الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سحق العقل أمام العاطفة الدينية

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2021 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مما لا شك فيه أن أبسط واجبات الدولة أن تصنع مواطنين ملتزمين بالقانون وليس مشايخ ولا قساوسة ولا رهبان، فالدين وإن كان في السابق قد حدد أولويات ومفاهيم وأشكال التعامل البشري وطرق حل النزاعات وارتقى في معظم الحالات لتشكيل دول وإمارات ، إلا أن النزعة الدينية ومنع اختلاط الأعراق وتمازج الأديان قد بات يشكل حجر عثرة في تشكيل الدول المعاصرة وهي القائمة على مزيج من الأعراق والأديان وتحكمها سلطة القانون.
حيث تتسبب العواطف الدينية والتعصب الطائفي بوصفهما أداة سياسية وإعلامية انتقائية بكم هائل من الاحتقان الشعبي والتعبوي، فيما لو كان هناك احتجاجات أو احتقان شعبي وتغيب المحاكات العقلانية فيما لو كان هناك انفلات أمني أو حركات مسلحة وتصبح أرواح المواطنين كافةً بيد فئة محددة من الطوائف التي تملك السلاح وتوجهه باتجاه الآخرين.
لكن ما الذي يجعل الدين يقوض سلطة دول بأكملها و يحكم سيطرته التامة على العقل البشري بهذه الطريقة:
1ـ السلطة الدينية
تشكل السلطة الدينية أقوى سلاح في توجيه الشعوب وتسعى لفرض وصايتها على عقول الجماهير عبر مجموعة من القواعد أبرزها الاجتهاد في التفسير أو احترام القاعدة الفقهية أو اجتزاء الآيات وانتزاعها من سياقها لخدمة المصالح الدنيوية الخاصة سواء كانت سياسية أو مالية أو سلطوية, ويأتي ذلك في إطار الاعتماد على سلطة تأويل اللفظ لا المعنى ، وهذا لا يقف عند الإسلام فقط وإنما يتشعب إلى كافة الأديان والنصوص الدينية.
2ـ القاعدة البشرية
من المتعارف عليه أن واجب رجال الدين توجيه الجماهير للتقرب من الرب روحياً وإنسانياً وأخلاقياً سواء كان هذا بالعبادات أو الأضاحي أو التزام الخلق الحسن، ولكننا نجد أن هناك حالة من الأسر تمارسها السلطة الدينية على الشعوب حيث تعمل على تغييب العقل والتوجيه صوب الأسطورة والخرافة والسحر والحسد والابتعاد عن الأفعال التي تحاول أن تأخذ الأمور بواقعية وعقلانية ووضوح، وتبحث عن تفسير كل شيء وفق منطق عقلاني علمي دقيق.
3ـ الحقيقة المقدسة
يعتمد الدين على امتلاكه الحقيقة المطلقة الغير قابلة للنقاش، والعقل لا يوافقه ولا يسايره بتاتاً، حيث أن طريق العقل مبني على المنطق والعلم والوضوح، فالحقائق التي يتبناها الدين لا يمكن أن تستخدم العقل من أجل تفسيرها، فلو فعلنا ذلك لوجدناها بدون معنى، ولاكتشفنا مدى ما تنطوي عليه من خرافة وهراء ومن هنا فقد قوبلت جميع الحركات الإصلاحية التنويرية لتأويل النصوص الدينية بالاتهامات بالكفر والإلحاد والتهديد والقتل.
التعصب
يعود التعصب إلى حالة انفعالية من دون أدلة أو براهين تتسم بالجمود والانغلاق وهذا يؤثر بشكل خاص على تفكير المتعصب وعاداته اليومية، ورغم مواجهته بالفهم السليم للحقائق، إلا أن الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد من الآخرين ومقاومة الفتن والإعلام المضلل والتعاون مع الآخرين والاستفادة مما عندهم من معارف وخبرات يبدو مُغيباً، حيث يتم تأطير العقل وقدراته في اتجاه معين يبدو فيه أي محاولة لتنويره عبارة عن جهد ضائع مخالف للمنطق التعصبي.
اللاوعي
يشكل الدين حلقة ظاهرة لاعقلانية تقوم على الإيمان والتسليم، وتنتقل بالتلقين من جيل إلى جيل، وفي هذا يتساوى جميع المتدينين من جميع الأديان رغم ما بينها من خلاف وتناقض ويمكن القول أن ﻧﻴﺘﺸﻪ لامس هذا الواقع المر الذي لا يمكن نقضه حيث قال وﻫﻢ ﻳﻨﻌﺶ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﺘﻞ فميزان العقل سيضع الأمور في نصابها الصحيح ويبعد الأوهام والشكوك والتناقضات وبالتالي يقوض السلطة الدينية المطلقة بوصفها سلطة سماوية، حيث لا يمكن لأي دين على الإطلاق أن يقدم الدليل القاطع على سماويته ،وكماله وكونه دين الحق الأوحد.
في النهاية مما لا شك فيه أننا أمام مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الوعي البشري كافةً، فالقوى الدينية مضطرة لتطوير خطابها الديني، وجعله أقرب ما يمكن إلى العقل والعلم وإلا فسيقل عدد أتباعها بالتدريج نتيجة منافسة القوى العقلانية اللادينية التي تستجيب لتحديات العقل والعلم، وبالتالي لن يبقى لدى هذه القوة المحافظة في المحصلة إلا العنصر الأميّ معرفياً الذي ستتناقص كميته أيضاً مع استمرار عملية التطور البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة