الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الاسلام وتبعية العقل الكردي
صالح بوزان
2021 / 8 / 13العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يمكن معرفة إشكالية العقل الكردي القومية دون معرفة نوعية تأثير الاسلام على هذا العقل. فمن أبرز معالم هذا التأثير أن أغلب رجال الدين الكرد ومؤرخيهم القدماء والمعاصرين يزعمون أن الكرد دخلوا الاسلام طواعية. لا أدري هل هذا الزعم هو لمجاراة المحيط الاسلامي أم أن الايمان الديني يدفعهم كما قال طه حسين "بأن حبهم للإسلام جعلهم يكتبون ما يعزّ الاسلام وينصرفون عن كل شيء يخالف ذلك". (1) هذا ما فعله العلماء والمدونون العرب القدماء. أما على الصعيد الكردي فقد جعل المدون والكاتب الكردي انتماءه الاسلامي فوق انتمائه الكردي. نجد ذلك بوضوح في كتابات محمد كرد. وقد عبر عن هذا الاتجاه الكردي الدكتور محمد رمضان البوطي علناً عندما وضع هويته الكردية تحت حذائه نصرة للإسلام.
لم يأتوا العرب المسلمون إلى بلاد فارس، وضمناً إلى كردستان كمبشرين بدين جديد، وإنما جاؤوا غزاة يريدون من أمور الدنيا أكثر مما يريدون من أمور دينهم.(2) تصرف العرب على طبيعتهم التاريخية وأخلاقيتهم البدوية المتوارثة أكثر مما تصرفوا كمبشرين. أورد مؤرخ روماني (بويا الصغير) الذي عاش نهاية عصر ما قبل الميلاد أن السودان "كان في زمن أغسطوس بيد العرب الذين كان دأبهم الغزو وفخرهم القتال وغايتهم السلب وإذا أصابوا منه شيئاً عادوا إلى منازلهم مفتخرين بفروسيتهم". (3) وهذا ما فعلوه في بلاد ايران والشام وشمال أفريقيا. ما أضاف الإسلام إلى سلوكهم أنهم لم يعودوا إلى موطنهم هذه المرة، وإنما أرسلوا الغنائم والسبايا، وبقوا كقوة احتلال يديرون البلاد المحتلة ويسودون على أهلها. فاستولوا على الثروة وعلى البشر.
كانت الدولة العربية الاسلامية منذ تأسيسها "دولة سيف وسنان" كما يقول محمد كرد علي.(4) يذكر التاريخ أن الغزاة العرب سبوا الآلاف من االفارسيات والكرديات. ويقال أن فيروز النهاوندي (أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيُّ ) قام باغتيال عمر بن الخطاب انتقاماً لبنات البلاط الشاهي اللاتي أصبحن سبايا وجواري أمام عينيه لدى بدو مكة.
إن كتب التاريخ مليئة بالفظائع التي ارتكبها الغزاة العرب في كردستان. والأهم من ذلك أنهم سعوا للقضاء على البنية الثقافية للسكان. فأحرقوا المكاتب بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، ودمروا معابد النار الزردشتية، وحولوا كلمة "مجوسي" التي تعني الكاهن في الديانة الزردشتية إلى شتيمة مازالت مستمرة حتى اليوم على لسان العرب والكرد المسلمين على حد سواء.
من أين جاء العرب بهذه الاستراتيجية العسكرية والفكرية؟
كان مؤسسهما محمد وليس أي شخص عربي آخر. امتلكت هذه الشخصية التاريخية عقلاً استراتيجياً بعيد المدى يتجاوز الأفق البدوي المحدود، وأحدث في عقول العرب ثورة كبيرة.
لكي نفهم هذه الأيدولوجية والاستراتيجية المحمدية علينا أن نتتبع محمد من خلال القرآن وليس من خلال السيرة النبوية المشكوك في أمرها. لم يكن يستطيع محمد القيام بثورته الدينية والاجتماعية والعسكرية ويؤسس دولته في الجزيرة العربية لولا إيمانه بأن ثمة قوة روحية خفية تقف وراءه. مهما انتقدنا هذه القوة الخفية اليوم كان محمد يؤمن بها إيماناً مطلقاً.
لو رجعنا إلى تاريخ مؤسسي الامبراطوريات العظيمة في الشرق لغاية طغاة عصرنا، نجد أن جميعهم كانوا يعتقدون أن ثمة قوة خفية تقف وراءهم. انطلق كل طاغية في تاريخ البشرية من قناعة "أنا الحق". ومازالت هذه القناعة مستمرة الفاعلية حتى الآن في الشرق والغرب. دفعت هذه القناعة محمداً أن يضع استراتيجية واسعة لإخضاع كل القبائل العربية المتناحرة تحت سلطته في دولة مركزية واحدة، ومن ثم ليقوم بغزو العالم. وعلى ضوء هذه الاستراتيجية سار خلفاء المسلمين العرب من بعده.
يعتبر محمد القائد الأول في تاريخ البشرية الذي وضع استراتيجية فكرية (روحية) وسياسية واجتماعية لمشروعه منذ البدء. من يقرأ القرآن حسب تسلسل نزول السور، سيكتشف تفاصيل هذه الاستراتيجية بدقة. كان محمد في بداية دعوته مجرد مبشر يدعو أهل قريش إلى الإيمان بإله واحد وترك عبادة الأوثان. كان يحاورهم ويسعى للبرهنة على صحة دعوته وتبيان مصلحة قريش في هذه الدعوة سواء في الدنيا أو في الآخرة. لم يكن يشعر بأي حرج عندما كان كبار قريش ينتقدون دعوته. كان يتهرب من التصادم معهم. نجده في بداية دعوته مفكراً ديمقراطياً بمفهوم عصرنا. يقبل الرأي الآخر بصدر رحب. يقول القرآن على لسانه صراحة "لكم دينكم ولي دين". (5) يعني ذلك أن دينه يقبل التعايش ليس مع اليهودية والمسيحية كدينين سماويين فقط، بل كذلك مع الأديان الوثنية في مكة. لم يكن يغتاظ عندما كان أهل قريش يتهمونه بالكذب والادعاء" وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ". (6) هل كان هذا الثوري الذي يريد قلب الأمور في الجزيرة العربية رأساً على عقب فعلاً هكذا أم أنه كان يعمل بتكتيك دقيق كقائد "لحزب ثوري سري" يخفي استراتيجيته لكونه مازال ضعيفا؟
لم يلتف حوله في مكة سوى بعض الفقراء والعبيد المنبوذين. كان أهل قريش ينظرون إليه كمجرد يتيم يطمح في بعض الثروة والجاه. لم تكن لديه الامكانية لتشكيل قوة عسكرية لمجابهة قريش، وإنما قدم نفسه كصاحب رؤية تختلف عن الرؤية المحدودة لدى زعماء قريش. بل هي تختلف أيضاً عن رؤية كل أبطال التاريخ السابقين. فلقد اعتمد أولئك الأبطال منذ البداية على القوة العسكرية لتشكيل دولهم وإمبراطورياتهم. بينما اتخذ محمد نهجاً مغايراً. كانت لديه القناعة أن بناء امبراطورية عربية مثل الامبراطورية الفارسية والرومانية لا بد أولاً القيام بثورة فكرية واجتماعية في الجزيرة العربية التي تفتك بها النزاعات القبلية وضحالة الموارد. وبالتالي نستطيع القول أن محمد يعتبر القائد التاريخي الأول الذي اعتقد أن السيطرة على عقول الناس ستمكنه على تشكيل أعظم قوة عسكرية. كان يختبئ في "غار حراء" سراً ليصيغ أفكاره، ويقدمها للناس على شكل جرعات (سور قصيرة) لكسب عقولهم.
عندما انتقل إلى يثرب والتف حوله الأنصار، تحول محمد المبشر إلى قائد روحي وسياسي وعسكري. وبات محمد يثرب غير محمد مكة. وأصبح القرآن يبرر كل ما يقوم به، بما في ذلك القيام بأعمال قطاع الطرق ونهب القوافل التجارية والاستلاء على الغنائم في حروبه وسبي النساء واستباحة نكاحهم. كان يريد جمع المال اللازم لتأسيس جيشه ودولته. فقد ولى بالنسبة له زمن استعطاف أهل قريش. وانجز مهمته الفكرية (الدين هنا)، وبات يقوم بخطوات عملية لتنفيذ مشروعه للتغيير وبناء الدولة. بات لزام عليه تأسيس جيشه. وهذا ما فعل بجدارة.
بعد انتصاراته في المعارك على قريش عاد إلى مكة من جديد على رأس جيشه منتصراً روحياً وسياسياً وعسكرياً، وأخذ يخطط بحماس لتأسيس امبراطوريته تحت شعار يختلف عن شعاره القديم "لكم دينكم ولي دين"، بل رفع شعار "الجهاد في سبيل الله". إنه يريد تأسيس إمبراطورية مقدسة، ومن يقف عائقاً أمام تشكيلها يستباح دمه، لأنه يقف ضد إرادة الله.
هذه هي جوهر استراتيجية الغزو العربي الاسلامي التي طبقها الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون بدقة فيما بعد. لا تعتمد هذه الاستراتيجية على السيطرة العسكرية فقط، وكذلك السيطرة على عقول الناس دينياً لجعلهم جنوداً مخلصين لهذه الإمبراطورية المقدسة ضد تراثهم وثقافتهم وتاريخهم بدافع ذاتي. وهذا ما حدث للعقل الكردي بعد اسلامه. (7)
-------
1. انظر كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" القاهرة عام 1926. صفحة 12-13.
2. هناك دراسة للباحث ياسين طه حول دخول الكرد في الاسلام تلقي الضوء على ما ذهبت إليه. مجلة الحوار، العدد /67 – 68/ لعام 2015.
3. كتاب "المنارة التاريخية في مصر الوثنية والمسيحية" للإسكندر صيفي- القاهرة 1926". الصفحة 43.
4. ثمة دراسة للباحث سمير صيقلي ضمن كتاب "الحياة الفكرية في المشرق العربي". بيروت 1983 حول فكرد محمد كرد علي. يورد هذا الباحث في دراسته أن محمد كرد علي أشار إلى الانحطاط العربي قبل الامبراطورية العثمانية بأنه حدث نتيجة أن العرب شكلوا دولة تعتمد على السيف والسنان. والمقصود هنا الامبراطورية العربية الاسلامية. صفحة 150.
5. سورة الكافرون.
6. سورة يونس. الآية 41.
7. هناك دراسة للأستاذ حسين جمو منشورة في موقع "المركز الكردي للدراسات http://www.nlka.net/ " بعنوان " اللقاء الأفغاني- الكردي في احتلال أصفهان". يتضح في هذه الدراسة على لسان العالم جمال الدين الأفغاني الفرق بين العقل الكردي الاسلامي اللامنتمي لذاته والعقل الأفغاني الاسلامي المنتمي لذاته.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. 107-Al-araf
.. 117-Al-araf
.. #شاهد يهود كنديون يقتحمون مبنى البرلمان ويردّدون شعارات مندّ
.. 100-Al-araf
.. 100-Al-araf