الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأطير التربوي الديني في ظل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي2

سامر أبوالقاسم

2006 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نود لو أن سهام النقد الفكري التربوي بالمغرب ينصب على إستراتيجية الإصلاح البيداغوجي لقطاع التربية والتكوين، من خلال مدى قدرة المناهج والبرامج الإصلاحية الجديدة على المساهمة في جعل الناشئة المغربية المستهدفة مستوعبة للقيم الدينية والوطنية والمجتمعية، ومتصفة بالاستقامة والصلاح والاعتدال والتسامح والاندماج الاجتماعي وقبول الاختلاف، ومتفاعلة مع مقومات المجتمع المغربي ومع التفتح على معطيات الحضارة الإنسانية، ومشاركة بشكل إيجابي في تدبير وتسيير الشأن العام الوطني والجهوي والمحلي، وقادرة على التعلم مدى الحياة، ومتمكنة من التواصل بمختلف اللغات الأكثر انتشارا. وهو جوهر التغيير المنشود، ليس فقط في المنظومة التربوية، بل في طبيعة وشكل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المغربية.
الحديث عن مواصفات المتعلمين كصورة وملامح عامة يراد لها أن تطبع شخصية خريجي النظام التعليمي؛ من قيم ومعتقدات واتجاهات وميول، والحديث عن كفايات ومهارات وسمات يراد لهم التميز بها، لا يعني سوى الرغبة في التركيز على مدى توافق ما يعتمل في مجال التربية والتكوين مع مكونات الهوية الوطنية المغربية بمختلف أبعادها وطبيعة توجهات واختيارات وتطلعات المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي من جهة، ومع وتيرة التطور الحاصل في مختلف المجالات على المستوى الدولي من جهة أخرى، وكذا مدى التوافق مع القضايا والمبادئ والحقوق والمعاهدات والقوانين الدولية والوطنية المستجدة.
فهل يمكننا التطرق اليوم لمدى قدرة المواد الإسلامية على التكيف مع ما تتطلبه هذه المنطلقات المراعية لمستويات الناشئة المختلفة وشخصيتها وانفتاحها وتطلعها إلى تنمية مداركها ونهجها العلمي ومبادراتها وإبداعاتها؟ على اعتبار أن هذا السؤال يشكل أحد المداخل الأساسية التي ستمكننا من ولوج مدار التجديد في طرق ومناهج ومحتويات ووسائل التفكير الإسلامي بالمغرب ككل؟
إن تدريس المواد الإسلامية في نظامنا التربوي التعليمي يطرح سؤالا جوهريا حول مراجعة ونقد سائر أنماط التفكير في الحقل التديني بالمغرب، لذلك فأول ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن بخصوص هذا الإشكال هو كيفية مقاربة هذه المواد المدرسة، وأنواع المداخل الممكنة والمتاحة لمعالجة القضايا المرتبطة بها داخل بنية النظام السياسي والاجتماعي المغربي الراهن.
وقد يبدو أن الأمر متعلق بالجوانب المرتبطة بتسمية هذه المواد بـ"الإسلامية" فقط، لكننا نود التركيز على مقاربة الموضوع مقاربة متعددة الجوانب والمستويات، وهو ما تفرضه طبيعة وشكل هذه المواد من جهة، وحرارة النقاش الجاري اليوم حول قضية العلاقة القائمة بين التدين والسياسة من جهة أخرى، وذلك حسب معطيات الوضع الذي تعرفه حالتنا الوطنية.
ومن منطلق الإيمان بعدم وجود ما يسمى بالبساطة في المفهوم، فإن تسمية هذه المواد بـ"الإسلامية" تطرح أكثر من سؤال مرتبط بعمليات التشويش التي تمارسها داخل الحقل التربوي التعليمي، ومن خلاله يمتد ذلك إلى قلب المجتمع عبر مجموعة من التعبيرات السياسية/الدينية المتواجدة في الساحة.
