الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الزمن الحضاري

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2021 / 8 / 25
المجتمع المدني


الجامعة الفرنسي و بالعكس

المكان هو نافذة على مكان أخر، لا يوجد مكان برئ او محايد فهو يحيل وجدانيا إلى إنتماء حضاري يجعل داخله جزاء من "عالم أخر".
هذا المكان الذي يعيد إستيلاد العقل و العاطفة فيتحول من كونه منتميا لجغرافية ما إلى كونه جسرا نحو مكان أخر من الرؤى و التطلعات.
هندسة جامعة الخرطوم صممت لتغير وعي طالبها فتنقطع علاقته "تماما" بالمجتمع و المكان الذي ولد فيه و يصبح جزاء من مجتمع عالمي جديد يتأسى فيه خطى العولمة و الطاقية البريطانية، هي المكان الذي يخلط ابناء الارياف بابناء المدن المختلطين بدورهم بابناء مدن اشد تعولما فيحدث بينهم ذلك التبادل الحضاري الذي لن يخرج منه محمد احمد او العوض على ما كانا عليه بل تجدهم و خلال تلك السنوات الأربع في اروقة هذه الجامعة و طوبها و دهاليز مكتبة المين التي لا تفضي إلى مكان بل إلى عالم و رؤى و كأنها ممرات سرية تقود روح الداخل فيها إلى روح ذلك الأوروبي فتجلس في معيته متأسية متلهفة، إن الأمر أشبه بوقع الكعبة المقدسة او المسجد النبوي و "الروضة التي ما بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة" هنا لا يمشي السائر في عالم مريئ و محسوس بل هو يمشي في حديقة غناء ما لا أذن سمعت و ما لم يخطر بقلب بشر..يسير في اشواقه و كلماته و ما لا يعبر عنه بالكلام بل ب الإنجذاب السحري إلى ذلك الفيض النبوي..مأخوذا بتصير هويتك و معناك على صورة حيز و سراج لا يقول المعنى بقدر ما ينعكس عليه المعنى و بقوة عليه.
هذه هي أروقة قانون و إطلالة مكتبة المين الشامخة بثبات الجبال مطلة على الحضارة و الحداثة و الحياة التي سيجتهد المتخرج منها على إبقاء وهجها في مسيرته الحياتية و الدأب و الكد على إتمام ذلك الحلم الحضاري الذي غير وعيه بنفسه و بواقعه، لذلك تجد ابناء الجامعة دائمو التهجس بإتمام تلك الرحلة و الوفاء لمواصلة ذلك الميلاد الجديد..الميلاد الذي يجعل من المدخل الجنوبي لهندسة و تلك الأنفاس الشغوفة المتلاحقة و كأنها مناداة للمين و لإروقته، للنهل من السير دون كلل و ملل عن السير فيه لحاقا بما "مر قبل قليل من هناك"، لحاقا بحدوث تلك الرؤية و الدفقة التي يحدثها المكان في ثواني الزمن..لحاقا بالزمن الحضاري المنعكس على هذا الطوب العتيق و هذه الأروقة و الممرات السرية الشبيهة بمعمل سيرن العملاق و هو يلاحق ما يشبه العدم بيد أنه عدم يؤكد كل شئ.
ذات الأمر ينطبق على حرم المركز الثقافي الفرنسي حيث يرفرف علم الثورة الفرنسية و حيث تخرج بسرعة من الجامعة غير معترف بما يجري بين الجامعة و الفرنسي من حيوات تنظر إليها و كأنك تشاهد التلفاز و كأنك تقفز بين حجرين في بركة ماء، الزمن الفرنسي قليل الأبهة و الكثير الحضور و المعنى، الزمن الأشد تمعنا في الثقافة و العقل، فتصير فيه و كأنك مثقف متنسك و زاهد بعكس أبهة المين التي تجعلك في اوج عالم إمبراطوري صاخب و في أوج حيوات و مجتمعات و كلمات أشد معانقة للحياة في هيئتها البيروقراطية العملية الوظيفية الأكاديمية، بعكس شرفة الفرنسي المتواضعه ومكتبته المتسعه و دهليزه المفضي لمعرض الرسم، هناك في تلك الحمى الفرنسية تنسى الخرطوم و السودان و تنتقل بين العواصم الأوربية موظفا اول اليوم و مثقفا في أخره.
و لكني أقول ان أمدرمان تحاول... و لكن هيهات.. فهي و هي تراقب الخرطوم خارج عن وقع قداستها المبجلة.
بالعودة إلى الزمن الجامعي اقول ان الالاف بل عشرات الألاف ممن تخرجوا من الجامعة فعلوا ذلك و كأنهم تخرجوا من مدرسة اكثر ثانوية من ثانويتهم السابقة دون أن يستشعروا تلك الجاذبية الحميمة لتلك الأروقة بيد أنني لا أشك البته انهم ممسوسون بذلك الحنين الخفي لهذا الطوب و تلك القاعات و تلك الأيام..فهي جاذبية يؤثر وقعها في كل شئ و لكن بدرجات متفاوته بحسب كثافة الحس و روحانيته و هيامه خلف الا مرئي في كل شئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج