الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدائل لأساليب التدريس القديمة.

أحمد جدعان الشايب

2021 / 8 / 31
التربية والتعليم والبحث العلمي


يفهم بعض المعلمين والمدرسين الطرائق الحديثة على أنها سلوك اعتباطي, يؤدي إلى إضاعة جزء كبير من حقهم، وتهديم لشخصياتهم, التي يعتبرونها (تابو), لا يجوز الاقتراب منها، أو التماهي معها، وخاصة التلاميذ، فهم بذلك يحفرون فجوة عميقة بينهم وبين تلاميذهم، أو ينشؤون جدارا فاصلا بين ذواتهم وبين الأخرين.
هذا المفهوم تكوّن عبر زمن بعيد, وترسّخ في أذهانهم وفي سلوكياتهم، إذ أسّسته الأساليب التقليدية الشائعة في بلادنا العربية، التي تعتمد الاستبداد، وصب الإيعازات والأوامر، وتلقين المعلومات الجافة ، وبشكل مباشر، وبإهمال هموم التلاميذ وتطلعاتهم، وإطفاء جذوة التوقد لديهم، وحيويتهم، مما يؤدي إلى قمع أفكارهم ، وتحطيم المبادرات الطليقة العفوية الحرة ، والإبداع والموهبة، وبالتالي، بناء ذلك الحاجز السميك بين المعلم والتلاميذ.
إن الطرق الحديثة في التعليم (الديمقراطي)عملية تفاعلية، تهدف إلى تحقيق النمو القائم على مبادئ نظرية، وفلسفية، بحيث ينتج عنه جو صفّي يتميز بالاتساق والمرونة، فالفرد له إرادته الحرة في أن يفعل ما يشاء، ما دام لا يزعج الأخرين، ولا يتخطى حدود حرياتهم الشخصية.
إن المشاركة ما بين المعلم وتلاميذه، وبين التلاميذ مع بعضهم، في كثير من التساؤلات والقضايا والمواضيع، يجعل من المجموعة خلية نحل نشيطة ومتوافقة ومنتجة، وبالتخلي عن القمع الفردي والجماعي، يهيئ المعلم جوا من الحيوية والنشاط الفاعل، ضمن حدود الانضباط الواعي، تُشعر المعلم الذي يحب مهنته ويحترمها، بالسعادة إثر إنجاز متقدم، أو نتيجة إيجابية .
إذن, المشاركة ضرورية، من قبل المعلم والتلاميذ معا، لأن الفرد في إطار ذاته أضعف مما لو كان وسط مجموعة، يشعر بينها بالأمن وهو يقرر، ويتملص من المسؤولية الفردية ليحيلها إلى الجماعة، لتذوب في المسؤولية الأكبر .
فالديمقراطية للمعلمين والتلاميذ ، فرصة للاختيار من بين البدائل الموجودة والمسموح بها في الإطار الموجود للنظام المدرسي، مما ينمّي عند التلاميذ
المسؤولية، نتيجة الاختيار والحرية، ضمن إطار النظام والالتزام والاحترام.

ميزات الطرائق الحديثة في التعليم (الديمقراطي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن ديمقراطية التعليم، نمط من العلاقة الطيبة بين المعلم والتلاميذ، لأنها تسمح بالمشاركة في سير الدروس, بوجود قواعد السلوك داخل الصف, وبمعايير وأسس تتصل بالنظام المدرسي, التي هي عبارة عن ضوابط ذاتية, تنطلق من ذات التلميذ، مما يؤدي بالتالي إلى إنجاح عملية التعليم، ويتميز التدريس الديمقراطي بالخصائص التالية:

1 - يقوم التدريس الديمقراطي على أساس المساواة بين الجميع في ما يتصل باحترامهم مهما اختلفت أجناسهم، وألوانهم ولهجاتهم، فالإنسان مخلوق مقدس، جدير بالاحترام منذ ولادته حتى مماته، فإن أي إيذاء له، يعد إيذاء لحق من حقوقه الطبيعية كإنسان ولد حرا كغيره من الناس .
إن أجمل ما تتمثل به إنسانية الإنسان، في هؤلاء الأطفال الذين يعمرون
مدارسنا، بحيث نراهم أبرياء، يحتاجون من معلمهم إلى سماحة في
المعاملة, وعطف رقيق في التأديب، وصبر على أخطائهم, والاستمرار في مساعدتهم في النمو النفسي السليم .

2- يغرس التدريس الديمقراطي، اتجاهات ومشاعر متبادلة، من الاحترام والرغبة في التعاون، والمشاركة في النشاط، ففي الصف الديمقراطي, يتوفر الجو الذي يشعر فيه الفرد باحترامه لنفسه وللأخرين، إلا أن الصف، يكون في بعض الأحيان، بحاجة إلى ممارسة شيء من القوة والنفوذ الشخصي، أو السيطرة على حدها الأدنى، فلا يخسر المعلم شيئا من ذاته، ثم لا يكون قد مسّ أحدا بالاستبداد والقهر، وعندما يحترم المعلم تلاميذه، فإنهم يبادلونه نفس الاحترام وبالتالي تزداد الإنتاجية في الصف، لأن العمل يتم بصورة تعاونية، دون الاحساس بالفوز أو الهزيمة في العلاقة فيما بينهم.

3- يكتسب التلميذ في التدريس الديمقراطي، تحمل المسؤولية، فعندما تتاح له فرصة اتخاذ القرار ضمن الحدود المعقولة، وعلى قدر مستواه، فإن النتائج الإيجابية أو السلبية، تقع على التلميذ نفسه، وبالتالي، يقتنع بذلك، ولا يلقي باللوم على غيره كالمعلم أو زملائه، أو أسرته، ولن يجد من يسطو على انجازه، حين تكون النتائج حسنة، وتدفع الى الرضى.
إن التعوّد على تحمل المسؤولية، والقيام بسلوك الملتزم، يجعل من الصف مكانا للحرية في التصرف، بدون فوضى أو اضطراب .

4- ينمّي التدريس الديمقراطي في التلميذ، الضبط الداخلي، بدلا من الضبط الخارجي القسري، فتأتي الأوامر والنواهي من أعماق نفسه وضميره, وعن اقتناع ذاتي، وليست صادرة عن أفراد آخرين، يضغطون عليه.
إن الناس المسؤولين بصورة ناجحة وواعية، هم الذين تتركز فيهم رقابة داخلية, تصدر من عقولهم وقلوبهم ووجدانهم, وليست رقابة خارجية على سلوكهم, إنهم يخشون أنفسهم فقط ولا يخشون الغير، لأنهم لا يقومون بسلوك ما, طمعا في ثواب, أو خوفا من عقاب.

إن الأفراد الذين يتصرفون وفق الضوابط الخارجية القاسية لازالوا في الحقيقة أطفالا متخلفين، غير ناضجين, فالفرد الناضج, هو الذي يتحكم بسلوكه, لأنه مقتنع بذلك، فهو لا يحتاج لمن يراقبه أو يحاسبه.

إن عوامل الضبط الذاتي، يجعله يتحمل النتائج في جو من الثقة نحو نفسه
ونحو الآخرين، وإذا عرفنا أن هدف التربية، هو إعداد مواطن صالح وسوي، يتقن المعرفة الأكاديمية، ووصل إلى مرحلة رفيعة من الضبط الذاتي في السلوك، لأدركنا أهمية التعليم بالطرائق الحديثة (الديمقراطية) في الوصول إلى هذا الهدف.

5- يؤدي التعليم بالطرائق الحديثة (الديمقراطي) إلى غرس مفهوم جديد من العلاقات الإنسانية الإيجابية، التي تقبل الغير دونما هيمنة أو خنوع، ويؤدي إلى زيادة الفاعلية للعملية التعليمية على البعدين، النظري والسلوكي.

ما عاد التلاميذ يقبلون الطرائق التقليدية، ولاوجود لأي اكتساب أو معرفة، أو تعلم، دون فعالية معينة، يبذلها من يتعلم، وهذا يتم بإتباع المعلم طرق المشاركة الفاعلة بتسامح، دون إكراه, وبمحاولة منه, للتقرب من التلاميذ، ومنحهم شعورا بالأهمية، وتقدير دورهم.
كان جان جاك روسو، يوصي المدرسين في القرن الثامن عشر, بمعرفة تلاميذهم عن قرب. 6- ينمي التعليم بالطرائق الحديثة (الديمقراطي)، عند التلاميذ، الاهتمامات الاجتماعية بما فيها الصالح العام، ويقاوم مشاعر الأنانية، فينخرط الفرد في الجماعة بمواقف إيجابية، وعادات سلوكية طيبة، ومساهمة في خدمة الآخرين.
إن التعاون والضبط الذاتي، اللذين يتوفران في هذه الطرق، يجعلان إمكانية تنمية الاهتمامات الاجتماعية بين التلاميذ أمرا قابلا للتحقيق .
لقد أثبتت دراسات (ليفين- وليبيت- وهوايت) تفوق أساليب التدريس الديمقراطي, على الأساليب الأخرى الشائعة، في جميع الجوانب, لأنه يسهم في نمو المسؤولية الفردية، ويبني علاقات اجتماعية سليمة، ويحصر الاتجاهات العدوانية, ويحافظ على المكاسب والنتائج الإيجابية، التي تحفّز، وتدعو للعمل والاستمرار في الأنشطة، في غياب المعلم . لقد أوضحت (مونتسوري) منهجها التربوي بثلاثة مبادئ.
1ــ احترام حرية الطفل, مقترنة بالانضباط الضروري والطبيعي.
2ــ وجود مراحل حسية عنده, يحقق من خلالها بعض المكتسبات الجديدة. 3-إن نجاح الطريقة، يترافق مع دراسة آليات حسية حركية، في المشاركة
والتفاعل، وإطلاق النتائج الذاتية، التي تنول الرضى.

العوائق التي يواجهها التعليم بالطرائق الحديثة (الديمقراطي)

لا يعني اتباع الأسلوب الحديث للتعليم، أنه سهل وبسيط، بل هو يحتاج الى جهود، وإلى معرفة علمية بالنظرية التربوية .
فالمعلم الذي يبغي تطبيق الأسلوب ( الديمقراطي ) في تدريسه, يحتاج الى قدر مناسب من المعارف والمهارات، والخبرات، لكي تؤهله لتطبيقه بما يعود عليه وعلى تلاميذه بالنفع والفائدة.
يحتاج إلى بذل جهد مضاعف في البداية، إلا أنه إذا تعود التلاميذ عليه وألِفوه، فإنه سيكون سهلا ومريحا، ويجني منه نتائج طيبة .
وبسب الجهود المطلوبة من المعلم، لإرساء دعائم هذا الأسلوب، فإن كثيرا من المعلمين، يرجعون من أول خطوة يواجهون فيها صعوبة، ويرتدّون إلى الأسلوب الاستبدادي.

تزداد الصعوبة أمام المعلم، في تعويد تلاميذه الأسلوب الحديث (الديمقراطي), ومن جهة أخرى، بعضهم يربّون على التسيب الكامل واللامبالاة .
نخلص من هذا، إلى أن التعليم الحديث (الديمقراطي) يواجه صعوبات،
وعلى المعلم أن يتفهم هذه الصعوبات، فيذللها بالمواجهة والمثابرة والصبر، وعليه أن يراعي ما يلي:

1ـــ يحتاج المعلم إلى معرفة بالأصول والطرق التربوية الحديثة, لأن المعلم الذي لا يفتح كتابا تربويا ليقرأه طوال العام، وتمر السنوات، وهو لا يضيف إلى خبراته شيئا، وتبقى مدركاته المهنية كما هي، لا يستطيع أن يمارس التعليم الديمقراطي، مع جيل منفتح، وفي اتجاهات انسانية واجتماعية، تتبدل يوما بعد يوم، بفضل انتشار المعرفة بوسائل الإعلام المختلفة.

2- يحتاج المعلم الى اتّباع الطرق الحديثة، إلى الإيمان بالمساواة والعدالة، حيث أن الناس متساوون في حقوقهم وواجباتهم، وعليهم الالتزامات حسب قدراتهم, وهذا يعني أن يتبع الاحترام الصادق من الفرد نحو الجماعة، لأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بما فيه مصلحة البلاد أخيرا.

إن المعلم الذي يشعر بأنه من طينة مختلفة، أو من قبيلة كذا، أو من فئة كذا، أومن مدينة كذا، لا يستطيع أن يمارس التعليم الحديث (الديمقراطي)، لأنه حينئذ يكون كاذبا على نفسه، فالمعلم المتعصب لأي رأي، يرى الأشياء التي تختلف عنه بأنها خطأ, ولا يصبر على التلاميذ، ولا يستطيع العمل معهم، إلا تحت ستار التعليم الاستبدادي التقليدي .

3- يحتاج المعلم, التحلي بسعة الصدر، وتقبُّل التساؤل والحوار، لأن التلاميذ ما زالوا في طور النمو من حيث اكتساب العادات، وتشكيل الشخصية، في اطارها السلوكي والفني والاجتماعي .

إن التلاميذ في المرحلة الابتدائية، يحتاجون إلى تعلم الديمقراطية شيئا فشيئا داخل الصف، فقد يخطئ التلاميذ بين الحين والحين، مما يتطلب من المعلم أن يتحمل وجود بعض السلبيات، ويشجع الجوانب الايجابية في سلوكهم.
يمكن القول: إن أي معلم لا يعرف الصبر، لا ينفع أن يكون معلما بأي شكل من الأشكال .
إن العمل مع الصغار صعب للغاية, وبدون الصبر والتحمل، ينفجر المعلم
في أول لقاء له مع تلاميذه، ليترك مهنته الى الأبد، وهذا ما يجعل الكثير
من المربين، يعدّون التعليم في المرحلة الابتدائية، يحتاج الى خبرة ميدانية طويلة، لا تتطلبها المراحل الأخرى .

4- يحتاج المعلم إلى تقبل مبدأ التضحية، من أجل الآخرين، فالمعلم الذي
يقف في الصف مثلا، وهو ينظر إلى ساعته كل دقيقة أو أكثر على سبيل
المثال، والذي ينزعج من أي جهد إضافي تتطلبه العملية التعليمية، لا
يستطيع أن يكون معلما .
ولكي يكون التلاميذ ناجحين ومتحملين للمسؤولية، لا بد للمعلم أن يكون
كذلك قبلهم، فيقدّر المسؤولية في الصف، والذي لا يعرف التضحية من
أجل جماعته من (وقت- وجهد - وخدمة)لا يجعل هذه الجماعة، تهب معه فيما يرسم من خطوات للعمل.

وفي الأساس، عليه أن يتقبّل شخصية التلميذ على حقيقتها، وذاتيتها وتميّزها،
بحيث يكون كل فرد في هذا الصف انعكاسا لنفسه هو، وليست صورة
باهتة عن المعلم، أوعن الوالد، استجابة للنمط السالف القديم الذي عفا عليه الزمن، وثبت بالتجربة تخلّفه واهتراؤه وبطلانه، وضرره الكبير.

5- على المعلم أن يكون قادرا على خلق مناخ يسهّل عملية التعلم، ليتصرف على أساس من شخصيته الحقيقية، بدون افتعال وتصنّع، حتى يستريحوا له، ويثقوا فيه، ويتقبلوه كما هو، دون زيف أو رياء أو قناع.
..............................................................................................

المصادر والمراجع:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- العنف والانسان - عبد الهادي عبد الرحمن - دار الطليعة - بيروت1910
2-التدريس والصحة النفسية للتلميذ - د.عمر بشير الطويبي - الدار الجماهرية للنشر والتوزيع - طرابلس ليبيا.
3-علم النفس وميادينه - ترجمة وجيه أسعد - وزارة الثقافة - دمشق

_____________________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك