الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدم أفق البشرية وليس نهايتها

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 8 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٦٧ - العدم مستقبل البشرية

والقلق يزداد يوما بعد يوم، والإحساس بالموت القريب أصبح أكثر قربا، والإحساس بالخطيئة تجاوز في العصر الحديث الخطيئة الأولى، الرمزية والمتجسدة في خرافة التفاحة المحرمة، وأصبح الإحساس بالذنب حاضرا بخصوص مستقبل الحضارة البشرية بل ومستقبل الكرة الأرضية بأسرها، ليس بخصوص التفاح فقط ، ولكن بخصوص التفاح والموز والبرتقال والقهوة والقمح وكل المنتجات الزراعية. لا تستطيع اليوم أن تشتري تفاحة أو رغيفا من الخبز أو تشرب قهوة دون أن تتسائل عن آثار هذا العمل على طبقة الأوزون ومستقبل الكون، وماهي الظروف البيئية والأخلاقية التي صاحبت إنتاج التفاح والقمح والقهوة وطريقة نقلهما وتصنيعهما وكمية غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الزراعة والتصنيع والتسويق والحفظ والنقل .. إلخ. هذا القلق الكوني الشامل والمتزايد يوما بعد يوم يؤدي بالضرورة إلى إختلال نفسي وإنفصام حضاري يعبر عن نفسه عن طريق العنف والحرب والعدوانية والإنتحار والجنون. الكاتب زهير الخويلدي، حاول تشخيص هذه الظاهرة، في مقال قصير نشر في الحوار المتمدن ٢٠٢٠ حيث يقول : "لم تكد تخفت الأصوات المتحدثة بلغة النهايات والملوحة بالإنسان الأخير ونهاية التاريخ وأفول الغرب وخسوف العقل وتصدع الذات وشقاء الوعي وتيه الوجود وكذب الدولة وموت المؤلف وضياع القارئ حتى ظهرت أصوات جديدة تحذر من الكارثة وتنذر من السقوط في المنحدر الخطر وتلوح بعلامات بلوغ الانسانية مرحلة الغرق في العدمية وتبرر ذلك بتنامي الهويات القاتلة والأزمات الصحية المتناسلة واندلاع الحروب الجرثومية وهشاشة الوضع البشري والدوران في حلقات مفرغة وإعادة انتاج السائد وانحباس الابتكار واستحالة الاقامة في العالم من خلال التشبث بالمعايير القديمة وتأخر تشكل معالم الحياة المعاصرة. فماهي الأمارات الدالة على الوقوع في العدمية؟ وكيف يمكن التعاطي معها؟ وما البديل الممكن دونها ؟" ويواصل الكاتب الفلسفي كما يعرف نفسه " لقد وجد البعض ضالته في الهروب الى الدين والتصوف والميتافيزيقا والاستنجاد بالغيب وحاول البعض الآخر تلطيف الأجواء وفتح الآفاق المغلقة باستدعاء الفن والجماليات والمطالعة وتنشيط ملكة الخيال" ويتسائل في نهاية المقال " فهل يمكن للصحة والعافية والسلامة من كل خطر أن تكون هي الفضائل الحيوية التي تدفع عنا بلاء العدمية؟ وأي ايجابية اثباتية في العدمية كما رأى نيتشه؟" الكاتب زهير الخويلدي يلخص هنا أزمة الحضارة الغربية التي وصفناها سابقا ويرى أنها تسير نحو هاوية العدم، ويحدد اسباب هذه المسيرة بعدة مؤشرات مثل ضبابية الحقيقة والاختلاف حول الطريق المؤدي اليها وترهل المناهج القديمة، عبثية الوجود والشعور بان الحياة المشتركة لم تعد جديرة بأن تعاش وتآكل المعنى، ثم الحيرة الأكسيولوجية وتفكيك المعايير وتحطيم المبادئ وتصحر البعد القيمي للذات، مضيفا لذلك الواقعة الكبرى التي أفاضت الكأس وجعلت البشرية مقتنعة بالهلاك الحتمي والمصير المشؤوم هي جائحة كورونا وحالة الهلع الجماعي وصعوبة التأقلم مع الوباء وحالة الشلل التام في ظل الحجر الشامل." البرنامج يبدو متكاملا لإستقبال الكارثة وإنتظار يوم القيامة، ورغم صحة التشخيص، وصحة الأعراض الظاهرة والخفية، إلا أن المرض الحقيقي لم يتم إكتشافه بعد، إنه يشخص العدمية كمصدر للقلق الذي يعيشه الغرب ولكنه لا يقول لنا ما هي هذه العدمية. العدمية ليست مرضا وهي مجرد غلاف تغلف به الأحدات وكبش الفداء الذي نخرجه في كل العصور والدهور في أوقات الأزمات الحادة وغير الحادة. القلق كما حللناه سابقا، هو ظاهرة حقيقية نعيشها على المستوى الفردي، ويمكن في بعض الظروف معايشتها جماعيا في بعض الفترات والأزمات التاريخية وهي ضرورة أنطولوجية تنقذ الإنسان من السقوط في عالم البعد الواحد، والعبثية هي إحساس عام أجتاح الحركات الأدبية والفنية في بداية القرن العشرين، أما العدمية فهي أفق البشرية ومستقبلها، وإذا كان التشخيص الذي أداه زهير الخويلدي ببراعة صحيحا، فإنه في رأينا يدل بكل بساطة بأن البشرية تتقدم وتسير في الطريق الصحيح، للتخلص من كل الأوهام والقيم القديمة البالية وكل المؤشرات التي أعتبرها الكاتب تشير إلى الكارثة القادمة أي العدمية التي أوصلت البشرية إلى ما هي عليه الآن، بمعنى أن العدمية هي التي ستنقذ البشرية من كل هذه التفاهات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تهدد إسرائيل بـ-خطة رد صارمة-.. هذا ما سيفعله الحرس ال


.. مشاهد جديدة توثق اللحظات الأولى بعد هجوم بئر السبع




.. كاميرا أمنية توثق تحرك منفذ الهجوم في محطة بئر السبع


.. هل مفهوم قرار 1701 متوافق بين حزب الله وميقاتي؟




.. في حملة -من غزة-.. نقلنا قصصكم وعشنا آلامكم وما زلنا نرافقكم