الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام والتراث والهوية الوطنية

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 8 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نهاد أبو غوش
بات الإعلام يمثل جبهة ساخنة وملتهبة من جبهات الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، تأكد ذلك خلال كل جولات الصراع في الماضي وهو يتأكد الآن من جديد بعد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة ومواجهات القدس في الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى، والدليل الدامغ على أهمية دور الإعلام هو سقوط أكثر من 40 صحفيا وإعلاميا فلسطينيا منذ عام 2000 وحتى الآن، واستهداف أجهزة الاستخبارات الصهيونية عددا من أبرز الإعلاميين والكتاب الفلسطينيين ومنهم الشهداء غسان كنفاني وحنا مقبل وكمال ناصر، والشهيد حسن عبد الحليم في الداخل، والإعلام لا يكتفي ولا يقتصر على نقل الأخبار السياسية الحادة كالمواجهات والاشتباكات وأخبار الشهداء والجرحى، بل هو الذي يوثق التراث والفلكلور والأهازيج الشعبية والدبكات، الإعلام وثيق الصلة بالثقافة وبكل جوانب حياتنا وتاريخنا وحاضرنا، بشكل أو بآخر، الإعلام هو المرآة المكبرة التي تعكس كل جوانب حياتنا .
فالإعلام هو الوسيلة التي نسعى من خلالها لإطلاع العالم على جرائم الاحتلال وعرض روايتنا الفلسطينية، أي عرض الحقيقة، وهذا بحد ذاته هو الذي يساهم في استقطاب أنصار ومؤيدين جدد لحقوقنا ومالبنا العادلة ويساهم في فضح جرائم الاحتلال وتشديد الحصصار عليه لدى أوساط متسعة باستمرار من مؤسسات حقوق الإنسان ولدى أحزاب وحركات اجتماعية ونقابات ومؤسسات مجتمع المدني تنحاز للحرية وترفض الاحتلال والاستغلال والاضطهاد، هي نفس القوى التي ساهمت في محاصرة وعزل نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا.
كما مثل الإعلام الأداة التي لعبت دورا رئيسيا في صياغة الوعي الوطني وإعادة توحيد الفلسطينيين كشعب بعد أن فرقتهم النكبة وشتتتهم، وأمكن من خلال وسائل الاعلام بعث الهوية الوطنية من جديد.
أما دور الإعلام تجاه التراث فيرتبط بأهمية التراث نفسه، فالتراث هو المنجز الحضاري التراكمي الذي يرمز لهوية شعب ارتبط بهذه الأرض وعليها طوّر ثقافته وإسهاماته الحضارية، المشروع الصهيوني لم يسع فقط لاقتلاع الشعب من أرضه وتهجيره، وإنما سعى كذلك إلى شطب هويته الوطنية وتبديدها، وخير من يعبر عن هذه الهوية هو التراث الذي يرمز إلى شخصية الشعب وسماته وأنساق معيشته، فمن دون شطب الهوية الوطنية والتراث ( ومحاولات سرقته وادعائه لاحقا) تسعى الصهيونية إلى تحويل الفلسطينيين إلى مجرد "سكان" ، أي تجمعات سكانية متناثرة وليس شعبا، السكان لهم حقوق مدنية في الحياة والعمل والسكن ولكن ليس لهم حقوق سياسية كجماعة، بينما الشعب له حقوق وطنية وأبرزها حق تقرير المصير.
التراث يمثل أنماط حياة الناس وعلاقتها بأرضها وبيئتها الطبيعية، فمثلا أزياؤنا تلائم طبيعة أعمالنا الفلاحية، والمدنية وعلاقتنا بالأرض، التطريز الفلاحي الفلسطيني يعكس موجودات البيئة الفلسطينية وطريقة الحياة، ماكولاتنا هي ابنة بيئتنا وأرضنا، أغانينا وفلوكلورنا الوطنية تمثل طريقة حياتنا في وطننا وأرضنا، حين جرى اقتلاعنا من أرضنا وتهجيرنا وتشتيتنا على المنافي، كان من المنطقي أن نفقد كل أشكال الثقافة والتراث التي ترمز لعلاقتنا بأرضنا، تطورات الحياة الحديثة والمعاصرة والحياة في مدن كبيرة والتعامل مع التكنولوجيا ومنجزات الحياة الحديثة كان يمكن له أيضا أن يبدد عناصر تراثنا، لكن نشوء أجيال جديدة متمسكة بهويتها وبتراثها أمكن بفعل التربية والثقافة ووسائل الإعلام، التي تنقل للفلسطينيين في أميركا أغانيهم وأهازيجهم فلكلورهم فيعيدون تعلمها وتعليم الأجيال الناشئة لها، كذلك في قطاع غزة ما زالت النسوة المنحدرات من المجدل واسدود وبئر السبع والقرى المهجرة يتمسكن بازياء جداتهن من باب التمسك بالهوية وحق العودة.
يمكن للتراث أن ينقرض أو أن يصبح جزءا من مقتنيات المتحف أو مجرد احتفال فلكلوري بالذكريات، لكنه في الحالة الفلسطينية يصمد ويبقى ويتحول إلى عنوان للتمسك بحق العودة والاحتفاظ بالهوية الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس