الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرخ في ذات الله

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 8 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٥٩ - شيلنج والجرح الإلهي

الرغبة والمعنى يبدوان كمفهومين متعارضين أو منفصلين، كما تم فصل مفهومي الجاذبية والضوء في فلسفة الطبيعة، أو التعارض والفصل في فلسفة الهوية بين الوعي واللاوعي، الذات والموضوع، والكائن والكينونة إلخ. والحرية تقف عند تقاطع الطبيعة والتاريخ، والرغبة والمعنى. ويبحث شيلينج عن أصل حقيقة الشر في الله ذاته : "بما أن الشر كائن بشكل لا يمكن إنكاره أو الشك في وجوده، على الأقل كمفهوم مضاد للخير، فلا شك منذ البداية في أنه كان ضروريًا لإعلان الله وميلاده ". شيلينج، تحت تأثير جاكوب بوهمه Jakob Böhme 1575 – 1624، المتصوف المسيحي، يميز بين الأساس أو السبب (Grund) والوجود (Existenz). الأساس هو أساس الله وسببه، رغبة عمياء غامضة، غير محددة في الوجود، إنها "الآخر" في الله ذاته. الوجود هو مظهر أو تجسد، إنه خروج من الذات (ركود سابق-ex-stase)، حركة إلهية أو فيض للحب والوحي. هنا يعلن شيلينج ميلاد فلسفة الوجود، التي سيهتم بها سورين كيركيغارد فيما بعد، والذي تابع محاضراته من نوفمبر 1841 إلى فبراير 1842 في برلين، قبل أن يصاب بخيبة أمل. الشر إذا هو الفاصل بين الأساس والوجود، أو هذا الشرخ أو الجرح في ذات الله قبل وجوده وقبل ميلاد الزمان، ولكن شيلنج يطرح مبدأ ثالثًا، وهو الأساس أو السبب الأصلي (Urgrund)، والذي ربما يكون الأرضية المشتركة، والأساس الفريد لتأسيس الوجود. ويبدو أن هذا التناقض الداخلي للقوة الأولى المطلقة ليس منطقيًا، إنه جزء من ديناميكية دائرية متضاربة للقوى الأوسع نطاقا والتي تسمح بظهور القلق : " حياته هي حياة مليئة بالضيق والقلق (Widerwärtigkeit und Angst) ). و يتحدث شيلينغ عن هذه "الحياة العمياء" التي "طبيعتها ليست سوى صراع وقلق وتناقض"، وبالتالي ، فإن الدائرة الأبدية للقوى المتصارعة ليست حالة من الكمال، بل إنها تظهر كإرادة تعمل ضد نفسها (Wider-wille). وهنا يظهر من جديد السؤال القديم: لماذا كان هناك شيء بدلا من اللاشيء، لماذا خلق الله العالم؟ لماذا خلق النقص وعدم الكمال، إذا كانت الحالة "السابقة" على الخلق، حالة الركود وعدم الحركة تتسم بالكمال؟ لماذا أفسد الله نفسه وخلق عالما مهلهلا؟ يبدو أن التوتر الأساسي للقوى المتعارضة هو طريق مسدود ولا يؤدي إلى الثبات والسكون وكأن الله لم يكن له الخيار في أن يكون أو لايكون. هذا الدوران اللامتناهي والمؤلم هو دوري لأنه لا يعرف ما إذا كان يجب أن يتجه إلى الداخل ليستقر في ذاته أو يولد نفسه خارج ذاته، ومن هنا يتولد القلق داخل المطلق. وبالمثل فإن الخلود الذي ينتج الزمن من أجل كسر حركته الدائرية العبثية المؤلمة لا يتوافق مع العلاقة التقليدية بين الخلود والزمان (الدخول إلى الزمن كـحركة "سقوط" ، مثل فساد الأبدية ... إلخ..). على العكس من ذلك ، فإن الانضمام إلى الزمن يسمح للمطلق أن يخرج من المأزق الدائري الذي كان عالقًا فيه إلى الأبد، وبالتالي، لا توجد حالة من الكمال قبل الخلق، بل حالة من القلق والتردد وعدم الثبات والدوران في حلقة مفرغة. الصورة تبدو قاتمة وشيلينج يقدم لنا قصة الخلق في سيناريو أقرب إلى الكابوس منه للحلم. إن الوجود الذي يصفه لا ينشأ أبدًا ولا يتجسد : "نظرًا لأنه دفع وديناميكية دائمة نحو الوجود ولكنه في نفس الوقت لا يمكنه أن يوجد، فإنه يظل في رغبة دائمة (Begierde) للوجود، مثل التطلع الدؤوب، هاجس أبدي ونهم ليكون". بقدر ما يبدو لنا جنونًا وصف شيلنج لهذه الحياة الأبدية، فإن هذا هو ما يشكل البداية المطلقة في حالتها الأولية عندما لم تكن فعلية بعد بل مؤقتة، بداية أبدية تعاود نفسها. هذه البداية ما قبل الدنيوية، تتميز بالقلق والرغبة القلقة التي لا تُشبع لأن ما تهدف إليه، وهو الكينونة، محرومًا منها إلى الأبد. إنها بداية الزمان التي ستنهي هذه الدورة الجهنمية. لكن هذا يتطلب الحرية حيث يتم اكتساب الكينونة الحقيقية بفضل "الآخر"، مشابه في هذا لظهور "الإرادة الحرة والإبداعية الشاملة". لكن هذا "الآخر" لا يمكن أن يكون هوسًا ولا رغبة قلقة ولا طبيعة، أي أنه ليس طبيعة الله الضرورية التي ركزنا عليها حتى الآن. لا يمكننا أن نقول عن هذا الآخر إنه موجود أم لا، كل ما يؤكده شيلينج هو أنه حر إلى الأبد، مثل قط شرودنجر، يمكن أن يكون حيا وميتا في نفس الوقت.
تهدف فلسفة شيلينج الأخيرة إلى أن تكون فلسفة إيجابية، أي أنها تقدم نفسها كقصة أو كسرد un récit شعري وخيالي. الله هو نقطة الانطلاق، وفي نفس الوقت وجود ضروري، ولكن منذ البداية "قوة" - إمكانية وجود آخر. الخلق هو تحقيق إمكانية أن تكون" آخر". الإنسان هو النقطة التي يتم فيها استعادة وحدة القوى ولكن مرة أخرى يتم تفعيل هذه القوة، هذه المرة على مستوى الوعي : إنها الأوديسة الدينية للإنسانية أولاً في الشكل الخيالي للأساطير ثم في شكل ضمير متحرر، ثم على المستوى الشخصي في الرؤيا Révélation أو ما يسمى بالوحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تهدد إسرائيل بـ-خطة رد صارمة-.. هذا ما سيفعله الحرس ال


.. مشاهد جديدة توثق اللحظات الأولى بعد هجوم بئر السبع




.. كاميرا أمنية توثق تحرك منفذ الهجوم في محطة بئر السبع


.. هل مفهوم قرار 1701 متوافق بين حزب الله وميقاتي؟




.. في حملة -من غزة-.. نقلنا قصصكم وعشنا آلامكم وما زلنا نرافقكم