الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا الموت، الحكيم البابلي (طلعت ميشو) خسارة كبيرة

زيد ميشو

2021 / 8 / 13
المجتمع المدني


كورونا الموت وسحق النفوس، ورسائل تخص البشريين

قليل من السياسة
غيب الموت إبن عمي الكاتب المعروف طلعت بديع ميشو، والذي عرف في موقع الحوار المتمدن بالحكيم البابلي.
وفي كانون الأول 2020 سبقه ولنفس السبب، أي جائحة كورونا، غادرنا والدي المهندس غازي حنا ميشو.
فمن هما بأختصار؟
المهندس غازي حنا ميشو، شخص خدم العراق أينما كان بكل أخلاص وشرف، ويشهد على نزاهته كل من عرفه، ولا أقول ذلك كونه والدي، فمن لا يستحق لا ينفعه في مماته مديح العالم.
بأختصار، اعطى للعراق والعراق لم يعطه شيئاً، بل آذاه، فذهب بخفي حنين، إذ بعد سقوط العهد الملك،ي لا خير يجني من بلدي بهمة الفاسدين المتعاقبين.
طلعت ميشو، كتب المسرحيات منذ نعومة أظفاره، وعرف ككاتب من الصعب أن نجد له منافس بين كل الكتّاب الذين يكتبون في اللغة العربية، ومن ينافسه فقد يكون بمستواه لا افضل.
عرف ومنذ البداية بأن لا خير يجنى في عراق البعثيين، لذا هاجر أميركا منذ 1971.
فكم خسرت يا عراق وكم ستخسر؟

على الصعيد الأنساني
من اقسى أنواع الموت هو موت من يصاب مع عائلته بفايروس كورونا، ليس بسبب الألم، او ضيق النفس وما شابه، فهذه كلها اعراض قد عاشها الكثير ممن رحلوا عنا، وقد يكون لها ابعاد أنسانية أكثر مما نتصور، من حيث طقوس الدفن، ومشاركة الأحبة، واحساس الآخرين بمن فقدوا عزيزاً، لكم العائلة التي اصيبت بالكورونا وخسرت احدا منهم، فبالإضافةً لمصابهم الأليم، حكم عليهم كما يحكم على من أصيب بداء البرص أيام المسيح.
وهذا ما شعرت به حقيقة في اصعب فترة قضيتها في عموم حياتي، حيث كنّا نعاني أنا وزوجتي بقسوى منها أي الكورونا، وإبنتي اخف وطأة.
والدتي في المستشفى، طلبوا ان يأتي أحداً ليخرجها أو سيتصلوا بالشرطة لأخراجها، ولم تكن نتيجة الفحص قد عرفت، ولا نعرف من الذي يتجرأ على اخراجها، أنا وزوجتي المصابين او إبنها البكر الغير مصاب.
ومع شدة آلالم، وفي منصف الليل، ذهبت زوجتي في يوم بارد والثلج على ارتفاع، وبدأنا مشوار أخر مع الكورونا، أنا اهتم بزوجتي وأمي، وزوجتي تهتم بكلانا، والمرض يشتد.
وفي الوقت ذاته، كان أبي في المستشفى يعاني الوحدة، حيث لا زيارات ولا مواساة، حتى رحل عنّا في الرابع من شهر كانون الأول والذي صادف ذكرى ميلاد إبنتي الصغرى الثامن عشر، والتي كانت قد هيأت له قبل حين، فهل نهني مبتسمين، ام نندب حضنا والدموع تغمرنا، لا عنين أبو الحياة التي جارت علينا بكل ساديتها.

التجرد الأنساني، لا ذنب لأحد به
يوم الدفن، كان قد مضى على الحظر خمسة أيام، وبحسب الدراسات، فمن اصيب يكون أكثر سلاما من حيث نقل المرض بعد مرور 14 يوماً، والكل يعرف ذلك، لكن لا احد يعترف به.
مسرح الدفن في المقبرة كان مربع ناقص ضلع، الكهنة مشكورين على يمين التابوت، وانا لوحدي على اليسار، والجميع على غربه بمسافة لا تقل عن مترين خوفا من ان أنقل العدوى لهم.
بعد المراسيم، لم يشبكني صديقاً او قريباً، ولم يقبّلني أحداً، ولم ابكي على صدر أحد، لا بل ....لم يصافحني أيً كان، ويدي لم تلامس يد بشر، ولغاية الآن لا أملك مفردات تفي بشرح مشاعري.
من بعد ذلك لم يعد للموت من معنى، حتى غاب طلعت ميشو.

الكورنا تحصد النفوس وتقتل المشاعر
جيلي هو من الأجيال التي ظلمت في العراق، بدأت مراهقتنا مع الموت في حرب إيران، خسارات متلاحقة، اخوين شهيدين لطلعت، أصدقاء خرجنا سوية وجمعنا الكأس معاً في أخر أجازة لهم، ولم نكن نعلم بأنها دعوات توديع، حتى أصبح معنى الحياة لنا هو الموت، ومن شعاراتنا: (نحن الأموات الأحياء)، بدل أن نقول الحاضر الغائب، شبح الموت اختبرناه في أكثر من مناسبة، فراق بعد فراق حتى جفت العيون من الدموع، ومع ذلك كان هناك معزين، كان هناك من يشارك الأحزان بقلب كبير ومشاعر عميقة، مع الكورونا فقدناها.
اليوم أنا لا اشعر بمن رحل بالقدر الذي أشعر به مع ذويه
عواطف إبنة عمتي العزيزة وزوجة إبن عمي الراحل طلعت وبناتها الأربعة، منعوا من رؤية طلعت في المستشفى، وسيمتنع الأغلب إن لم يكن الجميع من الأخذ بيدهم والطبطبطة على ظهورهم كون الكورونا اللعينة وقفت مانعاً أمام المشاعر الأنسانية، وسيقى ألمهم أكبر مما نتصور، حيث سيتجنبهم الجميع، ولن يشعر أحدا بعمق ألمهم، حيث لا مجال للمشاعر الحقيقية أن تختبر إلا مع احضان المحبين، والممحبين حتماً خائفين.

"فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ متى 7: 11
سؤال طرح:
ما هو مصير طلعت ميشو الذي كان يجاهر بعدم إيمانه؟
في إحدى نقاشاتنا أنا وطلعت قلت له: لو الله منع الحياة الأبدية عن من لا يؤمن به، فحقيقة هذا ليس بإله، فأما أن يكون إله حب، او من نسيج خيالنا المريض.
كان يكتب ليثقف غيره، وهو من خيرة الأقلام التي عرفناها، في الوقت الذي به نجد الكثير من المؤمنين لا يقدمون خدمة إلا وهناك مقابل ومنهم رجال دين، فهل يعقل ان يكون المؤمن المغرور والمتعجرف والأناني في مثوى الخلود، ومن لا يؤمن رغم عطاءه في الجحيم إن وجد؟ وهل هذا ما يسمى بالعدالة الإلهية حاشا لإلهنا؟
الهنا محبة وليس بقاتل
الهنا طيبة وليس قسوى
الهنا متواضع وليس متعجرف
الهنا حليم وليس بجاني
وإن كانت الأبدية حكراً على المؤمنين، فليس لي بها أي طموح

لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ، هَكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ 1كور 15: 22
عندما كنت في لبنان، وأثناء محاضرة عميقة وحامية عن محبة الله الأبدية لأحد الأباء اللاهوتيين من الذين أكن له كل الحب والأحترام، سألته بغضب: هل يعقل أن يكون فلان (وهم مجرم معروف) في الحياة الأبدية؟
أجاب بكل ثقة: ومن أنت لتحكم عليه بالعدم؟ هذا عمل الله وليس شغلك
جوابه حقيقة اتى صاعقة غيرت حينها كل مفاهيمي وغروري في الأيمان الذي يجعلني اترفع عن خليقة الله ألمختلفين.
اليوم إيماني الكامل وثقتي بمحبة الله الآب لأبناءه، ارى نفسي متأكدا من إنتقال أبي غازي حنا ميشو إلى الحياة الأبدية حيث الأبرار والصديقين
واليوم تبعه طلعت بديع ميشو

رسائل مهمة في أسئلة

فماذا ينفع الأنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟
وماهي الحياة غير أن نحب ونسعى لخير الآخرين؟
إلى متى يبقى الطماع على طمعه؟
إلى متى سيبقى الأناني على أنانيته؟
إلى متى سيبقى الجشع أهم من الأب والأم والعائلة؟
إلى متى ستبقى المادة أهم من المشاعر
إلى متى وإلى متى؟
رحل الشريف ورحل المعطاء، فهل سيخلد الأناني والطماع؟

عزائي بوالدي في ثقتي بخلوده في الحياة الأبدية
وليس لي من عزاء إلى عائلة طلعت ومحبيه غير هذه الثقة التي لا اقبل بغيرها أطلاقاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسكونين ابدا……بالعراق
صلاح البغدادي ( 2021 / 8 / 13 - 18:18 )
الرحمة لوالدك ولابن عمك
الرحمة لكل مسكون بحب العراق
لازال العراق يذبح ابناؤه
(لو ان ام المرء ذئبة
هل يكره الانسان امه)
من يستطيع ان ينسى ماكتبه الحكيم البابلي
خصوصا نحن العراقيين
ذكريات البابلي هي ذكرياتنا
كم احب قصة عرائس النار
شكرا للاستاذ زيد


2 - تعازينا القلبية
Mahmoud saed ( 2021 / 8 / 14 - 11:39 )
الراحة الابدية للفقيد
ولكم الصبر و السلوان بهذا المصاب الاليم
كان الراحل شعلة من الاحاسيس الجياشة
انها الحياة لحظات من عمر الزمن ناتي و نختفي في غموض
تقبل تحياتي


3 - الحكيم البابلي
د.قاسم الجلبي ( 2021 / 8 / 14 - 14:20 )
تعرفت على طلعت ميشو ،من خلال كتابته في الحوار المتمدن، طروحاته الفكرية والفلسفية كانت تجد لها في ذاكرتي،،، تعلقت به وكنت انتظر مقالته بشغفا ولهفة،،ذكرياته عن بغداد ونهر دجله وبساتينها وعن محلته التي عاشبها ،كان يتذكرهاوبكا التفاصيل علما انه قد ترك العراقومنذ عشرات السنيين،كان المرحوم طلعت يحمل خزينا من المعرفة وذكريات استشهاد اخاه في الحرب العراقية الايرانية اللعينة التي حرقت ودمرت الكثيرمن العوائل العراقية لرغبة صدام وخميني اللعينين،،،،اتقدم باءحر التعازي لعائلة المرحوم طلعت ميشو،واعظم السلوى لاءصدقائه ومحبيه وقرائه الكرام،لروحه السلام والطماءنينه،،د. قاسم الجلبي


4 - انه سيبقى في قلوبنا على الدوام
طلال الربيعي ( 2021 / 8 / 14 - 20:48 )
تعازي الحارة لعائلة الفقيد الصديق طلعت ميشو وأحباءه وانفسنا.
انه سيبقى في قلوبنا على الدوام وخسارته خسارة لن تعوص!

اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