الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي5

سامر أبوالقاسم

2006 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت التربية التقليدية تعنى بتلقين المعارف والمعلومات والمعطيات الجاهزة، دون الأخذ بعين الاعتبار الجوانب المنهجية والبيداغوجية والديداكتيكية. وحتى إن حصل الانتباه إلى بعض مشاكلها، فإن الأمر لم يصل إلى حد الانكباب عليها بما يمكن أن يفضي إلى صياغة نظرية تربوية خاصة بهذا المجال. وعلى الرغم من أهمية جانب المعرفة والمعلومات، إلا أنه لا يمثل في عملية التربية والتكوين كل جوانب الخبرة من اكتساب للمعرفة والمهارات وأساليب التفكير العلمي وتكوين الاتجاهات والقيم وتنمية الميول واكتساب القدرة على التذوق وتقدير الجهد الإنساني... علما بأن هذه المناحي في التربية والتكوين تعمل على مساعدة المتعلم في توجيه سلوكه.
إن وضع تدريس المواد الإسلامية بالمنظومة التربوية المغربية لا يخرج عن إطار التجاذب القائم بين الاتجاه التقليدي في التربية والتكوين، وبين المحاولات المتعددة التي تعمل على استحضار مآزق هذا الوضع، والمطالبة والعمل على تغييره وفق منظور يراعي المعايير والمقاييس المحددة من قبل اتجاه التربية الحديثة، المتبني للإصلاح ذي الأبعاد المنهجية والبيداغوجية والمضمونية والديداكتيكية.
ونظرا لأن الجهات الرسمية ما فتئت تصرح بأن «إصلاح البرامج والمناهج قد شكل أحد المداخل الرئيسية لإصلاح المنظومة التربوية، وذلك بهدف الرفع من جودة التعليم والعمل على إعداد ناشئة متشبثة بهويتها الوطنية، متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، منفتحة على مستجدات العصر، قادرة على المساهمة الفاعلة في الحياة المجتمعية ورفع التحديات المطروحة عليها» (13)، فإن طرح إشكال تدريس المواد الإسلامية يقودنا – بالضرورة – إلى البحث في قضايا ذات أبعاد منهجية ومعرفية وبيداغوجية وتقنية وجمالية متعددة؛ منها ما يرجع إلى قضية الرجوع إلى التراث وما يطرحه من مشاكل مرتبطة بالاتجاهات الفكرية والسياسية المتعددة، ومنها ما يعود إلى قضية اختيار مكونات المادة ومنهاجها العام وما يرتبط بها من مشاكل ذات الصلة باختلاف وجهات نظر الفرقاء المتعددين، ومنها ما يرجع إلى الموقف من التعامل مع معطيات التربية ومناهج التدريس وباقي العلوم الأخرى، ومنها ما يعود إلى الموقف من تبني المناحي التقنية والجمالية في تقديم هذه المواد للمتعلم.
علما بأن المتتبع لتدريس المواد الإسلامية بنظامنا التربوي يجد نفسه في حقل شائك يتطلب منه غير قليل من الحيطة والحذر، بسبب أن من كان ولا يزال "يدافع" عن هذه المواد يختلط فيه البعد المطلبي ذو المنحى التغييري الهادف إلى نوع من التجديد في الفكر الديني والتربوي بالمغرب، والآخر ذو الأبعاد الحالمة بـ"الرجوع إلى السلف الصالح" ونعت كل ما ينجز أو يطلب إنجازه بـ "خدمة سياسة التغريب والعلمنة" و "ضرب المقومات الهوياتية الإسلامية".
إن هذا المنحى الأخير في "الدفاع" عن تدريس المواد الإسلامية بالمنظومة التربوية المغربية، في جزء كبير منه، يعتمد بالأساس على الرجوع إلى "الكيفية التي كان يدرس بها الدين الإسلامي في عهد النبوة"، ليستمد منها جملة من الفرضيات والمعلومات حول طرق وكيفيات تدريس هذه المواد، وذلك نظرا لـ"خصوصيات" هذه المواد، إذا ما ارتكزنا على "المصادر الرئيسية" من قبيل المصادر الدينية وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، و"المصنفات والكتب" التي عالجت مسألة التربية والتعليم وتطرقت ضمنها إلى تدريس الدين الإسلامي، و"المصادر الحية" التي تتمثل في المؤسسات والأشكال التعليمية التي لا تزال قائمة إلى الآن؛ مثل الكتاتيب القرآنية والزوايا والمعاهد الأصلية...
إن برامج ومقررات المواد الإسلامية، انطلاقا من منظور هذا الاتجاه الذي ظل سائدا لعقود من الزمن، هو الذي وضع الاهتمام الكبير بالجانب المعرفي والمعطيات الجاهزة من جهة، والاعتماد على هذه المصادر وحدها من جهة أخرى، دون الاعتناء بباقي الجوانب المنهجية والبيداغوجية والديداكتيكية في تدريس هذه المواد، وهو الذي أدى إلى صياغة وبلورة الشروط والظروف غير المنتجة في تدريس هذه المواد داخل منظومتنا التربوية. بل وهو الذي ساهم إلى جانب حيثيات أخرى في تقوية عوامل الغلو والتطرف الديني داخل المجتمع.
وحتى من "طالب" من داخل هذا الاتجاه باعتماد ما استجد في عالم التربية والتكوين اليوم، فإن حدود مثل هذه "المطالبة" لم يتعد سقف التوصية بالبحث في مدى حضور إمكانية توظيفه في تدريس هذه المواد لا أقل ولا أكثر.
وفي اعتقادنا، فإن هذا الاتجاه – بكل مكوناته - لا يتجاوز سقف وحدود التعبير القوي عن تبني التربية التقليدية، المستندة إلى مجموعة من الإشارات والآراء التراثية في مجال التدريس، دون أن ترقى إلى حدود تشكيل نظرية تربوية متكاملة ومتوازنة، من حيث الأخذ بكافة المرتكزات والمناحي التي ينبغي اعتمادها في تربية وتكوين النشء المغربي في العصر الحالي.
هذا الوضع المأزوم لوضع تدريس المواد الإسلامية يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: ما الذي يضيرنا كمغاربة إن تخلينا عن هذا المنحى في التشبث المغالي والمتطرف بـ"خصوصية" هذه المواد، وسمحنا لأنفسنا بإتاحة الفرصة للتعامل الموضوعي مع مستجدات الواقع من جهة أولى، ومع طبيعة وشكل التفكير المعاصر من جهة ثانية، ومع معطيات التربية الحديثة من جهة ثالثة، بهدف إغناء هذه المواد، سواء من حيث المضامين أو من حيث طرق التدريس أو من حيث ربطها بالواقع المتحرك، بما يقوي ويُفعّل الغايات والمقاصد الكبرى، المتمثلة في العمل على ترسيخ مجموع القيم المرتبطة بالعقيدة الإسلامية وتثبيت وتحريك القيم ذات الصلة بالهوية الوطنية في أبعادها الثقافية والحضارية من ناحية، مع الإعمال الفعلي لكل من القيم المتصلة بالمواطنة وثقافة حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا من ناحية أخرى؟
بمعنى آخر، إن خصوصيات المواد التعليمية كيفما كان نوعها تشكل رافدا من روافد منهجية تدريسها، لكن هذه الخصوصية لوحدها غير كافية للإجابة عن المناهج والطرق التي تنتج بواسطتها المعارف والمعلومات في الوقت الحاضر، ولا للإجابة عن كيفيات تصنيف هذه المعارف والمعطيات وفق شروط العصر، ولا للإجابة عن صيغ الانتقاء والاختيار التي ينبغي أن تطال المعارف والمعلومات لتشكيل منهاج أو برنامج محدد للمادة في الوقت الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah