الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عِبرة إلا بالعَبرة

محمد عبدالرضا الربيعي

2021 / 8 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أمام بيتي المتواضع وقف صديق لي لم أره منذ زمن، وبعد أن سمعت طرقات يده على بابي أسرعت وفتحت له، نظر إليَّ نظرة استغراب ممزوجة بشيء من الاستهجان، فقد كانت عيناي متورمتين من الحزن والبكاء، فصديقي المحترم قد جاءني في وقت كنت أستمع فيه الى محاضرة دينية تُطُرّق في نهايتها الى ما حدث لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من مآسٍ يندى لها الجبين وتذرف الدموع ويُثار منها الغضب.
سألني:- ما بك؟!
- لا شيء، كنت فقط أستمع لمحاضرة ذُكر فيها الإمام الحسين (عليه السلام).
- يبدو أنك لم تفهم الحسين جيداً، فهو لم يضحِّ بنفسه من أجل أن نبكي عليه، الحسين أعظم من ذلك...
وبينما هو يتحدث وإذا بهاتفه الجوال يرن، بعد أن فتح الخط تسمّر في مكانه واصفر محياه ثم أجهش بالبكاء. وبعد محاولات لإسكاته تمكنت من معرفة ما حدث، فقد توفي قريب له يسكن إحدى المحافظات البعيدة متأثراً بجرح أصيب به جراء نزاع عشائري عنيف سببه بقرة تجاوزت حدود مزرعتهم وأكلت من ثمارها!!
استمر الصديق بالنحيب حتى ابتل وجهه ولحيته ثم سقط يبكي كالمجانين.. وبعد أن هدأ اعتذر لبشاعة مظهره وصراخه العالي في بيتي فهونت عليه وقدمت له العزاء ثم ودعته.. وبعد ثلاثة أيام أرسلت له رسالة كتبت فيها "تقبّل تعازي الحارة لوفاة قريبك، يبدو أنه كان عزيزاً عليك، أنا أيضاً لدي ما هو عزيز علي فأبكي لأجله، ولكن الفرق بيني وبينك أنك تبكي رجلاً قُتل بسبب بقرة، وأنا أبكي رجلاً قُتل لأجل أمة"!
خلال السنوات الأخيرة تداول ناشطون ومدونون بوستات ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تُشكِل على إحياء الشعائر الحسينية من نعي ولطم وبكاء وتراها مظاهر متخلفة لا تنم عن شعب متحضر، معللين ذلك بأن ثورة الحسين غايتها استئصال الظلم ومناهضة الطغاة، ومتناسين أنها طقوس شعبية حسينية دأب محبو أهل البيت على إحيائها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ولكل مجتمع طقوس فلكلورية يختص بها عن المجتمعات الأخرى.
من يدقق جيداً في هؤلاء سيجدهم أذكياء وبارعين في طريقة طرحهم مما يدل على أنهم واجهة لماكنة إعلامية مموَّلة جيداً، فهم يحاولون دحض الحق بالحق، إذ ما يقولونه جله صحيح، ولكن ما حدث لسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فجائع وأهوال لا يمكن أن نقرأه كما نطالع رواية أدبية ما، ولا يمكن لأي امرئ ولج الإسلام لبه أن تهون عليه كارثة قتل الحسين وأولاده وإخوته وأصحابه وسبي حرائره على أيدي شلة مجرمين قد لعنهم الله والتاريخ!
الإمام الحسين ثورة، هذا صحيح، وواجبنا اتباع ثورته والاقتداء بها، ولكن كيف نعرف الحسين بدون ذكره؟ وكيف نوصل تعاليم الثورة الحسينية إلى الأجيال اللاحقة من دون بيان أحداثها؟!.. العَبرة والعِبرة صنوان لا يفترقان إذا أردنا الانتهال من فيض أبي عبد الله وثورته المعطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني