الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي4

سامر أبوالقاسم

2006 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الإصلاح الذي يتوخى مجتمعا بديلا ويتموقع في أفق بديل يتطلب أن «تكون المنظومة التربوية والتعليمية في اتجاه معاكس لجاذبية الموروث المتجاوز بكل أبعاده بما في ذلك الثقافية والبيداغوجية، مما يفرض الإبداع المتواصل من حيث تمثل المبادئ والقيم والمرتكزات وأجرأتها وتفعيلها. إذ عليها أن تتخلص من جاذبيتها الضاغطة لدورها الطبيعي المحافظ ...» (10)، وعليه فإن الإشكال يصبح أعقد، على اعتبار أن ابتعاد الفكر الفقهي – بهذا المعنى – عن واقع مجتمعنا الموضوعي في شقيه الثابت والمتحول، يعد من أهم المعضلات التي نعاني من التخبط فيها كمجتمع متطلع لنمط من التفكير بشكل مغاير لما عرفه التفكير الإسلامي من أنماط لم تعد في جزء كبير منها صالحة لتأطير وتنظيم العلاقات القائمة في الحاضر، وهو ما يملي علينا الانكباب على إيجاد صيغ مفضية إلى نوع من التجديد على مستوى المنهج الفقهي، بهدف فسح المجال للموضوعات الحياتية الجديدة، وبغرض التحرر من الموضوعات الميتة، التي لم تكن تمثل سوى حاجات الماضي، دون القدرة على الثبات لتمثيلية حاجات الحاضر وتحديات المستقبل، وهو التجديد الذي ينبغي أن يقوم - بالضرورة – على العلاقة التفاعلية القائمة بين تطور مختلف أصناف المعارف والخبرات البشرية وبين تجديد الفقه وتطويره، وهو ما يفيد كذلك بأن مجال الفقه هو أوسع من دائرة اختصاص الفقهاء.
من هذه المنطلقات يمكن الوصول إلى نتيجة أن علينا تجاوز منطق تقديس الموروث تقديسا يتعدى جميع حدود الاعتدال إلى درجة الخوف من إعادة النظر في القضايا والمسائل ذات الارتباط بالحياة اليومية، كما علينا القيام بتبني التصور المتقدم الضابط للعلاقة بين الزمن وحياة هذا الشعب المغربي من جهة، والناظم لإيقاعات هذه الحياة التي نحياها والمطالب المادية والرمزية المتمثلة في الثقافة والتربية والتكوين من جهة أخرى.
على أنه لا ينبغي أن ننسى بأن هناك علاقة جدلية بين ما يمكن التوصل إليه من عناصر القوة الدافعة في اتجاه التجديد والتطوير في مجال المعارف والخبرات، أو لنقل في مضمار الثقافة ككل من ناحية، وبين ما يمكن اعتماده كمرتكزات بيداغوجية بمضامينها وطرقها وأدواتها ووسائلها المختلفة بالمنظومة التربوية التعليمية من ناحية أخرى، إذ المنظومة التربوية لأي بلد تكون موسومة بعناصر التقدم أو التخلف بمقدار ما يتسم به الوضع المجتمعي بشكل عام، ويتخذ الاختلاف فيها بين النظريات التربوية الأبعاد النظرية والعلمية التي تسم فكر كل صاحب نظرية أو طريقة في التربية والتكوين، وهو ما حدا بنا إلى الحديث أعلاه عن طبيعة وشكل الاختلاف القائم بين كل من الغزالي وابن خلدون، من حيث رؤيتهم للتربية والتنشئة.
ومن هذا الموقع يمكن اعتبار تبني الاتجاهات الحديثة في التربية هو شكل من أشكال التعبير الجزئي عن الحركة الإصلاحية وعن أسسها الفكرية والثقافية، وهي – في نظرنا – أداة صالحة لتحديث المجتمع المغربي على أسس من العقلانية والإنسانية والعلمية، وذلك لأن « الثقافة والتربية تشكلان محورا من المحاور الجوهرية التي تحدد المواقف والاتجاهات السلوكية والذهنية للشعوب عامة، وللمفكرين على وجه الخصوص » (11).
لقد كان قطاع التربية والتعليم بالمغرب إلى حين قريب، موسوما بكل أنواع النعوت السلبية الممكن الاتصاف بها من طرف المنظومات التربوية التي لم تحض بالعناية من طرف مجتمعاتها، بحيث إن نوعيات ومحتويات التلقين والتدريس والتقويم لم تعمل على تغيير عقلية المواطن وإعادة تشكيلها، كما أنها لم تقم بدور تحرير المواطن من عناصر التواكل والتلقي والخنوع، بل الواقع يطرح مشكل الفصل بشكل تام بين ما يتم اكتسابه في المؤسسات التعليمية وبين ما هو موجود في الواقع اليومي للمتعلم من مؤسسات أخرى تضطلع بأدوار ذات تأثيرات موازية على الناشئة المغربية برمتها، والأكثر من ذلك أن التعليم في المستويين الأساسي والثانوي ظل متسما بـ«انغلاق في مجال التخصص الضيق للمادة الدراسية .. وقطائع حتمية بين كل مستوى دراسي والمستوى اللاحق ثم بين كل مادة وأخرى» (12).
وبالرغم من الوضع السيئ الذي تعاني منه المنظومة التربوية، وبالرغم من الدرجات العالية في التعبير عن نسب العجز في حل المعضلات المرتبطة بالتربية والتكوين، فإن البعض وبـ"مبررات" الهوية والخصوصية تجده مستعيضا من الأنساق التعليمية في "الغرب"، ورافضا رفضا قاطعا لمواكبة التحولات الجذرية التي يعرفها حقل التربية في ارتباط بالمعرفة العلمية والإنسانية، حيث تم تحويل المؤسسة التعليمية إلى فضاء متميز حاضن لعمليات تفجير واستثمار القدرات العقلية لدى المتعلمين، وتأطيرهم وتوجيههم ومساعدتهم على التفكير لوحدهم، بدل الانغراس في البحث عن ترويضهم داخل أنساق غير منتجة بالمرة.
لذلك، فالأمر يتعلق ببون شاسع بين ما يحصل في العالم من تحولات كبرى على مستوى أنظمة التربية والتعليم، وبين ما يتم اعتماده في المدرسة المغربية، وهو ما يحدونا إلى أن نزرع روح الأمل، ونتوسم في الإصلاح الذي يطال المنظومة التربوية المغربية منذ بداية هذه الألفية الثالثة في أن يعمل على إعادة الاعتبار لدور المؤسسة التعليمية من جهة، ويعيد النظر في تصورنا للأجيال الصاعدة من جهة أخرى، مع الاحتفاظ بالمسافة النقدية اللازمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah