الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاكابر.. وصناعة الطبقة العليوى.

محمد حسين يونس

2021 / 8 / 27
المجتمع المدني


أعداد غفيرة من طلاب الثانوية العامة و أهلهم تراهم كل عام في مثل هذه الأيام .. يقفون صباحا أمام أسوار الكليات العسكرية .. أملا في تقديم أوراق الإلتحاق..بمصنع رؤساء الجمهوريات .. وضمان الإنضمام لافراد الطبقة العليوى الحاكمة
الحشد كما يبدو من ملابسهم و سلوكهم يتكون من أغلب فئات المجتمع قادمون من كل محافظات مصر ..ينتشرون في الحديقة المواجهه للأكاديمية العسكرية يجلسون علي النجيلة و كل منهم يتصورأن إبنة بعد بضع سنوات سيصبح رئيسا للجمهورية .. و أنه (أى الاب أو الأم ) بفضل تلك اللحظة التاريخية التي جلس فيها متحملا حرارة الشمس و تلزيق رطوبة الصيف منتظرا سماع نبأ إلتحاق إبنه بسلك الضباط .. سيحصل علي حياة أمنة مطمئنة لباقي أيامه ..( مال و عز وعزوة و سلطة و محسوبية) ..و أنه بعد عمر طويل .. سيحظي بجناز و عزاء فاخر من ذلك الذى يقام لكبار القوم.
الأب ( الفلاح ) مستعد لبيع قيراط أو أكثر من فدادينه ..و العامل أو الموظف يحاول الإستدانه .. من اللي يسوى و ميسواش من أجل أن يدفعوا ( الذى منه و هو كثير ) ..ومصاريف تعليم الأبناء .
وهو يرى أن ما يفعلة ليس تضحية بقدر ما هو إستثمار .. لضمان مكانا لإبنه في الطبقة العليوى .. و حماية باقي العائلة بالتبعية.. ((و يلا خلينا نقب علي وش الدنيا)) .. هو أبو جمال أو السادات أو مبارك أو السيسي كان إيه .. أهو واحد زينا .. و البلية لعبت .. فبقوا..هم و هو فوق .
لم يعد الهدف من الإلتحاق بالكلية الحربية هو الدفاع عن الوطن و حماية حدوده .. هذه أفكار قديمة راحت عليها .. فكل الضباط الحاليون كبار و صغار لم يخض أى منهم معركة .. و لم يسمع عن الحروب إلا في كتب التاريخ .. و مع ذلك يا سعدة و يا هناه .. خصوصا اللي وصل لرتبة لواء .. فكنوز الأرض ستفتح له .. و هيبته و طلعته بالزى العسكرى ستجعله سيدا بين الموالي و توافه البشر الذين سيعملون لإسمة ألف حساب .
و حتي مهن الطب و الهندسة و الصيدلة و الحقوق .. لا قيمة لها إلا إذا أضيف للقب المهني رتبه عسكرية تنيرة .. و تلمعة .. و تخوف الأعادى ..و تجعل المستمع يدرك أن صاحبه من كبار القوم الذين لا يمسون .. أو يجور عليهم الزمان ..
و كلما إرتفعت الرتبة .. دان لصاحبها الغني و النفوذ و السلطة ..فلم نعد (بلد شهادات) كما يقولون في المسرحية .. بل أصبحنا(بلد رتب عسكرية) .
هذه هي الحقيقة مهما حاولوا إخفاءها أو تجميلها..نجوم المجتمع اليوم هم .. سيادة الفريق المهندس الوزير .. أو سيادة اللواء الطبيب رئيس الأكاديمية .. أو سيادة اللواء المحافظ أو رئيس المدينة أو الحي ..
و هو أمر ليس جديدا فقد بدأ مع 1952 عندما إحتل الضباط كل المراكز الهامة في المجتمع بما في ذلك وزارة الخارجية ..و الإعلام .. ومناصب المحافظين و حكام المدن و الأحياء .. و حتي الفن و الثقافة فقد وجدنا أن سيادة البكباشي أحمد مظهر أصبح نجما للشباك .. والسيدالصاغ ثروت عكاشة وزيرا للثقافة..
واليوم مع زيادة السيطرة الميرى و إنتشارها في جميع المجالات قد نجد سيادة الرائد رئيس خط الجمبرى .. أوحضرة النقيب المشرف علي صوب الخضار . يزهو بإنجازاته أمام كاميرات التلفزيون و الصحافة .
الواقع لقد تحول ضباط من الإنتظام في التدريبات العسكرية .. إلي السيطرة علي السوق .. و التجارة و المقاولات و حفر الأنفاق .. و إنشاء العزب والصوبات الزراعية و مزارع الأسماك .. حتي إقامة المفاعلات الذرية .. و القطارات السريعة و محطات تحلية مياة البحر .. أو توليد الكهرباء من الرياح .. و حشروا أنفسهم في كل أنشطة المجتمع الجالبة للنقود ..سواء اللي بيفهموا فيه أو اللي مبيفهموش ..
هذا التحول لعمل القوات المسلحة في الأنشطة المدنية .. نقل مهمة تكوين الثروات للسادة القادة .. و أكسبهم قوة التحكم في لقمة العيش .. لتصبح كل مفاتيح الثراء بيدهم .. بما في ذلك ألإعلام و الصحافة و الفن .. فلا عجب أن يضحي الأباء بكل نفيس و غال .. ليضمنوا لأبنائهم مكانا .. بين موزعي الأرزاق .
البدلة الميرى اليوم .. لم تعد رمزا للتضحية و الفداء و عشق الوطن .. بقدر ما أصبحت دليلا علي أن صاحبها من ذوى النفوذ و السيطرة و المال والعز و العزوة .. لذلك لم يعد من المستغرب هذه التجمعات أمام الأكاديمية العسكرية أو تضحية الأهل.. بأى غال في سبيل التحاق الأنجال .. بسلك الحكام .
و لكن هل كل ضابط .. سينال ذلك الحظ الباسم وسيكون من هؤلاء الذين سيحكمون مصر..
في الواقع لقد ظلت ميكانيزمات إختيار الحكام في بلدنا (سواء رئيس الوزراء و طاقمة أو غيرهم) سرا (كهنوتيا) .. لا يتمتع بمعرفة إسلوبه و أسبابه إلا رهط من الملأ الاعلي المحيطون بالرئيس القائد زعيم الامة.
و هو الحال في إختيار(نواب الرئيس سابقا ) و أعضاء البرلمان .. المعينون منهم و المختارون من خلال صناديق تنطق دائما بإرادة الكبير .
و لا يستثني من ذلك أى منصب من مناصب الوظائف العليا والتي يشغلها صاحبها بقرار جمهورى بما فيها .. منصب شيخ الجامع الازهر..و بابا الكنيسة .
في بلادنا - منذ زمن بعيد - كان عليك أن تكون إمعه ودلدولا للحاكم .. حتي تسقط عليك دائرة الضوء وتأمن علي حياتك ومالك من بغي أصحاب السلطة و تحظي بالتكريم والنياشين و جنازة يشرفها كبار رجالات الدولة.
عشرات المئات من الدلاديل .. ظهروا كأكابر وإختفوا وتم نسيانهم هم وأرباب نعمتهم ( حد فاكر صديق عائلة مبارك .. حسين سالم ) ، لآنهم كانوا مجردعرائس ماريونت مدربة بيد خبراء لتعرف كيف تصفق أو تتمسح بحذاء الحاكم في الوقت المناسب ،ومتي تصيح عند الضرورة ( بالروح بالدم نفديك يا عتريسنا ) وتملأ الدنيا صراخا لافتا للانظاربسبب أن شخصا ما قد إنتقد سيدها
أنظر حولك للطبقات العليوى في أى زمان منذ 1954 حتي اليوم .
فستجد أن مصنع (الاكابر) خلال هذا النصف قرن كان لديه نموذجين أساسيين .. ( غير بعض النماذج ظهرت ثم إختفت).. ثم نموذج مستحدث .. التي ظهر أفراده بعد ثورة 2011 .. و هو الذى حقق نجاحات مذهله خلال السنوات السبع الماضية .
الاول علي نمط الرئيس المؤمن ذو الغليون وبطانته.. متسلق، متلاعب، مناور .. يدين بالولاء للجالس في البيت الابيض أى كان لونه ..أو توجهه .
و يعرف كيف يضلل الجماهير و يقدم نفسه علي أساس أنه الملاك الحارس المرسل من قبل العناية الالهية لنجدة شعبه .
ومن الملامح الاساسية لهذا النموذج زبيبة في الجبهه .. و الاستعانة بالايات القرانية خلال حديثه .. و الورع الذى يرجو أن يكون مستقبلا مظاهره من كل الاطراف ليقتنعوا بأن الله سبحانه هو الذى يسدد خطاه و يحيطه برعايته و رضاه .
والثاني نموذجا للرئيس المبارك وعصابته أوعصبته،لا يقرأون ..ولا يكتبون .. ولا يفهمون إلا في من أين تؤكل الكتف !!..
نموذجا لا يخجل عندما يكتشف المتعاملون معه مدى تسطحه و جهله ..و لا يعبأ إلا بما سيدخل خزينته الخاصة من أموال و مزايا .. ويمكنه بسهوله أن يعترف بانه غير مؤهل .. ولكن القيادة الحاكمه الحكيمة.. ستدربه و توجهه و تجعل منه شمعه منيرة ..
هذا النموذج يصلح لان يكون لشيخ منسر ..يهبش و يوزع علي الحبايب و الانصار .. و يحتفظ لنفسه باللقمة الطرية .. وهو من أجل ذلك مستعد لاتباع كلمات بيرم ((عشان م نعلي و نعلي ونعلي لازم نطاطي نطاطي نطاطي )).
نموذجان أساسيان ، فنموذج البكباشية المتحمسين إلذى كان رائجا لفترة ما من عام 54الي 61 راحت علية ،وما تبقي منه أصبح بضاعة راكدة في المخازن.
أما نماذج العلماء والنوابغ من المتفوقين ذوى الاصول المحلية مثل احمد زويل و مجدى يعقوب وغيرهم من الذين هاجروا ونجحوا في المهجر، هؤلاء يا سادة (مش) مصريين .. لو ظلوا في مصر دون هجرة لاصبحوا مثل باقي منتجات (المصنع) أو في أحسن الاحوال أساتذة مجهولين في الجامعات الخربانة إياها.
النموذج الذى راج.. منذ سبع سنوات ..و شمل العديد من المسئولين و المسئولات هو ذلك الكومبرادور الذى ترضى عنه و تدعمه مؤسسات البنك الدولي و صندوق الدين ..
فهذا النوع ..الذى خدم لفترات .. في تلك المؤسسات .. كان منوطا به .. تحقيق خطط تحويل المجتمع من إنتاجي لإستهلاكي .. تحكمه الراسمالية الطفيلية .. و يغرق في الديون التي تنفق علي مشاريع منعدمة الجدوى ..
هذا النموذج تراه منتشرا في كل مفاصل التحكم الإقتصادى .. و هو الذى يتحفنا بقوانينه الجائرة و أساليب التحكم التي يدعي أنها تطوير و تحسين .. في حين أنها كوارث أخرها إمتحانات التانوية العامة .. و رفع الدعم عن الخدمات الحكومية .. و دفع 100000 جنية .. فردة لمحافظ القاهرة لمن يصور في شوارع المدينة .
لا اريد أن أزيد عن هذا .. فكل من حمل في بلادنا لقبا رسميا او نوطا او نيشانا او جائزة او تكريما ( منذ 1952 حتي اليوم ) ..هو في الغالب الاعم قد قدم(السبت) و حافظ علي علاقة وطيده مع أرباب صناعة الطبقة العليوى لكي يحصل علي ما حصل علية .
أما مصانع صغار الطغاة من المستبدين بمصر.. (أدوات الطبقة العليوى لترويض المصريين) .فلها أيضا نمطيين
أحدهما بإسم (الامين حاتم) بطل فيلم (هي فوضي ) مرتشي و لص وقاطع طريق و فتوة ومفترى بيلقط عيشه من إرهاب الناس وإستغلال نفوذه و التهديد بمسدسه الميرى.. شكرا مستر شعراوى جمعة .. فمصنعك أخرج عشرات بل الاف الدمي المتوحشة التي جاءت علي شاكلة تصورات حضرتك المريضه لترويض المصريين.
النمط الثاني لموظف الحكومة ..الذى يعمل في الضرائب و الجمارك و التأمينات و المحليات وأجهزة التفتيش علي التموين .. و هو يحمل درجة عاليه من الخبث .. و التظاهر بانه خادم للوطن .. و المصلحة العامة .. فارشا البساط أمام المواطن الغلبان الذى أوقعه سوء حظه تحت أنيابه حتي يستنزف منه أقصي ما يستطيع ..
و إذا كانت الطبقة العليوى تتقن الدق علي الطبل فصغار الطغاة يعرفون كيف يكون الرقص دون أن يسقطوا من فوق الحبل .
عندما أتخيل أنه قد أوكل إلي وظيفة رئيس الوزراء، أصاب بالرعب .. فعلي إستخدام الادوات المتوفرة .. وهي في الغالب تم تلوثها .. من مستوى المدير العام إلي أعلي الدرجات التي تشارك في إختارها ..الجهات الامنية و الرقابية ..
فلا يحصل علي شرف شغلها ..إلا كل مطأطيء الرأس خنوع .. حتي لو كان جاهلا أو لا يتقن مهنته .
لقد تجمع في جهاز إدارة الدولة أقل الناس حظا في الكفاءة .. يضاف لهذا شرها لا يتوقف للتربح و التكسب و زيادة الدخل .. و كلما كانت الوظيفة ذات نفوذا و سطوة .. كلما زاد شره صاحبها .
عندما أنظر لخارج الصندوق الحكومي أجد أن الوضع ليس بالافضل .. فكريم المجتمع أصابه العطن .. و إنفصل في تجمعات مسرفة باذخة عن باقي العناصر .. سواء كانوا من حاملي درجات الدكتوراة ..أو في الذين مروا من الجامعة بدرجة .. غور زهقنا منك.. أو خريجي مدارس الحياة من تجار الخردة و سوق الخضار . .
خلال نصف قرن .. منذ أن جلب لنا المؤمن إنفتاحه .. و حتي اليوم فقد المجتمع تماسكة .. وأصبح من السهل علي صغار الطغاة أن يقتلوا و يغتصبوا .. و ينهبوا .. بشكل جماعي ..
و يحاربون من يعمل خارج المنظومة .. و يضللون المساكين الذين إستسلموا .. لسموم أجهزة الإعلام .. وقوانين الطواريء المستمرة للأبد ..
و يبقي سؤال .. الرئيس عبد الناصر قائما .. كيف يستطيع شخص إمتلاك 30 مليون جنية من طرق شريفة .. ؟ ..
و أنا أطور هذا السؤال لنتعرف .. علي أساس الطبقة العليوى الإقتصادى كيف يمكن لمصرى أن يدفع 50 مليون جنية سكن تبنيه الهيئة الهندسية للحكومة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور


.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة




.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع