الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تمدين ودمقرطة المجتمعات المخرج الوحيد لمواجهة الأزمات
الطيب طهوري
2021 / 8 / 30المجتمع المدني
لازال الشارع يسدي الدروس الحضارية في ظل غياب النخب
---
الأزمات في الواقع تتعدد، هناك الأزمات الاجتماعية وهناك السياسية، هناك الثقافية وهناك الأخلاقية،هناك الاقتصادية وهناك الطبيعية..وهناك أيضا أزمات الهويات..
في العالم العربي، حيث نحن، بشكل أو بآخر، جزء منه تعيش الشعوب العربية كل الأزمات التي ذكرت، ومنذ زمن بعيد، وكل محاولات حلها كلها أو بعضها باءت بالفشل، بل نلاحظ ازدياد شدتها بمرور السنين..لماذا ،يا ترى،نحن هكذا؟..لماذا يصاحبنا العجز دائما في القضاء عليها وإيجاد الحلول لها؟..أين نخبنا السياسية؟..الثقافية..الدينية..إلخ..
لماذا نجحت الكثير من الدول/ الشعوب في الخروج من أزماتها وعجزنا نحن؟..السؤال يكرر نفسه دون جدوى: لماذا تأخرنا نحن وتقدم غيرنا؟..
الإجابة عن كل تلك الأسئلة وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تدفع إليها تحتاج إلى مجهود جبار يشترك فيه الكثير من المحللين السياسيين والاجتماعيين والنفسانيين والاقتصاديين والمثقفين..إلخ..كما يحتاج إلى مؤسسات مستقلة فاعلة تُعطَى لها كل الإمكانيات وكل الحريات حتى تقوم بعملها على أكمل وجه..لكن..
هل تسمح البنية السياسية المهيمنة في هذا العالم الذي نسميه عربيا بذلك؟..هل تسمح البنية الاجتماعية أيضا؟..الدينية والثقافية كذلك؟..
واقع الحال يقول: إن تلك البنيات هي أساس تكوُّن تلك الأزمات وسبب العجزعن دراستها بروح علمية مسؤولة وإيجاد الحلول العملية لها..
ولنبدأ بالبنية السياسية..في عالمنا العربي أنظمة حاكمة فاسدة ومستبدة ، تحرص أشد الحرص على البقاء في سدة الحكم..ولتحقق ذلك تعمل على البقاء على نفس البيئة التي تسمح لها بالبقاء..لاتخرج تلك البيئة عن حدود تجهيل المجتمع ونشر الفساد رشوة ومحسوبية وانتهازية ونفاقا شاملا ونيلا للمناصب وارتقاء فيها بغير الكفاءة، وتغييبا للمراقبة والمحاسبة والعقاب في وسطه وملإ نفوس أفراده باليأس والخوف والشعور بالعجز، وجعل أفواه مثقفيه تصمت وأصابعهم تتوقف عن الكتابة، ودفعه ( المجتمع) من ثمت يفر إلى عالمي التدين المفرط المغيب للعقول والمخدرات وما يرتبط بها..وعملا على قتل المعارضة الحقيقية وجعلها معارضة شكلية تتحكم فيها السلطة وتحدد لها مجال تحركها وفق مايخدم تلك الأنظمة..
في البنية الاجتماعية يتم التركيز على تجهيل المجتمع وتفقيره..على تحريف توجهاته ، حيث يصير أكثر ميلا إلى القضايا الهامشية بدل قضاياه الأساسية..تصير قضاياه الأساسية المرأة متحجبة أو سافرة..هذا الشخص يصوم أولا يصوم.. يصلي أولا يصلي..مسلم أم علماني.. أمازيغي، كردي،قبطي أم عربي..إلخ..وتغيب قضاياه الأساسية، قضايا التنمية والعيش الكريم والمواطنة والديمقراطية..إلخ..وإذا تحركت فئة ما بفضل وعيها موجهة المسار نحو تلك القضايا الأساسية تواجه بالقمع والاتهام بالتخوين والمس بوحدة الشعب وخدمة أجندة أجنبية معادية..و..و..
دينيا وثقافيا،يهيمن فهم متخلف للدين، هو نتاج حتمي لهيمنة ثقافة فقهية تقليدية ترفض الحداثة وما يرتبط بها من فكر سياسي واجتماعي ونقدي..ترفض المختلف عن فهم فقهائها وتحارب كل فكر نقدي لها مستغلة في ذلك جهل العامة وغياب المقروئية بشكل رهيب، وغياب قراءة المختلف أكثر..غني عن القول أن ذلك الفهم المتخلف للدين هو نتيجة حتمية لتخلف المجتمع في كل مناحي حياته، وفي بناء عقله ووعيه أساسا..الشعب المتخلف يفهم دينه فهما متخلفا ( سمير أمين)..أركز على هذا الجانب الديني أكثر لأنه الأكثر تحكما في المخيلة الاجتماعية..لا ننسى في هذا الإطار ثقافة الاستهلاك الإغرائية التي تساهم بشكل كبير أيضا في تمزيق نفسية العربي ، حيث تجعله يعيش بين تعلقه بمنتجات الحداثة المغرية وعجزه عن تحقيق امتلاكها ( باستثناء الفئات المتحكمة التي تعيش هناك، في عالم تلك المنتجات، أكثر مما تعيش في عالم أغلبية أبناء هذا العالم المسمى عربيا)..
في واقع هكذا هي حاله، لا تنتظر أن تكون هناك ثقافة بناء الإنسان المواطن الواعي المسؤول الذي يمتلك القدرة على تنظيم نفسه والنضال من أجل تغيير واقعه نحو الأفضل بما يحقق له الازدهار والرقي ومشاركة البشرية في بناء حاضرها ومستقبلها ومواجهة ما يفرضه واقع التقدم المادي من مشاكل وأزمات بشرية مشتركة تحتاج إلى تكاثف جهود كل الدول/ الشعوب لإيجاد الحلول لها، والحفاظ من ثمة على التوازن بين البشر والبيئة الطبيعية التي يعيشون فيها..
هنا يفرض السؤال نفسه: ترى، مادور المثقف العربي في مواجهة الأزمات العديدة التي تمر بها شعوبه في هذه البلدان المسماة عربية؟..
بدء، علينا أن نشير إلى أن المثقفين العرب متعددون في توجهاتهم..وأغلبهم لا يفكرون نقديا، بمعنى أنهم يراعون السائد اجتماعيا ودينيا وسياسيا في واقعهم ولا يمسون به نقدا له وكشفا لآلياته التي يها يتحكم في ذهنيات الناس ويخضعهم له..قلة فقط هي من تحمل بعض الفكرالنقدي الذي يحاول أن يزعزع المتحكم أكثر في تلك الذهنية العربية سياسيا وثقافيا واجتماعيا وأخلاقيا..وفي واقع لا يقرأ أصلا، ولا يقرأ لهم كمختلفين أساسا..فهل يا ترى، يمكنهم تحقيق شيء ما مما يمكن أن يحلحل ما تراكم من غبار عبر القرون على تلك الذهنية؟..إنهم سيزيفيو واقعهم..ومع ذلك يحاولون ويعملون..ربما تراكُمُ التكرار غير المجدي في انتظار الحلول من أنظمة مستبدة فاسدة ورجال دين لاعمل لهم سوى الوعظ والإرشاد والترغيب والترهيب..إلخ، وهي الجهات التي يثبت الواقع فشلها باستمرار في تغيير الواقع نحو الأفضل، سيدفع بها ( الشعوب) إلى إعادة النظر في بنيتها الذهنية تلك..ربما..
من هنا أرى بأن النضال من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية في هذا العالم المسمى عربيا ، بات ضرورة حتمية، على المثقفين الحقيقيين الانخراط في مساره والعمل ميدانيا مع الناس لتوعيتهم بذلك ودفعهم إلى تنظيم أنفسهم والانخراط في هذا النضال، وبشكل سلمي دائما.. صحيح أن أنطمة الفساد والاستبداد التي تحكمنا تعمل كل ما في وسعها على إجهاض ذلك النضال حتى تبقى في كراسي حكمها،ومن أجل ذلك الإجهاض هي على استعداد تام للارتماء في أحضان القوى العظمى في هذا العالم والخضوع لها وخدمة مصالحها..ومع ذلك فإن النصر حتما سيكون للذين يعملون من أجل بناء مستقبل شعوبهم لتكون شعوب مواطنين فاعلين مسؤولين لا الذين يعملون على استمرارها في تخلفها وإبقاء شعوبها رعايا خاضعين، لاهم لهم سوى أكل القوت وانتظار الموت..أقول ذلك وأنا أضع في اعتباري ما رأيناه من شعبنا في محنة جائحة كورونا ونقص الأوكسوجين في مستشفياتنا، وفي محنة النار التي التهبت في الكثير من غابات ربوع وطننا والتهمت عشرات آلاف الهكتارات من غاباته وأحرقت العشرات من مواطنيه..التضامن الشعبي الذي رأيناه في المحنتين ، ورأيناه كذلك في الدول العربية التي مرت بمحنن مثلنا، يعطينا الأمل الكبير في أن شعوبنا مليئة بالخير والأمل في بناء أوطانها المسماة عربية بما يجعلها أوطان كرامة لا أوطان ذل ومهانة..
ما رأيناه أيضا من رفض للتمييز والتقسيم العنصريين اللذين تغذيهما بعض الجهات، لحسابات مصلحية ضيقة، يزرع في المثقفين الحقيقيين الكثير من الأمل في بناء مستقبلنا الأنقى والأرقى والأبقى، ويدفع بهم إلى مواصلة نضالهم من أجل بناء دولهم المدنية الديمقراطية، دول المؤسسات المستقلة الفاعلة..دول قوة القانون لا قانون القوة..دول العدل والمراقبة والمحاسبة..دول الكفاءات..دول عيش الجميع بمختلف عرقياتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم السياسية ومنطلقاتهم الإيديولوجية ولغاتهم في إطار الاحترام والأخوة والمشاركة في البناء.. إلخ..إلخ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. دعوة أممية لزيادة دعم اللاجئين السودانيين مع استمرار الحرب ا
.. هل تنجح المفوضية الأوروبية بإقرار قانون يسرع ترحيل المهاجرين
.. المفوضية الأوروبية: اقتراح قانون جديد لتسهيل عمليات ترحيل ال
.. إيطاليا تشرع بنقل أول مجموعة من المهاجرين إلى مراكز في ألبان
.. استمرار ارتفاع ا?عداد النازحين اللبنانيين ا?لى سوريا بسبب ال