ففي الوقت الذي كان يعطى لهذه التسمية فهما مجازيا من حيث الربط بين التربية والإسلام ربطا يحيل على التطابق بينهما، وفهما مرتبطا بممارسة تربوية بشرية "مستلهمة" للعديد من القيم والمبادئ والخصائص من المصادر الأساسية للدين الإسلامي، حسب سياقات التفسير والتأويل البشريين، أصبح اليوم جزء من المجتمع يسير في اتجاه إعطاء هذه المواد طابع القدسية، من منطلق اعتبارها مطابقة للدين في حد ذاته، ويجد هذا التوجه مرجعيته في بعض التوجهات "الإيديولوجية" الإسلامية أو أفكار بعض الشخصيات الإسلامية، حيث يرى السيد قطب بأن « التربية الإسلامية يلتقي مضمونها مع مضمون الإسلام، ويتلخص في صياغة الفرد صياغة حضارية إسلامية وإعداد لشخصيته إعدادا شاملا وكاملا من حيث العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات والذوق » (3)، ويذهب الأمر إلى حد اعتبار أن « منهج التربية الإسلامية هو المنهج الرباني لتقويم البشرية وتوجيهها، لترشد وتتوازن، وتسلك سلوكها المستقيم في الحياة » (4).
بل إن الأمر في إطار المقارنة سيصل إلى درجة الاعتقاد بأن « منهج التربية الإسلامية فريد في كل مناهج الأرض، وإن التقى ببعضها في التفصيلات والفروع. فريد في شموله ويقظته لكل دقيقة من دقائق النفس البشرية وكل خالجة وكل فكرة وكل شعور. وفريد في أثره في داخل النفس وفي واقع الحياة » (5).
هذا التأويل وجد صداه في العديد من البلدان الإسلامية خلال فترات "الأزمة" ومنها المغرب، كما أن هذا الفهم الذي ألصق بهذه المواد من حيث التسمية من جهة، ومن حيث التأويل الذي ألبسها الصبغة الربانية في تقويم البشرية وتوجيهها، والخروج بها عن سياق الفهم التاريخي المألوف، الذي كان يراد منه ممارسة بشرية لعملية التربية على الناشئة وفق فهم محدد في الزمان والمكان للمقاصد والنصوص الشرعية، ستتولد عنه العديد من المشاكل المرتبطة بالنظر إلى هذه المادة في واقع منظومتنا التربوية والتعليمية، وكذا بالنظر إليها في واقع ممارساتنا السلوكية والاجتماعية.
مثل هذه المشاكل المرتبطة بالسياقات المفاهيمية والحقول الدلالية، التي تبدو في أول الأمر من البساطة ما يجعلها بعيدة عن التسبب في خلق أية أزمة مجتمعية، حسب ما نظن، شكل أرضية خصبة للتطرف والغلو الديني بالمغرب، لا سيما وأنه وجد تربة ملائمة في ظل طرق وكيفيات "التأطير والتوجيه" المعتمدة من طرف جماعات التيار السياسي الديني في مختلف الحقول الاجتماعية التي تتواجد بها.
إن الاهتمام المتزايد بالمسألة الدينية والمذهبية، في ارتباط بقضايا التنمية والدمقرطة والتحديث، من طرف المثقفين والسياسيين عموما، له أسباب وعوامل مرتبطة بأحداث ووقائع اجتماعية أو سياسية معينة، لكن المؤكد هو أن هذا النقاش احتد في المغرب، كما في باقي البلدان الأخرى، مع ظهور ممارسة مدعومة من طرف أكثر من جهة، داخلية وخارجية، تروم اتجاه كبح أي إصلاح أو تغيير، إن على المستوى السياسي أو القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو على المستوى التربوي؛ وهذا هو بيت القصيد في موضوعنا هذا.
غير أن هذا المنحى العام في التعليل، يبقى غير كاف لمعرفة أسباب هذه الدرجات القصوى من التعطش لدى القراء المغاربة، التي فرضت نوعا من الإيقاع على مستوى المواكبة الإعلامية اليومية لكل النقاشات الدائرة حول المسألة الدينية والمذهبية، سواء في علاقتها بقضايا المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للجدل الصاخب الذي عرفته قضية المرأة، إبان مناقشة خطة العمل الوطنية لإدماجها في المحيط الأسري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أو في علاقتها بالدولة، كما هو الحال بالنسبة لما دار من نقاش حول المشاركة السياسية للتيار السياسي الديني، أو حول الأحداث الإرهابية التي عرفتها بلادنا في 16ماي 2003، أو ما تلا ذلك من أحداث ووقائع عدة في السنوات الأخيرة.
ويعد هذا الاهتمام بالشأن الديني في هذه المرحلة - حسب اعتقادنا - وليد الوقع السلبي الكبير على مستوى الإحساس بالأمن والاستقرار، الذي أفرزته مجموعة من الأحداث المتوالية، المعبرة عن الميل إلى التعصب والتطرف الديني والمذهبي، ونتيجة الأثر البالغ على مستويات التأطير والتوجيه التربويين داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومن خلالها على مسار تلمس مداخل الانتقال الديمقراطي، ومحصلة الانعكاس الخطير على مستوى الإرادة السياسية والخطوات الإجرائية الهادفة إلى إقرار وضمان وإعمال ترتيبات المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
وبالمقابل لابد من وضع هذا الواقع في إطاره الشمولي والمرتبط بعمليات التهديد المباشر الذي تعاني منه مختلف الثقافات المحلية والجهوية، وفي القلب منها الثقافة ذات الجذور الإسلامية، في مواجهة دعاة العولمة الساعية إلى تنميط العالم وفق الرؤية والمنظور السياسي والاقتصادي الأمريكي، المنتهجة منذ نهاية ما كان يسمى بالحرب الباردة.
المسلمون اليوم داخل مجتمعاتهم، مهددون وغير آمنين ومحبطون في العديد من المواقع الجغرافية بسبب دعم القوى الكبرى لأنظمة حكم استبدادية تعمل على استخدام الدين لضرب حق شعوبها في المواطنة، كما أن طروحات هذه القوى حول الإصلاح والديمقراطية والعدالة والمساواة الاجتماعية، متناقضة على أرض الواقع، بفعل سيطرة نظام المصالح على حساب الأبعاد الإنسانية والاجتماعية. وهكذا فالتخوف من الانعكاسات السلبية لهذا التهديد على مختلف الثقافات المحلية، يعد من حيث المبدأ من الأسباب الداعية إلى إنتاج الصيغ والآليات والطرق الدفاعية، لممارسة نوع من "الحصانة" الممكنة واللازمة، للتخفيف من حدة حجم الانعكاسات السلبية لعملية التنميط العالمي هذه، على أقل تقدير.
إلا أن هذا النوع من التفكير الدفاعي، وهذه الطريقة في فهم ما يجري على مستوى الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية، عليهما ألا يسقطا في فخ الفهم الأسطوري أو المقدس لمفهوم الهوية والخصوصية، وعليهما أن يتجاوزا اعتبار الهوية مفهوما ثابتا غير قابل للتحول والتبدل، لأن مثل هذه الفهوم الساذجة والشكلية للهوية تتحول بدورها ـ مثلها في ذلك مثل أي تدخل خارجي سافر ـ إلى معيق من نوع آخر في وجه عمليات البناء والتحديث المجتمعي، سواء في الحاضر أو المستقبل.
فوعينا بالحمولة السياسية والدينية والاجتماعية والتربوية للمواطنين وللأسر بالمغرب، هو الذي يدفعنا أكثر، ويحملنا على المزيد من الاعتقاد بأن الدراسة والبحث والاستقصاء عن الخيوط الناظمة، التي عملت وتعمل على إنماء شروط وعوامل الغلو والتطرف داخل المجتمع المغربي على مستوى ترويج الأفكار والمواقف، هي على درجة كبيرة من الأهمية في وقتنا الحاضر.
وأملنا الكبير في الوقت الحاضر أن نحافظ لأنفسنا على المسافة الضرورية واللازمة التي تجعلنا نبتعد كل البعد عن منطق تحميل الإسلام مسؤولية الفهوم والتأويلات المغرضة، وكذا الأحداث والوقائع الشنيعة، التي ترتكب في حق الإنسانية اليوم باسم الدين، فإيماننا عميق وراسخ بأن ما حدث أو ما سيحدث هو محصلة ونتاج فهم بشري تأويلي مغرض للدين، يتضمن شحنات عالية من الغلو والتطرف، كما أن رهاننا قوي على المنظومة التربوية لتقويم هذا المسار المتعلق بالمسألة الدينية والمذهبية بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah