الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الخوف والقلق وما بينهما

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 8 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٦٥ - الفرق بين الخوف والقلق

أنا خائف، إذا .. أنا أكون. أنا قلق، إذا … أنا موجود.

إن الأمر يتعلق الآن بالتمييز بين القلق الخوف وما هي الأسباب التي تساعد على ظهور هذا أو ذاك من الأحاسيس، وذلك لإظهار خصوصية القلق موضوع إهتمامنا المباشر. يعتبر كل من الخوف والقلق ترتيبات وتراكيب عاطفية، والتي تدل ضمنيًا على الحالة المزاجية، النغمة أو الجو أو الرنين العام للفرد في موقف معين، وبفضل ذلك نحن متناغمون كلية أو إلى حد ما أو غير متناغمين وغير منسجمين مطلقا مع هذا الموقف أو ذاك. ذلك أن هذه الحالة الشعورية، أو الوجدانية لا تخبرنا بأشياء عديدة عن أنفسنا فحسب، بل تخبرنا كذلك بأشياء عن الكينونة وبكل ما يحيط بنا من كائنات. القلق والخوف كمفاتيح، تفتح الدازاين على كينونته كـ "كائن مقذوف" أو مرمي به être-jeté. هذا ما يشترك فيه الخوف والقلق أولياً. الخوف، على وجه الخصوص، هو عاطفة تظهر في مواجهة شيئ في هذا العالم يبدو أنه هائل ومرعب، ويمثل تهديدًا مباشرا أو محتملاً، له طابع الأذى والخطورة. هذا الشيء الهائل هو تهديد يتجه نحوي، إنه خارج عني، ويقترب مني ويهددني مباشرة. لذلك، يجعلنا الخوف نكتشف عدم الاستقرار الأساسي وهشاشة وعدم الأمان لوجودنا، ويجب فهمه على أنه عنصر ضروري لوجود الدازاين، فهو مؤسس وجوديًا. ومع ذلك، لا ينبغي أن نفكر في أن القلق هو مجرد متغير بسيط أو تعديل معين للخوف. القلق ظاهرة منفصلة، تؤسس لإمكانية الخوف، وهو أمر أساسي وجوهري أكثر من الخوف، الذي ليس سوى ظاهرة مشتقة هدفها التخفيف من شراسة القلق ونتائجه المدمرة. القلق وحده العاطفة القادرة على إدراك حركة الهروب التي تشكل ظاهرة الاضمحلال والتفسخ والتي تحدثنا عنها سابقا، وعلى هذا النحو، أصبح من الممكن الإحاطة بالدازاين وفهمه فهمًا كاملًا ومتكاملًا في صميميته. هذا هو السبب في أن الأمر يتعلق بالتركيز على خصوصية القلق، والسمات المحددة لهذه التجربة المشحونة أنطولوجيا. لا يوجد أصل مشترك للخوف والقلق، لكن القلق له الأسبقية، مما يشير علاوة على ذلك، إلى أن بعض الوجودات existentiaux قد تستفيد من أسبقية وأولية معينة.
القلق إذا أصلي ومتجذر في وجودنا، لأنه ناجم عن "وحشة" أصلية، وغربة عميقة عن أنفسنا. القلق ليس فقدان الألفة مع العالم، لأن الألفة ليست سابقة على العالم، بل مشتقة من ظاهرة الوحشة الأصلية إزاء واقعة الكينونة في العالم. وقبل كل ألفة مصطنعة ومزيفة، نتلقفها أثناء سقوطنا وإنتماؤنا إلى ما سماه نيتشة بالقطيع، أو المجتمع عامة، هناك الوحشة الأنطولوجية لكوننا ملقى بنا سلفا في العالم، وكوننا قد سُلًمنا إلى العالم دون أن نعلم ودون أي إختيار. والقلق أكثر أصلية من الخوف، لكون الخوف خوف إزاء كائن من وداخل العالم، أما القلق فهو إزاء العالم ذاته، وليس مجرد تيه أو حيرة أو ضلال عن الطريق، إنه شعور بالإصطدام الجذري بكينونتنا في العالم وبالعالم في علاقته مع كينونتنا. وها الإضطراب العميق تجاه العالم، هذه الوحشة الجذرية وهذه الغربة التراجيدية تجعل الدازاين يفقد بيته وموطنه ويصبح غريبا عن نفسه، متشردا بلا مأوى heimatlos - homeless أو آستيغوس باليونانية άστεγος
وهناك مصدر آخر لقلق الدازاين، ذلك أن الدازاين حسب هايدغر، مسكون بنهايته. فالموت يعني أن الإنسان سيخسر العالم ويختفي من العالم، ولكن بما أنه لا يمكننا تجربة موتنا الفردي، تجربتنا الوحيدة ستكون "عدم تجربة" اختفائنا وإندثارنا الفردي. الموت إذا له هذه الخصوصية وهو أنه التجربة الوحيدة التي لا يستطيع الدازاين أن يعيشها. لا يمكن أن يكون موتنا تجربة فردية لنا. من ناحية أخرى، يمكن أن يكون تجربة للآخرين، بنفس الطريقة التي يمكن أن يكون بها موت الآخر تجربة لنا. هذا هو "العطاء الموضوعي" الوحيد الذي يمكنني الحصول عليه من الموت، أي وعيي بموتي القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يفجر مسجدا في جنوب لبنان


.. مراسل العربية يشرح الواقع الميداني في القطاع عشية الذكرى الأ




.. تغطية خاصة | تواصل الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل


.. عداد القتلى لا يتوقف.. لبنان على خطى غزة




.. مقابلة مع مستشار رئيس مجلس النواب اللبناني