتي الشخصية بهدف التعرف على تقاليدنا الامازيغية التي ستأخذكم الى اصالتنا كشعب امن بعقيدته الاسلامية و عمل على جعلها تتناسب مع خصوصياتنا المميزة و يتجلى ذلك في عاداتنا و تقاليدنا المحافظة.
و عندما كنت صغيرا كنا نعيش في مدينة الدار البيضاء بحكم عمل ابي الحبيب هناك و كنا نسافر في فصل الصيف لكل عام الى قرية اسك التي تتواجد في منطقة ايموزار اداوتنان المعروفة بشلالاتها الجميلة و بعسلها الحر و معروفة كذلك بتاريخها المشرق كمنطقة لم تدخل في اطار النظام المخزني الا في سنة 1930 أي السنة التي دخلها الاستعمار الفرنسي و سيدي ابراهيم او علي هو الذي اسس باداوتنان ما يسمى الان بالنظام الديمقراطي .
و منطقة ايموزار معروفة كذلك بجوها البارد في فصل الشتاء و حرارتها في فصل الصيف و معظم سكانها يعملون اليوم في الفلاحة و تربية الماشية او في السياحة الجبلية التي تتميز بها هذه المنطقة الفاتنة بمناظرها الطبيعية و بعضهم الاخر فضلوا العمل في بعض المدن المغربية كالدار البيضاء و الرباط و اكادير او خارج الوطن كفرنسا خصوصا .
و بعد هذه اللمحة القصيرة عن منطقة ايموزار اداوتنان سأسبح معكم في بحور ذكرياتي الوجدانية كانسان معاق نشئ في اسرة منحدرة من تلك المنطقة و الذي اكتشف مجموعة من تقاليدنا الجميلة منذ كنت صغيرا و كما اشرت باننا كنا نسافر الى دوار اسك أي القرن باللغة العربية قصد زيارة العائلة و سنذهب اولا الى بيت جدي الذي مات رحمه الله منذ زمن طويل و تسكن في ذلك البيت انذاك جدتي الحبيبة و المكافحة من اجل أولادها و من اجل الحياة و هي خير مثال للمراة الامازيغية في عقد الستينات حيث قاومت الفقر بعد وفاة جدي و كما استطاعت ان تربي اولادها لوحدها و تعمل في الحقول في نفس الوقت .
و يسكن في بيت جدي المتوفى حاليا عمي حماد المحترم و اولاده.
و اذكر في بدايات عقد التسعينات كان الناس في البادية بشكل عام لا يتوفرون على الطاقة الكهربائية بل كانوا يستعملون الطاقة الشمسية و على المستوى الثقافي فالناس لديهم ثقافتهم الشعبية التي تعترف بوجود كائنات خارقة كالجن و يؤمنون بالخرافات و الشعوذة و ينظرون الى المعاق كانه شيء غريب و خارق للعادة و هذا يدخل ضمن تقاليدنا المتخلفة .
و نرجع الى ذكرياتي الجميلة بعد قضاء بعض الايام عند عائلة ابي التي رحبت بنا احسن الترحيب و كنا نجلس امام عمي الحبيب و هو يعد الشاي بطريقة تقليدية بمعنى انه يجلب معه من المطبخ المواد الاساسية لتحضير هذا الشاي او اتاي بلغتنا الامازيغية و الشاي عندنا هو مشروب شعبي نشربه في الفطور او بعد العصر و يرمز الشاي في ثقافتنا الامازيغية الى الفرح و الجلسة العائلية التي يسودها جوا من المرح في ظل الاحترام و الوقار المهمان في مجتمعنا الحبيب الذي حافظ على خصوصياته الثقافية و الدينية كما سنرى بعد حين و سنواصل هذه الرحلة الجميلة مع ذكرياتي العزيزة و سنذهب الان الى عائلة امي التي كانت تسكن في ذلك الوقت في اسك بمكان يسمى ازغار في منزل قرب المسجد و جدي العزيز هو امام و خطيب في ذلك المسجد و الامام او لفقيه في لغتنا له مقام محترم عند مجتمعنا المتدين و يتخرج الامام من المدارس العتيقة التي تتميز بها منطقة سوس و هذه الاخيرة ساهمت و تساهم في الحفاظ على هويتنا الاسلامية من خلال تعليم القران العظيم و الحديث النبوي الشريف و اللغة العربية باعتبارها لغة القران و انني استغرب حقيقة من اتهامات الحركة الوطنية تجاه كياننا الامازيغي بانه اراد القضاء على ديننا الاسلامي الحبيب و الذي نعتبره شيئا مقدسا و احد المكونات الاساسية لهويتنا المغربية .
و كان بيت جدي كبيرا و واسعا و تسكن فيه جدتي و ابناءها من الأنات و الذكور و كان بيت جدي له مدخل الى المسجد و كنت اذهب مع خالي محمد اليه و كنت احب ذلك المكان المبارك و اشعر فيه بالراحة و الهدوء و الامان و كنت صغيرا الذي بدا يدرك بعض العبادات كالصلاة و الاستماع الى القران الكريم.
و هناك تقليدا اصيلا الا و هو قراءة الحزب الراتب الذي يعتبر من اجتهادات اسلافنا الذين كانوا مثالا للاجتهاد الديني و الاخذ بعين الاعتبار الخصوصية الامازيغية في الشان الديني و يتم قراءته بعد صلاة المغرب جاهرا في البادية .
و كنت في بيت جدي استمع للحزب الراتب بعد صلاة المغرب بكل الوضوح و كنت اشعر بالسلام لانه القران الكريم الذي هو دواء القلوب و النفوس المؤمنة التي تحتاج دائما الى تجديد الايمان بالله و رسوله الاكرم .
و اننا كبشر نحتاج دائما الى الاستحضار و التامل في ذكرياتنا التي تحمل حمولة وجدانية و تحمل كذلك العديد من القيم و المبادئ .
و تلك هي مجرد تاملات شخصية لهذا المعاق الذي يسترجع ذكرياته المتواضعة و مازلت احتفظ بالكثير من تلك الاخيرة التي تجعلني افرح احيانا و ابكي احيانا اخرى و كما تجعلني هذه الاخيرة اتذوق هويتي الامازيغية و التي أعطتني الشيء الكثير و علمتني العديد من الاسس و المبادئ كالتشبث بتقاليدنا المجتمعية مثل الوقار و الشرف و التدين الصحيح الذي يجعلك بعيدا عن التكفير و قتل الابرياء الذين لا يعرفون الا الكفاح من اجل ضمان الكرامة و العيش الكريم و الذين لا يعرفون اين تسير السياسة الدولية .
و خلاصة القول انني اريد ان اساهم بدوري في التعريف بخصوصياتنا المتميزة الى العالم عبر هذا الموقع الرائع و العالمي بامتياز و انني سأواصل هذا السفر المفيد مع ذكرياتي في مقالاتي القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل