الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميثولوجيا بوابة الدين وأول ثمار المعرفة

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2021 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على مر العصور حاول الإنسان من خلال خبرته أن يتطلع إلى الوجود الروحي الذي هو أعظم منه، والذي ينظم علاقته بالكون بصفة عامة؛ والذي تنحو إليه الديانات المختلفة. وأندفع إلى خبرة المقدس التي لا يمكن التعبير عنها بلغة الواقع ، ومفردات التجارب اليومية؛ فخلق "الميثولوجيا" التي جعلت هذه الخبرة مشتركة مع الآخرين.

و يرى جوزيف كامبل أن الأساطير هي مفاتيح «الطاقة الروحية» وإمكاناتها في الحياة البشرية، والأسطورة لا تقتصر على «المعنى» بل تقوم على التجربة، وممارسة المعنى، وذلك لأن التجربة وممارسة الحياة، أغنى من التعريف العقلي، فالمفهوم يعطي الأشياء قيمة خارجية، أما القيمة الداخلية للمعنى فنجدها في نشوة الحياة، والوجدان والسر الحيوي للوجود.

ويعتبر التراث الميثولوجي عند الشعوب هو دلالة على الغنى الروحي، فالمجتمع الفقير في أساطيره وطقوسه وتقاليده الميثولوجية يكون مفرغاً من الأبعاد القدسية ، ليس بالمعنى الديني ، وإنما بالمعنى «الأنثربولوجي».

فالأسطورة التي تشكلت من رحم الفلسفة الإغريقية الفتية منذ القرن السادس قبل الميلاد، تراجعت مندحرة أمام الدين، وغاب الفكر الفلسفي قروناً طويلة قبل أن يبعث مجدداً في أواخر القرن السادس عشر على يد فرانسيس بيكون في بريطانيا ورينيه ديكارت في فرنسا.‏
في حين أن الفكر العلمي بقي في حالة سكون حتى نسف كوبرنيكوس بنظريته الجديدة عن النظام الشمسي قواعد الكنيسة الصارمة التي حكمت أوروبا لفترة طويلة وكانت بداية لمرحلة جديدة من التطور البشري.

ففي الوقت الذي يسعى فيه العلم إلى خلق نظام من المبادئ والقوانين التي يعتمد بعضها على بعض، كذلك كانت الأسطورة تسعى من خلال تمثيلاتها وصورها الحركية إلى صياغة صورة موحدة للعالم، وخلق نظام من الآلهة والقوى التي يعتمد بعضها على بعض في هرمية منسقة للأسباب والنتائج.‏
ورغم وصولنا لمرحلة متقدمة علمياً وثقافياً وتكنولوجياً إلا أنه بقيت هناك الكثير من الأسئلة العالقة التي تؤثر في الحياة اليومية كالعلاقة بين الدين والأسطورة أو الخيال والمورث الشعبي. وليست الأسطورة بشقيها القديم أو الحديث، مختصة بشعب من الشعوب، وإنما هي مشاعة لكل الأمم، على اختلاف أديانها ومللها.

ويمكن القول أن وظيفة الأسطورة هي المتعة كونها «رأس مال» رمزياً، وإرثاً فولكلورياً، ولذا فإنها تحوز اهتمام الشعراء والأدباء والفنانين، ويتخذ الافتتان بالأساطير شكل الاستحضار والاستيحاء، بالنظر إلى السحر الذي تنطوي عليه الأسطورة في العمل الأدبي، فالساحر، والعجيب، والخارق هي مقومات دلالية ، في بنائها وتعابيرها ورموزها، واستعاراتها.
ومع الوقت تطور مفهوم الأسطورة لتصبح حِكايةً ثقافيّةً عالميّةً، ومجموعة حكم للإنسان، ومثال على شموليّة هذه المواضيع، هو أن الكثير من الشعوب التي لم يكن لها اتصال مع بعضها البعض تكون أساطيرها متشابهةً بشكلٍ ملحوظ
فأسطورة هبوط إنانا إلى العالم الأسفل، وهي أسطورة سومرية من الألف الثالث قبل الميلاد، قد استمرت في صورتها الأكادية حتى منتصف الألف الأول قبل الميلاد. وأسطورة هبوط أنكيدو إلى العالم الأسفل، وهي أسطورة سومرية مغرقة في القدم، نجدها بنصها الحرفي وقد أدمجت في ملحمة جلجامش البابلية وشكلت اللوح الثاني عشر من ألواحها، كما نستدل على ذلك من نسخة نينوى التي عثر عليها في مكتبة آشور بنيبال.
كما نجد أن شخصية يسوع تتشابه صفاتها مع صفات آلهة أقدم منه ،فهو نسخة من الإله الميثرائي (ميثرا) الذي سبقت عبادته عبادة يسوع لقرون وتأتي أوجه التشابه في تاريخ الولادة وعدد التلاميذ والتضحية بالنفس لخلاص البشرية والعشاء الرباني، و هناك أيضاً "كريشنا" من الهند ، وأيضاً "كارنا" من العذراء (كونتي) ، و"ديونيسوس" من اليونان ، ولعل أقدمهم هو الإله المصري القديم "حورس".

في حين أن النبي يونس الذي تقول قصته أنه صعد على متن سفينة فهبت عاصفة وضربت السفينة ثم أُلقي منها وجاء الحوت وابتلعه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ثم قذف به الحوت على البر، لها شبيه في الأساطير الهندوسية في قصة "سوماديفا بهاتا" لشخص يدعى "ساكتيديفا" عندما كان على ظهر السفينة فهبت عاصفة كبيرة وتكسرت السفينة إلى قطع ثم ابتلعته سمكة ضخمة، ولم يصب بأذى

وتتشابه قصة ولادة النبي "موسى" مع قصة ولادة "سركون" الأكدي مؤسس السلالة الأكادية حوالي 2300 ق.م، ولها قصة مشابهة أخرى نجدها في أسطورة (ماهابهارتا) لشخصية تدعى (كارنا الذي هو ابن إله الشمس (سوريا - Surya)في الملحمة الهندوسية .

وكلنا سمعنا بالمثل المعروف "يا صبر أيوب" الذي يتحدث عن صبر النبي أيوب على العذاب وهذه القصة نرى مثيلاتها في الأساطير السومرية والبابلية (أسطورة المعذب البابلي) .
فالرجلان كانا تقيان ولهما ثروة كبيرة ومكانة اجتماعية وبدأت تنهال عليهم الكوارث والأمراض وفي النهاية كل من الرجلين شفيا بسبب قوة إيمانهما بالآلهة.
وقد سمعنا جميعاً بقصة لوط وقومه والفتك الإلهي الذي حل بهم بسبب ممارستهم للمثلية الجنسية آنذاك، وبالبحث نجد أن مدينة لوط هي مدينة ايريك في (ملحمة جلجامش) الذي دمرها الاله "ايرا".

وتعتبر قصة طوفان نوح من أكثر القصص شيوعاً يتفق عليها غالبية الأديان والأساطير، وتعتبر أسطورة الطوفان البابلي المذكورة في ملحمة جلجامش أقدم ملحمة أدبية كتبت في التاريخ.

أما عن أسطورة بداية الخلق فأول ما يشير إليها هو نقش سومري يحتوي على رجل وامرأة وبينهما شجرة نخل ، كلاهما ماداً يده نحو عذق التمر الذي يقابله وهناك أفعى منتصبة وراء المرأة تحثها وتغريها على أكل ثمار الشجرة المحرمة ، وصورة النقش موجودة في المتحف البريطاني ونرى لقصة أولادهما قابيل وهابيل وخلافهما البشري الأول قصة شبيهة لها في أساطير وادي النيل في أسطورة ( ايزيس وأوزوريس .

ليبق هنا سؤال لا بد من طرحه هل هذا التشابه ناتج عن اختلاف اللهجات واللغات والعادات؟ أم أنه ناجم عن الأثر الزمني على التاريخ البشري ومحاولة تغيير التاريخ ليتناسب مع المصالح الشخصية للساسة ورجال الدين؟ أم أن الموروث الديني كافة اعتمدت على الأسطورة لترسيخ المعتقدات والإيمان والسيطرة على المجتمعات باسم العبادات الربانية؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا


.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد




.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي