الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-خلافة على منهاج النبوة -:هل هي الحل؟

محمد سعيدي

2021 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جملة سيطرت على عقول كثير من الشباب، وهي أول نقطة في بيان "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الصادر في 2014 بعد إعلان "خلافة" داعش:
"أولاً : إننا كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد.."(1).
هذا الحلم الذي أنتج داعش و القاعدة وغيرهما، يغذيه هذا الاتحاد و "جماعات إسلامية" أخرى. كما تغذيه أيضاً الأنظمة التربوية السائدة في بلداننا. هذه الأطراف تقدم تجربة بشرية وتاريخية، على أنها مقدسة وعلى أنها الحل لمشاكلنا وقضايانا المعاصرة. وما دامت تقدم هكذا ، يبقى من حقنا مساءلتها وتقييمها.

1. غياب النص الديني المؤطر للدولة الإسلامية:

يكاد يكون هناك إجماع بين مذاهب "أهل السنة" على أن دولة "الخلفاء الراشدين " هي الأقرب إلى تمثيل "الخلافة على منهاج النبوة". لذلك سأكتفي بنقاش هذه الحقبة فقط، بناء على ما وصلنا من كتب التاريخ. أما إذا تساءلنا عن "المنهاج النبوي" الواجب اتباعه في مسائل الدولة فهو غير موجود، لأن النصوص الدينية المرجعية (القرآن والأحاديث النبوية المتواترة) خالية من الدعوة إلى إقامة دولة "إسلامية " ومن القواعد الأساسية لتنظيم مؤسساتها. وقد خاض الاوائل كثيراً في هذه النقطة بالإجابة عن سؤال مركزي ، هل الخلافة مسألة عقلية أم نقلية. وما وصلنا من أصحاب النقل (من يقول أن "دولة الخلافة " منصوص عليها) غير التأويلات ولي أعناق النصوص، ويكفي هنا ذكر مثال الآية 59 من سورة النساء ، لنرى كيف تتطور التأويلات حسب المصلحة البشرية وحسب الأزمنة :

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

كثيرة التأويلات في هذه الآية، و نكتفي فقط بذكر الاختلاف في معنى "أولي الأمر":

- عند الكلبي (ت 146هـ) ومقاتل( 150هـ): هم أمراء السرايا (تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)).
-عند عكرمة (ت 13هـ): هم أبو بكر وعمر (تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) ).
-عند بكر بن عبد الله المزني(ت108هـ):"هم أصحاب رسول الله" (تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)).
-عند أبو بكر الوراق(ت 240هـ): هم "الخلفاء الراشدون"، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)).
-عندأبي هريرة(ت59هـ) (الذي كان يأخذ أموالا جمة من بني أمية، راجع كتاب إحياء علوم الدين-الغزالي ): هم الأمراء والسلاطين (تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)).
-عند الطبرسي (الشيعة الإثنا عشرية): هم الأئمة المعصومين من أهل البيت ( تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ)).
- عند الضحاك(ت102هـ): هم العلماء والفقهاء في الدين (تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)).
-عند أبو بكر الجزائري (السلفية):"هم الأمراء والعلماء من المسلمين"(تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م)). إضافة " من المسلمين " مهمة عند "السلفية" استناداً إلى عقيدتهم في"الولاء والبراء".
هذه الآية تذكر كدليل نصي على "دولة الخلافة "، وذلك استنادًا إلى معنى واحد من المعاني المتعددة ل "أولي الأمر (أي الأمراء والسلاطين). وهذا المعنى ظهر بعد ظهور الملوك والسلاطين في "الدولة الاسلامية". لكن، إذا أردنا فهم النص استنادًا إلى السياق التاريخي ، فالمعنى سيصير هو "أمراء السرايا "، و الخطاب الموجه الى السرايا يصير أقرب إلى مفهوم"الانضباط العسكري" المعمول به في الجيوش الحديثة.

و بغض النظر عن تضارب الروايات التاريخية لحقبة "الخلافة الراشدة " وعن مصداقيتها، فإني اعتمدت رواية شبه "رسمية" عند "أهل السنة والجماعة ". وهذا لسبب أساسي ، وهو أن هذه الرواية تساعد في تحديد معالم الدولة المنشودة عندهم، ولأنها المعتمدة عند الظلاميين لإعطاء شرعية لخطابهم وفكرهم. وبداية أقر بأنه قد تكون هناك مسافة بين الأشخاص الحقيقيين وبين الشخصيات التاريخية المقدمة ، ومسافة بين الدولة التاريخية في الرواية وبين حقيقة واقعها، خاصةً أن جل ماوصلنا من كتب السير والمغازي والحديث دون خلال الحقبة العباسية وبإملاءات من السلطة السياسية. ومما يدل على الإملاءات كثير ، نذكر منه التحولات الكبرى التي كانت تعرفها هذه الرواية بالتزامن مع كل تغيير مهم في السلطة السياسية. مثلاً ، في بداية الدولة العباسية كان مسموح بالرواية عن الشيوخ من شيعة علي بن أبي طالب، لأن آل علي وآل العباس عم النبي كانوا يشكلون تحالفاً قاد "الثورة" على الدولة الأموية و قاد تأسيس الدولة الجديدة. لكن لما حسم الصراع على السلطة بين الفريقين لصالح آل العباس، تم استبعاد شيعة علي من رواية" أهل السنة " بدعوى أنهم أهل بدعة، وظهر ما أصبح يعرف ب "كتب الصحاح ". قد يكون التشبع والتحزب عاملاً يدفع إلى الكذب ، لكن هذا المنطق يسري أيضاً على"أهل السنة"، ولست أجد أبلغ من حوار سرده ابن كثير (ب-ن، ج 6-ص -86) ، هذا نصه:
".. لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ.."
والحديث الأول هو في علي بن أبي طالب، أن صلاة العصر فاتته في أحد الأيام، فدعا النبي وردت الشمس حتى صلى علي ما فاته (ب-ن، ج 6-ص 79).
أما الحديث الثاني فهو في عمر بن الخطاب، أنه بينما كان يخطب يوم الجمعة بالمدينة ، إذ نادى "ياسارة، الجبل الجبل..". فسمعه قائده ببلاد الفرس وهو يقاتل، وعمد إلى الجبل، فحقق النصر لجيشه! (ب-ن، ج 7ص 131)
ولا تخفى الإملاءات السياسية على الباحثين في هذا الميدان. يقول السيوطي عن الخليفة العباسي، المتوكل (تولى الخلافة سنة 232هـ، الذي أسس فعليا ل"أهل السنة والجماعة ":

"..واستقدم المحدثين إلى سامرا، وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة، فاجتمع إليه أيضًا نحو من ثلاثين ألف نفس، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور، فاجتمع إليه أيضًا نحو من ثلاثين ألف نفس، وتوفّر دعاء الخلق للمتوكل، وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له،.." (تاريخ الخلفاء ، ص 252)

ونقل السيوطي قو لاً عن نفس الخليفة:
"وقال المسعودي: لا يعلم أحد متقدم في جد ولا هزل إلا وقد حظي في دولته، ووصل إليه نصيب وافر من المال، وكان منهمكًا في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف ووطئ الجميع." (تاريخ الخلفاء ، ص 255)

وكان لأبي بكر (عبدالله) بن أبي شيبة ولأخيه عثمان أثر بارز على الذين صنفوا كتب الحديث بعدهم. فروى أحاديثهما أحمد بن حنبل في مسنده ، والبخاري ومسلم في صحيحيهما وروى عنهم آخرون. وكانا من أدوات المتوكل الفعالة لتسييد المذهب الجديد للدولة، إذ صنف أبو بكر كتاباً للحديث كاملًا للرد على أبي حنيفة . وأبو حنيفة كان هو صاحب المذهب الرسمي للدولة العباسية قبل أن يعتقله المنصور (تولى الخلافة من 136هـ حتى 158هـ )، و يقتله في سجنه حسب بعض الكتب (تاريخ الخلفاء، ص193).

وأمام سكوت نص القرآن عن نظام الحكم، كان المفسرون الأوائل يتأولون بعض الآيات لصالح أبي بكر وعمر أو لصالح علي. لكن مع مرور الزمن، تغيرت التجاذبات والتحالفات ، فلم تعد هذه التأويلات تفي بحاجة الحكام الجدد ولا تمنحهم الشرعية المطلوبة. فظهرت نصوص جديدة بأسمائهم أو ألقابهم. لا يتسع المجال لذكرها وذكر رواياتها، ولكن أذكر منها حديث الرايات السود الذي أعادته للواجهة داعش في السنين الأخيرة بحثاً عن شرعية من داخل النص:
"22387 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ، فَأْتُوهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ الْمَهْدِيَّ " (مسند أحمد بن حنبل، ج 37-ص 70)
داعش روجت للحديث بلفظ المشرق بدل خراسان. ومهما يكن اللفظ ، ففيه اختلاف ؛ شيخ السلفية الألباني مثلاً قال أنه حديث صحيح وآخره فيه زياة لأنه لا يصح أن نقول "خليفة الله" وإنما نقول "خليفة رسول الله" (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ج 1-ص 195).وذكر الألباني بعض ملاحظات الأئمة في رجال الحديث ، أبي قلابة ، وعلي بن زيد، وتغاضى عن وكيع و شريك لأنهما ربما الشيخان الأقرب لأحمد والطعن فيهما هو طعن في هذا الأخير. وهذا من نقاط الضعف في ما يسمى"الجرح والتعديل"، إذ أنه ينبني على الولاء للشيخ وللمذهب.
من يدافع عن هذا الحديث يقول بأن له شواهد؛ أي أخرجه الترمذي(209هـ-279هـ) وابن ماجه (209هـ-273هـ) والحاكم (321هـ-405هـ) على شرط البخاري ومسلم. وهـؤلاء ينتمون إلى نفس "المدرسة" التي أسسها المتوكل ، وأتوا بعد أحمد ( 164هـ- 241هـ).. أما إذا رجعنا في الزمن إلى عهد المنصور، الذي عرف التصانيف الأولى، فلن نجد للحديث أثرًا في موطأ مالك (93 هـ-179هـ)، ولا في مسند الأوزاعي ( 88هـ- 157هـ)، ولا في مسند عبد الرزاق الصنعاني ( 126هـ- 211هـ). وهكذا نقترب من فترة ظهور هذا الحديث؛ أي من 158هـ (وفاة المنصور) حتى 227هـ أو 228هـ(الانتهاء من تصنيف مسند أحمد).وهذه الفترة عرفت خلافة المهدي (158هـ- 169هـ) ، وعاش فيها شيخي أحمد، وكيع( 129هـ- 197هـ) وشريك ( 95هـ- 177هـ). لهذا فهذين الشيخين أولى بالاتهام من غيرهما الذين ماتوا قبل خلافة المهدي. أما وكيع فكان يسهر الليل للصلاة وقربة النبيذ بجانبه، كلما صلى ركعتين شرب منها ما تيسر، وكان يحدث في بعض المجالس وهو يشرب الخمر (تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي ، ج 15- ص 647). ومع ذلك هناك من وجد له الاعذار، في وقت يطعن في آخرين لهذا السبب منهم صاحب كتاب الأغاني. أما شريك فكان قاضيًا للخليفة المهدي المذكور في الحديث، وكان معلم أولاده. السيوطي ذكر قصته كما يلي:
"وروي أن شريكًا دخل على المهدي، فقال له: لا بدّ من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة؟ ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف عليّ، فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل، قال الطباخ: لا يفلح بعدها، قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم العلم، وولي القضاء لهم."(تاريخ الخلفاء، ص204)
الذهبي ذكر قصة أخرى لشريك يعترف فيها بالكذب. واجهه أبو أمية أمام المهدي في حديث عن الأعمش؛"استقيموا لقريش..". نفى بداية أن يكون حدث به، لكن بعد أن أمره المهدي أن يحلف اعترف، فرد المهدي "ويل لشارب الخمر" ويعني الأعمش( الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 8-ص 215)

لقد تم ملء الفراغ بتأويلات أو بنصوص جديدة غايتها منح الشرعية للشخص الفرد، وهذا ليس اعتباطا. فالثقافة السياسية آنذاك كانت مؤطرة بتجارب الملكيات المطلقة؛ البيزنطية والفارسية والحبشية. لذلك ، فمنظرو ذلك الزمن انشغلوا بالفرد الذي يحكم أكثر ما انشغلوا بنظام الحكم. أما تصنيفات السياسة الشرعية أو الإمامة الكبرى أو الأحكام السلطانية فلم تظهر إلا في وقت متأخر.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في